لاتسابق إلى الموت.. اقصد في مشيك
وفاء الكبسي
“واقصد في مشيك” لغة قرآنية تنساب في عقل الإنسان السليم الذي يفقه معنى الحياة ويحاول أن يعيش بسلام، وهي جزء من وصايا متعددة أوردها القرآن الكريم من وصايا لقمان الحكيم لأبنه في سياق الموعظة والإرشاد بالحسنى.
“واقصد في مشيك” هو عنوان لحملة توعوية ترعاها إدارة المرور في العاصمة صنعاء والمحافظات الحرة بقصد الحفاظ على النفس البشرية المهدورة، وتعزيز روح المسؤولية الجماعية لتحقيق السلامة من خلال الإنصباط المروري، فللأسف لازال مجتمعنا يئن تحت وطأة خطورة ونتائج حوادث الطرق جراء السقوط المتتالي لضحاياها فسنة تلو أخرى تزداد الأمور سوءاً عن سابقتها، فيومياً تقع عشرات الحوادث المؤلمة التي تتناقلها وسائل الإعلام المختلفة ومواقع التواصل الإجتماعي وأحاديث المجالس، وبالرغم من التحذيرات المتكررة من الندوات والحملات والأنشطة التوعوية الرامية إلى بث الوعي المروري لدى المجتمع، ولكنها مع ذلك تظل هذه الآفة مستمرة على وتيرتها التصاعدية لتسجل وبإصرار غريب أرقاماً تتضخم معها الجداول الإحصائية، بأسباب معروفة تكاد لا تخفى على أحد، فأول وأهم سبب من أسباب هذه الحوادث هو السرعة الزائدة، لذلك جاء الأمر الإلهي: { وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ } (سورة لقمان 19). فإذا كان الماشي على قدميه مأمورا من الله بعدم الاستعجال، والقصد في المشي، فكيف بمن يسير في مركبة؟ السرعة فيها تؤدي إلى عواقب وخيمة، إما لفقدان السيطرة على المركبة نتيجة السرعة، أو عدم القدرة على تفادي أخطاء الآخرين، وهذا لأن القرآن لكل زمان، فهنا تنزل هذه الآية منزلها العظيم، بالحث على عدم السرعة، فلنرفعها شعارًا في كل مكان في الإعلام والمجالس وعلى الطرقات: “وأقصد في مشيك” ؛ لغرس الثقافة المرورية في أذهان كل الناس والحد من الحوادث المرورية.
إن الناظر اليوم إلى شوارعنا يعرف ذلك التهور العنيف الذي يقوم به الكثير من سائقي المركبات من سرعة زائدة، وتجاوز خاطىء وعدم اعطاء الأولوية، وغيرها من تجاوزات قواعد المرور… مما حول هذه النعمة إلى نقمة ضجّت مضاجعنا ورمّلت نساءنا ويّتمت أبناءنا ونالت من مقدرات أوطاننا، حتى أصبحت على الإطلاق إحدى أشرس وسائل القتل التي صنعناها بأيدينا
قال تعالى: { ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } (سورة الأَنْفال 53).
علينا جميعا مسؤولية تضافر الجهود لانجاح الحملة المرورية، لأن من واجباتنا أن نتقي الله في أنفسنا وفي الآخرين، فلا نتسابق إلى الموت كما يتسابق الفراش المبثوث في رمي نفسه إلى النار، آن الأوان لكي نتوقف عن كل هذا الجنون التي عاقبته إما الموت أو الندم والحسرة، علينا الالتزام بالقيادة المتزنة حفاظًا على أرواح الجميع وسلامتهم.