لماذا الحسين؟!
إسمحوا لي بدايةً أن أعزي نفسي أنا المسلم الشافعي صاحب تعز، وأعزي كُلَّ المؤمنين والثائرين الأحرارَ بذكرى استشهاد الحسين.. وقبل أن أدلفَ إلى الإجابة عن عنوانِ هذا المنشور، دعوني أشيرُ إلى خاطرةٍ كنتُ قد كتبتُها قبل عامين في ذكرى استشهاد إمام الثائرين:
ما بين ثورةٍ وثورةْ
توقٌ يعبرني إليك
يا سيّدَ الثوارْ وأول اﻷحرارْ..
يا كائناً في الشيءِ.. كُلّ الشيءِ خالداً فيهِ
يا صرخةَ الضعفاءِ ضدَ الظلمِ والتيهِ
يا مهجةَ الزهرااااااء..
حمَّلْتنا ما ﻻ نطيقْ
أرفق بنا..
فابنُ زيادٍ بيننا،
وألفُ يزيدٍ في الطريقْ
لماذا الحسين!!
البعضُ لا يستنكرُ على المسلمين إحياءَ ذكرى استشهاد الحسين فقط، وإنما مجرد ذكرك للحسين يضايقُه فتراه تتغيّر قسمات وجهه لدرجة تصيبك بالغثيان، ومباشرة يصنفك بأنك شيعي رافضي مجوسي.. ربما لا يفهمُ هؤلاء أن الحسين ليس حكراً على الشيعة بل إنه وتراثه ومواقفه مِلك لكل مسلم، وإن لمقتله في قلوب المؤمنين حرارة لا تبرد أبداً..
لا يُحيي ذكرى استشهاد الحسين إلا من كان حراً أيها العبيد. ليس كما يفعل الغلاة نحيباً وتطبيراً ولطماً وشقاً للجيوب وإنما استلهامٌ للدروس والعبر من مأساة الحسين، دروس الإباء والثورة ضد الطغيان..
دعونا نتحدث عن الحسين بمعزل عن كونه ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله، وكونه سيد شباب أهل الجنة.. رغم أن المنطق قبل الدين يجبرنا أن نحبه ونتولاه طالما وهو من أهل الجنة.. لكن سنجاري كُلّ من يتشدق بشعارات المقاومة مستثنياً الحسين، وسنتعامل مع الحسين كثائر مقارع للظلم والظلمة مثل بقية الثوار، يستحق من كُلّ ثائر الإجلال والإكبار والاشارة إلى ثورته وبطولته وملحميته، ووقوفه أمام المستكبرين، ورفضه للظلم، وذوده عن الحق، فالحسين هو من أبجد الثورات، وخط حروفها الأولى، وأذكاها وقّادةً من شمس روحه النبوية، راسماً لبقية الثوار لوحة مضرجة على رمضاء كربلاء.. ومن ينسب نفسه للمقاومة وينسى أو يتناسى الحسين ولا يقتدي به في مسلكه الثوري والتحرري فليس مقاوماً ولا ثائراً..
ألسنا في حالاتنا الثورية إذا أردنا الاستشهاد برموز المقاومة والثائرين عبر الزمن دوماً ما نستحضر كُلّ أيقونات التحرر أمثال عمر المختار أو جيفارا أو غاندي أو هوشه منه!! إذاً على الأقل اعتبروا حسيناً أحد هؤلاء (إلا أن الحسين أعظم وأجل وأنبل وأحق أن يُتَّبَع وأولى أن يُحتذى ويُستشهد به)، فالثائر هو الثائر مهما اختلف الزمان والمكان والديانة، والقضية نفس القضية ألا وهي محاربة الطغاة في سبيل التحرر وتحرير الناس من نير ظلمهم واستعبادهم.. فما بالكم بمن خرج منافحاً عن دين الله بعد أن لوثته أدناس الفكر الأموي الذي نقطف زقومه اليوم؟!.. الحسين لم يخرج أشَرَاً ولا بطراً وإنما خوفاً على الإسلام والمسلمين، ودفاعاً عن الحق المتمثل في إعتاق رقبة الدين من براثن الظلمة الذين اختطفوا دين الله، وليتهم توقفوا عند ذلك، بل حرّفوه لقتل كُلّ من جاهر بالحق، وجعلوه سيفاً يحز رقاب الثوار، وقيداً يغل أيدي طلاب الحرية، بل ومطية يركبونها للوصول إلى مآربهم الدنيئة..
كان يستطيع الحسين سلامي عليه الركونَ والقعودَ في بيته نائياً بنفسه عن مواجهة المستبد، لكن حاشاه.. فكيف له ذلك وهو الإمام قام أو قعد، وهو سِبْط أعظم الثوار والأحرار؟.. كيف له أن يرى كُلّ ذلك الفجور والفسق والزيف والضلال والتجبر والتكبر والانسلاخ من الدين المحمدي يفُت في عضد الأمة وينكفئ على نفسه لا يحرك ساكناً ولا يستشعر مسؤوليته الدينية والإنسانية أمام الله ورسوله والمسلمين؟.
الركون والانكفاء لا يكون من الحسين ولي الله بنص كتاب الله، (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ) بغض النظر عن كون الآية نزلت في أبيه أم لا، فهذا بحث مقامه ليس هنا.. وهنا سؤال لكل من لا يستسيغ فكرة تولي الحسين وأبيه من قبله: أليس الحسين بن علي باب مدينة العلم، وابن الزهراء أم أبيها، وسبط ولي الأولياء القائل “حسينٌ مني أنا من حسين”؟، أليس هو من الذين آمنوا؟؟ لا يجرؤ على إنكار ذلك إلّا زنديق، بل كافر؛ لِأَنَّ من كفَّر مسلماً فقد كفر، وإنكار ولاية المؤمن إنكار لنص كتاب الله وهذا كفر، فما بالكم بمن في نفسه شيء على الحسين!! الحسين الذي حبه منجاة، وبغضه يهوي بصاحبه في النار، ليس فقط لكون الحسين حفيد المصطفى؛ ولكن؛ لِأَنَّه مسلم، وقد نُقل عن النبي صلوات الله عليه وآله أن من ينام وليس في قلبه ذرة حقد على أحد فهو من أهل الجنة، أي أن من يحمل الحقد على الآخرين ليس من أهل الجنة، وكذلك من يبغض الحسين ليس من أهلها..
لماذا يمتعض البعض عند الإشارة إلى الحسين كمقاوم وثائر ومناضل؟ هل لموقف أولئك البعض من فكرة المقاومة نتيجة الاستكانة المستفحلة التي بذر بذرتها بنو أمية وسقاها علماؤهم جيلاً فجيل حتى أورقت أنفساً خانعة ذليلة!!
لا أعتقد، بدليل أنهم يتغنون ببطولات الكثير من الثوار عدا الحسين، رغم أن الاستكانة والركون إلى الضيم ماثلان متمثلان في واقعهم..
إذاً، لماذا الحسين؟ في اعتقادي لأن الثائرَ في حالة الحسين هو ابن رسول الله؛ ولأن الطاغية هو ابن معاوية.. هذا هو الفرق بين الحسين وبقية الثوار..
في الختام دعوني أنقل لكم آراءَ عددٍ من الشخصيات (الشيعية الرافضية المجوسية) في الحسين:
1) المهاتما غاندي، ثائر الهند:
لقد طالعت حياةَ الحسين، شهيد الإسلام الكبير، ودقّقتُ النظرَ في صفحات كربلاء واتضح لي أن الهندَ إذا أرادت إحرازَ النصر، فلا بد لها من اقتفاء سيرة الحسين.
2) شارلز ديكنز، الروائي الإنجليزي:
إن كان الحسين قد حارب من أجل أهداف دنيوية، فإنني لا أدرك لماذا اصطحب معه النساءَ والصبية والأطفال؟
إذن فالعقلُ يحكم أنه ضحَّى فقط لأجل الإسلام.
3) إدوارد براون، المستشرق الإنجليزي:
وهل ثمة قلبٌ لا يغشاه الحزنُ والألمُ حين يسمع حديثاً عن كربلاء؟ وحتّى غيرُ المسلمين لا يسعهم إنكارَ طهارة الروح التي وقعت هذه المعركة في ظلّها.
4) ل. م. بويد:
من طبيعة الإنسان أنه يحبُ الجرأة والشجاعة والإقدام وعُلَوَّ الروح والهمّة والشهامة. وهذا ما يدفع الحرية والعدالة وعدم الاستسلام أمام قوى الظلم والفساد. وهنا تكمن مروءة وعظمة الحسين.
5) واشنطن ايروينغ، المؤرخ الأمريكي:
كان بميسور الحسين النجاة بنفسه عبرَ الاستسلام لإرادة يزيد، إلاّ أنّ رسالةَ القائد الذي كان سبباً لانبثاق الثورات في الإسلام لم تكن تسمح له الاعترافَ بيزيد خليفةً، بل وطّن نفسَه لتحمُّل كُلّ الضغوط والمآسي لأجل إنقاذ الإسلام من مخالب بني أُميّة.
6) توماس ماساريك :
على الرغم من أن القساوسة لدينا يؤثرون على مشاعر الناس عبرَ ذكر مصائب المسيح. إلاّ أنك لا تجدُ لدى أتباع المسيح ذلك الحماسَ والانفعالَ الذي تجدُه لدى اتباع الحسين. ويبدو أن سببَ ذلك يعودُ إلى أن مصائبَ المسيح إزاء مصائب الحسين لا تمثلُ إلاّ قشـّة أمامَ طود عظيم.
7) انطوان بارا:
لو كان الحسينُ منا لنشرنا له في كُلِّ أرض رايةً، ولأقمنا له في كُلّ أرض منبراً، ولدعونا الناس إلى المسيحية باسم الحسين.