ذكرى خالدةٌ لن تنمحيَ من وجه الدهر
ذكرى خالدةٌ لن تنمحيَ من وجه الدهر
يُقال: إن الذكرى ناقوسٌ يدُقُّ في عالم النسيان، غير أن القليل فقط، من الذكريات والأحداث والأشخاص والمواقف، لا يمكن للنسيان وتحت أي ظرف أن يطمرها أَو تتغيب عنها الذاكرة لحظة؛ كونها تحتلُّ تجاويفَ العقل العامر بالوهج اللامتناهي من العصف الذهني المُستمرّ والخالد تجاهها، خُصُوصاً إذَا كان من يتجسد هذه الذكرى رجالٌ حملوا على أكتافهم شرف وراية الحق ومسؤولية نُصرة الدين والمستضعَفين، وعملوا على أن تكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى، وبذلوا في سبيل ذلك المهج والجماجم، وسطّروا سجلاتٍ من المواقف التي لا حدود لها.
حين نستذكر ونحيي الذكرى السنوية للشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي –رضوان الله عليه– نستذكرها؛ لأَنَّها واحدةٌ من تلك الذكريات التي لا يمكن أن تنمحي من وجه الدهر، ولا يمكن أن يطويها نسيان أَو يتخللها فتور؛ ليسَ لأَنَّها ذكرى رافقتها أحداث مُرة من العنف والتوحش، ومن القسوة والحقد، وخالجتها لحظات من الحزن والألم والآهات والدموع؛ بل لأَنَّها ذكرى ربطت بين عالم وواقع البشرية في تلك الأثناء، وبين عوالم السماء، فاختزلت معها صراعات الماضي بالحاضر.. الخير مع الشر.. الحق مع الباطل، لتبرهن: أنهُ ومهما تفوقت سطوة الباطل وتعاظم جبروت الشر، أن الحق والخير منتصرٌ لا محالة.
نعم.. لقد غادرنا الشهيد القائد جسداً لكنهُ ظل فينا روحاً، فحين سقطت القَطرةُ الأولى من دمه عند مدخل “جرف سلمان”، يوم الـ26 من شهر رجب الحرام من العام 1425هـ، والتي أرادها الله سبحانهُ وتعالى، أن تكون الشرارة والمنطلق للسنة الإلهية في التغيير، فخطت على الأرض معالم الطريق المستقيم والمنهج القويم، ووضعت اللبنة الأولى لإشراقة الأمل ورسمت ملامح المستقبل المكلل بالنصر والتمكين الإلهي، ورسخت مداميك المشروع القرآني العظيم معمّداً بالدم، حتى أثمر “ثورةً.. حرية.. عزة.. كرامة.. سيادة واستقلالاً”.
ومنذُ ذلك التاريخ حتى اليوم، والحقائق تتجلى والشواهد تتوارد والأقنعة تتساقط، وتظل الرؤية القرآنية، والروحية الوثابة للشهيد القائد هي الملهم والرافد للمؤمنين في كُـلّ الأرجاء، حَيثُ يتعاظم مسير المشروع القرآني يوماً بعد يوم، ليتجاوز كُـلّ المتغيرات والجغرافيا والمكان والزمان، ويشهد الواقع اليوم، بأن العزة والكرامة التي يعيشها اليمنيون، إنما هي ثمرة أينعت بعد أن سقاها مؤسّس المشروع بدمائه الطاهرة.
وأصبحت اليمن لاعباً رئيساً في المنطقة، وقوة كبيرة، يحسب لها الأمريكي والصهيوني ألف حساب، وما انقلاب موازين المواجهة مع قوى العدوان الأمريكي السعوديّ، لصالح اليمن واليمنيين، إلا شاهد على ذلك، ليصبح الشهيد القائد بحق، القائد اليماني الذي غيّر وجه الإقليم، ومشروعه الذي سيرسم ملامح المنطقة عمّا قريب، إذ لا يزال الزخم الثوري للمنهج القرآني المبارك مُستمرّاً في صنع هذا التغيير.
وها نحن كأمّةٍ مؤمنةٍ، عندما نحيي هذه الذكرى نستلهم منها كُـلّ معاني الصمود والثبات والتضحية والفداء والبذل والعطاء، وإذ يصعب الحديث بعباراتٍ مهما زُخرفت أن تفيَ حَقَّ أفعالٍ عُمدت بدماءٍ كتلك، فلنكتب بعدها ما نشاء ولنحشد كُـلّ مفردات وقواميس البذل والعطاء، غير أنه لم ولن يستقيم مقالٌ مهما بلغ من البلاغة ما لم يُعمَّدْ بذات الحبر الذي عمد به هذا القائد الاستثنائي والرجل العظيم، إنه حبرُ الدماءِ وتجسيد العطاء في ذات المسير وذات المسيرة.