لعنة الربا وخطيئة الغاضبين من منعه!
لعنة الربا وخطيئة الغاضبين من منعه!
حل علينا الشهر الفضيل لهذا العام ، كموسم سنوي لعباد الله المؤمنين ، فيه يقر كل أمر حكيم وفيه تتنزل الرحمة والمغفرة والعتق من النار ، فمبارك على جميع المسلمين حلول هذا الشهر الكريم الذي نسأل من الله أن يوفقنا فيه للصيام والقيام وصالح الأعمال.
ولعل من المهم أن نعرج إلى الإنجاز المهم والتاريخي بإقرار مجلس النواب قانون منع التعاملات الربوية في اليمن ، وهو قانون مهم فيه تجسيد لشرع الله الخالق عز وجل الذي يحرم الربا ويتوعد المرابين بالحرب وأي حرب أشد وأخطر من حرب الله! ، وهو أيضا من أهم الإصلاحات الأساسية للواقع الاقتصادي ، علاوة على أن هذا القانون قد جنبنا جميعا من مخاطر أن نكون من آكلي الربا ومن المرابين.
تكمن أهمية هذا القانون أنه يجسد الشريعة الإسلامية الغراء في منع الربا ، وفي أنه يعالج هذه القضية الخطيرة التي لا تعد أضرارها ومخاطرها.
ومن المستغرب أن ينبري البعض للاعتراض على هذا القانون قافزين على شرع الله وغير مكترثين بحدود الله تعالى ، ولا يوجد وجه لاعتراضات هؤلاء وهم يضعون أنفسهم في مواجهة مباشرة مع شرع الله وأحكامه التي تلبي مصالح العباد وتحقق لهم النماء والخير والبركات ، وقد أسهب بعض هؤلاء في شرح مخاطر منع الربا ، فهل هؤلاء أعلم من رب العباد وخالقهم جل سبحانه وتعالى بمصالح العباد وأحوالهم ، الذي حرم الربا وتوعد عليه بعقوبات شديدة بل وبحرب مباشرة من الله ورسوله ، ووصف المرابين بأوصاف منها «لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس».
أخطار الربا كبيرة وكثيرة فهو مدمر للحياة بأكملها ، ومستغرب أن ينبري أناس من بيننا ليصطفوا مع الربا وضد شرع الله تعالى ، أما استرسالهم في الحديث عن مخاطر منع الربا إنما هو تلفيق من تلقاء أنفسهم لا يمت للحقيقة بأي صلة ، فالحقيقة هو أن الربا جرم خطير ومدمر وكارثي ، ما توعد الله بعقوبة أشد من عقوبة الربا والمرابين.
هؤلاء ليسوا حريصين على معائش الشعب ولا حقوق العباد وإن ادعوا ذلك فهو ادعاء كاذب ، في الحقيقة إنما يفعلونه هو من السعي في الأرض خرابا ودمارا ، ويريدون أن تبقى البلاد والعباد غارقين في جرم الربا المدمر والكارثي ، والأخوف هو أن يستمر الربا في تعاملاتنا وحياتنا ، وليس أن يتم منعه ، فبقاؤه خطر يمتد إلى الجميع دون استثناء ، لأن جميع من يشترك في معاملة الربا ملعون كما في الحديث الشريف: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أكل الربا، وموكلهُ، وكاتبهُ، وشاهديه) وقال: هم سواء، أي في اللعن.
الربا خطيئة ماحقة للأمم والشعوب وساحقة للفرد ومدمرة للمجتمع ، وخطره الأكبر هو أنه يعرض العباد لحرب من الله ورسوله ولا قبل لأحد في هذه الحرب.
الربا خطير وخطورته أولا في أنه أكل لأموال الناس بالباطل ، وثانيا يخالف أمر الله وشرعه بشكل صريح وواضح ، أما عقوباته في حياتنا القائمة فيكفي أن يتأمل الناس العقوبات التي تترتب علينا والتي فعلها ، يمحقه الله ، وأذنوا بحرب من الله ورسوله ، فإذا كان الله يمحق حياتنا فمن سيصلحها إذن ، وإذا كان الله في حرب علينا فكيف ستكون حياتنا؟
وفي القرآن ما يكفي من الوعيد والتحريم المشدد لهذا الجرم ، والذي تكرر في أكثر من سورة من سور كاتب الله الكريم ، وتضمنت تحذيرات شديدة ووعيدا شديدا أيضا ، ولم نجد في الأمة أحدا أحل الربا لأن تحريمه أمر واضح ولا يقبل الجدل وقد اتفق علماء الأمة قديما وحديثا على حرمة الربا ، واتفقوا على شدة خطورته لما له من آثار ضارة وخطيرة.
الربا لعنة ماحقة ، وإذا كان البعض يتحدث عن أن العالم كله يتعامل بالربا ، فعليه أن يتحدث عما أنتجه هذا النظام الرأسمالي من أزمات ، وأولها التضخم الذي الاقتصاد العالمي منه ويصيب حياة البشرية ، أولا بارتفاع المستوى العام للأسعار، بسبب تراكم النقود ، وضعف قيمتها الشرائية لأنها تحولت إلى سلعة مجردة من أي قيمة اقتصادية مقومة بالإنتاج والتجارة والصناعة ، كما أن الربا يضاعف القروض الربوية بشكل سنوي ما يزيد في عرض النقد وانخفاض قيمته ، وقد تعدت نسبة التضخم في الدول العربية حاجز الـ 10 بالمئة في 2017م، في مصر مثلاً 34 بالمئة، وفي السودان 25 بالمئة، وفي سوريا 579 بالمئة، وفي اليمن 30 بالمئة، وفي ليبيا 27 بالمئة، وفي الجزائر وتونس 7 بالمئة.
الربا ظلم في توزيع الثروة ، فالأغنياء الذين لديهم أموالا فائضة عن حاجتهم يقومون بإيداعها في البنوك ، فتزداد أموالهم دون أن تسهم في الإنتاج فيزدادون غنى ، أما الفقراء والعجزة الذين يأخذون قروضا من أموال الأغنياء في البنوك مقابل فوائد ربوية فيزدادون فقرا ، فهم يأخذون قروضا معينة ، ويعيدونها بأكثر من القيمة الفعلية التي تم اقتراضها، مما يعني بأن فئات القراء يزداد فقرها ، وفئات الأغنياء يزداد ثراؤها.
ولقد نشرت صحيفة بريطانية أنه من المتوقع ان يستحوذ 1 بالمئة من سكان العالم على ثلثي ثروة العالم في عام 2030، بما يعادل 305 تريليون دولار ، بينما يمتلكون اليوم 140 تريليون دولار، وهذا يعني تضاعف حجم الثروة مع هؤلاء الـ 1 بالمئة الأغنى في العالم!
كما أن الربا يكرس التبعية الاقتصادية للأعداء ، وما أصاب البلدان العربية والإسلامية وغيرها من الدول النامية من تبعيّة اقتصادية وسياسية وعسكرية للرأسمالية الغربية كانت بأهم أداة من أدوات الاقتصاد الرأسمالي وهي الفائدة الربوية ، ومعظم دول العالم تعاني بعض الدول من تضاعف حجم القرض الأصلي سنوياً بسبب الفوائد المركّبة وغرامات التأخير! فقد تضاعفت الديون الخارجية للدول العربية بين عامي 2000-2017 ثلاث مرات، إذ كانت في 2000م 143.8 مليار دولار ، إلى 1.14 تريليون دولار عام 2017م!
الربا يمس اقتصاديات الدول بشكل مستمر ويسبب هزات مميتة للأوضاع الاقتصادية ، فالربا يكدس النقود ويراكمها ويضيف إليها من فئات تقترض ، إلى أخرى تزداد غنى وفائضا بدون أي عمل أو نشاط اقتصادي ، وهذا يعمل على مسّ وانخفاض قيمة النقود الشرائية ، ويعمل على التضخم لأن المبلغ الذي كنت تدفعه لشراء سلعة ما، أصبح غير كافٍ لشراء نفس السلعة، لأن قيمة النقود انخفضت.
وأخيرا يقول الله سبحانه وتعالى: « {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ المَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّمَا البَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا، وَأَحَلَّ اللَّهُ البَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا، فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ، وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 275]
ويقول الحق تبارك وتعالى «يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا ويربي الصدقات» ومعنى المحق هو النقض فيذهب مال الربا كلّه، أو ينزع الله منه البركة فلا يُستفاد منه.
ويقول الله تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ»
«فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ» فمن سيقوى على حرب الله ورسوله ، ومن هو مستعد لخوض هذه الحرب ، وما أهون هؤلاء الذين نصبوا أنفسهم ضد شرع الله ، وفي مواجهته ، وما أتعسهم فعلا وهم يشتاطون غضبا حينما أزيل عن كواهلنا هذا الخطر الماحق بإقرار هذا القانون المهم.