الإمام علي أعجوبة الدهر ومعجزة الإسلام
الإمام علي أعجوبة الدهر ومعجزة الإسلام
كم أتهيب وأتردد عندما يطلب مني الحديث أو الكلام عن الإمام علي (ع) والذي تعجز العبارات عن الوفاء بمقامه، وكم أكتب من مقالة عنه فلما أراجعها أعتبرها ناقصة عن الوفاء، بمقام الإمام العظيم خصوصاً.
عندها يكون الحديث عن الإمام علي جملة من دون تحديد جانب من جوانب عظمته عندما لا تتحدث عن جانب أو خصلة إلا والخصال الأخر تتزاحم وتلوح أمام عينيك بما يبهرك فلا تدري أتستغرق وتستطرد فيما بدأت من جوانب العظمة أم تنتقل إلى ما دعاك من كريم الخصال فعلاً كم هم معذورون العشاق لهذا الكمال الإنساني والرجل الرباني والنموذج الفريد..
مناجــــاة
ياللحسرة ويا للأسف على المحرومين الذين حرموا من التعرف عليك يا سيدي، كم هم أشقياء، حينما أغلقوا على أنفسهم باب المدينة الذي لا يزال مفتوحاً ، كم هم سطحيون عندما لم يعرفوا عمق معرفتك ، وكم هم أغبياء عندما لم يفهموا حكمتك وكم هم أمراض حينما لم يعرفوا نقاءك وطهرك ، وكم هم بعيدون حينما لم يستشعروا قربك ، وكم هم ظالمون عندما لم يعرفوا عدلك، وكم هم صغار عندما لم يكتشفوا عظمتك، وماذا لو أدركوا وعرفوا أقول إذاً لذابوا حياء على ما سلف منهم..
والآن سيدي ومولاي : من أين أبدأ وبم أختم لو تحدثت عن واحد من كرمك أو عبادتك أو شجاعتك أو رحمتك أو خلقك أو عدلك أو حكمتك أو فصاحتك أو إخلاصك أو تفانيك أو صدقك لوفعلت لطال المقام، والله إني حائر ولكأني واقف أمام محيط مترامي الأطراف يطلب مني أن أقطعه..
لقد كان الإمام علي (ع) المبرز في كل الخصال والكامل في كل المحامد ولقد بلغ الغاية في كل منقبة من المناقب، فما استطاع عقل أن يتصور الغاية في خلق من الأخلاق أو مكرمة من المكارم فإن الإمام علي (ع) كان على أعلى المستويات وأرقى المنازل فيها ،
علــي والعنايــة الإلهــية
عندما تلاحظ عناية الله سبحانه بأنبيائه وأوليائه منذ اللحظة الأولى وكيف كانت مع موسى عليه السلام عندما قال الله له: {واصطنعتك لنفسي} {ولتصنع على عيني} وكيف كانت عناية الله ورعايته بفتية الكهف عليهم السلام حتى سخر لهم الشمس تزاور عن كهفهم وكيف كانت عنايته بالغلامين اليتيمين حتى سخر لهما نبيين يبنيان الجدار لهما ، أجل لقد كانت الصناعة الإلهية والرعاية الربانية تعِدُّ الإمام علي ليقوم بمهمة كبيرة في حمل الإسلام وتمثيله والدفاع عنه، فكانت أول محطة له في محراب الكوفة وما بين البيتين من بيوت الله كانت الرحلة مع الله ومن بيته إلى بيته كانت حياة حافلة بالعطاء والتضحية والجهاد والعلم.
إن الرعاية الإلهية قد ألقت بهذا الغلام إلى حضن الرسالة والنبوة منذ المهد ليتتلمذ على يد أكرم رسول وأشرف إنسان وبذلك فإن الله قد أنقذه من دنس الأوثان وظلمات الشرك، ولذلك نقول عند ذكره (كرم الله وجهه) لقد رباه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم في حجره فكان يرفع له في كل يوم مرتبة ومعلماً في مكارم الأخلاق فكان هذا امتداداً للرعاية الإلهية التي كانت معه منذ اللحظة الأولى..
كما كانت رعاية الله مع هذا الإمام عندما كان أول من أعلن إسلامه وإيمانه بهذا النبي الكريم وهنا ملاحظة لا نقول إن الإمام علياً أول من أسلم ولكن أول من أعلن إسلامه وإلا فهو مسلم بالفطرة لم يسبق إسلامه كفر لأنه كان تربية المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم منذ نعومة أظفاره وإلا لجاز أن نقول إن المصطفى كان قبل البعثة على الكفر وهذا ما لا يجوز إطلاقه فإذا لم يجز أن نقوله لم نجز أن نقوله على من رباه الرسول الكريم منذ الطفولة والصغر..
ولقد استمرت الرعاية والعناية الإلهية تحوط علياً عليه السلام في كل المراحل والمنعطفات حتى أصبح الرجل الأول في الإسلام عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهكذا ظل الإمام علي (ع) يتدرج في مدارج الكمال ويرتقي سلم المجد حتى بلغ ذروة الكمال الإنساني بعد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم دون منازع ولامدافع..
الإمــام علــي والمتفرقــات المجموعـــة
قد يبرز إنسان في واحدة من الكرم أو الشجاعة أو الخشوع أو العلم أو الحكمة أو العبادة أو الزهد لكنك لم ولن تجدها مجتمعة في شخصية بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سوى الإمام علي (ع).
هذه الصفات من العجيب أنها لا توجد فيه بنسب معينة ومحدودة بل تجده قد بلغ الذروة في كل واحدة على حيالها وبلغ الغاية في مجموعها.
إن أدنى إطلالة على كلام الإمام علي عليه السلام ومروياته تعطيك الدليل القاطع على فهمه الثاقب وعلمه الغزير ناهيك عن قول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم (أنا مدينة العلم وعلي بابها وبعد ذلك ابحث عن كلام من شئت ومرويات من شئت بعد كلام الله ورسوله وستعرف أنك وقفت على ما دون كلام الله وفوق كلام المخلوقين غير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أضف إلى ذلك لو راجعت السير والتواريخ والوقائع والأحداث ومبارزة علي يوم بدر وثباته يوم أحد وموقفه يوم الأحزاب مع عمرو بن ود وسائر وقائعه عندها ستعرف أن شجاعة علي وفروسيته وفداءه وصدقه في المواقف لانظير له خصوصاً إذا قارنت بينه وبين غيره ستعلم أن هذا ليس غلواً ولكنه أقل من الواقع نعم أقل لأن العباراات قاصرة عن تصور الوقائع كماهي..
– أما عبادته فيا للعجب ويا للعظمة من رجل كان يصلي ويدعو حتى يخر مغشياً عليه من خشية الله سبحانه وكان حفيده زين العابدين يقول أين نحن من عبادة علي (ع) وماذا تقول في عبادة صاحب دعاء كميل وصاحب دعاء الجوشن الكبير المملوء بالأسماء الحسنى وسبحانك لا إله إلا أنت ، الغوث الغوث ، خلصنا من النار يارب) وكذا زهده الذي قيل عنه إنه كان يأكل الماء والخبز اليابس وقال عن مدرعته (والله لقد رقعت مدرعتي هذه حتى استحيين من الراقع، نعم لقد كان يكنس بيت المال بعد توزيع مافيه ويقول: اشهد لي عند ربك أني لم أدخر لآل ابن أبي طالب شيئاً ، هذا علي خليفة المسلمين، وهذا ملبسه، وهذا مأكله ومشربه، هذا علي الذي طلق الدنيا ثلاثاً لا رجعة فيها..
قلبوا صفحات تاريخ البشرية جميعاً هل ستجدون من غير الأنبياء والرسل هكذا تاريخ.
أما عدله فهو الذي قال في شأن قاتله عبدالرحمن بن ملجم لولديه الحسن والحسين: يا حسن، ياحسين، بحقي عليكما لا تغلا له ولا تقيدا له رجلاً، أطعماه مما تطعمون ، وأسقياه مما تشربون، فإن أنا حييت فأنا أولى بالأمر منكما وإن أنا مت فضربة بضربة ، وإياكم والمثلة فقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور..
نعم علي (ع) هو الذي قال في الخوارج عندما سئل عنهم أكفار أم منافقون؟ فقال: لا ولكن إخواننا بغوا علينا ، ليس من طلب الحق فأخطأه كمن طلب الباطل فأصابه علي هو الذي جلس مع اليهودي عند قاضيه شريح، ليتحاكما إليه في درع الإمام علي (ع).
علي (ع) هو الذي قال: (والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما فيها على أن أظلم نملة أسلبها جلب شعيرة في فمها ما فعلت).
علي (ع) هو الذي ساوى بين المسلمين في العطية من غير مزية سبق لأحد حتى اعترض عليه بعضهم فقال: لو كان المال مالي لسويتهم في العطية فكيف والمال مال الله)..
وهنا أقول لمن لديهم أحكام مسبقة وجاهزة ومسلمات بمجرد الحديث عن علي (ع) : «ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا ، اعدلوا هو أقرب للتقوى».
أقول اقرأوا عن علي أين شئتم؟ ثم احكموا ولا تحرموا أنفسكم بالجهل، إن المعرفة عن الإسلام بدون نموذج علي معرفة ناقصة ويمكن أن تنحرف وتبتعد عن روح الإسلام، ولا يعرف هذا الأمر إلا من جعل نموذج الإمام علي (ع) نصب عينيه ليعرف المنزلة التي يريد الإسلام للمسلم السمو إليها.
إن ما يحتاجه أي إنسان هو المعرفة والاطلاع والإنصاف ليعرف أن البشرية بحاجة إلى دراسة هذه الشخصية الفذة والاستفادة من تجاربها وعلمها ورصدها الكبير في الجوانب العرفانية والأخلاقية والإنسانية والعسكرية وسيجد الباحث أنه عثر على كنز لا تساويه كنوز الدنيا وأنه بالاطلاع على حياة علي (ع) قد أضاف إلى رصده المعرفي معارف وعلوماً لا يمكن أي تعوض لو تركها..
ولقد تنبه بعض المسيحيين إلى الإمام علي وسيرته فتحول إلى عاشق للطهر وكتب عنه الكتاب وشعر فيه الشعراء من غير المسلمين بما هو شاهد على أن علياً كان رجل الإنسانية كما هو الدين الإسلامي للإنسانية جمعاء، كما قال الله سبحانه :{لتكونوا شهداء على الناس}.
الإمام علــي والمسؤوليــة الكـــبرى
إذا كان العلماء ورثة الأنبياء في القيام بواجب الرسول عند غيابه فإن علياً عليه السلام هو باب مدينة العلم، فيالها من مهمة هو الأول في حملها بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذه المهمة قالها الرسول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم عندما قال يا علي (ستقاتل على تأويله كما قاتلت على تنزيله) وإنها لمسؤولية عظمى لاتحتاج إلى الجنود فقط للقتال ولكنها تحتاج إلى حمل راية القرآن مع الحفاظ على خط القرآن وموقف القرآن ومنهج الإسلام، هذا القرآن بعد الإذعان بأنه من عند الله وبعد أن استقرت دولة الإسلام، لايستطيع أحد أن يحرّفه أو يزيد عليه أو ينقص منه لأن الله سبحانه قد قال: {وإنا له لحافظون}.
لكن بالنسبة للمعارف الإسلامية القرآن يستطيع المضلون أن يزيفوا الوعي وأن يخلطوا ويلبسوا الحق بالباطل، ألم يرفع قميص عثمان تحت شعار رفض الظلم والقصاص من القاتل، وألم ترفع المصاحف ، وألم يقل الخوارج (لا حكم إلا لله).
إنها لمهمة صعبة أن تكون مهمة الإنسان أن يمثل الإسلام في سلوكه وواقعه كما أمره الله وأن يرد من شرد إلى جادة الصواب وهذه كانت مهمة الإمام علي الذي قدم الإسلام في أبهى صوره عند اشتداد الفتن فقدم الإسلام حين كانت الأهواء هي المسيطرة وخصوصاً بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنت عندما تبحث عن الفضائل والكمال المرسوم في مخيلتك حسبما رسم الإسلام في ذهنك ستجد هذه الصورة المثالية واقعاً ملموساً وستجد القرآن غضاً طرياً وواقعاً معاشاً وحركة تدب في سلوك ومواقف وكلام الإمام علي عليه السلام وماله لايكون كذلك وهو من قال فيه المصطفى صلوات الله عليه وآله (علي مع القرآن والقرآن مع علي) (علي مع الحق والحق مع علي) (ياعمار إذا سلك الناس وادياً وسلك علي وادياً فاسلك وادي علي ودع الناس) بل لقد أصبح الإمام علي ولايزال إلى قيام الساعة -وهذا من أعجب الأشياء- أصبح وظل وصار مرآة ومقياساً للإيمان والنفاق عندما قال فيه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : (يا علي لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق) بل إنه من معجزات الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حينما أخبر عن الغيب الذي هو الإيمان والنفاق الذي محلهما القلب بعلامة ملموسة بصدق رغم كثرة القرون وطول الأمد..
ولذلك فإن المغزى من تركيز الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على علي عليه السلام ولفت الأنظار وشد الانتباه إليه هو لأن علياً عليه السلام هو الصورة الكاملة والنموذج المتكامل لما ينبغي أن يكون عليه المسلم ولمن يريد أن يقتدي بالكامل في جميع نواحي حياته (وأولئك الذين هداهم الله فبهداهم اقتده) لماذا لأن المعارف والنظريات عندما تظل قوالب وقواعد بدون تطبيق قد تكون ناقصة ومجزوءة عند تنفيذها لكن حين تقدم في أفراد ظهرت عليهم يكون هذه هو منتهى الحجة وأوضح المحجة ولذلك لم ينزل الله كتاباً بدون رسول يكون قدوة وأسوة وحتى لاتختلف التفسيرات والأفهام..
الإمام علي رائد الفكر التنويري وضحية الفكر التكفيري
الإمام علي رسوخ قدمه في الإسلام وجلالة منزلته وكثرة مخاطرته بنفسه للدفاع عن الإسلام ضد الكفر لم يقتل بأيدي الكفار المشركين ولم يسلم ممن هم محسوبون على الأمة بل قتل بسيف محسوب على الإسلام وهنا تكمن الخطورة ، لكن هذه الخطورة قد خفت نوعاً ما عندما بين لنا الإمام علي عليه السلام طريقة التعامل مع أناس كهؤلاء وفكر هكذا،
ولولا الإمام علي عليه السلام وموقفه مع هؤلاء لتحرج الكثير عن قتال المحسوبين على الإسلام كهؤلاء حتى يتم القضاء على الإسلام ويرجع المسلمون عن الإسلام ويقلعوا عنه لما شاهدوا من فرط إجرام هؤلاء.
لكنها نعمة كبرى حينما وجد لنا من ظل محافظاً على راية الإسلام وبوصلته من أن تنحرف وكما أسلفنا سابقاً ،قاتل على تأويله من أن يحرف وينسب إليه ما ليس منه.. وهكذا هم التكفيريون يرتكبون الجرائم كما فعلوا بالإمام علي في المسجد وهو قائم يصلي في المحراب وفي رمضان ويسمون أنفسهم أنهم من أجل الإسلام يفعلون هذا كله وهم في الحقيقة كما قال المصطفى (أشقى الأولين والآخرين) يقتل خير البرية بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم..
ومن العجيب أنهم يعادون أصحاب مدرسة الإمام علي عليه السلام ويقتلونهم إلا أن الفارق بين التكفيريين في عصرن وعصر الإمام علي (ع) إن الذين في عصرنا قد جمعوا إلى ما سبق من التطرف والجهل أنهم أياد لقوى الكفر في العالم ضد المسلمين..
أضف إلى ذلك أنه لم يكن هناك في زمن الإمام علي شعب مسلم محتل ومظلوم من قبل اليهود تركه الخوارج وقاتلوا الإمام علياً (ع) كما فعلوا خوارج اليوم، طبعاً وهناك فرق فالجريمة بحق الإمام علي أعظم لعظم الإمام علي عليه السلام لكنا نريد أن نقول أن خوارج العصر قد أخذوا التراكمات المتوارثة لأسلافهم عبر العصور وزادوا إجراماً بفضاعة آلة القتل المستخدمة اليوم من تفجيرات ومفخخات وعبوات ناسفة ..إلخ إلى جانب موالاة اليهود والنصارى وتنفيذ خططهم ، هؤلاء الظلاميون أعداء الحياة لا يقضي على مشروعهم الهدام إلا أصحاب الفكر التنويري من ذرية علي وأتباع علي على مر الزمن وليس دول الكفر التي أنشأتهم وأوجدتهم لضرب الأمة وإضعافها..
إن ذكرى استشهاد الإمام علي على يد التكفيريين تعطينا دفعة جديدة من العزم للمضي على استئصال هذه الفئة الضالة التي ضربت الأمة وقتلت أخيارها ووالت وسالمت أعداءها ، كما قال الله سبحانه :{وقاتلوهم حتى لاتكون فتنة ويكون الدين لله} {والفتنة أشد من القتل} والسلام على مولاي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ورحمة الله وبركاته في كل حين..