بعد التطورات الأخيرة.. السعوديّةُ وتطبيعُ العلاقات مع “إسرائيل”
بعد التطورات الأخيرة.. السعوديّةُ وتطبيعُ العلاقات مع “إسرائيل”
ما تسمَّى “اتّفاقات إبراهام” هي خطة نفذتها حكومة “دونالد ترامب” نيابةً عن الصهاينة، وحاولت من خلال هذه الخطة البدء بعملية جديدة لتطبيع العلاقات بين الدول العربية والنظام الصهيوني، كانت هذه الخطة جزءًا من خطة إدارة ترامب المسماة بـ “صفقة القرن”، والتي تخلت عن نهج “حل الدولتين” لصالح “دولة الشعب اليهودي” خلافا لعملية المصالحة، حَيثُ كان تطبيع العلاقات شرطا مسبقًا لحل القضية الفلسطينية للوصول إلى الحل النهائي عن طريق المفاوضات بين منظمة التحرير الفلسطينية والنظام الصهيوني، حَيثُ إن تطبيع العلاقات يأتي كمقدمة لحل مشكلة فلسطين كما يدعون.
في عملية التطبيع الجديدة للدول العربية مع النظام الصهيوني، تعتبر السعوديّة أهم دولة في اتّفاقية “إبراهام“، على الرغم من أن 4 دول هي: الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان والمغرب، انضمت لهذه العملية الجديدة، وبدأت علاقاتها الرسمية مع النظام الصهيوني، لكن المملكة السعوديّة لم تدخل معهم علناً بعدُ، هذا على الرغم من حقيقة أنه من وجهة نظر العديد من المحللين، كان هناك توقع بأن المملكة العربية السعوديّة؛ بسَببِ علاقاتها الخفية الواسعة مع النظام الصهيوني، ستطبع العلاقات بعد أربع دول عربية وإسلامية.
على الرغم من أن السعوديّة فتحت مجالها الجوي لرحلات الركاب التابعة للنظام الصهيوني، تم أَيْـضاً تنفيذ رحلات جوية من المطارات السعوديّة إلى الأراضي المحتلّة، إلا أن العلاقات بين السعوديّة والنظام الصهيوني لم يتم تطبيعها بعد.
الاتّفاقيةُ بين إيران والسعوديّة:
وسائلُ إعلام الحلفاء الغربيين في المنطقة، وصفت السعوديّة بأنها في طريق التطبيع، وتصورت بأنه سيتم توقيع اتّفاق تطبيع في أية لحظة بين النظام الصهيوني والحكومة السعوديّة ومحمد بن سلمان نفسه، لكن الصين فاجأت الجميع بتوسطها بين السعوديّة وإيران واستئناف علاقات السعوديّة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
كانت التكهنات الأولى التي أثارها الاتّفاق بين إيران والسعوديّة بوساطة الصين أن المملكة العربية السعوديّة انحرفت عن المسار الذي سلكته واتجهت نحو تحالفات جديدة في المنطقة.
والنتيجة المنطقية لمثل هذا الرأي أنه مع تغيير نهج السعوديّة في المنطقة وتحَرّك البلاد نحو التيار المعاكس للولايات المتحدة في المنطقة، فَــإنَّ إحدى المخطّطات التي ستبقى عقيمة هي “تطبيع العلاقات مع الصهيونية”، لكن السؤال، إلى أي مدى يتأصل هذا الافتراض في واقع السعوديّة ونهجها الحالي في المنطقة؟
دوافعُ سعوديّة لاستئناف العلاقات مع إيران:
يرى مراقبون أن وضع السعوديّة في المنطقة يحتاج إلى علاقات مع إيران، فمن جهة، السعوديّة عالقةٌ في مستنقع عدونها وحربها على اليمن، وهي غير قادرة على جعل هذه الحرب لصالحها، على الرغم من التكاليف المادية الباهظة التي فرضتها هذه الحرب على السعوديّة، والتكاليف الروحية التي تسببت في فقدان سلطة البلاد وكرامتها، إلى جانب الفهم بأن حَـلّ أزمة اليمن غير ممكن دون الالتفات إلى دور إيران في المنطقة، فَــإنَّ السعوديّة تتجه نحو استئناف العلاقات مع إيران.
من ناحية أُخرى، تورطت الرياض في قضايا إقليمية أُخرى، مثل الأزمة في سوريا والعراق، والمشاكل الداخلية للبنان، في شكل فاعل إلى جانب الغرب، وفشل خطة الغرب لهذه الدول كان له أثر كبير عمليًّا في خلق نوع من العزلة للسعوديّة؛ مِن أجل الخروج من هذه العزلة، كان ولي العهد السعوديّ محمد بن سلمان بحاجة إلى التصالح مع محور المقاومة – بقيادة إيران -؛ مِن أجل الحصول على موطئ قدم في المنطقة والخروج من هذه العزلة، وكان ذلك في حين أن الدول الغربية وحتى الولايات المتحدة قد نأت بنفسها عن هذه الأزمات من خلال اتِّخاذ إجراءات مثل سحب قواتها العسكرية وإعلان عدم التدخل في شؤون هذه الدول رسميًّا.
من ناحية أُخرى، خلال الأزمة في سوريا والعراق في المنطقة، توصلت المملكة العربية السعوديّة إلى استنتاج مفاده بأنه يجب عليها تنويع شركائها حتى لا تقع في المستقبل في قبضة الولايات المتحدة والغرب في المنطقة.
النهجُ الإقليمي للسعوديّة في عهد سلمان:
بعد وفاة “الملك عبد الله” في السعوديّة، لم يغير نقل السلطة إلى “الملك سلمان” التوجّـه العام للسعوديّة، وخَاصَّة تجاه دول المنطقة، لكن انتخاب “محمد بن سلمان” ولياً للعهد أحدث تغييرات في هذا النهج، كان “محمد بن سلمان”، الذي كان وما يزال حاضراً في الولايات المتحدة منذ سنوات عديدة وتواصل مع اللوبيات الأمريكية والصهيونية، يبحث عن تغيير جدي في السعوديّة.
ستكون السعوديّة الجديدة بقيادة “محمد بن سلمان” دولة غربية وعلمانية حديثة، أداء “محمد بن سلمان” يؤكّـد هذا التغيير، وتؤكّـد هذه النقطة محاولات ابتكار مظاهر غربية، كالسينما والموسيقا والأزياء في السعوديّة والتوجّـه نحو التطور التكنولوجي، إلى جانب الوجود الجاد للمرأة في الساحات الاجتماعية السعوديّة.
إن إقامة حفلات موسيقية كبيرة لمشاهير المطربين الغربيين في السعوديّة، والحريات خارج إطار الشريعة الإسلامية، ودعوة المشاهير للتعري في هذا البلد هي الإجراءات التي نفذها “محمد بن سلمان”.
من ناحية أُخرى، لا يوجد تأكيد على حقيقة أن المملكة العربية السعوديّة هي “خادم الحرم الشريف” وأن معارضة العلماء الوهَّـابيين ليست مُجَـرّد توجّـه فحسب، بل تم قمعها بشدة، هذا النهج يتم تطبيقه بضوء أخضر من أمريكا وشروط الغرب المسبقة، وقد تخلت عن آراء حكام السعوديّة السابقين، حتى لو لم يعترفوا بها علنًا على المدى القصير.
الاستنتاج المنطقي للمقدمات المذكورة أعلاه هو أن خطة تطبيع العلاقات بين المحكمة السعوديّة والنظام الصهيوني بالاتّفاق بين إيران والسعوديّة وتطوير العلاقات السعوديّة بعد ذلك مع أعضاء محور المقاومة مثل لبنان وسوريا، والرغبة في إقامة علاقات مع حزب الله لقد أظهر أنه في طريق مسدود بشكل عام وأن احتمال حدوثه الآن في هالة من شك.
إضافة إلى ذلك، يواجه محمد بن سلمان عقبات في هذا الاتّجاه، معارضة التيار الديني الوهَّـابي للتطبيع، ومعارضة المجتمع السعوديّ لتطبيع العلاقات، وانعدام الثقة في دعم الولايات المتحدة بعد إعلان التطبيع، والقلق من رد فعل الدول الإسلامية والصراع بعد التطبيع مع النهج السابق للسعوديّة تجاه فلسطين عقبات طبيعية الآن، لذا فقد تم تأجيل التطبيع السعوديّ، والمعطيات الحالية في المنطقة تظهر أن السعوديّة لم تطبع بعد لهذه الأسباب.
إضافة إلى ذلك، يرى بعض المحللين الإقليميين أن السعوديّة جعلت من الاتّفاق مع إيران مقدمة للتطبيع؛ مِن أجل تخفيف الآثار السلبية ورد فعل دول المنطقة؛ مِن أجل إنقاذ نفسها من أقصى ضغط بعد التطبيع، لكن الرياض غير قادرة حَـاليًّا على إعلان التطبيع، وربما يكون أقرب وقت ممكن لإعلانها رسميًّا بعد الانتخابات المقبلة في الولايات المتحدة، كما أنه يعتمد على رئيس جمهوري مثل “ترامب” يتولى منصبه، وفي الوقت نفسه يتولى اليمينيون السلطة في الكيان الصهيوني.
في الوقت الحالي، تشير الرحلات العديدة للمسؤولين الجمهوريين للولايات المتحدة إلى السعوديّة وفلسطين المحتلّة إلى أن الولايات المتحدة تسعى إلى إنهاء قضية التطبيع بين المحكمة السعوديّة والنظام الصهيوني، ووجود “ليندسي جراهام” في الرياض وتل أبيب وزيارة “مكارثي” رئيس الكونجرس الأمريكي للأراضي المحتلّة يمكن تفسيره في هذا السياق، لكن إحجام السعوديّة عن الدخول في هذه القضية والشروط التي وضعتها بجدية للتطبيع تثبت أن الاتّفاق مع إيران غير مسار عمل المحكمة السعوديّة وجعل التطبيع غير مؤكّـد، على الأقل خلال العام الحالي.