هكذا ضاعفت الشركات الوهمية معاناة اليمنيين واقتصاد البلد المثقل بتداعيات العدوان والحصار
هكذا ضاعفت الشركات الوهمية معاناة اليمنيين واقتصاد البلد المثقل بتداعيات العدوان والحصار
ثمانية أعوام من العدوان والحصار على اليمن ترتب عليها تداعيات كارثية على النشاط الاقتصادي في البلد وانقطاع المرتبات وتضاؤل فرص العمل والتي دفعت الكثير من المواطنين للتضحية بما تبقى لهم من مدخرات أو أصول عقارية في سبيل الحصول على مصدر دخل لمواجهة أعباء الحياة، ما جعلهم ضحايا لشركات الأسهم الوهمية.
شهدت سنوات العدوان الثمان الماضية ظهور العديد من هذه الكيانات الوهمية والتي استغلت أوضاع البلد الصعبة والاستثنائية لجمع مبالغ مالية كبيرة من آلاف المواطنين الذين تم الإيقاع بهم بطرق ووسائل عدة بعد أن قدمت لهم عروضا خيالية، وغرست الوهم في نفوسهم، ودفعت بعشرات الآلاف من النساء لبيع ما بحوزتهن من مجوهرات وحلي لشراء أسهمها.
في حين جازف الكثيرون بما يمتلكون من أصول عقارية وغير عقارية، من دون أن يحصلوا حتى على حسابات بنكية تحفظ أموالهم، ولا سندات أو ضمانات أو مكاتب رسمية يلجؤون إليها إذا لزم الأمر، لينتهي المطاف بغالبيتهم إلى الفقر والبؤس بعدما خسروا كل ما يمتلكون.
تقدم هذه الشركات نفسها كشركات مساهمة، إلا أن آليات وطرق عملها تظل غامضة وغير واضحة في حين أن أرباحها غير منطقية، خلافا لطبيعة عمل الشركات المساهمة الحقيقية المحكوم بالتراخيص والإجراءات والمعاملات الرسمية التي تحدد طبيعة أنشطتها ومشاريعها المبنية على الدراسات والشفافية في كل ما يتعلق بأمورها المالية وأرباحها السنوية.
تعتمد الشركات الوهمية على من تسميهم المندوبين الذين ينشطون عبر وسائل التواصل الاجتماعي ويعملون على التسويق وفق تسلسل هرمي، دون أن يكون هناك أي عناوين أو مقرات لهذه الكيانات الوهمية أو عقود وتراخيص وسجلات تجارية من وزارة الصناعة والتجارة تتيح لها العمل في المجالات المزعومة، وهو ما يثير الكثير من التساؤلات حول الأسباب التي تدفع المواطنين للمجازفة بأموالهم من دون أي ضمانات.
تقوم تلك الكيانات بادئ الأمر بصرف أرباح صورية لمساهميها الأوائل كما تقدم العروض المغرية، وتستعين بشبكة كبيرة من المندوبين من الذكور والإناث للإيقاع بأكبر عدد ممكن من الضحايا الجدد وخصوصا من الأسر والفئات الأقل تعليم.
ويقصد بالتسويق الهرمي التي تتبعه هذه الشركات دفع الأرباح للمساهمين القدامى من أموال المساهمين الجدد ليستمر العمل قائماً بوجود العملاء الجدد، ومع إقناع العملاء الحاليين بالاستمرار في استثمارهم، تؤخذ الأموال من كل طبقة لتعطى لسابقتها.
يدرك المساهمون في هذه الشركات المخادعة بعد فوات الأوان حقيقة ضياع أموالهم وأنهم وقعوا في فخ الاحتيال، بعد أن ساهم الكثير منهم في الإيقاع بالمزيد من الضحايا، من أجل الحصول على ما تسمى العمولات التي تحتسب مجازا لكل من يجلب المزيد من المساهمين، حيث يزعم القائمون على هذه الشركات أن تلك العمولات تضاف إلى أرصدة المندوبين.
كما يتضح للضحايا لاحقا أن هذه الشركات لا تزاول أي أنشطة اقتصادية حقيقية ولا توجد لها عناوين أو مقرات ثابتة، بل تقوم باستغلال المواطنين وحاجتهم في ظل توقف الكثير من الأنشطة الاقتصادية وتفاقم أعباء الحياة جراء العدوان والحصار.
وعلى الرغم من التحذيرات المتكررة التي أطلقها البنك المركزي اليمني في صنعاء لكافة المواطنين من التعامل مع أي شركات أو كيانات تدعي مزاولة الأعمال واستثمار الأموال دون حصولها على التراخيص اللازمة من الجهات الرسمية، إلا أن الأساليب والحيل التي تتخذها تلك الكيانات الوهمية مكنتها من جمع أموال ضخمة من المواطنين مستغلة حاجتهم ومعاناتهم.
ويؤكد البنك المركزي أن تلك الشركات والكيانات التي تزعم توظيف أموال المساهمين في أنشطة مالية أو عقارية أو تجارية مبنية على الغش والاحتيال، حيث تقوم بصرف أرباح مؤقتة لإغراء أكبر عدد ممكن من الضحايا الذين لا يتمكنون لاحقا من استرجاع رأس مالهم الأصلي، كما أن استثماراتها وهمية ولا توجد لديها مشاريع حقيقية ملموسة ولا ميزانيات مالية معتمدة من محاسبين قانونيين معتمدين توضح تفاصيل تلك الاستثمارات ونتائجها ومنشورة وفقاً للقانون.
وكان البنك قد وجه شركات الصرافة بتطبيق الإجراءات اللازمة للتعرف على العميل والمستفيد الحقيقي وفقا للتعليمات النافذة، والتأكد من حصول الشركات على التراخيص القانونية من وزارة الصناعة ومكاتبها في المحافظات، وعدم الاكتفاء بالسجل التجاري، والتأكد من أن الشركة قد تأسست بالفعل وفقا لقانون الشركات التجارية، وأن المشاريع حقيقية، وهناك تكاليف وأرباح متداولة عبرها، والإبلاغ عن أية حوالات أو أنشطة وهمية يشتبه بأنها تتعلق بغسيل الأموال وغيرها من الجرائم.
فيما وجهت وحدة جمع المعلومات بالبنك شركات الصرافة بحجز حسابات وأموال العديد من الأشخاص وشركات الأسهم الوهمية، التي لا تملك تراخيص مزاولة هذا النشاط إلى حين التثبت من حقيقة نشاطها وأعمالها ومصادر الأرباح، التي تقوم بتوزيعها؛ وعلى إثر هذا فقد قامت النيابة باحتجاز عدد من ملاك ومندوبي الشركات، التي حددها تعميم البنك وإحالتهم إلى الأجهزة القضائية، وصدرت مؤخرا أحكام قضائية بحق البعض منهم.
وبحسب البلاغ الصادر عن البنك المركزي نهاية شهر ذي الحجة 1443هـ فإن التعامل مع تلك الشركات والكيانات الوهمية يعرض أي شخص للمساءلة القانونية.
وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها الجهات الحكومية المعنية بصنعاء في رصد ومتابعة ومراقبة تحركات هذه الشركات وإيقاف عملها، إلا أن هذه الإجراءات المحكومة بالقوانين واللوائح السائدة تتطلب الكثير من الوقت، ما يتيح لتلك الكيانات المجال للإيقاع بعدد كبير من الضحايا أو القيام بتهريب الأموال والتصرف بها، وفي أحيان أخرى مغادرة البلد هروبا من المساءلة والمحاسبة، وعند ذلك يكون المواطن والاقتصاد الوطني هما الضحية.
يتسبب نشاط هذه الشركات خارج الأطر الرسمية والقانونية بإلحاق الضرر الكبير بالمواطنين المساهمين فيها لما يترتب على فقدان أموالهم من معاناة وحسرة وندم، في حين يلحق الضرر الأكبر بالاقتصاد اليمني نتيجة قيام هذه الشركات الوهمية بتحويل ما جمعته من أموال ضخمة إلى العملة الصعبة وتهريبها إلى خارج البلد.
كما أن ما تقوم به هذه الشركات من أنشطة مالية مشبوهة يندرج في إطار عمليات غسل الأموال التي تكون لها عواقب وخيمة تلحق الضرر الكبير بعملة واقتصاد البلد.
وتؤكد مصادر رسمية في صنعاء أن عدد الضحايا المساهمين في هذه الشركات تجاوز 300 ألف مشترك غالبيتهم من النساء، في حين تقدر المبالغ الضائعة بعشرات المليارات وهي أرقام كبيرة، تثير الكثير من المخاوف من هذه الشبكات الخطيرة، التي تقتضي من الجميع الحذر منها والإدلاء بأي معلومات عنها إلى الجهات المختصة.
تزامن ظهور هذه الشركات مع السنوات الأولى للعدوان على اليمن، لتتسبب بالمزيد من المعاناة للشعب اليمني المثخن بالأزمات الإنسانية والظروف والأوضاع المعيشية الصعبة، نتيجة تداعيات العدوان والحصار وما رافقهما من حرب اقتصادية استهدفت اقتصاد البلد وأتت على الأخضر واليابس فيه.
وبعد أن تكشفت حقيقة العديد من تلك الكيان الوهمية وأهـدافها الدنيئة لم يستبعد الكثير من المراقبين أنها جاءت امتدادا للعدوان والحصار وفي إطار الحرب الاقتصادية التي يشنها تحالف العدوان على الشعب اليمني، التي طالت البنى التحتية الأساسية للبلد، ومرتبات الموظفين والبنك المركزي والعملة الوطنية والثروات والموارد السيادية.
ورأى المراقبون أن هذه الكيانات الغامضة جاءت لتسلب اليمنيين ما تبقى لهم من مدخراتهم وممتلكاتهم بعد أن سلبهم العدوان رواتبهم ووظائفهم وكل حقوقهم الأساسية في الحياة، وبات غالبيتهم يعانون العوز وقلة الحيلة وأكثر قربا من المجاعة.
يشار إلى أن القانون اليمني يحظر على شركات ومنشآت الصرافة أو أي جهة أخرى غير رسمية الاحتفاظ بأموال المواطنين أو حتى فتح حسابات لهم، كون ذلك من اختصاص البنوك، في حين يقتصر عمل هذه الشركات على التحويلات وبيع وشراء العملة بشرط حصولها تصاريح مزاولة هذه الأعمال.
كما يعتبر القانون إنشاء أي شركة أو كيان تجاري أو استثماري من دون الحصول على تراخيص رسمية مسبقة، مخالفة صريحة تعرض القائمين عليها للمساءلة.
المصدر/ وكالة سبأ/