السعوديّة.. بين قلق المرحلة وخيارات السلام
السعوديّة.. بين قلق المرحلة وخيارات السلام
يمني برس- بقلم- عبدالرحمن مراد
تصر السعوديّة على الاستمرار في مسارات الغي، فحركة التدمير التي مارستها في دول الإقليم، وعلى وجه الخصوص في اليمن، لن تشفع لها في تحقيق أية مكاسب سياسية إن لم تتدارك أمرها اليوم قبل الغد، فكل اشتغالها السياسي محكوم عليه بالفشل في اليمن إن لم تتعامل مع الواقع في اليمن كما هو في واقعه لا كما يرسمه الخيال السياسي، والوهم الذي يسوقه لها الإعلام والمكونات السياسية اليمنية التي ترتبط بها كأدَاة فشلت في تنفيذ المهام التي كانت ترغب في الوصول إليها في اليمن.
كانت فكرة السلام -التي طبل الإعلام لها في رمضان الفائت وتوجت بزيارة وفد سعوديّ مع الوسيط العماني لصنعاء- خياراً استراتيجياً مع رؤية التقارب مع إيران وعودة سوريا إلى الصف العربي في الجامعة العربية، لكنها على ما يبدو تريد الانقلاب على هذه الخيارات؛ بسَببِ النصائح الأمريكية التي تريد واقعاً غير مستقر في منطقة الجزيرة والخليج حتى تضمن تدفق النفط والغاز في ظل الصراع في أوكرانيا؛ ولذلك سارعت أمريكا في تحريك الملف اليمني، ودفعت به في اتّجاهات متعددة منها تصعيد خطاب الانفصال، والتحَرّك إلى حضرموت على متون المدرعات والآليات العسكرية، ولم يسع السعوديّة تجاه هذا التحَرّك إلا استدعاء رموز حضرموت السياسية والاجتماعية إلى الرياض أملاً في تحقيق توازن سياسي في الجغرافيا اليمنية بينها وبين الإمارات.
الإمارات بالطبع تتحَرّك وفق أجندات صهيونية تخدم الشركات التجارية العاملة على أراضيها، وهي شركات صهيونية تتحكم بالمركزية الاقتصادية، وهذا أمر معروف لكل ذي لُبٍّ وتفكير، والسعوديّة تطمح أن تحقّق حضورًا اقتصاديًّا موازياً للإمارات، ولذلك تعددت تحَرّكاتها بين الاتّحاد الأُورُوبي، ومن ثم الصين وروسيا وهي تتضاد مع السياسة الأمريكية ومصالح أمريكا، ولذلك خرجت بعض التصريحات من أمريكا تقول إن الربيع العربي قادم إلى السعوديّة كنوع من لي الذراع والتخويف، بعد أن رفضت السعوديّة زيادة الإنتاج لمواجهة النقص الحاصل في السوق العالمية من النفط والغاز، وكان استقبال بايدن استقبالاً باهتًا في السعوديّة، وهو أمر لن تغفره أمريكا للسعوديّة، وستغرقها في الأزمات والمشاكل، ولن تتركها تلتقط أنفاسها حتى تغرقها في غيرها، وهذا دأب البيت الأبيض في التعامل مع القضايا والدول منذ تفردت الرأسمالية بقيادة العالم بعد سقوط الاتّحاد السوفيتي مطلع عقد التسعينيات من القرن الماضي.
ولذلك فمشروع “نيوم” العابر للحدود والذي يطمح إلى تحويل المملكة لنموذج عالمي رائد في مختلف جوانب الحياة يتجاوز نموذج أبو ظبي ودبي مهدّد بالفشل، إذَا لم تدرك السعوديّة خطورة المرحلة، وتدرك أهميّة السلام في دول الإقليم وفي اليمن على وجه الخصوص، والسلام لا يمكنه أن يتحقّق في ظل سياسة التدمير والقفز على حقائق الواقع، فالسعوديّة تورطت في تدمير اليمن، وارتكبت الموبقات وكلّ الذنوب التي لا يمكن القفز على صدقها وواقعها، ومعالجة آثار الذنوب والخطايا لا تستطيع أمريكا أن تحقّقه لها؛ لأَنَّ أمريكا لا مصلحة لها في استقرار المنطقة ولا إقليم الجزيرة والخليج، بل المصلحة للدول الطموحة التي تريد أن تحقّق مركزية اقتصادية وسياسية في عالم غير مستقر في مستوياته الحضارية ويتصارع اليوم على المصالح من شرقه إلى غربه.
وأمام قلق المرحلة وخيارات السلام على النظام السعوديّ أن يعيد ترتيب أوراقه السياسية، ولا مناص له سوى الاعتراف بالذنوب ومعالجة آثارها في اليمن، ومن ثم في العراق وفي سوريا، ولا مناص له سوى التعامل مع الواقع كما هو عليه بعيدًا عن النصائح الأمريكية التي لا تريد للشعوب العربية والإسلامية السلام، ولا النهوض، بل غايتها تنمية الصراعات حتى الوصول إلى مراتب الدول الفاشلة، ثم فرض خيارات الاستسلام، من خلال الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة الذي يشرعن للدول الدائمة العضوية في التدخل.
عودة السعوديّة إلى خيار السلام لا يعني بالمطلق تجزئة اليمن، ولا تنمية الصراعات فيه، كما يبدو لنا ذلك من خلال تشجيع عودة السلاطين إلى سلطنات الجنوب التاريخية، وَمن خلال البحث عن شرعنة فصل حضرموت عن اليمن، وسيناريو ضمها للمملكة حتى تجد لها منفذاً على المحيط الهندي، فمثل هذا التوجّـه لن يجعل المملكة تستقر، وبالتالي لن تستقر اليمن، ولكن يمكن للمملكة أن توازن مصالحها وتتكامل مع دولة يمنية وطنية موحدة وقوية من خلال التفاهمات والاتّفاقات، وبما يضمن مصلحة اليمن والسعوديّة في إطار جامع من المصالح العربية والإسلامية.
بعد عقد من الزمن من الصراع والنزاع في اليمن لم يعد هناك ما يمكن خسرانه في الحسبان السياسي، فاليمن خسرت كُـلّ مقدراتها، بآلة التدمير لدول العدوان، ومن مصلحة السعوديّة أن تعترف بالخطأ الذي ارتكبته في اليمن، فهي طرف أعلن الحرب من واشنطن على اليمن في مارس 2015م، وطرف حشد العالم للمشاركة في تدمير اليمن، وأية خزعبلات ثانوية لا طائل منها، ومواجهة هذه الحقيقة سيجعل طريق السلام سهلاً ومن المقدور عليه، ومن مصلحة السعوديّة أن تتحمل نتائج عدوانها على اليمن حتى تضمن مستقبلاً آمناً ومستقراً وتحقّق أهدافها الاقتصادية في مشروعها الطموح العابر للحدود.