الدرس الثالث للسيد القائد عبدالملك الحوثي من وصية الإمام علي لابنه الحسن عليهما السلام
الدرس الثالث للسيد القائد عبدالملك الحوثي من وصية الإمام علي لابنه الحسن عليهما السلام
أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّدًا عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيم.
أَيُّهَــــا الإِخْــــوَةُ وَالأَخَوَات: السَّــلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَــةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُــه؛؛؛
تحدثنا في درس الأمس على ضوء قوله “عَلَيهِ السَّلَامُ”:((فَأَصْلِحْ مَثْوَاكَ، وَلَا تَبِعْ آخِرَتَكَ بِدُنْيَاكَ))، وهذه الجملة مهمة جدًا، تعطينا قاعدة مهمة، ننطلق أساسها في مسيرة حياتنا، حيث يحسم الإنسان خياره، ويتخذ قراره، بأن تكون أولويته التي يعتمدها: هو أن يحسب حساب آخرته، قبل حساب دنياه، و ألا يؤثر هذه الحياة الدنيا في مطامعها وأهوائها ورغباتها وشهواتها بما يخسر به آخرته، يمكن للإنسان أن يكون عنده في هذه الحياة اهتمامات بأموره المعيشية، بمتطلبات حياته الأساسية، أو حتى ضمن دوافع إيمانية، يعمل، يشتغل، ينتج، يزرع، يشتغل في التجارة، يعمل في عمران هذه الحياة، يتحرك في مختلف مجالاتها التجارية، ومختلف الأعمال الأخرى التي ترتبط بعمران هذه الحياة، ولكن ليس على أساس أن يقايض بآخرته، وأن يخسر آخرته، فيدخل في باطل، أو يرتكب المحرمات، أو يتورط في المظالم والمفاسد، أو يتحرك وهو يحمل في نفسه حالة الطمع والجشع والحرص، التي تؤثر على الإنسان تأثيرًا كبيرًا، فيتحول اهتمامه الرئيسي والأساسي نحو رغباته في هذه الحياة، ومطامعه في هذه الحياة، ولا يتحرج، لا يتحرج من أن يخسر آخرته، لا يتحرج من ارتكاب مأثم، أو فعل حرام، أو ارتكاب مظلمة، فالإنسان يحرص على أن تكون اهتماماته في هذه الحياة، في متطلباتها، وفي همومه المعيشية، وغير ذلك، تحت سقف ألا يخسر آخرته، وفي إطار ما يفيده حتى لآخرته.
يمكن للإنسان أن تكون اهتماماته في هذه الحياة في إطار اهتمامه بأمر آخرته، ضربنا على ذلك الأمثال في محاضرات متعددة، عندما يكون هم الأمة أن تكون أمة قوية في اقتصادها؛ حتى تحقق لنفسها الاكتفاء الذاتي في ضروريات معيشتها، فلا تفتقر إلى أعدائها، ولا تخضع لأعدائها، بل تكون قوية بما يمكِّنها من أداء مسؤولياتها في هذه الحياة، مسؤولياتها الحضارية، مسؤولياتها الجهادية، مسؤولياتها المتنوعة والمختلفة، فالمسألة ترتبط بها النوايا والمقاصد والغايات، ويرتبط بها أيضًا الوسائل والأساليب التي تكون مضبوطة بضوابط الشرع الإلهي، كما قال “عَلَيهِ السَّلَامُ”: ((فَأَصْلِحْ مَثْوَاكَ))، احرص على أن تصلح مستقبلك بصلاح في عملك، صلاح عملك في هذه الحياة: هو الذي يضمن لك صلاح مستقبلك، أن يكون مستقبلًا عظيمًا، مستقبل الفوز، مستقبل الجنة ورضوان الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والتيسير في الحساب، والأمن في يوم الفزع الأكبر، ولكن- للأسف- ما أكثر الناس الذين يبيعون آخرتهم بدنياهم، مقابل أن يحصل على شيء من هذه الدنيا، يدخل في موقف باطل، أو يظلم، أو يرتكب الحرام، أو يحرص على أن يحصل على أي شيء بأي طريقة كانت، {وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا}[الفجر:19]، هذه حالة خطيرة جدًا، والله ذكر مصير الذين باعوا آخرتهم، وحرصوا على أن يحصلوا على هذه الدنيا حتى لو كان الثمن هو خسرانهم للآخرة وللجنة، قال عنهم في القرآن الكريم: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ} [البقرة: 86]، إن غمسة واحدة في نار جهنم، تحترق فيها بنيرانها، هي كفيلة بأن تنسيك كل ما يمكن أن تكون حصلت عليه في هذه الحياة الدنيا بالحرام، بالباطل، هي كفيلة بأن تنسيك أي شهوة أو لذة حصلت عليها- وهي في الحرام- في هذه الحياة الدنيا، فما بالك عندما يتحول مستقبلك إلى مستقبل عذاب شديد للأبد- والعياذ بالله.
((وَدَعِ الْقَوْلَ فِيَما لَا تَعْرِفُ))، أن يكون الأساس فيما تقوله: هو معرفتك، والضوابط الشرعية حتى لا تتحمل الوزر فيما تقول؛ لأنه يدخل في إطار المجازفة بالقول فيما لا تعرف: أن الإنسان قد يتورط، فيفتري على الله الكذب، ينسب إلى الله أو إلى دين الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” ما لا أصل له من الصحة، ما لا حقيقة له، فيفتري على الله الكذب، هذه حالة خطيرة، من أعظم الذنوب ومن أعظم الجرائم، قد تتورط في التكذيب بالحق، أو بما هو حق، إذا كنت تجازف بكلامك، ليس على أساس من المعرفة، المعرفة التي هي مبنية على أساس صحيح، المعرفة الحقيقية، قد تتورط في دعم الباطل ومساندة الباطل، قد تتورط في الافتراء على الآخرين؛ لأنك تجازف، فتقول بغير معرفة، بغير تأكد وتثبت، قد تتورط فتسيء إلى أحد بغير حق، كم سيدخل تحت القول بما لا تعرف من ذنوب ومعاص، عندما يجازف الإنسان بالكلام، ((وَدَعِ الْقَوْلَ فِيَما لَا تَعْرِفُ، وَالْخِطَابَ فِيَما لَمْ تُكَلَّفْ))، فيما لست معنيا به ليس في إطار تكليفك، ولا في إطار ما أنت معنيٌّ به، إنما تتعاطى في ذلك من باب الفضول، أو فيما لست أصلًا بمستواه، ليس من اختصاصك، ليس في حدود مؤهلاتك وقدراتك المعرفية والعلمية، فأنت هنا تثير إشكالًا بأسلوبك ذلك، أو قد تحمل نفسك وزرًا، عندما تتحول مثل هذه الأمور إلى ظاهرة، تتحول إلى إشكالية كبيرة في واقع الناس، مثلما هو في هذا الزمن في مواقع التواصل الاجتماعي، ما أكثر الذين يقولون ما لا يستندون فيه إلى معرفة، إنما بالمجازفة، وقد يتبنى موقفًا باطلًا، قد يتبنى صدًّا عن حق، أو تكذيبًا بحق، أو إساءةً بغير حق، أو غير ذلك؛ لأنه يجازف، اعتاد أن يجازف، لا يتعامل بمسؤولية، هذه النوعية ما أكثرهم ،ما أكثرهم، الذين يجازفون في كلامهم على غير بينة ولا معرفة، ولا أساس، ولا الالتزام بضوابط شرعية، والمسألة خطيرة جدًا كما ورد في الحديث النبوي؛ عن أكثر الناس: ((وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ))، وكما قلنا- يلحق باللسان ما يُكتب، ما يكتبه الإنسان.
((وَأَمْسِكْ عَنْ طَرِيقٍ إِذَا خِفْتَ ضَلَالَتَهُ))، تحدثنا عن هذه الفقرة المهمة جدًا، عن أهمية أن يكون الإنسان في مسيرته في هذه الحياة، فيما يتبناه من مواقف، أو قضايا، أو توجهات، فيما يسير عليه من عقيدة، ومبدأ، أن يعتمد على هدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وأن يكون على بصيرة من أمره، وبينة من ربه، وألا يجازف في أي قضية، أو في أي موقف، أو في أي توجه، بالتحرك فيها دون أن يكون على هذا الأساس، على بينة، على هدى، على حق، يتأكد من ذلك، يتثبت من ذلك، هذه مسألة مهمة، فإذا لم يكن على هذا النحو فليكف، إذا كانت هناك قضية ملتبسة، أو موقف ملتبس، فليتثبت، وليتبين، وليتأكد، ولا يجازف، ولا يكون الإنسان من المجازفين الذين يتسرعون في أي موقف، في أي قضية، في أي توجه، يتأثر بأي شيء، يتلقف أي شيء، هذه حالة خطيرة جدًا على الإنسان، كما ذكرنا- البعض من الناس قد يصل به الحال أن يرتد عن الإسلام؛ لأنه قرأ في الإنترنت شبهة معينة أو مقالة معينة، يتأثر بأي شيء، يتحول من موقف إلى موقف، يدخل في أي قضية بتسرّع، بتهور، دون أن يتبين ويتثبت ويتحرك على أساسٍ صحيح وفق هدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
والضلالة في الموقف؛ إذا ضل الإنسان عن طريق الحق في قضية معينة، أو موقف معين، أو توجه معين، فالمسألة خطيرة على الإنسان، الضلال هو أخطر شيء على الإنسان، الضلال هو الذي يصل بك إلى جهنم، الضلال هو الذي يبعدك عن طريق الحق، الضلال هو الذي يمكن أن يفسد نفسيتك، أن يتجه بك في مواقفك، في تحركك، في عملك، في سعيك، بما تتحمل به الوزر والإثم، وتخسر- والعياذ بالله، الكلام عن هذه الفقرة يمكن أن يطول جدًا، لكن نكتفي بإشارات وببعض التعليق على ما ورد؛ لأنه شيء كثير، وشيء نافع جدًا، ما ورد في هذه الوصية.
((فَإِنَّ الْكَفَّ عِنْدَ حَيْرَةِ الضَّلَالِ خَيْرٌ مِنْ رُكُوبِ الأَهْوَالِ))، والإنسان إذا اتجه فيما يخرجه عن طريق الحق، فيما يضيعه، فهو يركب الأهوال فعلًا، الأهوال في الدنيا والآخرة، هو يتجه في الطريق الخطير، الخطير جدًا عليه، الخطير على نفسه، الخطير على موقفه، في الطريق الذي كلما قدمت فيه، أنت تخسر، هو خسران عليك، ووزر عليك، وعواقبه سيئة عليك، ثم العاقبة في نار جهنم- والعياذ بالله، قضية خطيرة على الإنسان.
((وَأْمُرْ بالْمَعْرُوفِ تَكُنْ مِنْ أَهْلِهِ))، كنا وصلنا بالأمس إلى هذه الجملة المهمة، ((وَأْمُرْ بالْمَعْرُوفِ تَكُنْ مِنْ أَهْلِهِ، وَأَنْكِرِ المُنكَرَ بِيَدِكَ وَلِسَانِكَ، وَبَايِنْ مَنْ فَعَلَهُ بِجُهْدِكَ))، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، من فرائض الله الأساسية في دينه، وهذه مسألة معروفة في الدين الإسلامي، ومعروفة عند كل المذاهب الإسلامية، مع أنها غائبة، فريضة غائبة عند أكثر الناس، وللأسف الشديد، يعني مع أنه معروف عنها أنها من فرائض الله الإلزامية، لكنها غائبة عند أكثر الناس، وخارجة عن إطار اهتماماتهم الدينية والتزاماتهم الإيمانية، ولا يحسمونها كمسؤولية من المسؤوليات الأساسية في دين الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
المعروف هو عنوان مهم، يشمل كل ما أمرنا الله به، ووجهنا إليه، وأرشدنا إليه، فيما يتعلق بأمور ديننا ودنيانا، فهو عنوان واسع جدًا، وهو يعود إلى ما تعرفه الفطرة؛ لأن ما أمرنا الله به وشرعه الله لنا: تعرفه الفطرة، وتنسجم معه فطرة الإنسان. كذلك المنكر هو عنوان واسع، يشمل كل ما نهانا الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” عنه، مما له علاقة بالدين والدنيا، وهو كذلك يعود إلى إنكار الفطرة، تنكره الفطرة، ولا تنسجم معه الفطرة السليمة.
فالمعروف هذا العنوان المهم الواسع، هو تتعلق به مسؤولية أساسية، في أن نلتزم به، أن نتحرك فيه، أن نعمل به، فيما يدخل في إطار العمل، فيما يدخل في إطار الالتزامات العملية، في مختلف المجالات؛ لأنه يدخل إلى مختلف المجالات، فيضبط نشاطنا العملي في مسيرة حياتنا، في كل مجالات الحياة وشؤون الحياة، على أساسٍ صحيح، تحت هذا العنوان (المعروف).
وعندما نتحرك على أساس أن نعمل بالمعروف، وأن نقول المعروف، وأن تكون حركتنا في مجالات حياتنا، على أساسٍ معروف، فالمعروف مُحارَب، هناك من يحاربه، هناك من ينهى عنه، ولذلك علاقتنا بالمعروف ليست فقط في حدود التوجه، في حدود أن نعمل به فقط، بل لا بد أن نأمر به، أن نسعى لنشره، أن نسعى لأن يعمّ في أوساط الناس؛ لأنه من المسؤوليات الجماعية، ولأنه يرتبط به كثير من الأمور التي هي عادةً تعمّ في واقع المجتمع، التزامات عامة، مسؤوليات عامة، ولأن الواقع المجتمعي للناس واقع مترابط، ومسيرة الحياة فيما بينهم كمجتمعات، في إطار المجتمع الواحد، لا يتهيأ لك الالتزام بالمعروف بمفردك، ثم تستطيع مع ذلك أن تنهض بهذه المسؤولية بمفردك لتقيمها في واقع الحياة؛ لأن المطلوب أن تسود في الساحة من حولك، حتى يتأتى الالتزام بها في إطار مجتمع معين أو أمة معينة، بأي مستوى، أمة بأي مستوى تتجه على هذا الأساس.
فلما كان المعروف محاربًا، وكان أيضًا من المسؤوليات الجماعية، وكان أيضًا مما يرتبط بواقع الحياة الجماعية، في معاملة الناس فيما بينهم، في تصرفاتهم التي تعود إلى واقعهم الاجتماعي، كان لا بد من الأمر به، وهذه مسألة معروفة تحتاج إليها بدءًا من أسرتك، كيف تأمرهم بالمعروف، كيف تحثهم على المعروف، كيف تشجعهم على المعروف، كيف تعودهم على المعروف، كيف تربطهم في أعمالهم، في تحركاتهم، في مواقفهم، بالمعروف، ثم في محيطك الاجتماعي بقدر ما أنت مؤثر فيه، ولكن ليس على أساس أنك ستنطلق في هذه المسؤولية- فقط- في إطار اهتماماتك الشخصية، أنت ستبذل في هذا المستوى، مستوى واقعك الشخصي، واقعك الأسري، محيطك القريب، الاجتماعي أو العملي، أنت ستبذل ما تستطيع، ستحث، ستأمر، ستؤكد، ستَرغِّب، ستوجِّه، …إلخ، لكن لا بد أن يكون هناك أيضًا على مستوى المسؤولية الجماعية، أن تتجه كفردٍ من أمة، تتحرك على أساس برنامج عمل، في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، مشروعٍ عملي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولهذا يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، في القرآن الكريم، {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [ آل عمران: 104]؛ لأن الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” هو العليم أن نجاح هذا الجانب- لكي يسود في واقع الحياة- هو مرتبط بأن تتحرك بهذه المسؤولية أمة، فتتحرك بشكل جماعي، للنهوض بهذه المسؤولية وأدائها.
ولذلك- في الأمر بالمعروف- هناك اهتمام منك، في إطار ما يمكنك، في إطار تأثيرك، وهناك نشاط ضمن أمة، أن تتحرك فيه ضمن الأمة كمسؤولية جماعية، والأمة تلك تتحرك بمشروع عملي منظم، وواعٍ وهادف، تهتدي به هدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في ذلك، تتحرك ضمن برنامج عمل فيه أولويات، فيه أنشطة واسعة، فيه إحياء لهذا الدين الذي يترك أثرًا عظيمًا في أن يبني الإنسانَ أساسًا في وجدانه، في تزكية نفسه، في توجهه، في التزامه العملي، على أساس المعروف، هو يعلمك المعروف، يصبح هذا ضمن الاهتمامات التعليمية، هو يوجهك ويربيك على هذا الأساس، وفي نفس الوقت تكون مسألة الأمر به ضمن أنشطة متنوعة، أنشطة تعليمية، أنشطة تثقيفية، أنشطة توجيهية، وأنشطة عملية، فيكون التحرك تحركًا فاعلًا مؤثرًا يترك أثره في الساحة.
ويقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}[التوبة: من الآية 71]، فهم يتحركون في إطار مسؤولية جماعية، بعضهم أولياء بعض، وثمرة هذا الولاء فيما بينهم، هذا الارتباط الإيماني فيما بينهم، كأمة موحدة تتحرك، يوالي بعضها بعضًا، تتحرك وتنهض بهذه المسؤولية، {يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}.
المعروف عنوان واسع، يدخل إلى المجالات السياسية، إلى المجالات الاقتصادية إلى الجانب الأخلاقي والسلوكي، إلى مختلف مجالات الحياة، جانب التعامل فيما بين الناس، العلاقات فيما بين المجتمع، عنوان واسع وعنوان مهم، وتدخل ضمنه أولويات، تخدم بقية التفاصيل، وتؤثر على بقية التفاصيل، ويرتبط أيضًا بالجانب المعرفي، الإنسان عندما يتحرك بهذه المسؤولية، يجب أن يتحرك على أساس الوعي والبصيرة والمعرفة، وليس بالمجازفة أو التخمين، يتصور هو- بناءً على تصوراته- أن ذلك من المعروف، أو أن ذلك من المنكر، فيتصرف بشكل فردي، وبشكل يحدث تناقضًا في واقع المجتمع، فيصبح الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- إذا لم يكن بشكل صحيح- يصبح بشكلٍ تدخل فيه إشكالات كثيرة، وسلبيات كثيرة، بما تتحول بعض الحالات من أمرٍ بمعروف إلى أمرٍ بمنكر، إذا لم يكن وفق رؤية صحيحة وتوجه صحيح مبني على أساس هدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” وتعليماته ونوره.
((وَأْمُرْ بالْمَعْرُوفِ تَكُنْ مِنْ أَهْلِهِ))، لا يكفي لِأَن تكون من أهل المعروف، أن تقول: [أنا سأحاول أن التزم شخصيًا بالمعروف، لكني لا أسعى لِأَن يسود هذا المعروف في الواقع من حولي، ولا أسعى لِأَن أكون ضمن أمة تحقق هذا الهدف الكبير، أمة تتحرك بشكل جماعي، بفاعلية عالية، بتأثير كبير، فيسود هذا المعروف بالواقع من حولي، حتى يأتي الالتزام به]؛ لأن واقعك في الحياة هو واقع اجتماعي، أنت تتعامل مع المجتمع من حولك، والمعروف نظام اجتماعي، نظام شخصي، نظام عام، يشمل الواقع الشخصي والواقع الاجتماعي، فلا يمكن مثلًا إذا لم يَسُد في الحياة أن يكون التطبيق له في نقطة محددة إلا بمستوى محدود، لكن تبقى المعاملات تبقى جوانب كثيرة جدًا، إذا لم يَسُد هذا المعروف في واقع الناس، ستُرغم أنت أن تتعامل معهم وفق طريقتهم هم التي هي من المنكر، والتي هي مخالِفة للمعروف، ولذلك من حكمة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أن ربط هذه المسألة أيضًا كمسؤولية جماعية تتحرك فيها أمة، ليسود المعروف فيما بينها، حتى يشمل ما هو أكثر من الحدود الشخصية، والجوانب الشخصية، والأعمال التي هي في حدود شخصيتك أنت؛ لأن الالتزام على المستوى الشخصي سيصل إلى مستوى معين، وهو مطلوب، ولكن فيما يتعلق بالمعاملة مع الناس، يجب أن تسعى لِأَن تكون ضمن أمة، فتتحرك على هذا الأساس.
لتكون من أهل المعروف لا بد أن تأمر به، أن تكون ضمن الأمة التي لها برنامج عمل للأمر بالمعروف، لِأَن يسود المعروف، للتحرك بهذا المعروف في واقع هذه الحياة في مختلف المجالات، وهناك نقص كبير في النظرة إلى الأمر بالمعروف، أو نقص محدود، مثلًا البعض ينظر إلى هذا العنوان في الإطار الأخلاقي، أو في الإطار السلوكي، أو في الإطار العبادي، هذه جوانب أساسية من المعروف، ولكن هذا يمتد إلى بقية المعاملات، ويشمل مختلف المجالات، بما في ذلك مثلًا الجانب الاقتصادي.
من المعروف أن نسعى لأن نُعِدّ ما نستطيع من القوة، الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” خاطبنا كمجتمع مسلم: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}[الأنفال:60]، هذا خطاب جماعي للأمة، وضمن اهتماماتها الجماعية، وإذا اهتم هذا الشخص وهذا الشخص وهذا الشخص، في الأخير كانوا أمة، وكان لاهتمامهم الجماعي وأيضًا الأسلوب التعاوني فيما بينهم ثمرة كبيرة، القوة هذه نحتاج إليها في الجانب العسكري، في الجانب الاقتصادي، في مختلف المجالات، هذا يتطلب اهتمامًا، مثلًا في الجانب الاقتصادي بتحقيق الاكتفاء الذاتي، بالسعي لإنتاج متطلبات الحياة الضرورية، حتى لا نعتمد على أعدائنا في الحصول عليها؛ لأننا إذا كنا معتمدين على أعدائنا في الحصول عليها، كانت ورقة ضغط لهم، يضغطون علينا بها، وهذا ما يحصل في هذا العصر، ماذا تفعل أمريكا والغرب، من أول ما يعملونه في محاربة أي قطر إسلامي، أو أي أمة من أبناء الإسلام: أن يتخذوا قرارًا بالحظر الاقتصادي والحصار الاقتصادي، يحاولون بذلك أن يُلحِقوا أبلغ الضرر بالناس، حتى في لقمة عيشهم، حتى في حصولهم على احتياجاتهم الأساسية: في غذائهم، ودوائهم، وملابسهم، ومختلف الأغراض الضرورية لحياتهم، فعنوان المعروف هو عنوان واسع، يدخل إلى كل المجالات ذات الأهمية، بحسب توجيهات الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” وما يرتبط بها، ويتعلق بها في واقع التطبيق والتنفيذ والالتزام العملي.
((وَأَنْكِرِ المُنكَرَ بِيَدِكَ وَلِسَانِكَ، وَبَايِنْ مَنْ فَعَلَهُ بِجُهْدِكَ))، عنوان النهي عن المنكر، عادةً ما يأتي مقترنًا مع الأمر بالمعروف في القرآن الكريم، مثلما قرأناه في قول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْـمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْـمُنْكَرِ}[آل عمران : من الآية 104]، {الْـمُؤْمِنُونَ وَالْـمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْـمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْـمُنْكَرِ }[التوبة: من الآية 71]، أيضًا في قول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في ضمن المواصفات الأساسية للمؤمنين: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآَمِرُونَ بِالْـمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْـمُنْكَرِ} [التوبة: من الآية 112]، فنجد ضمن مواصفاتهم الأساسية والتي تأتي مع الأمر بالمعروف، يأتي معه النهي عن المنكر، ويتكرر هذا في مواضع كثيرة في القرآن الكريم، لا يكفي أن تأمر بالمعروف، لا بد مع الأمر بالمعروف أن تنهى عن المنكر، هذه مسؤولية من مسؤولياتك الإيمانية، والتزاماتك الدينية، ومسؤولية مهمة.
هناك في واقع هذه الحياة؛ الذي يناقض المعروف: هو المنكر، الذي يناقض المعروف، إذا غاب المعروف يحل محله المنكر، وهناك في هذه الحياة جهات برنامجها هو المنكر، وفي كل المجالات، في المجال السياسي: سياسات منكرة، ظالمة، باطلة، سيئة، فاسدة، في المجال الاقتصادي كذلك، في المجال الاجتماعي، في المجال الأخلاقي والسلوكي، في مختلف المجالات، الكافرون والمنافقون، والمنحرفون العصاة، الذين يتبعون أهواء أنفسهم في هذه الحياة: هم أصحاب المنكر، وأهل المنكر، والآمرون بالمنكر، هم الذين يسعون إلى إزاحة المعروف ومحاربته، ومنعه، والتصدي له، بكل الوسائل، الوسائل الدعائية، الوسائل التثقيفية، الوسائل الإعلامية، وحتى بالقوة؛ على المستوى العسكري، على مستوى القدرات والإمكانات التي هي بعنوان أمنية، وغيرها، هم يحاولون أن يزيحوا المعروف من واقع الحياة، وأن يحل محله المنكر، وهذا شيء واضح بيَّنه القرآن الكريم في آيات كثيرة، وبيَّنه الواقع، مصاديقه في الواقع قائمة؛ في هذا العصر بشكل كبير جدًا، كيف تسعى أمريكا وإسرائيل، والغرب الكافر، ومن معهم من المنافقين، من أبناء هذه الأمة، ومن المُتَّبِعين للأهواء، الذين لم يبنوا حياتهم على أساس الالتزام الإيماني، والاتباع لهدى الله، والتمسك بهدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، هم يتجهون على أساس المنكر.
المنكر: ما يخالف توجيهات الله وتعليماته، ولا ينسجم مع الفطرة الإنسانية التي فطر الله الناس عليها، عنوان تدخل تحته كل المظالم، كل المفاسد، كل الجرائم، كل الأشياء السيئة، عنوان واسع، وأيضًا يأتي إلى واقع الحياة في مختلف مجالاتها وشؤونها، هناك في الجانب الاقتصادي منكرات، في الجانب الأخلاقي منكرات، في الجانب الاجتماعي منكرات، في الجانب السلوكي منكرات، في الجانب السياسي، في مختلف المجالات، منكرات هي مظالم، أو مفاسد، أو جرائم، أو أمور سيئة، وكلها تدخل تحت عنوان المنكر.
فإذًا لا يستقر المعروف في واقع الحياة، ولا يسود في واقع الحياة، إلا إذا كان هناك تصدٍّ للمنكر وإنكار للمنكر، إنكار يدخل ضمن برنامج عمل، أمة ضمن برنامجها أن تحارب الفساد، أن تحارب الظلم، أن تتصدى للطغيان، أن تقف في وجه الفساد بكل أشكاله، الفساد في المجال الأخلاقي، في المجال الاقتصادي، في المجال السلوكي، في المجال السياسي، في المجال الاجتماعي، في كل المجالات، أن تتصدى له، أن تعمل على إزاحته، أن تعمل على منعه، أن تعمل على حماية المجتمع منه؛ لأنه خطر على المجتمع، يهدد المجتمع، المنكر: جريمة، ظلم، فساد، طغيان، ما يفسد الناس في حياتهم، في أنفسهم، ما يفسد واقعهم، ويخرب واقعهم، ظلم لهم في حياتهم وفي واقعهم، المنكر مشكلة حقيقية على الناس، وخطر يهددهم، وعواقبه سيئة عليهم، ولذلك أتى في الحديث النبوي التشبيه البليغ لمسألة المنكر وخطورة التساهل عنه، عندما يكون هناك قوم راكبون في سفينة، وأتى شخص ومعه فأس ليثقب في مكانه في السفينة، يريد أن يثقبه، وإذا ثقبه دخلت المياه وغمرت السفينة وهلك الجميع، المنكر يشكل تهديدًا للمجتمع، تبدأ أحيانًا جرائم معينة إذا سكت عنها المجتمع انتشرت، وتفشَّت، وأضرت به، تمثل ضررًا عليه، إما في واقعه الأمني، أو في واقعه الاقتصادي، أو في واقعه الاجتماعي، المنكر بكل أشكاله، إن كان فسادًا فهو مضر بالناس، إن كان ظلمًا فهو مضر بالناس، إن كان جرائم معينة فهو مضر بالناس، أو يهددهم في واقعهم الصحي، أو يهددهم في قيمهم، وأخلاقهم، ومبادئهم الإيمانية الدينية، التي لها أهمية في مسيرة حياتهم، فالمنكر هو يشكل تهديدًا وخطرًا على الناس، ولذلك لا يكفي مثلًا أنك تجتنبه أنت شخصيًا، ثم تسكت عنه ليسود في الحياة من حولك، ليسيطر على الواقع من حولك، لا يكفي ذلك، عليك مسؤولية في أن تنكر المنكر، وكما قلنا هناك في ما هو في نطاق تأثيرك الشخصي، وعليك مسؤولية فيه، وهناك ما هو في نطاق أمة تتحرك ضمن أمة، {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}[آل عمران: من آية: 104]، {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}[التوبة: من آية: 71]، كما قال أيضًا: {وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ}[التوبة: من الآية 112]، أمة لديها أيضًا برنامج عمل، رؤية صحيحة مبنية على أساسٍ من هدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” وتعليماته، ولديها اهتمامات واسعة، في إزاحة المنكر، في التصدي للمنكر، في مواجهة المنكر، في إنكار المنكر، هذا أيضًا حاله حال المعروف، يدخل ضمن أنشطة تعليمية، تثقيفية، توجيهية، إعلامية، عملية، مجال واسع جدًا، وفي مختلف المجالات أيضًا، وإذا اقترن النهي عن المنكر مع الأمر بالمعروف، فأيضًا المعروف هو بدائل، المعروف هو بدائل عن المنكر، وهو البديل الصحيح، الذي ينسجم مع الفطرة وتصلح به الحياة، فإذا أزيح منكر معين، فهناك من المعروف ما هو الذي ينبغي أن يكون قائمًا، أن يكون معتمَدًا، أن يكون معمولًا به، أن يكون الارتباط به، أن تكون الممارسة قائمة على أساسه، في أي مجال من المجالات، ومنه المجال الاقتصادي، عند الالتزام بتحريم الربا، ومحاربة الربا، كمنكر من أكبر المنكرات، فهناك بدائل من المعروف لا بد منها، تحتاج إليها الأمة، وهي تسُدُّ مَسَدَّ الربا الذي هو ضر على الأمة، وفي نفس الوقت لها إيجابياتها، لها آثارها الطيبة في الناس، في أنفسهم، في علاقتهم بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، في واقعهم الاقتصادي، فلا بد من الاهتمام بالمعروف، الاهتمام بالمعروف في كل مجال، يعني لا يكفي النهي عن المنكر دون الأمر بالمعروف، وأن يكون هو الذي يحضر، الذي يُعمَل به، الذي يكون سائدًا في الساحة؛ في مقام العمل، ليست المسألة فقط نهيًا عن منكر دون أمرٍ بالمعروف، أو أمرًا بمعروف دون نهيٍ عن منكر، هناك اقتران، ولاحظناه في القرآن الكريم يتكرر في أغلب المواقع التي يأتي فيها الحديث عن هذه المسؤولية.
جهات المنكر والموقف منها، نجد قول الإمام “عَلَيهِ السَّلَامُ”: ((وَبَايِنْ مَنْ فَعَلَهُ بِجُهْدِكَ))، أنت تنكر المنكر، ولك موقف من أهل المنكر، الذين يعملون ويسعون إلى أن يسود المنكر في ساحتك، وكما قلنا- هناك جهات في مقدمتها: الكافرون والمنافقون، والمتبعون للأهواء، المنحرفون عن طاعة الله، من الفاسقين والمجرمين، فئات تتحرك في الساحة بالمنكر، الذي تستهدف به الناس، وتضر به الناس، وتهدد به الناس، في دينهم، في حياتهم، في شؤونهم المختلفة.
لا بد أن يكون لك موقفٌ مباين من أهل المنكر، لا يمكن مثلًا أن تنكر المنكر، ثم تكون علاقاتك بأصحاب المنكر، والذين يتحركون بالمنكر في هذه الحياة، علاقة تعاون، كيف ستتعاون أنت وهم! علاقة تحالف، كيف تتحالف أنت وهم! مثل ما هو الحال مع الذين يتجهون إلى الارتباط بأمريكا، أمريكا في هذا العصر هي الرائدة في نشر المنكر في العالم، هي التي حملت لواء المنكر في كل المجالات، وصولًا إلى المجال الأخلاقي، حتى المجال الأخلاقي، حاولوا أن يطمسوا فيه المعروف وأن يأتوا بالمنكر، وبتبنٍّ كبير جدًا، مثل تبنيهم للجريمة الشنيعة المخزية السيئة للغاية، الجريمة المثلية، جريمة من أشنع الجرائم، وأفظع الجرائم، وأقبح الجرائم والرذائل، ثم يتبناها الأمريكي، تبنِّيًا رسميًا، ويدعمُها دعمًا سياسيًا، دعمًا تحت العنوان القانوني، دعمًا ماديًا، كل أشكال الدعم؛ لنشر الرذيلة، حتى في المجال الأخلاقي، ما بالك في بقية المجالات، هم بدأوا بها من زمان، وتحركوا فيها من زمان، حتى هذا المجال هم تحركوا فيه من زمان، لكنهم وصلوا إلى مستوى غريب جدًا، مخزٍ لهم- والعياذ بالله.
لا بد أن يكون لك موقف منهم، إسرائيل العدو الصهيوني اليهودي، عدوٌ من أكبر الذين يرتكبون المنكرات، ويستهدفُ بمنكره بكل أشكاله، منكره فسادًا، منكره ظلمًا، منكره جرائم، كل أشكال المنكر، يستهدف بها أمتنا، استهدف بها الشعب الفلسطيني الذي هو جزء من هذه الأمة، ويستهدف بها بقية الأمة، وهكذا أعوانهم المرتبطون بهم، المؤيدون لهم، المتحالفون معهم، ما هو برنامجهم؟ ما هي خطواتهم العملية؟ ما هي اهتماماتهم العملية؟ ما هي مساعيهم العملية؟ في كل المجالات؟ منكرات، منكرات يستهدفون بها الأمة، هكذا في داخل الساحة، عندما يأتي من يتحرك بين أوساط الأمة، لنشر الجرائم، أو لنشر المفاسد، أو لنشر المظالم، إذا سكتت عنه الأمة، يتمكن، يتمكن بفساده، يتمكن بمظالمه، يستبيح المجتمع من حوله، تتحول الجريمة إلى ظاهرة، يتحول الفساد إلى ظاهرة تنتشر في أوساط الناس، إذا لم يكن هناك إنكار للمنكر وتصدٍّ للمنكر، ولهذا ورد أيضًا في الحديث النبوي الشريف المشهور بين الأمة: ((لَتَأْمُرُنَّ بِالمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهُنَّ عَنْ المُنْكَرِ، أَو لَيُسَلِّطَنَّ اللهُ عَلَيكُمْ شَرَارَكُم، ثَمَّ يَدعُو خِيَارُكُم فَلَا يُستَجَابُ لَهُم))، يدعون لكن لا يستجاب لدعائهم؛ لأنهم أَخَلُّوا بمسؤوليتهم العملية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلذلك لم يعد الدعاء مقبولًا من جانبهم، والاستغاثة بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، لكن لو أتى الدعاء مع الأمر بالمعروف، مع النهي عن المنكر، سيكون دعاءً مقبولًا، فلا بد من مباينة من فعله، بجهدك، وعندما قال: ((بِيَدِكَ وَلِسَانِكَ)) هناك مراتب للأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وهناك أنشطة في مختلف المجالات، منها ما تحتاج إلى اليد، في مقام العمل، في مقام الجهاد، لكن بشكل منظم، بشكل برنامج عمل، بشكل تحرك من أمة منظمة، وليس بشكل عشوائي متضارب، ويدخل فيه إشكالات، وتناقضات، واختلافات، هذه مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
((وَجَاهِدْ فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ))، الجهاد في سبيل الله هو أيضًا من أهم فرائض الله، ومن المسؤوليات الأساسية، والالتزامات الإيمانية، والدينية في نهج الله ودينه، وهو أيضًا مما غاب عن واقع الأمة إلى حدٍ كبير، وحُرِّف في بعض الحالات أيضًا، الجهاد في سبيل الله هو بذل الجهد، في كل المجالات؛ لإقامة دين الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والتصدي لأعداء الله، ولذلك هو يشمل أيضًا التحرك الواسع للتصدي لأعداء الله في كل مجال؛ لأنهم يتحركون بالباطل الذي يريدون أن يفرضوه على الناس، يتحركون بشرِّهم، بفسادهم، بطغيانهم، بإجرامهم، بعدوانهم، بباطلهم، في كل المجالات؛ لاستهداف الناس في كل المجالات، والأمة عندما تتحرك على أساس أن تكون أمةً مسلمة ملتزمةً بمنهج الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، في مسيرة حياتها، منطلقة على أساسٍ من انتمائها إلى دينها الإسلامي، فهي تُحَارَب، وهذا حصل من اليوم الأول، منذ أن بدأ رسول الله- “صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ”، حركته بتبليغ الرسالة، حُورِب بكل أشكال المحاربة، بالحرب الدعائية، وصولًا إلى الحرب العسكرية، إلى الحرب الاقتصادية، إلى الحرب بكل أشكالها، وحورب المسلمون منذ ذلك اليوم بكل أشكال المحاربة، ومنها المحاربة العسكرية، والمحاربة الاقتصادية، المحاربة الدعائية والإعلامية، وعلى مدى تاريخ الأمة جيلًا بعد جيل والأمة تحارَب، وتُستهدف من أعدائها، ولذلك بمجرد انتمائنا لهذا الدين، وتحركنا على أساس الالتزام به، بحكم انتمائنا إليه، فنحن سنُحارَب حتمًا، حال أعدائنا الذين قال الله عنهم: { وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا}[البقرة: من آية: 217]، ولا يزالون، وهذا ما أثبته الواقع في كل مراحل الأمة، في كل تاريخها، و إلى اليوم وهي تستهدف، بهدف السيطرة عليها من أعدائها، وبهدف إما إخراجها بشكل كامل عن دينها، أو التحكم عليها في مستوى الالتزام به، وهذا ما عبرَّ عنه القرآن الكريم بالفتنة في الدين، ولهذا قال: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ}[الأنفال: من الآية 39]؛ لأنهم يحاولون، إما- إن استطاعوا- أن يخرجوا الأمة نهائيًا من انتمائها الديني، أن يخرجوها عن انتمائها الإسلامي بالكامل، فإن عجزوا في هذا، وكانت مسألة كبيرة لم تتقبل بها الأمة، وصعب عليهم ذلك، يتجهون إلى منع هذه الأمة من الالتزام بكثير من أمور هذا الدين، فيحذفون هم أشياء كثيرة، ويمنعون الأمة، ويتحكمون عليها، في مستوى التزامها بدينها، أن تلتزم في حدود بعض الأمور العبادية، وبعض الأمور الأخلاقية، في مساحة بسيطة من المعاملات أيضًا، لكن في بقية أمور المعاملات ممنوع عليها أن تلتزم بهذا الدين، في شؤونها السياسية والاقتصادية ممنوع عليها أن تلتزم بهذا الدين، في إدارة شؤونها، وبناء واقعها، يحاولون أن يمنعوها من ذلك، في مسائل مهمة جدًا تُبنى عليها قوة هذه الأمة كالاعتصام بحبل الله جميعًا، كتوحد الأمة على أساس من ذلك، يعملون على منعها من ذلك، وهكذا تصبح مسألة الجهاد مسألة ضرورية، بما أنك تنتمي إلى هذا الدين وتريد أن تتحرك على أساسه، أنت مُحارَب حتمًا بكل أشكال المحاربة، هذا لا بد فيه من ماذا؟ من الجهاد، والله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” قدم في القرآن الكريم، الجهادَ كضرورة لدفع شر الأعداء، لدفع عدوانهم، لمنَعَةَ الأمة وحمايتها من شرهم، ولهذا يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ}[البقرة: من الآية251]، فأتى في القرآن الكريم التأكيدُ على هذه المسألة على هذا النحو، حتى في بقاء الالتزام بشعائر الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” العبادية، {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً}[الحج: من الآية 40 ]، نجد على سبيل المثال في فلسطين، يقوم الصهاينة اليهود المجرمون المعتدون، باقتحام المسجد الأقصى، وأخذ الناس، أخذ أبناء الإسلام، من إخوتنا الفلسطينيين، من المسجد، والبعض منهم حتى في حالة الصلاة، يعتدون عليه وهو مُصَلٍّ في المسجد الأقصى، فيأخذونه رغمًا عنه، يأخذونه بالقوة، مع الضرب، مع الإذلال، مع الإهانة، مع الإساءات اللفظية، يأخذونه بشكل عدواني، ويخرجونه من المسجد، يعتدون حتى على النساء وهن في المسجد يصلِّين أو يقرأن القرآن، أو في حالة ذكر لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، لم يتركوهم حتى للصلاة، حتى للذكر، المسجد الأقصى مهدد حتى بالهدم والتدمير، فالخطر هذا الذي يهدد الأمة، يقتضي أن تبني الأمة واقعها؛ لتكون أمة مجاهدة قوية، تتصدى لأعدائها، تتصدى للأشرار والمجرمين والطغاة، الذين يستهدفونها بشرِّهم، وإجرامهم، ومؤامراتهم، وعدوانهم، لذلك كان لا بد من الجهاد، وأن يكون في الله، يأتي أكثر ما يأتي في القرآن الكريم عنوان في سبيل الله، ولكن في بعض المواضع يأتي بمثل قول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقّ جِهَادِهِ}[الحج: من الآية 78]، يأتي ليؤكد بما هو أبلغ من قوله: {فِي سَبيلِ اللّهِ}، في مدلولٍ مهم: هو الإخلاص لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” والتفاني في سبيله، وأن يكون ذلك وفق الطريقة التي رسمها الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
الجهاد عنوان مُحارَب في هذه الأمة، بالصد عنه، وبالتشويه له، والتغييب له حتى كعنوان، حتى في الاهتمامات التثقيفية، والتوعوية، والتعليمية، وأيضًا في الواقع العملي، مُحارَبة شديدة جدًا؛ لأن الأعداء يدركون أهميته وماذا يعني للأمة، وأيضًا بالتشويه؛ مثل ما هو حال التكفيريين، الذين من أهم ما يعملونه، وما شُغِّلُوا به: هو التشويه للجهاد في سبيل الله، وتشويه فظيع للغاية، حوَّلوا هذا العنوان كعنوان لممارساتهم الإجرامية الوحشية، الخارجة عن الضوابط الشرعية والأخلاقية، وأيضًا التي تخدم الأعداء، وتحقق مشاريع وأجندة لصالح أمريكا وإسرائيل والغرب الكافر، وهذه المسألة معروفة، أصبحت الأنظمة الغربية، تستخدم هذه الطريقة، ليس فقط أمريكا وإسرائيل، عندما أرادت (فرنسا) أن تنهب من (مالي)، أن تنهب ثرواتها، وفيها اليورانيوم؛ معدن نفيس ومهم جدًا، وأرادت أن تنهبه، اتجهت هي إلى تحريك التكفيريين هناك، وجعلت من ذلك مبررًا لاحتلال تلك الدولة، ونهب ثرواتها، وإذلال شعبها وجيشها، وعندما سعى أهلها للتحرر من سيطرة فرنسا، قامت فرنسا من جديد بتحريك أولئك التكفيريين، وبأسلوب مكشوف، وطريقه مكشوفة، عندنا في بقية العالم الإسلامي، في أفغانستان، واليمن، والعراق، وسوريا، ولبنان، ودول متعددة، أصبحت المسألة واضحة ومكشوفة، الأمريكي يعترف بأنه صنع تلك التنظيمات والتشكيلات، وهو يوجهها بالبوصلة حيث يريد، تنكمش حيث يريد لها أن تنكمش، وتتحرك حيث يريد لها أن تتحرك.
هذا العنوان مُحارب، ولكن يجب أن تعيَه الأمة، أول ما يعنينا تجاه هذا العنوان: هو فهمه بشكل صحيح، ومعرفة ضرورته، والحاجة إليه، وأنه أيضًا يدخل ضمن اهتماماتنا الواسعة، وفي مجالات حياتنا كافة، نتحرك في كل مجال، المجال السياسي، المجال العسكري، المجال الأمني، المجال الاقتصادي، في كل المجالات، حركة واعية مستنيرة بهدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وحركة تعتمد أيضًا على نشاط منظم وأولويات محددة، وحركة منظمة، وليس بشكل عشوائي يتيح المجال للمجرمين وأصحاب الأهواء، حينها يكون الجهاد في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”- إذا لم يكن بطريقة واعية- عبارة عن عنوان يستغله مَن يستغله لأهداف شخصية، ولهذا كان عنوان (في الله) الذي يقدم هذه الفريضة بشكل صحيح، بدءًا من النية، والدافع، والمنطلق، ألا يكون من أجل أهواء شخصية، مكاسب شخصية، مصالح شخصية، غير مشروعة، البعض منها سيء جدًا، البعض منها مطامع وأهواء سيئة جدًا، لا بد أن يكون من أجل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ليس من أجل رياء، ليس من أجل سمعة لدى الناس، ليس من أجل أطماع شخصية، الإنسان يريد أن يجاهد ليحصل فقط على غنائم، أو ليحقق مكاسب للوصول إلى منصب معين، إذا لم يتوفر ذلك المنصب، إذا لم تتوفر تلك المكاسب المادية، فليس من أهل الجهاد ولا يريد الجهاد، لا بد أن تكون النية صافية، طاهرة، نقية، خالصة لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ومن أجل توجيهاته، وتعليماته، وأيضًا أن يكون الإنسان منضبطًا بالضوابط الشرعية، ملتزمًا بتوجيهات الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” متحركًا وفق الطريقة التي رسمها الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
الحديث عن فريضة الجهاد في القرآن حديث واسع جدًا، منه قول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ}[الحج: من الآية :78]، ومنه قوله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[المائدة :35]، منه قوله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَـمَّا يَعْلَـمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَـمَ الصَّابِرِينَ}[آل عمران :142]، منه قوله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَـمُونَ}[التوبة :41]، ويرتبط بهذه المسؤولية تفاصيل كثيرة، إعداد الأمة لما تستطيع من القوة، تحركها بالمال، والنفس، تحرك من مجالات عملية واسعة، هذه مسألة مهمة جدًا، وهذه المسؤولية هي التي إذا أحيتها الأمة، تبني الأمة لتكون قوية، وتحمي الأمة من جهة أعدائها.
ما عاناه المسلمون على مدى التاريخ، كانت أبشع الجرائم التي ارتُكِبَت بحقهم، وأكبر المعاناة التي عانت منها الأمة، في المراحل التي تخلت فيها عن فريضة الجهاد، لتخلِّيها عن فريضة الجهاد ضَعُفَت، هانت، ذلَّت، طمع فيها أعداؤها، وعانت مما عمله بها أعداؤها، من إذلال، من إهانة، ما ارتكبوه بحقها من الجرائم، فقدت منعتَها، وعزتها، وقوتها، فقدت الحافز والدافع لبناء واقعها، لتكون أمة قوية، أصبح الضعف عندها ثقافة، ورؤية، وحكمة، ومنهجية، وطريقة معتمدة، وهذا شيء مؤسف جدًا.
الحديث عن مسألة الجهاد حديث واسع، لكن يجب أن نفهم كذلك: أن التحرك فيه جماعي، وأنه يدخل فيه اهتمامات واسعة، في كل المجالات، وأن يتحرك الإنسان في أي مجال منها، وهو يحمل الروحية الجهادية، في المجال الإعلامي، وهو من أهم المجالات في هذا العصر، تحرك لتجاهد لتدافع عن الحق، عن القضايا العادلة للأمة، لتتصدى للأعداء في حملاتهم الدعائية، في مؤامراتهم على هذه الأمة، في أنشطتهم الهدامة والتخريبية، التي يستهدفون بها الأمة، في المجال العسكري لا بد للأمة من التحرك في هذا المجال وهكذا في بقية المجالات.
((وَلَا تَأْخُذْكَ فِي اللهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ))، مسيرة الجهاد هي مسيرة مستمرة، وليست عبارة عن [فَزعَة] في موقف محدد وانتهى الحال، مسيرة عمل واهتمامات مستمرة، وأنشطة واسعة، ومجالات واسعة مترابطة.
ثم في موقفك، فيما يتعلق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله، والتزامك الإيماني، في كل ذلك ((لَا تَأْخُذْكَ فِي اللهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ))، لا يؤثر عليك فيصرفك عن استجابتك لله، عن طاعتك لله، عن التزامك بتعليمات الله في ذلك، التزامك الإيماني، في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في الجهاد في الله حق جهاده، لا يؤثر عليك ويصرفك عن ذلك لوم اللائمين، الذين يسيئون إليك، يوبِّخونك، يشنُّون عليك الدعايات، يحاربونك إعلاميًا، يجرحونك بالكلمات الجارحة، يسخرون منك ويستهزئون بك، يضغطون عليك بالافتراءات والدعايات، وهذه المسألة في غاية الأهمية؛ لأن من أكثر ما يؤثر على الكثير من الناس هو هذا الجانب، هو يتحرج من أن يقف موقف الحق، أو أن يتحرك ضمن أمة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، أو أن يكون له موقف واضح في مباينة أصحاب المنكر، عندما يتحرج لماذا؟ لأنه يخاف من الحملات الدعائية، من التشويه، مما يوجَّه إليه من الافتراءات، والدعايات، والأكاذيب، وخصوصًا في هذا العصر الذي أصبح فيه اللوم، والحملات الدعائية، والحرب الإعلامية، أشرس من أي مرحلة قد مضت، لربما في تاريخ البشرية على مدى التاريخ، عصر الدعاية، عصر الإعلام، عصر الوسائل الإعلامية، عندما تتحرك في الاتجاه الصحيح استجابةً لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ستجد نفسك محاربًا، دعايات في الصحف، دعايات في القنوات الفضائية، دعايات تهاجمك أيضًا بشكل تثقيفي، حتى في الكتب، وتواجَه في مجتمعك، أحيانًا حتى في أسرتك، قد تلقى التوبيخ، والإساءة، وتوجَّه إليك الكلمات الجارحة، البعض داخل أُسرهم، ومحيطهم الاجتماعي، ثم وصولًا إلى ما يمتلكه الأعداء من إمكانات ووسائل: في القنوات الفضائية، في مواقع التواصل الاجتماعي، وهكذا بشكل عام.
في هذا العصر، من أهم ما يجب أن يتحصن به الإنسان، وأن يمتلك تجاهه القوة الكافية والتماسك: هو في ألا تأخذه في الله لومة لائم، وإلا فالكثير من الناس تنكسر إرادته، يضعف موقفه، مهما كان هذا الموقف حقًا واضحًا بينًا صحيحًا، يستند فيه إلى هدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، يستند فيه إلى تعليمات الله “جَلَّ شَأنُهُ”، يستند فيه إلى الحكمة، يستند فيه إلى ضرورة الواقع، لكن سيلقى التوبيخ، سيُهاجَم من كل منابر الضلال، من كل منابر الباطل، من كل وسائل الطاغوت، التي تشتغل في المجالات الدعائية والإعلامية، الإنسان يجب أن يمتلك القوة الإيمانية، بحيث لا يتأثر بذلك أصلًا، لا يكون ذلك مؤثرًا عليه فيدفعه إلى التراجع، وفي نفس الوقت أن يتحرك، أن يتحرك الإنسان المؤمن، أن تتحرك الأمة، التي تتجه الاتجاه الحق؛ لتواجه الحملات الدعائية، ولِتتصدى لها، ولتشن من جانبها حربًا إعلامية تكون جزءًا من جهادها، تقول الحق، تكشف واقع الآخرين من أهل الباطل، من قوى الطاغوت والظلم والإجرام، تكشف حقيقتهم بالحق، الآخَرون الذين سيلومونك؛ لأنك اتجهت في طريق الحق، سيعتمدون على الأكاذيب، والتشكيك والدعايات الباطلة، ويستخدمون أشياء كثيرة لا أساس لها، وأنت ستواجههم، وتتحرك ضدهم، كعملية جهادية مقدسة، بالحق، بالصدق، بكشف الحقائق، للدفاع عن قضيتك الحقة والعادلة فيما تمتلكه، من أدلة وبراهين، هي حق، هي تثبت صحة ما أنت عليه، فتنطلق وأنت ترفع رأسك، انطلقت على يقين، على بصيرة، على بينة، على حقٍ واضح، وتكون ثابتًا على ذلك.
نكتفي بهذا المقدار.
وَنَسْأَلُ اللَّهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أن يُوَفِّقَنَا وَإيَّاكُمْ لمِا يُرضِيهِ عَنَّا، وأَنْ يَرْحَمَ شُهَدَاءَنَا الأَبرَارَ، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، وَأَنْ يَنصُرنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.
وَالسَّــــلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَــــةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتـــُه؛؛؛