نص الدرس السابع للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي من وصية الإمام علي لابنه الحسن
نص الدرس السابع لقائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي من وصية الإمام علي لابنه الحسن – عليهما السلام 07-12-1444 هـ 25-06-2023 م:
يمني برس
أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيم.
أَيُّهَــــا الإِخْــــوَةُ وَالأَخَوَات: السَّــلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَــةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُــه؛؛؛
لا يزال سياق الكلام فيما قدمه أمير المؤمنين علي “عَلَيهِ السَّلَامُ”، في وصيته لابنه الإمام الحسن “عَلَيهِ السَّلَامُ”، وكان الحديث بالأمس عن الأسس التربوية، والتثقيفية، والتوجيهية، والتعليمية، التي قدمها كأولويات، أو لتبنى عليها الأولويات التي رسمها في الاتجاه التربوي، والتعليمي، والتي تبني الإنسان ليكون مؤمنًا صالحًا، راشدًا، حكيمًا، زاكي النفس، مستقيمًا، ينطلق لأداء مهامه في هذه الحياة وهو يحمل تلك المبادئ، والقيم، والأخلاق العظيمة، وبالتالي يكون دوره في هذه الحياة دورًا مهمًا، وإيجابيًا، ومصلحًا، ونافعًا، ومفيدًا.
هناك في الغرب عنوان التنمية البشرية، ويركزون تحت هذا العنوان على تنمية المواهب والقدرات، وإكساب الفرد، إكساب الشخص المواهب والقدرات في مجال معين، بحسب المجال الذي يدرس فيه، أو يتعلم فيه، في التنمية البشرية، وقد يضيفون إلى ذلك القليل من القيم العملية التي لابد منها للنجاح في عمل معين، وهذا جانبٌ محدود في بناء الإنسان، وتربية الإنسان، ولذلك فهم يغفلون، ويهملون الجوانب الأخرى، ذات الأهمية الكبيرة. هذا جانبٌ مهم، ولكنه جانبٌ محدود فيما يحتاج إليه الإنسان في بنائه، وإعداده، وتهيئته لأداء مهامه في هذه الحياة. وهم أيضًا لا يكتفون بأنهم أهملوا، أو اغفلوا جوانب معينة، من أهم المبادئ، من أهم مكارم الأخلاق، من أهم الفضائل، من أهم محامد الصفات، التي لا بد منها لإنسانية الإنسان، لكماله الإنساني، حتى يتميز عن بقية الحيوانات، هم لا يكتفون بإغفال تلك المبادئ العظيمة، مكارم الأخلاق تلك المهمة، إنما أيضًا يربُّون الإنسان تربية سيئة، وفاسدة، بنقائضها، فيكون الإنسان بالنسبة لهم قد امتلك مواهب، أو قدرات معينة لأداء بعض الأعمال، ومن منطلق التركيز على الجانب المادي، أهم شيء عندهم أن يكون لدى الإنسان إمكانية للإنتاج المادي بأقصى ما يمكن، بأقصى ما يستطيع أن يصل إليه في ذلك، وأهميته عندهم هي بهذا الاعتبار، كم هي قدرته الإنتاجية في الجانب المادي؛ لأن توجههم مادي بحت، أهملوا كل الجوانب الأخرى.
ولذلك مع ما يكون الإنسان قد اكتسبه من قدرات في ذلك، أو مواهب، أو اكتسبه من خبرة في تلك المجالات، فيكون عنده في الجوانب الأخرى خلل كبير، وتظهر منه سلوكيات سيئة، أعمال سيئة، مفاسد كبيرة، تحطه عن المرتبة الإنسانية، وتكون لديه قابلية للانجرار وراء الشهوات والأهواء دون أي ضوابط ولا قيود، فنتج عن ذلك مفاسد واختلالات كبيرة، في واقعهم الاجتماعي، أضاعوا جانب الأخلاق والقيم الفطرية في أكثر الأمور- كما قلت- ما عدا جوانب محدودة منها لا بد منها للنجاح في الأعمال الإنتاجية المتعلقة بالجوانب المادية.
فهم لم يتعاملوا مع الإنسان كإنسان بما وهبه الله من كمالات إنسانية، وبما يميزه عن غيره من الحيوانات، هم يتعاملون معه كحيوان مثل بقية الحيوانات تمامًا، ما عدا ما يمتاز به من قدرات إنتاجية مادية، أما بقية كمالاته، فضائله، دوره، ما ينبغي أن يؤخذ بعين الاعتبار في واقع الإنسان باعتباره يميزه عن بقية الحيوانات، فهم يغفلون ذلك تمامًا.
وواقعهم فيما نتج عن ذلك من سلبيات، ومساوئ كبيرة، يشهد، والأزمات والمشاكل، التي لم يجدوا لها حلولًا في واقعهم الاجتماعي وغيره أصبحت واضحة، وإنما يحاولون أن يصدِّروا أيضًا تلك الأوبئة بالذات إلى مجتمعاتنا الإسلامية، حتى لمن يتأثر بهم، عندما ينبهر بما حققوه من نتائج في المجال المادي، النجاحات الكبيرة في التصنيع، في الابتكار، في الاختراع، في الرقي المادي، يصدِّرون له، بدلًا من أن يستفيد مثلًا في الجوانب تلك نفسها: الجوانب الصناعية، النهضة الصناعية، الابتكارات، الاختراعات المستندة إلى الجانب العلمي، الاستفادة العلمية فيما يتعلق بالعلوم نفسها، علوم الفيزياء، والكيمياء، وغيرها من العلوم المهمة، يصدِّرون له بدلًا عن ذلك: الأوبئة، والمفاسد الأخرى، المفاسد والأوبئة التي هي سيئة جدًا في واقعهم الاجتماعي، في أسلوبهم، وتعاملاتهم، وتصرفاتهم السيئة، دون أن يمكنوه من الاستفادة منهم في تلك الأشياء المهمة، ولذلك هم يستهدفون في عالمنا الإسلامي من يمتلك المعرفة العلمية التي يمكن أن يخدم بها أمته وشعبه، استهدفوا آلاف العلماء الإيرانيين بالاغتيالات، جعلوا منهم هدفًا أساسيًا في الاغتيالات والاستهداف، استهدفوا في العالم العربي البعض، مثلًا في العراق وفي بلدان أخرى، إما بالاغتيالات، وإما بالاستقطاب، والاستحواذ عليهم، والسيطرة عليهم، وتسخيرهم في خدمة الغرب نفسه، وليس في خدمة بلدانهم، وشعوبهم.
الرؤية التي يقدمها الإسلام في بناء الإنسان: هي رؤية راقية وعظيمة، ملحوظٌ فيها التكريم لهذا الإنسان، وأيضًا إكسابه أو تنمية الكمالات الفطرية فيه، التي وهبه الله إياها، ليؤدي مهامه في هذه الحياة، ومسؤولياته في هذه الحياة، بشكل راقٍ ومتميز، ويلحظ الإسلام التكامل، الإسلام يأخذ بعين الاعتبار: المواهبَ والقدرات اللازمة في ميدان العمل، ولكنه مضافًا إليها وقبلها: الجوانب الأخلاقية، والسلوكية، والمبادئ المهمة، والأهداف، والغايات المقدسة والعظيمة، ولذلك يهيئ الإنسان أن يكتسب كماله، وأن تنمو فيه الكمالات الإنسانية من جميع الجوانب.
نحن استفدنا أيضًا من هذه الدروس، عندما لفت أمير المؤمنين “عَلَيهِ السَّلَامُ” النظر إلى أهمية النشأة في حياة الإنسان، مرحلة الطفولة وبداية الشباب. وبداية الشباب مرحلة مهمة جدًا لبناء الإنسان، الإنسان فيها عادةً ما يكون متقبلًا ومتأثرًا بما يقدَّم له في تلك المرحلة، وبما يربَّى عليه، وبما يعلَّم في تلك المرحلة، ويثقَّف به في تلك المرحلة، عنده قابلية عالية في التأثر والتفاعل، فهي من أهم المراحل التي يجب التركيز عليها في بناء الإنسان، وأن يحس الإنسان بالمسؤولية في ذلك تجاه أولاده، ثم ضمن التوجه العام للأمة، أن يكون هناك وعي بأهمية تلك المرحلة، وتكثيف للجهد في بناء الإنسان في تلك المرحلة، باعتبارها فرصة مهمة جدًا، فالإنسان فيها لديه القابلية الكبيرة، إما لأن تنمو فيه مكارم الأخلاق، وترسخ فيه المبادئ العظيمة، والقيم الإلهية، و يُربَّى على الروح العملية، يُربّى على الأشياء المهمة والإيجابية، وكذلك تُنمى مواهبه، طاقاته، قدراته. أو أن يُربى التربية الخاطئة، وتنمو فيه من خلال المؤثرات السيئة، الأشياء السيئة، المساوئ الخطيرة التي تؤثر سلبًا على نفسه، تفسده، وتُسبب انحرافه، وإبعاده عن الاستقامة.
نبَّه أمير المؤمنين “عَلَيهِ السَّلَامُ” على أهمية الاستباق لتلك المؤثرات السيئة، وللمؤثرين السيئين؛ لأن هناك مسابقة فعلًا، هناك مسابقة، الأعداء يسعون إلى الاستباق هم إلى أطفالنا، وإلى شبابنا، ليؤثروا عليهم، ليفسدوهم، ليلقنوهم ما يفسدهم، ما يؤثر عليهم، يُلقنوهم المفاهيم الخاطئة، التصورات السيئة، يثيرون فيهم من خلال الغرائز والأهواء، ما ينحرف بهم عن المبادئ الإلهية، عن مكارم الأخلاق، عن الضوابط الشرعية، يحاولون من خلال اللعب على الأهواء والغرائز، يحاولون أن ينمّوا فيهم الصفات السيئة، المساوئ، الرغبات المنفلتة، ويؤثرون عليهم التأثير السيئ.
في هذا السياق كم يعملون من أعمال، يحاول أن يؤثر في المناهج الدراسية، يحاولون أن يتشغلوا من خلال الدعاية الإعلامية، والقنوات الفضائية، في الإنترنت بشكل كبير جدًا، في الإنتاج الإعلامي لكثير من المسلسلات، لكثير من البرامج، الأنشطة التي هي مُسمَّمة، لتسميم أفكاري الناشئة في عالمنا الإسلامي، وللتأثير عليهم تأثيرًا سيئًا، لتلقينهم المفاهيم السيئة، والتصورات الخاطئة، ولتنمية المفاسد في أنفسهم، والانحرافات في قلوبهم، وهي حالة خطيرة جدًا، وتُؤثر عليهم تأثيرًا كبيرًا، فيجب الاستباق لتلك، وأيضًا الاستباق لما قد يتأثر به الطفل أو الشاب الناشئ من مؤثرات في الواقع الاجتماعي، بعض المؤثرات السيئة، وحمايتهم، حماية الناشئة من المؤثرات السيئة، سواء في الواقع الاجتماعي، أو في داخل الأسرة، أو أيضًا فيما يتأثرون به في هذا العصر، مما قد أُنتج حديثًا من التقنيات، والإمكانات، والوسائل. فما يتعلق مثلًا بالجوالات، بالإنترنت، بالتلفاز، يكون هناك ترشيد للاستخدام لهذه الوسائل، وإشراف على طريقة استخدامها، والعمل على ضبط طريقة الاستخدام بما ينفع ولا يضر، هذه مسألة مهمة، وهي مسؤولية إلى حدٍّ كبير.
في الجانب الإسلامي هناك تركيز على التربية العملية، ولذلك يبدأ المشوار مع الطفل بشكل متدرج، بما يتناسب مع مراحل العمر، ومع مستوى الفهم، والاستيعاب، والإدراك، تربية عملية فيها تلقين، فيها تثقيف، فيها تعليم، فيها توجيه، فيها أوامر، فيها تصحيح للتصرفات، انتباه لمعالجة الأخطاء، وهكذا من خلال التربية العملية يرتقي الإنسان إلى مستوى جيد.
مما نبَّه عليه أمير المؤمنين “عَلَيهِ السَّلَامُ”، في حديثه عن التجارب، وكان حديثًا مهمًا جدًا، عندما قال “عَلَيهِ السَّلَامُ”: ((فَبَادَرْتُكَ بِالْأَدَبِ قَبْلَ أَنْ يَقْسُوَ قَلْبُكَ، وَيَشْتَغِلَ لُبُّكَ، لِتَسْتَقْبِلَ بِجِدِّ رَأْيِكَ مِنَ الأَمْرِ مَا قَدْ كَفَاكَ أَهْلُ التَّجَارِبِ بُغْيَتَهُ وَتَجْرِبَتَهُ، فَتَكُونَ قَدْ كُفِيتَ مَؤُونَةَ الطَّلَبِ، وَعُوفِيتَ مِنْ عِلَاجِ التَّجْرِبَةِ، فَأَتَاكَ مِنْ ذلِكَ مَا قَدْ كُنَّا نَأْتِيهِ، وَاسْتَبَانَ لَكَ مَا رُبَّمَا أَظْلَمَ عَلَيْنَا مِنْهُ))، تحدثنا بالأمس عن أن هذه التعليمات والتوصيات هي ذات تأثير كبير في حياة الإنسان، ليست مجرد توصيات مثالية بعيدة عن الواقع، هي مثالية لكنها مرتبطة بالواقع، هي عظيمة، مهمة، مفيدة، قيِّمة، لكنها مرتبطة بالواقع، وذات تأثير كبير في واقع الإنسان، ونقائضها ذات تأثير سيئ على الإنسان في حياته، ولذلك ارتبطت بها تجارب البشر، وتجلى من خلال الواقع العملي للإنسان نفسه، الآثار الإيجابية للتعليمات والتوصيات الإيجابية، ولمكارم الأخلاق، وللمبادئ المهمة، وللتعليمات الحكيمة، وفي المقابل تجلى في واقع الناس الآثار السيئة لمساوئ الأخلاق، للمفاسد، أيضًا لما يتجه الإنسان فيه من تصرفات، أو أعمال، أو مواقف، بعيدًا عن الحكمة، بعيدًا عن الرُّشد، بعيدًا عن الصواب، بعيدًا عن الاستقامة، فيما يتجه فيه بشكلٍ عشوائي، وفوضوي، ومزاجي، وفق أهوائه، تجلى في الواقع نفسه الآثارُ السيئة لذلك.
فلفْتُ النظر إلى التجارب مسألةٌ مهمةٌ جدًا، وأيضًا من الأشياء المهمة؛ لأننا عندما ننظر إلى التربية، يجب أن ننظر إليها أيضًا من منظور عام وشامل، كواقعٍ تعيشه أمتنا، ومتطلبات تتعلق بمسؤولية هذه الأمة، بظروفها، بواقعها. عندما ننظر إلى الواقع العام يجب أن نركز على أن يرث الجيل الناشئ من الجيل السابق محامدَ الصفات، يرث الأشياء الإيجابية، يرث ما هو نجاح، ما هو خير، ما هو رُشد، ما هو حكمة، يحافظ على الأصالة؛ فيما هو امتداد للأصالة، الأصالة الإسلامية، والأخلاقية، القيَمية. ولكن فيما يتعلق بالمساوئ، بالمفاسد، بالخلل، بالإشكالات، بكل ما يقود إلى الفشل، يجب أن يكون هناك استفادة من التجربة، بالحذر من ذلك، والانتباه من ذلك.
هناك مثلًا على مستوى الواقع العام للأمة، ما قد اتضح أنه خطأ، وأنه يؤثر سلبًا على واقع الأمة بشكل عام، على كل أبنائها، وتحتاج الأمة إلى التخلص منه، فيجب أن يكون هناك اهتمام فيما يتعلق بالجيل الناشئ، أن يعي ذلك، وأن يحذر من ذلك، وأن ينشأ نشأةً تبعده عن أسباب الفشل في واقع الأمة، أسباب الخسارة لهذه الأمة.
أيضًا على المستوى الشخصي، الأب نفسه، في تجربته في الحياة، قد يكون قد اكتسب خبرة معينة، وأدرك فشله في بعض الأمور، أو خطأه في بعض الأمور، ولكن بعد فوات الأوان، لم يعد لديه من القدرة، من الوقت، من الفرصة، ما يعوض خسارته وفشله في ذلك، فلينتبه تجاه ابنه، لا يرث منه أخطاءه، لا يرث منه فشله، لا يرث منه التجارب المريرة، بدءًا من نقطة الصفر، ينبهه على ذلك، التجارب مسألة مهمة جدًا؛ لأن الإنسان سيبدأ من حيث انتهى الآخرون، فيستفيد مما قد تحقق لهم على المستوى الإيجابي، ((فَأَتَاكَ مِنْ ذلِكَ مَا قَدْ كُنَّا نَأْتِيهِ))، تحصل على الثمرة ابتداءً، ((وَاسْتَبَانَ لَكَ مَا رُبَّمَا أَظْلَمَ عَلَيْنَا مِنْهُ))، وهذه أيضًا نقطة مهمة جدًا.
يقول “عَلَيهِ السَّلَامُ” : ((أَيْ بُنَيَّ، إِنِّي وَإِنْ لَمْ أَكُنْ عُمِّرْتُ عُمُرَ مَنْ كَانَ قَبْلِي، فَقَدْ نَظَرْتُ فِي أَعْمَالِهِمْ، وَفَكَّرْتُ فِي أَخْبَارِهِمْ، وَسِرْتُ فِي آثَارِهِمْ، حَتَّى عُدْتُ كَأَحَدِهِمْ، بَلْ كَأَنِّي بِمَا انْتَهَى إِلَيَّ مِنْ أُمُورِهِمْ، قَدْ عُمِّرْتُ مَعَ أَوَّلِهِمْ إِلَى آخِرِهِمْ، فَعَرَفْتُ صَفْوَ ذلِكَ مِنْ كَدَرِهِ، وَنَفْعَهُ مِنْ ضَرَرِهِ، فَاسْتَخْلَصْتُ لَكَ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ نَخِيلَهُ، وَتَوَخَّيْتُ لَكَ جَمِيلَهُ، وَصَرَفْتُ عَنْكَ مَجْهُولَهُ))، في هذه الجمل المهمة يبين لنا أمير المؤمنين “عَلَيهِ السَّلَامُ”، أنه إلى جانب ما استوعبه من تعليمات الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” وتوجيهاته، ومن هدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وما اكتسبه من علوم، وما حظي به من تربية، وهو الذي رباه رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ”، منذ طفولته، نشأ عند رسول الله، وحظي بأرقى تربية، لديه قابلية عالية، استفاد من تربية رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ” الاستفادة الكبيرة، فهو إضافة إلى كل ذلك، اهتم اهتمامًا بالغًا بدراسة واقع الماضين، الأمم الماضية، الشخصيات البارزة التي سطَّر التاريخ أخبارها، فدرس تجربتها بعمق، بعمق كبير إلى هذه الدرجة التي قال عنها: ((حَتَّى عُدْتُ كَأَحَدِهِمْ، بَلْ كَأَنِّي بِمَا انْتَهَى إِلَيَّ مِنْ أُمُورِهِمْ، قَدْ عُمِّرْتُ مَعَ أَوَّلِهِمْ إِلَى آخِرِهِمْ))، وكأنه قد عاش معهم في كل تلك المراحل التي كانوا فيها في حياتهم، وأدرك كل تلك الأعمال التي سطرها التاريخ عنهم، وقبل ذلك ذكرها الله في القرآن الكريم، فيما ذكره عنهم، فاكتسب تجربة كبيرة إلى تجربته الشخصية طوال ما قد مر من عمره الشريف، معنى ذلك أنه أصبح لديه رصيد كبير جدًا من التجربة، من الاستفادة من التجارب، وهذه مسألة مهمة جدًا، وهي من أكبر ما قصَّرت فيه الأمة: الاستفادة من التجارب.
الأمة اليوم؛ وبعد مرور تاريخ طويل، على مستوى التاريخ الإسلامي، منذ عصر رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ” وإلى اليوم، ألف وأربع مئة سنة وأكثر، على مستوى كل هذا التاريخ الطويل وما فيه من أحداث ومتغيرات، ومشاكل، ووقائع، وعِبَر، ودروس، لم تستفد الأمة من التجارب، مع أنه أصبح لديها رصيد تاريخي كبير، كان بالإمكان أن تكتسب منه رصيدًا هائلًا من التجارب، أمير المؤمنين “عَلَيهِ السَّلَامُ” كان يركز على الاستفادة من التجارب، وأضاف إلى تجربته الشخصية، التي عاشها إلى ذلك العام الذي قدم فيه هذه الوصية، وهو يتحدث عن خلاصة تلك التجارب التي صاغها في هذه الوصية، هو أيضًا استفاد إلى ذلك تجارب من قد مضى، فكان رصيدًا مهمًا وعظيمًا، وكان يستند إلى مختلف المراحل، مختلف الظروف، ليست مجرد تجارب لظرف معين، أو عصر معين، أو واقع محدود، بل هي تجارب لأمم مختلفة، وشخصيات مختلفة، وظروف مختلفة، فلذلك تتحدد من خلالها السنن الثابتة، التي تتجلى آثارها ونتائجها في واقع الناس، مع اختلاف ظروفهم، وأزمانهم، وعصورهم، وأحوالهم.
فهذه مسألة مهمة جدًا؛ لأنك تصل إلى نتائج مهمة، تستفيد مما قد مضى، وتتجلى لك السنن الإلهية في واقع الناس، عندما يكون هناك أعمال معينة، ماذا ستكون نتائجها؟ توجهات معينة، ماذا ستكون نتائجها؟ تتجلى لك الأسباب، والحيثيات، والعواقب، فتمتلك الحكمة، والرشد، وتتعامل مع الأمور من خلال أسس صحيحة، وأيضًا إدراك ووعي بالنتائج، وأمامك رصيد تاريخي مليء بالشواهد لتلك النتائج نفسها، فتكون على يقين، وعلى بصيرة، وعلى وعي، ولا تتخبط في تصرفاتك وأعمالك، ثم تدرك أخطاءك، وفشلك، وتذوق مرارة ما عملته، في آخر المطاف تكون قد تضررت كثيرًا فَوَّتَ الفرص، بما فيها فرصة العمر، فرصة الحياة، فهو لفَتَ إلى أهمية الاستفادة من تلك التجارب، واستفاد منها فيما كان عليه “عَلَيهِ السَّلَامُ” من الوعي والبصيرة، وفيما قدمه في هذه التوصيات وفي غيرها، لابنه، وللأمة أيضًا، بشكلٍ عام.
((فَعَرَفْتُ صَفْوَ ذلِكَ مِنْ كَدَرِهِ، وَنَفْعَهُ مِنْ ضَرَرِهِ، فَاسْتَخْلَصْتُ لَكَ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ نَخِيلَهُ))، يعني المختار، المصفَّى، النقي منه، أحسن ما فيه، ((وَتَوَخَّيْتُ لَكَ جَمِيلَهُ))، تحريت لك في اختياري لك، الأجمل منه، والأحسن، والأفضل والأنجح، ((وَصَرَفْتُ عَنْكَ مَجْهُولَهُ))، الذي قد تتأثر وتتضرر عندما تسير فيه، أو عندما تعيش فيه، أو عندما تتبناه، فأنت تتجه على غير غاية واضحة، على غير هدف واضح، على غير نتيجة واضحة، ولذلك نجد أن هذه التعليمات هي تبني توجه الإنسان ليكون على بصيرة، على وعي، على فهمٍ واضح، يدرك أهمية ما يعمل، قيمة ما يعمل، النتيجة لما يعمل، العواقب لما يعمل، فيتحرك بحكمة، ورشد، وتوجه صحيح، وبناءً على أسس صحيحة، فيها نجاته، فيها فلاحه، فيها فوزه، فيها العاقبة له عند الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ومحسوبٌ في الإسلام مستقبل الإنسان في الدنيا والآخرة. الآخرة غير محسوبة أبدًا في الحسابات الأخرى، حسابات الغرب مثلًا حاليًا، كما قلنا في التنمية البشرية، لا يحسبون حساب الآخرة أبدًا. أما في الإسلام يُحسب لك مستقبلك، في الدنيا وفي الآخرة، ويحسَب بشكلٍ أساسي في الآخرة؛ لأنه مستقبل مهم.
((وَرَأَيْتُ حَيْثُ عَنَانِي مِنْ أَمْرِكَ، مَا يَعْنِي الْوَالِدَ الشَّفِيقَ، وَأَجْمَعْتُ عَلَيْهِ مِنْ أَدَبِكَ))، يعني عزمت عليه من أدبك وتربيتك التربية الصالحة، التربية الصحيحة، ((أَنْ يَكُونَ ذلِكَ وَأَنْتَ مُقْبِلُ الْعُمُرِ، وَمُقْتَبَلُ الدَّهْرِ، ذُو نِيَّةٍ سَلِيمَة، وَنَفْسٍ صَافِيَة))؛ لأن الإنسان في بداية عمره، في بداية شبابه، (في آخر مرحلة الطفولة، وفي بداية الشباب)، يتميز بهذه المميزات المهمة جدًا، لتقبُّل ما يفيده، ما يصلحه، ما ينمّي فيه مكارم الأخلاق، ما ينمّي فيه القيم العظيمة، يكون ذو نيةٍ سليمة، نيتهُ لا تزال نية سليمة، ونفسه صافية، فلديه تقبُّل وقدرة على الاستيعاب والفهم، بشكلٍ أكثر وتفاعل أكثر.
((وَأَنْ أَبْتَدِئَكَ بِتَعْلِيمِ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَتَأْوِيلِهِ، وَشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ وَأَحْكَامِهِ، وَحَلَالِهِ وَحَرَامِهِ، لَا أُجَاوِزُ ذلِكَ بَكَ إِلَى غَيْرِهِ))، وهنا رسم الخارطة التعليمية، التي يأتي يركز عليها ابتداءً في تعليم الجيل الناشئ، أول ما ينبغي التركيز عليه بعد تعليمهم أوليات القراءة والكتابة: العنايةُ بتعليمهم كتاب الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، تعليمهم القرآن الكريم، وهذه مسألة مهمة جدًا، يجب أن تكون في مقدمة ما يتعلمونه: كتاب الله كتاب الله “عَزَّ وَجَلَّ”، إتقان قراءة القرآن الكريم، وأيضًا مع القراءة للقرآن الكريم وإتقان تلاوته: التعلم لمفاهيم القرآن، لمعارف القرآن، والتثقف بثقافة القرآن الكريم، هذا من أهم ما ينبغي التركيز عليه، في المسار التعليمي للناشئة، أولوية ذلك بكل اعتبار؛ لأهمية القرآن الكريم، فيما يتعلقُ بحياتنا وواقعنا، القرآن الكريم هو: كتاب الله، أفلا يجب أن يحظى بالاهتمام قبل أي كتاب آخر؟
إن جئنا إلى الكتب، المادة التعليمية التي نربط بها الناشئ ليستفيد منها ويتعلمها، وجئنا بالنظرة إلى الكتب من حيث الأهمية، ومن حيث مصدر التأليف، فالقرآن الكريم هو الكتاب الأهم على الإطلاق بين كل الكتب، والقرآن الكريم بما يمثله من أهمية لنا، باعتباره كتاب الله، نور الله الذي يخرجنا به من الظلمات، الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، الذي يتضمن التعليمات القيِّمة التي تُصلح الإنسان، تهدي الإنسان، تُزكي الإنسان، وأيضًا التي هي صلة بيننا وبين الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
القرآن الكريم بما يمثله من أهمية كبيرة لنا في حياتنا، ما يربينا عليه من القيم، ما يربينا عليه من الأخلاق، ما يربي نفوسنا عليه من الاستشعار للمسؤولية في هذه الحياة، ما نكتسبه منه من الوعي العالي، والبصيرة النافذة، ونكتسبه منه من التقييم للواقع من حولنا، القرآن الكريم بما فيه من البركة، البركة المهمة في النفس، في العلم، في المعرفة، في الوعي، في الفهم، في الحياة بكلها، القرآن الكريم وهو البناء الأساس الذي نبني عليه إيماننا وانتمائنا للإسلام.
القرآن الكريم يجب أن نرتبط به، وأن نربط به الناشئة، ولكن مع التعظيم والتقديس للقرآن الكريم، وترسيخ الوعي بأهميته، بعظمته، بقدسيته، بما يمثله لنا من مرجعٍ أساس نعود إليه لاكتساب المعرفة، لاكتساب المفاهيم الصحيحة، نستنير به في مواجهة كل الظلمات، وكل الضلال، وكل الباطل، فالاهتمام بالقرآن الكريم منذ النشأة، مسألةٌ مهمةٌ جدًا، والسعي لإتقان قراءته، ثم الاهتمام بمعارفه، وكذلك بعلومه، والاهتمام بالتثقف بثقافته مسألةٌ أساسيةٌ جدًا، وخير البداية، وأحسن البداية، وأعظم البداية، التي يبتدأ بها الإنسان مشواره التعليمي.
وللقرآن الكريم بركة عجيبة، إذا كان هو ما ابتدأ به الناشئ في مسيرته التعليمية، وأتقن قراءته. بإتقان القراءة نفسها، يمتلك مَلَكَةً مميزة جدًا في القراءة، في طلاقة اللسان، في الوعي، في البيان، في الاستيعاب، في الفهم، هناك بركة عجيبة للقرآن، بركة على المستوى المعرفي والعلمي، وعلى مستوى الملَكة، والقدرة الذهنية، وعلى مستوى- أيضًا- القدرة التعبيرية، ثم ما فيه من الهدى، والنور، والتعليمات العظيمة، التي يجب أن تترسخ لدى الإنسان منذ بداية نشأته، وأن يتربى عليها، وأن يتلقاها في ذهنه منذ البداية.
والإسلام يركز في التربية، وفي التنشئة، على ترسيخ الأشياء المهمة جدًا منذ البداية، كي تكون حاضرة في ذهنية الإنسان، وكي تكون هي التي تنمو في ذهنيته، في فكره، في فهمه، في وعيه، بشكلٍ مستمر، تتنامى معه بنموِّه.
منذ بداية وجود الإنسان؛ ما بعد ولادته، مشروعٌ في الإسلام أن يؤذَّن في أذنه اليمنى، والإقامة في الأذن اليسرى، لإيصال صوت الأذان ومفردات الأذان، تلك المفردات المهمة التي فيها التكبير لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، الدعوة إلى الصلاة، إلى الفلاح، إلى الخير، فيها أيضًا التركيز على مبدأ التوحيد لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، كي تصل إلى وجدانه، إلى مشاعره، وهو ما بعد الولادة.
وهكذا في مرحلة النشأة، القرآن الكريم تضمن المبادئ، والقيم، والتعليمات الإلهية، فإذا تعلمها الإنسان، فبتعلُّمها يبدأ بترسيخها في فكره، وذهنه، ونفسه، ينشدُّ إليها، يرتبط بها، فإذا كان مع مسألة التعليم، والإتقان للقراءة والتلاوة، تعليم لتلك المعارف، تثقيف بها، ترسيخ لها، فهنا كان النجاح الكبير في ربط هذا الناشئ بأهم ما يفيده، أهم ما يبنيه، يبني إيمانه، يبني وعيه، يرتقي به إلى مستوى عالٍ.
إذا جئنا إلى أهمية القرآن الكريم في واقع الأمة، يجب أن نلتفت إلى التجربة المهمة التي أصبحت حقيقة واقعة، يمكن أن نقارن بها في واقع الأمة، في المرحلة التي اتجهت على أساس القرآن الكريم بقيادة رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ”، وما حققت من نجاحات هائلة، ونقلات كبيرة جدًا، وتغيير عظيم في واقعها، وما بعد ذلك: في المراحل التي تراجع مدى الالتزام بالقرآن، مدى الاهتداء بالقرآن، مدى التمسك، بالقرآن الكريم والسير على تعاليمه، وكيف تغير واقع الأمة إلى مستوى سيئ وهابط في كل المجالات.
فالتركيز على القرآن الكريم مسألة أساسية، ويجب أن تكون محطّ اهتمامنا، ((وَشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ وَأَحْكَامِهِ، وَحَلَالِهِ وَحَرَامِهِ))، مع أن القرآن الكريم يحتوي شرائع الإسلام، وأحكام الإسلام، والحلال، والحرام، إلا أنّ فيما قدمه الرسول “صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ” على ضوء ذلك، وما قُدِّم أيضًا من التفاصيل على ضوء ذلك، مما يرتبط بما ورد في القرآن الكريم ما ينبغي تعلمه.
الإنسان المسلم، بانتمائه للإسلام، يُقِرُّ على نفسه بأنه معنِيٌّ بتلك التشريعات الإلهية، بأحكام الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، بشرائع الله، بما فرض الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” عليه، بما حدده الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” من حلال وحرام، في الاكتفاء بالحلال، والانتهاء عن الحرام، والإنسان بحاجة إلى معرفة الحلال من الحرام، وأن يكون ذلك ضمن برنامجه التعليمي، معرفة الحلال والحرام، معرفة شرائع الإسلام، وأحكام الإسلام؛ لأنه معني بالالتزام بها.
وهناك ما ينبغي الالتفاتة إليه، هناك حرب شرسة جدًا- من أعداء الإسلام، ومن الطغاة على مدى التاريخ في واقع الأمة- على شرائع الإسلام وأحكامه، وعلى حلاله وحرامه، حتى نتج عن ذلك واقع فيه استهتار كبير بأحكام الإسلام، استهتار كبير، وبُعد عن الالتزام فيما يتعلق بالحلال والحرام، وجهل كبير- في واقع الأمة- بالتمييز بين الحلال والحرام، وأيضًا بالتوطين للنفس على الالتزام بأوامر الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والانتهاء عند حدوده، وعدم تجاوز حدوده، واحترام حلال الله، وحرامه. هناك استهتار كبير في واقع الأمة.
النظرة إلى الحلال يجب أن تكون نظرة صحيحة، أن الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أحل لنا الطيبات، أحل لنا، تحت هذا العنوان (الطيبات)، وحرَّم علينا الخبائث، وأن كل ما حرمه الله علينا هو من الخبائث، بما فيها من المضار والمفاسد التي لا تليق بنا، لا تليق بالإنسان كإنسان، وهي ذات تأثير سيئ على الإنسان، في نفسه، في صحته، في حياته الاجتماعية، في واقعه بشكل عام، ولذلك إذا امتلكنا هذه النظرة الصحيحة فسندرك أهمية الالتزام، وأهمية التمسك بشرائع الله وأحكامه، وأن نقف عند حدود الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، لأن الذي يحاول الأخرون أن يدفعونا إليه: هو التعامل وفق الأهواء، الانفلات، والفوضى، التعامل الرغبات، والاندفاع وراء الغرائز كالحيوانات تمامًا، بدون أي ضوابط، ولا قيود.
الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أحل لنا الطيبات، ودائرة الحلال هي دائرة واسعة جدًا، الحرام هو نسبة محدودة جدًا، ودائرة الحلال دائرة واسعة جدًا، وتشمل الطيبات بكلها، أما دائرة الحرام فهي تتجه نحو الخبائث السيئة بما فيها من مضار تضر الإنسان، بما فيها من مفاسد تفسد الإنسان وتفسد حياته.
ولذلك ينبغي الوعي بأن الالتزام الإيماني والديني: هو من الرشد، من الحكمة، وهو لخير الإنسان ولمصلحة الإنسان، ولصالح حياته، وأن الحرام وما فيه من المفاسد والخبائث والمضار، هو وراء ما تعيشه البشرية، ما يعيشه المجتمع البشري، من مشاكل كثيرة جدًا في واقع الحياة، له آثار سيئة جدًا في واقع الحياة.
فالتعلُّم للحلال والحرام، ومعرفة شرائع الإسلام، ضمن الاهتمامات التعليمية يجب أن يكون أساسيًا، ألا يهمَّش، ألا يغيَّب، ألا يهمل، وأن تكون الخارطة التعليمية مرتبة، ويؤخذ فيها بعين الاعتبار، هذه الأمور المهمة جدًا، وبشكلٍ صحيح، هناك مثلًا في ما هو قائم وحاصل في بلدنا في اليمن، شتات كبير فيما يتعلق بتعلم القرآن الكريم في المنهج المدرسي، والبعض قد يدرس من الابتدائية حتى يتخرج من الجامعة، وهو بعد لم يتقن قراءة القرآن الكريم، وهو بعد لم يرتبط الارتباط الوثيق بالقرآن الكريم، ولم يتثقف بثقافته، ولم يتجه إلى التعرف على معارفه، والتفهم لتعاليمه، بعيدٌ عن ذلك كل البعد.
العملية التعليمية أصبحت- من خلال التوجه فيها، والدوافع التي تدفع إليها- أصبحت للأسف بطريقة غير مجدية. يتجه الكثير ليتعلّم من أجل أن يحصل على وظيفة، ليحصل على مرتَّب، غايات ومقاصد لا تبني واقع الأمة أبدًا، التوجه فيها توجه فردي، الاهتمامات فيها شخصية، لا تتعلق بواقعٍ ينهض بالأمة، ولا يغير شيئًا من واقع الأمة، ولا ترتبط بغايات وأهداف مقدسة ولا مهمة ولا عظيمة، ثم قد يصل إلى مرحلة أن يصبح مدرسًا، كوظيفة وليس كمهمة ومسؤولية مهمة ذات قدسية، وذات دور مهم، لا، كوظيفة فقط، يؤدي عمله فيها بشكل روتيني، بارد، غير مؤثر، ولا نافع، ولا مفيد، ولا يُخرِّج جيلًا، ولا ينفع نفعًا.
كذلك قد يتخرج من الجامعة، لا يعرف الحلال من الحرام، ولا يعرف شرائع الإسلام، ولا يستفيد في بقية الأمور بالشكل المطلوب، يجب أن يكون هناك مراجعة للعملية التعليمية، وتصحيح لها حتى تكون نافعة ومفيدة في الدين والدنيا، ولا تكون مجرد تضييع للوقت من غير أثر، ومن غير نتيجة بنَّاءة ومثمرة.
نكتفي بهذا المقدار.
وَنَسْأَلَ اللَّهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أن يُوَفِّقَنَا وَإيَّاكُمْ لمِا يُرضِيهِ عَنَّا، وأَنْ يَرْحَمَ شُهَدَاءَنَا الأَبرَارَ، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، وَأَنْ يَنصُرنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.
وَالسَّــــلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَــــةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتـــُه؛؛؛