نص الدرس التاسع عشر للسيد عبدالملك من وصية الإمام علي لابنه الإمام الحسن
نص الدرس التاسع عشر للسيد عبدالملك من وصية الإمام علي لابنه الإمام الحسن
أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيم.
أَيُّهَــــا الإِخْــــوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّــلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَــةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُــه؛؛؛
وَجُمَعَة مُبَارَكَة؛؛؛
كنا تحدثنا في آخر ما تحدثنا عنه بالأمس، على ضوء قوله “عَلَيهِ السَّلَامُ”: ((وَلَا تكُونَنَّ عَلَى الْإِسَاءَةِ أَقْوَى مِنْكَ عَلَى الْإِحْسَانِ))، البعض من الناس قويٌ على الإساءة، وجريءٌ على الإساءة، ومتسرع إلى أن يسيء، وهذا يعود إلى نقصٍ كبير في إيمانه، في أخلاقه، في كرم نفسه، في حسن طبعه، وإلى إشكالية في واقعه النفسي، قد تكون عقدًا، قد تكون حقدًا، قد تكون انعدامًا للشعور بالكرامة والإحساس بالكرامة، ونقص في تقواه للّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
عندما يرى الإنسان نفسه قويًا على الإساءة، وجريئًا عليها، فلا يتصور أن ذلك يعبِّر عن شجاعته، أو عن عزة نفسه، أو عن قوته؛ أن هذه قوة محمودة، هذا يدل على سوءٍ في نفسه، على إشكالية في نفسه، أن تكون من أبطال الإحسان، والأقوياء على الإحسان، والأقرب إلى المبادرة إلى الإحسان، هذا ما يعبِّر عن شجاعتك، عن كرامة نفسك، عن صلاح نفسك، عن زكاء نفسك، عن كرم طباعك، ولذلك الإنسان في حالة بين حالتين، إما أن يكون قويًا على الإساءة، أو قويًا على الإحسان، أن تكون من أبطال الإحسان، من الذين يبادرون بقوة باهتمام إلى الإحسان، هذا يعبر عن الحالة الأخلاقية والإنسانية، وعن حالة الصلاح في نفسك، الأخلاق العالية التي تتخلق بها، والكريمة.
((وَلَيْسَ جَزَاءُ مَنْ سَرَّكَ أَنْ تَسُوءَهُ))، اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، علَّمنا في القرآن بقوله: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ}[الرحمن: 60]، علَّمنا أن نقابل الإحسان بالإحسان، أن نقدر المعروف من ذوي المعروف، ولذلك عندما يقابل الإنسان إحسان أحدٍ إليه بالإساءة، هو أحسن إليك وسرَّك، فقابلت ذلك بأن تسوءه، قابلت ذلك بما يسيء إليه، وبما يسوؤه؛ فهذا يدل على انحرافك عن جادة الصواب، على بعدك عن الأخلاق، على لؤمٍ في النفس، هي حالة لؤم، الإنسان الذي يقابل الإحسان بالإساءة، ويقابل من يسرُّه بأن يسوؤه، هذا يعبر عن حالة لؤم لدى الإنسان.
((وَلَا يَكْبُرَنَّ عَلَيْكَ ظُلْمُ مَنْ ظَلَمَكَ، فَإِنَّهُ يَسْعَى فِي مَضَرَّتِهِ وَنَفْعِكَ))، تقدَّم لنا الحديث في جمل سابقة عن خطورة الظلم وسوءه، وأنه من أعظم الذنوب، وأنه محذورٌ خطيرٌ جدًّا، على الإنسان أن يحذر منه، في كل واقع الإنسان، في مستوى ما تتمكن أن تمارس الظلم احذره، الإنسان قد يكون في واقعه المحدود بحسب إمكاناته قدرته، يمارس الظلم في نطاق أسرته، أو في نطاق مجتمعه على فئات مستضعَفة، البعض قد يكون في موقع مسؤولية ويمارس الظلم على نطاق أوسع، وهكذا الظلم بأي مستوى هو خطيرٌ جدًّا، ذنبٌ عظيمٌ جدًّا، توعد اللّٰه عليه بنار جهنم، ذنبٌ يحبط كل الأعمال الصالحة، ليس أمرًا بسيطًا، ولا هينًا يجعل الإنسان في مشكلة مباشرة مع اللّٰه، اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، هو للظالمين بالمرصاد، هو خصمهم، هو المتوعِّد لهم بالعقوبة منهم، هو “جَلَّ شَأنُهُ” قال: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ}[الشعراء: من الآية 227].
قد يكون واقع الإنسان عندما يعاني من الظلم، مؤلمًا جدًّا، يشعر بحزنٍ شديد، يتجرع مرارة الضيم، وهو يشعر بالمظلومية، فالبعض من الناس قد يصل به الحال عندما يُظلم، عندما يكون مظلومًا، وهو يشعر بالقهر، يشعر بالأسى، يشعر بالحزن الشديد، قد يصل به الحال إلى أن يتأثر نفسيًا، فيصل إلى حد الإحباط، واليأس، والانكسار التام، ويسيطر عليه الحزن الشديد، والغم الشديد، فيؤثر على نفسه، يؤثر على نشاطه، على عمله، على اهتمامه، على موقفه، فهو لشدة الحزن، لشدة الألم، لشدة الأسف، لشدة الغضب، لشدة المحنة، يصل إلى حدٍ يشرف فيه على الانهيار النفسي، فيؤثر على مدى اهتمامه بالعمل، اهتمامه حتى بموقفه، الذي يفيده في التصدي للظلم والظالم، كَبُرَ عليه الأمر إلى درجة أثرت على نفسيته، على تماسكه، على ثباته، فهي حالة خطيرة جدًّا، بل البعض قد يصل إلى حالة أسوأ من ذلك، قد يصل إلى درجة السخط على اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”؛ أنه لماذا تمكن هذا الظالم أن يفعل كل هذا؟ كما قال البعض ممن كسرتهم الأحداث، وهالتهم المظالم في العراق، وفي سوريا، البعض كانوا يقولون أين اللّٰه! كبر عليهم الأمر إلى درجة أثرت عليهم نفسيًا إلى حدٍ كبير، فساء ظنهم باللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وهم لا يدركون أن الخلل الذي أوصل الواقع إلى ما وصل إليه، هو تقصير الناس أنفسهم، تقصير الناس أنفسهم، ولهذا علَّمنا الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” هذه الحقائق في القرآن الكريم، هو القائل “جَلَّ شَأنُهُ”: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ}[آل عمران: من الآية 108]، {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ}[غافر: من الآية 31].
وأرشدنا في هديه وكتابه، إلى ما يجعلنا أمةً، قويةً، منيعةً، عزيزة، تدفع عن نفسها الظلم، أرشدنا لأنْ نسير كأمة مسلمة على أساس هديه وتعاليمه التي يتحقق بها العدل، والتي يُحارب من خلالها الظلم، والتي على ضوء تعليماتها تلك على ضوء تلك التعليمات تطهر ساحتها من الظالمين ومن الظلم، فإذا حصل ظلم كان هناك تصدٍّ له، كان هناك سعي للخلاص منه، سعي لإزالته، فلا يبقى ليتعاظم ويكبر، أو ليتمادى، ويستمر على المدى الزمني الطويل، لكن واقعنا كأمة شابه الكثير من الخلل، ففقدنا المنعة والعزة، في مواجهة الظالمين الذين يستهدفوننا كأمة مسلمة، ثم أيضًا حصل خلل كبير جدًّا، في مسألة التمسك بالمنهج الإلهي، فدخل في ساحتنا من داخلها الظلم، وحكم الظالمون، والطغاة واقعنا فامتلأ واقعنا بالظلم، وامتلأت ساحتنا بالظلم، وانتشر التظالم بين أوساط الأمة على كل المستويات، على المستوى الاجتماعي، على مستوى الحكومات والأنظمة، وهكذا بشكل عام، بشكل فردي، بشكل جماعي… إلخ.
واجب الأمة: أن تسعى في واقعها الداخلي لإقامة العدل، كمسؤولية جماعية، مثلما أمر اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ}[النساء: من الآية 135]، وأن يعملوا على إزاحة الظلم، على التخلص من الظلم، وأن يدركوا أنه من أعظم الذنوب، ومن أخطرها، ومن أسوئها، وآثارهُ في الحياة آثار سيئة؛ تؤثر على الناس في كل شؤون حياتهم، في أمنهم، واستقرارهم ورخائهم، واستقرار أوضاعهم، في كل شؤونهم، تؤثر تأثيرًا سيئًا، في واقعهم النفسي، في علاقاتهم فيما بينهم وهكذا.
ثم عندما يتجه الإنسان لمواجهة هذه الحالة، نحن رأينا مثلًا من الأمثلة الواقعية التي حصلت وعشناها خلال هذه السنوات: المظلومية التي عاشها شعينا اليمني المسلم العزيز، مظلومية رهيبة وكبيرة، استهداف شامل، قتل جماعي للأطفال، والنساء، والكبار، والصغار، جرائم مهولة جدًّا، وبشعة للغاية. أمام ذلك المنظر كيف يكون واقعك النفسي؟! ستتألم إن كان بقي فيك إنسانية وضمير، ولكن من دون أن تصل إلى حد الانكسار النفسي، والهزيمة النفسية، أو أن يقتلك الغم، والحزن، والأسف، والضيق، فيمثل ذلك عائقًا لك عن العمل، عن التحرك العملي الصحيح في مواجهة الظلم، في التصدي لأولئك الظالمين، الذين ارتكبوا بحق شعبك كل هذه المظالم.
نجد في واقع الشعب الفلسطيني، المظالم المؤلمة المتنوعة، من قتل، من هدم للمنازل، من قلع للمزارع، من اعتقالاتٍ بطريقة مؤسفة ومؤلمة ومحزنة، من تعسفات كثيرة، من استهداف للمقدسات إلى غير ذلك، المظالم اليومية. تلك الحالة لا ينبغي أن تكون تأثيراتها على المستوى النفسي: هو الغم الشديد الذي يصل بالإنسان إلى حد التوقف عن العمل، الانكسار النفسي، الحزن القاتل المهلك، والبعد عن الروحية العملية، هذا بالنسبة للمظالم الكبيرة، والممارسات الظالمة، التي تأتي من قبل الظالمين والطغاة.
في واقع الإنسان على المستوى الشخص وفي الوضع الاجتماعي يواجه الإنسان مشاكل من هنا وهناك، قد تأتي أحيانًا حتى من قريبٍ لك، أو من أحدٍ من أبناء مجتمعك، وعلى مستوى معين، يظلمك على مستوى معين، يحاول أن يأخذ شيئًا من مالك، يحاول أن يسيء إليك، أن يتجرأ عليك بالإساءة، بالكلام الظالم، بالبهتان، مستوى معين من المظالم، هذا قد يستفز البعض جدًّا، وقد تكون ردة فعله بطريقة متهورة، وأحيانًا بأكبر مما ينبغي؛ لأن المسألة كبرت عليه وفاقت تحمله، فتعامل معها بطريقة متهورة وبأكبر مما ينبغي، وهذا أيضًا ينبغي الحذر منه.
هناك أيضًا حالة أخرى ومستوى آخر، قد يكون مستوى معيَّن من الظلم، مظلومية معينة حصلت لك، ولكن في سبيل خدمة القضايا العامة، والقضايا الأساسية، والقضايا الكبيرة؛ قضايا أمتك، قضايا مجتمعك، أنت بحاجة إلى أن تصبر عليها، وأن تتحمل، قد لا يكون من الحكمة أن تتسرع في ردة فعل معينة، وقد تعالَج المسألة بطريقة صحيحة وحكيمة، بما يرد لك اعتبارك، أو بما يحقق الإنصاف لك، ولكن واقعك النفسي يغلي، أنت في حالة انفعال، في حالة ألم، في حالة استفزاز، في حالة غضب، في حالة حزن، ففي هذه الحالات بكلها، تذكَّر أن الذي مارس الظلم بحقك: هو ابتداءً قد ضر نفسه قبل أن يضرك، هو قد ضر نفسه؛ لأنه تحمَّل الإثم، تحمَّل الوزر، تحمَّل سخط اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، إن اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” ربُنا العظيم: هو القائم بالقسط، وهو “جَلَّ شَأنُهُ” الذي أكد لنا في كتابه على هذه الحقيقة: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ}[آل عمران: من الآية 18]، هو القائم بالقسط، هو الذي ينتقم للمظلوم من الظالم، هو الذي تنال عقوبته الظالمين، ولذلك هو لا يتركك كمظلوم، هو لا يهملك كمظلوم، بل أن دعوة المظلوم: هي من الدعاء الذي لا يرد، مما يستجاب من الدعاء: دعوة المظلوم.
وقد تكون الحالة التي تزيد الإنسان ألمًا: هي الحالة التي لا يستطيعُ أن يأخذ حقه من الظالم، أو أن ينتصف من الظالم، إما لأنه إنسان مستضعف، إنسان مسكين، يتيم، امرأة ضعيفة، ليس لها من يقف معها، قريب مستضعف من قريبه، وهكذا أمثلة كثيرة في الواقع، ونماذج متنوعة ومتعددة، وفي هذه الحالة سخط اللّٰه وغضبه وانتقامه أقرب إلى أن ينال ذلك الظالم، لصالح ذلك المظلوم.
اللّٰه رحيم بعباده، وهو للظالمين بالمرصاد، هو يمقت الظالمين، هو لعنهم، يغضب عليهم، توعَّدهم بالعذاب في الدنيا والآخرة، توعَّدهم بالانتقام منهم في الدنيا والآخرة، ولذلك فعلى المستوى النفسي مما يهوِّن عليك المسألة إلى حدٍّ ما، مما يخفف من حزنك، من ألمك، من غضبك في كل الحالات، حتى تتعامل مع المسألة بالشكل الصحيح: هو هذا الجانب. البعض من الناس قد يصل به الحال نتيجة الشعور الشديد بالمظلومية، البعض مثلًا بنت لدى أسرتها، ظلمت وأجبرت على الزواج بمن لا ترغب فيه أبدًا، ولا تريده أصلًا، وهم يجبرونها على الزواج منه لماذا؛ لأنه سيعطيهم المال، تعاملوا معها كسلعة، كسلعة مادية رخيصة، بدون أي شفقه، ولا أي رحمة. قد يصل البعض بتصرفه، يعني تهوره، نتيجة حزنه إلى أن ينتحر، نتيجة استيائه، نتيجة شعوره المرير بالمظلومية، إلى الانتحار، البعض ينتحرنَ، لا ينبغي أبدًا في مثل هذه الحالات، التي يواجه الإنسان فيها المظلومية، أن يستبدَّ به الحزن، وأن تغلبه مرارة الشعور بالمظلومية إلى درجة الانهيار النفسي، ليتذكر أن اللّٰه ربه، هو القائم بالقسط، هو “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” المنتقم من الظالم، وهو للظالمين بالمرصاد، وأن ذلك الظالم تحمَّل الوزر، تحمَّل الإثم، وسينال عقوبته.
((فَإِنَّهُ يَسْعَى فِي مَضَرَّتِهِ وَنَفْعِكَ))، كلما سعى إلى ظلمك أكثر، ضر نفسهُ أكثر، وأنت تنتفع، مظلوميتك: هي سند لك، هي سبيل لك للحصول على المعونة من اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وأن تكون أنت المظلوم خيرٌ لك من أن تكون الظالم، ويوم العدل على الظالم أشد من يوم الجور على المظلوم، فمظلوميتك هي وسيلة لك للحصول على معونة اللّٰه، على تأييده، على نصره، أدِّ ما عليك بحسب الممكن المستطاع، تحرك وفق التعليمات الإلهية، اتخذ الموقف الصحيح، لا تتهور، لا تتجاوز مظلوميتك لتظلم، وهكذا، تعامل بالشكل الصحيح.
في واقع الناس كذلك، الناس عادةً بفطرتهم، من بقي لهم الشعور الفطري: يتعاطفون مع المظلوم، يدركون مظلوميته، الناس الأحرار يتألمون لحاله، يتضامنون معه. الظالم يظهر في صورة بشعة، مهما برَّر ظلمه، مع أن الظالمين عادةً على مستوى حكومات، أنظمة، دول، كيانات، جهات، إلى غير ذلك، حتى أشخاص أحيانًا يحاولون أن يبرروا ظلمهم بكل ما يستطيعون، ولكن موقفهم يكون مفضوحًا، مهما كان لديهم من إمكانيات للتبرير، فهم يسيئون إلى أنفسهم بذلك.
((وَاعْلَمْ يَا بُنَيَّ، أَنَّ الرِّزْقَ رِزْقَانِ: رِزْقٌ تَطْلُبُهُ، وَرِزْقٌ يَطْلُبُكَ، فَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَأْتِهِ أَتَاكَ. مَا أَقْبَحَ الْخُضُوعَ عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَالْجَفَاءَ عِنْدَ الْغِنَى. إِنَّمَا لَكَ مِنْ دُنْيَاكَ، مَا أَصْلَحْتَ بِهِ مَثْوَاكَ، وَإِنْ كُنْتَ جَازِعًا عَلَى مَا تَفَلَّتَ مِنْ يَدَيْكَ، فَاجْزَعْ عَلَى كُلِّ مَا لَمْ يَصِلْ إِلَيْكَ))، الرزق: من أهم ما يركز عليه الإنسان؛ لأن الذي يربطه بالرزق هو حياته، ومعيشته، وقوتُه، ومختلف متطلبات حياته، ولذلك هو من أكبر الهموم لدى الإنسان: هَمُّ الرزق، وهو يركز على مسألة الرزق.
أول ما ينبغي أن نأخذه بعين الاعتبار في مسألة الرزق: هو إيماننا باللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، أنه الرزاق ذو القوة المتين، أنه الغني الحميد، أنه الذي بيده خزائن السماوات والأرض، أنه الذي قال عن نفسه: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}[هود: 6]، فلذلك نتجه نحو اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، بآمالنا، برجائنا، بسؤلنا، بِطَلِبتِنا، ثم نتحرك لطلب الرزق أخذًا بالأسباب، وفق تعليماته “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، نتحرك ونحن متوكلون عليه سبحانه، راجُون له، آملون في فضله، نسعى لفضله، للحصول على فضله، على نعمته، ثم نعي ما قد أنعم به علينا، وتحدث به عن النعم علينا في هذه الحياة، من أصول النعم وفروعها، ونسعى للأخذ بالأسباب والوسائل المشروعة، دون أن نتجاوزها إلى الحرام، دون أن نستخدم الأساليب المحرمة، أو الوسائل المحرمة، أو الطرق المحرمة، أو أن نتَّجر في المحرمات، نجتنب الحرام بكله، في عينه، وفي وسائله، وفي كل ما يصل بنا إليه، ونتجه على أساس تعليمات اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، من منطلق النية الصالحة، لتحصيل الرزق الحلال، لتحصيل ما يكون عونًا لنا في أمر ديننا ودنيانا؛ لأننا أمة لدينا مسؤوليات كثيرة، ترتبط بالجانب المالي، مسؤولية الإنفاق في سبيل الله، الجهاد في سبيل اللّٰه، الخير، الإنفاق في سُبل الخير، أشياء كثيرة، يدخل في إطار أمورنا الدينية، لكنه متعلق بالجانب المالي.
ثم أيضًا نسعى لأسباب الخير، أسباب البركة، أسباب السَّعة، التي يمُّن اللّٰه بها علينا، مع القناعة، مع الرضا، بما يتحصَّل، بما يتوفر، مع الموازنة في اهتماماتنا، ألا يتحول كل الاهتمام نحو ذلك، لا يزال لدينا اهتمامات ومسؤوليات كبيرة، ولا يزال تطلُّعنا كمؤمنين، وأملنا الكبير كمؤمنين، في طموحاتنا المادية، ورغباتنا المادية، والحياة الهنيئة، والسعادة التامة، فيما وعد اللّٰه به في مستقبلنا الآتي حتمًا، المستقبل الأبدي العظيم: وهو الآخرة؛ لأن حياتنا في هذه الدنيا هي حياة مؤقتة، ولذلك لا يتجه كل اهتمامنا نحو ما نحصل عليه فيها لها، أن نجعل منها أيضًا مزرعةً للآخرة.
فـ((الرِّزْقَ رِزْقَانِ: رِزْقٌ تَطْلُبُهُ))، أخذًا بالأسباب، ويأتيك من خلال الطلب، من خلال الأخذ بالأسباب، والسعي العملي، ورزقٌ سيأتيك حتى خارج إطار الطلب، والإنسان يلحظ هذه في حياته، ولذلك عندما قال اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا(2)وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ }[الطلاق: من الآية 2- 3]، أحيانًا يأتيك الرزق من حيث لا تحتسب، من حيث لم تطلبه، من حيث لم تسعَ له، فيأتيك من اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، فاللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” لن يتركك، قلل أو وازن من همك، في أمر معيشتك ورزقك، لا يتحوَّل هو إلى الهَمِّ الشديد الأكبر، الذي يعيقك عن بقية اهتماماتك، وعن اهتمامك أيضًا بمستقبلك في الآخرة.
((مَا أَقْبَحَ الْخُضُوعَ عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَالْجَفَاءَ عِنْدَ الْغِنَى))، الخضوع للابتزاز، الخضوع الذي يدفعك إلى الذلة، إلى الهوان، الخضوع الذي يدفعك إلى أن تقبل بما لا ينبغي القبول به، أو تتوسل للحصول على حاجتك، بما لا ينبغي أن تتوسل به من الوسائل غير الصحيحة؛ المذلة، المهينة، فهي حالة غير لائقة، البعض من الناس نتيجة هَمِّ الرزق، كبر عنده هَمُّ الرزق، أثر عليه، فأخضعه، عندما أصبح محتاجًا، محتاجًا لحاجةٍ معينة، إما حاجة في غذائه، في قوته، في متطلبات حياته، احتياج مادي معين، فإذا دفعك الاحتياج المادي إلى الخضوع، للابتزاز الذي قد يكون ثمنه أحيانًا دِينُك، البعض من الناس يخضع، فيتنازل عن دينه، خضوعًا لمن هو صاحب ثروة، أو إمكانات مادية للحصول على شيءٍ منه.
فحالة الخضوع عند الحاجة، التي يتحول فيها الإنسان إلى وضعية الانكسار، والتذلل، والخضوع للابتزاز: فهي حالة خطيرة جدًّا، وهي حالة سيئة على كل مستوى، على المستوى الجماعي، لشعب، أو لأمة، أو على المستوى الشخصي لشخص، عندما يخضع للابتزاز ويقبل بما لا ينبغي القبول به؛ مما يمس بكرامته، أو يمس بدينه، أو يمس بعرضه، أو يمس بحريته، أو يمس بشرفه، فيقبل بذلك من أجل الحصول على شيء من الدنيا، هذا لا ينبغي ولا يجوز، ويجب أن يكون هذا وعيًا أصيلًا لدى شعوبنا بشكلٍ عام، لدى مجتمعاتنا، لدينا كأمة: ألا نقبل بالخضوع نتيجة الظروف الضاغطة، نخضع للباطل، نخضع للابتزاز بالباطل، نخضع لما يمس بكرامتنا، أو حريتنا، أو ديننا، لماذا؟ نتيجة للظروف المعيشية الصعبة، هذا لا ينبغي أبدًا.
نؤمن بأن الرزق من اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ونسعى للحصول على رزقنا بكرامة، بشرف، نسعى عمليًا، ونخضع للّٰه بدلًا من الخضوع لخلقه، نخضع لربنا العظيم الذي في الخضوع له كل الشرف، كل الكرامة. الإنسان يسمو، ويشرُف، ويعظُم، بقدر ما يخضع للّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، فبدلًا من الخضوع لأحدٍ من خلقه، نخضع للّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، نتوجه إليه بآمالنا، ورجائنا، وسؤلنا، وطلِبتِنا، ونسعى عمليًا، نسعى عمليًا بجدّ، نترك الكسل، نتحرر من الكسل، نتحرك بشكل جماعي، بشكل منظَّم، نأخذ بالأسباب التي طوَّرها البشر، واستفادوا من تجربتهم على مرّ التاريخ، فساعدتهم تلك الوسائل والأسباب إلى النهوض بواقعهم الاقتصادي والمعيشي.
فالخضوع عند الحاجة هو قبيحٌ جدًّا، إلى هذه الدرجة: ((مَا أَقْبَحَ الْخُضُوعَ عِنْدَ الْحَاجَة))، لا ينبغي أن تكون الحاجة والظروف المعيشية الصعبة سببًا يقنع الإنسان على المستوى الشخصي، أو يقنع أمة، أو شعبًا معينًا على الخضوع، نتيجةً للحاجة، الخضوع لباطل، الخضوع للابتزاز، بما يمس بالكرامة، بالشرف، بالدين، بالعِرض، بالحرية.
((وَالْجَفَاءَ عِنْدَ الْغِنَى))، عندما يصبح الإنسان مستغنيًا، فتعامل بالجفاء مع الآخرين؛ لأنه أصبح مستغنيًا عنهم، هو يخضع لهم عند الحاجة ويجفوهم عند الغناء. لا ينبغي الخضوع عند الحاجة، ولا الجفاء عند الغنى، لا الجمع بين الأمرين، ولا لكل منهما بشكل منفرد. الجفاء عند الغنى: هو حالة بطر، تكبُّر، سلوك سلبي ممقوت؛ لأن معناه أنك عندما شعرت بالاستغناء عن الآخرين أصبحت تسيءُ إليهم، تجفوهم. فهو مظهر من مظاهر التكبر، والغطرسة، والبطر، والسوء الذي أنت فيه.
((إِنَّمَا لَكَ مِنْ دُنْيَاكَ، مَا أَصْلَحْتَ بِهِ مَثْوَاكَ))، ينبغي أن تحسب حساب مستقبلك ومستقرك الدائم، الذي أنت منتقل إليه حتمًا، وستبقى فيه للأبد، لا تحسب فقط حساب معيشتك وظروفك في هذه الحياة المحدودة المؤقتة، وتقتصر على ذلك، بل تجاوز باهتمامك، مُدّ اهتمامك إلى ذلك المستقبل الذي فيه مستقرك، فيه الاستقرار الدائم، هذه الحياة هي حياة مؤقتة، مهما حصلت عليه، البعض قد يحصل على أكثر من حاجته بكثير، البعض من الناس تراه تاجرًا كبيرًا يمتلك البعض مليارات من الأموال، احتياجه منها على مستوى واقعه الشخصي وأسرته، في ظروفه المعيشية شيءٌ محدود، البقية سيفارقه بكله، وسيرحل عنه، إذا لم يكن قد أمَّن مستقبله، وسعى لمستقبله الذي سيستقر فيه للأبد، فخسارته كبيرة ولن يستفيد في أنه كان قد حصل في هذه الدنيا على أموال كثيرة، وممتلكات كثيرة، وإمكانات ضخمة، انتهى كل شيء، ولذلك يبقى اهتمامك أيضًا ممتدًا لإصلاح مستقرك، ودار قرارك الأبدي.
((وَإِنْ كُنْتَ جَازِعًا عَلَى مَا تَفَلَّتَ مِنْ يَدَيْكَ، فَاجْزَعْ عَلَى كُلِّ مَا لَمْ يَصِلْ إِلَيْكَ))، الإنسان فيما يملكه من ممتلكات وإمكانات، قد يخسر البعض منها، قد يتفلت البعض منها من يده، قد تخسر في صفقات معينة، قد تخسر في زراعتك فيما يصيبها ويؤثر عليها، يحصل فيما تملكه ما يتلفه أحيانًا، أو ما يفوت بسببه من يديك، فإذا كان الإنسان يجزع نتيجة لذلك، والجزع هو: حالة من الحزن الزائد، الحزن والفزع الذي يؤثر على نفسية الإنسان، فهي حاله لن تفيدك شيئًا، الجزع على ما تفلَّت من يديك لن يفيدك، مثلما هو جزعك على ما لم يصل إليك، هو جزع لن يفيدك أصلًا، الحال متساويان، ما فاتك فات، وما لم تستطع الوصول إليه، هو هناك لم تستطع الوصول إليه، ما فائدة الجزع؟ ما فائدة أن تحزن، وتأسف، وتغتمّ، وتقلق، وتتوتر على ذلك، إنما تضر نفسك، وتشغل بالك، وتزيد من همك، دون أي فائدة.
((اسْتَدِلّ عَلَى مَا لَمْ يَكُنْ بِمَا قَدْ كَانَ، فَإِنَّ الْأُمُورَ أَشْبَاهٌ، وَلَا تَكُونَنَّ مِمَّنْ لَا تَنْفَعُهُ الْعِظَةُ إِلّا إِذَا بَالَغْتَ فِي إِيلَامِهِ، فَإِنَّ الْعَاقِلَ يَتَّعِظُ بِالْأدَبِ، وَالْبَهَائِمَ لَا تَتَّعِظُ إِلّا بِالضَّرْبِ))، استدل في واقعك سواءً في اهتماماتك العملية، أوفي قراءتك للواقع، أو في نظرتك إلى التجارب، أو غير ذلك؛ في تقييمك لمختلف الأمور، استدل على ما لم يكن، ما لم يحصل بعد: بما قد كان، ((فَإِنَّ الْأُمُورَ أَشْبَاهٌ))، الأمور في أسبابها ونتائجها أشباه، فأسباب الفشل، نتيجتها الفشل، أسباب النجاح، نتيجتها النجاح، وهكذا في بقية الأمور، فيما نقرؤه في الواقع، فيما نستفيده من تجارب، فيما نريد أن نعتمد عليه من سياسات، من مواقف، فلْنستفد من تجارب الآخرين، ومن الواقع، ومن الأحداث من حولنا، فيمكننا أن نقيس النتائج لما نريد أن نعمله، من خلال قياسنا لنتائج قد حصلت فيما شابه ذلك من أعمال، بنفس الأسباب التي تحركنا عليها، في تقييمنا للواقع، في قراءتنا للأحداث أيضًا، في قراءتنا للمواقف أيضًا، هذه قاعدة عميقة: استدل بما لم يكن بما نعم ((اسْتَدِلّ عَلَى مَا لَمْ يَكُنْ بِمَا قَدْ كَانَ، فَإِنَّ الْأُمُورَ أَشْبَاهٌ)) قاعدة عميقة، تستفيد منها في الواقع العملي، في الخطط، تستفيد منها في قراءة الواقع، في قراءة الأحداث، في قراءة المواقف، في التنبؤ: يعني في التخمين والتقدير، لعواقب الأمور، وهكذا.
((وَلَا تَكُونَنَّ مِمَّنْ لَا تَنْفَعُهُ الْعِظَةُ إِلّا إِذَا بَالَغْتَ فِي إِيلَامِهِ))، هذا من مسألة يعني هو يعود إلى قوله: ((اسْتَدِلَّ عَلَى مَا لَمْ يَكُنْ بِمَا قَدْ كَانَ))، لتتفادى الكثير من الفشل، الكثير من الأخطاء، الكثير من الإخفاقات؛ لأنك استفدت من فشل الآخرين، من إخفاقاتهم، وحتى من فشلك أنت في أمور قد مضت، من إخفاقاتك أنت في أمور قد مضت، من نجاحاتك أنت في أمور قد مضت، عرفت الأسباب، عرفت النتائج، كان أصبح لديك رؤية تقييمية تستفيد منها في أدائك العملي، فلا تكن ممن لا تنفعه العِظة إلا إذا بالغت في إيلامه، يعني اكتفِ اكتفِ بأنه قد حصل لك ما يدل على خطأ معيَّن، أو أهمية عمل معيَّن، أو الآثار السيئة لتقصير معيَّن، فإذا كان قد حصل لك ولو بشيء بشكل يسير، ولو بشكل محدود، فخذ من ذلك العبرة. الفشل المحدود خذ منه العبرة قبل أن تدخل في أمور أكبر، وفي فشل أكبر. الخسارة المحدودة خذ منها العبرة قبل أن تصل إلى خسارة أكبر، في أمور أكبر، وهكذا بقية الأمور، الهزيمة المحدودة خذ منها العبرة لتتفادى منها الهزيمة الأكبر، الأعمال التي عواقبها سيئة، وأنت عايشتَ في واقعك بعضًا من آلامها نتيجة خلل معيَّن بمستوى لا يزال محدودًا، خذ من ذلك العبرة.
لا تنتظر أن تتألم أشد الألم لتأخذ العبرة، لتنتبه، لتحسب حساب تلك النتائج السلبية، بل خذ العبرة حتى قبل ذلك؛ لأن البعض من الناس فعلًا لا يأخذ العبرة إلا من العظة التي بالغت في إيلامه، يعني إذا كان الألم شديدًا جدًّا، خسارة كبيرة جدًّا، أو فشل كبير جدًّا، أو هزيمة كبيرة جدًّا، أو كلفة وعبء كبير جدًّا، أو أي إشكالات تؤثر عليه أثرًا كبيرًا بليغًا، حينئذ يقتنع بأن يأخذ العبرة، بأن يهتم، بأن يتفادى ذلك الخطأ.
((فَإِنَّ الْعَاقِلَ يَتَّعِظُ بِالْأَدَبِ))، العاقل يكفيه أن تتحدث معه، أن تكلمه، أن تنصحه، ((وَالْبَهَائِمَ لَا تَتَّعِظُ إِلّا بِالضَّرْبِ))، تحتاج إلى الضرب حتى تتعظ، حتى تأخذ العبرة، وتنزجر، فأنت كن عاقلًا، لا تكون كالحيوانات التي تحتاج إلى الضرب، فلا ينفع معك لاستيعاب الدروس، والاستفادة من التجارب، إلا أن تعيش أنت الألم، وأن يكون ألمًا شديدًا، لكي يكون حافزًا بالقدر الكافي إلى الاهتمام، وأخذ والعظة والعبرة.
نكتفي بهذا المقدار.
وَنَسْأَلُ اللَّهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أن يُوَفِّقَنَا وَإيَّاكُمْ لمِا يُرضِيهِ عَنَّا، وأَنْ يَرْحَمَ شُهَدَاءَنَا الأَبرَارَ، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، وَأَنْ يَنصُرنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.
وَالسَّــــلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَــــةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتـــُه؛؛؛