الإمامُ الحسين وشعبُ اليمن.. روحيةٌ واحدةٌ في مواجهة الظلم والطغيان
الإمامُ الحسين وشعبُ اليمن.. روحيةٌ واحدةٌ في مواجهة الظلم والطغيان
في يوم عاشوراء من شهر محرم، تتجدد الذكرى الأليمة لمصاب الإمام الحسين عليه السلام، وقائد ثورة الطف في كربلاء. ففي هذا اليوم، استشهد -عليه السلام- وأصحابه وأولاده في أرض كربلاء بالعراق، على يد جيش يزيد بن معاوية، المستبد المفسد، الذي ادعى خلافة المسلمين آنذاك.
هذا المصاب هو أعظم مصائب الإسلام وأشدها أثراً في تاريخه؛ فقد كانت هذه المعركة نقطة فارقة في تاريخ الإسلام، حَيثُ انقسم الناس إلى فرقتين: فرقة اتخذت طريق الولاء والانتماء إلى قضية الإمام الحسين عليه السلام، وفرقة اتخذت طريق الظلم والطغيان والفساد في الأرض.
إن الإمام الحسين -عليه السلام- هو رمز للقيم الإسلامية التي ضحى؛ مِن أجلِها بنفسه وأهل بيته وأصحابه، فقد خرج من المدينة المنورة إلى الكوفة، رافضاً مبايعة يزيد بن معاوية، وداعياً إلى إصلاح أُمَّـة جده -صلى الله عليه وآله وسلم- وقد اعترض على طريقه جيش من أتباع يزيد في كربلاء، فحاصروه هو وأصحابه في مكان قاحل، فأحرقوا خيامهم وقطعوا عنهم الماء، ثم قاتلوهم يوم عاشوراء حتى قتلوا جميع من معه من رجال وسبوا نسائه وأطفاله.
وتتمثل قضية الإمام الحسين -عليه السلام- في الانتصار للحق ومواجهة الباطل، والثورة على الظلم والطغيان، والتضحية في سبيل الله والإسلام، فقد أظهر عليه السلام مثالاً عاليًا من المروءة والشجاعة والصبر والتضحية، حتى في أشد الظروف صعوبة، كما أظهر أصحابه مثالاً يحتذى به من التضامن والإخلاص والفداء، حتى في أشد المواقف خطورة، كما أظهرت نساء آل بيته مثالاً مشرفاً من التحدي والصبر، حتى في أشد المحن قسوة.
ولذلك، فَــإنَّ ذكرى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام، هي فرصة لنستذكر هذا المصاب العظيم، ونستفيد من هذا الدرس النير، ونجدد عهدنا مع هذه القضية الكبرى، ونتبنى هذه القيم السامية، ونواجه هذه التحديات الجسام، ونسير على نهج هذا الإمام العظيم، فهو سيد الشهداء وقُدوة الأحرار ومصباح الهدى وسفينة النجاة، فلنتبعه بالأفعال، ولنقل معه: “هيهات منا الذلة”.
وإن كربلاء لم تزل حية في قلوب المؤمنين، فكل أرض تشهد ظلماً وجوراً واستبداداً وقهراً للشعوب، هي كربلاء جديدة، وكل شعب يقف في وجه الطغاة والمستكبرين، ويدافع عن حريته وكرامته وسيادته، هو شعب يحمل روح كربلاء، إنها رسالة لكل زمان ومكان، تدعو إلى الصمود والتحرّر والمقاومة.
ومن أبرز أمثلة كربلاء في عصرنا، هو اليمن، الذي يتعرض منذ سنوات لحرب عدوانية يشنها التحالف السعوديّ الإماراتي بذرائع واهية، تحت مسمى استعادة الشرعية، بدعم من إسرائيل وأمريكا وبريطانيا، فقد أسفرت هذه الحرب عن تدمير شامل للبنية التحتية لليمن، حَيثُ تعرضت الموانئ والمطارات والمدارس والمستشفيات والأسواق والمساجد والطرقات وكل ما يتصل بالحياة للقصف المتواصل، وارتكبت جرائم حرب وانتهاكات جسيمة، وفرض حصار خانق وأُغلقت كُـلّ المنافذ والممرات على الشعب اليمني.
ولكن هذا الشعب اليمني المجاهد لم يستسلم لهذا العدوان، بل قام بثورة عظيمة، مستلهماً من روحية الإمام الحسين عليه السلام، الثورة والصبر والصمود والتضحية، فأبى أن يخضع للاحتلال أَو يقبل بالهوان، بل ثار على ظالمه، معتصماً بدينه وأخذاً بسيرة نبيه صلى الله عليه وآله سلم، في مشهد يعيد إلى الأذهان معركة كربلاء التي خاضها الإمام الحسين -عليه السلام- ضد الطاغية يزيد، ففي كلا الموقفين نجد أن المبادئ والقِيَم التي تحكم الموقف هي واحدة.
الإمام الحسين لم يقبل بالخضوع للباطل والانحناء للظالم، بل نهض ثائراً على الظلم والفساد، حاملاً راية الإسلام والانتصار للحق ومواجهة الباطل، مقدَّماً نفسه وأهله وأصحابه قرباناً لدينه وأمته، وكذلك الشعب اليمني رفض الذل والخنوع، وقاوم العدوان والحصار، حاملًا راية الإسلام منتصرًا للحق مواجهاً الباطل، مقدِّماً تضحيات عظيمة؛ مِن أجل دينه وكرامته ومستقبل وأجياله.
علينا أن نستفيد من دروس كربلاء ونتعلم منها، فهي مدرسة الصمود والتحرّر والمقاومة، وهي تعلمنا كيف نواجه القوى الظالمة والطاغية والاستبدادية، وعلينا أن نتحلَّى بروحِ الإمام الحسين -عليه السلام- وبأصحابه، وأن نثبت أننا أهل الشجاعة والفداء والتضحية، وأن نتعلم كيف نواجه الحرب العدوانية وننتصر عليها بالإيمان والصبر والثقة بالله.