المنبر الاعلامي الحر

البردوني قصيدة “جوَّابةٌ للعصور”

يمني برس- بقلم- عبد الكريم الوشلي|

صباح الثلاثين من أغسطس/آب من العام الميلادي١٩٩٩ لم يكن صباحاً اعتيادياً على الإطلاق..

ففيه توقف القلب الكبير النابض بالإبداع والشعر والعبقرية الكونية السامقة..

توقف القلب الذي ضخ على مدى عقود أطنانا من الدم الأخضر الحي في شرايين القصيدة، وأتحف الشاعرية العربية بما أمَّن لها المزيد من عوامل الخلود والتميز، وهي تواصل طي الأزمنة المتعاقبة تحت جناحيها المحلقين في سماء الشعر السابعة، على المستوى الكوني بشساعته ولانهائيته الموصوفة..

انتقل عبد الله البردوني إلى جوار خالقه جسداً، أما الروح فبقيت وما زالت وستبقى كلمةً بحجم الكوكب لها وقر في آذان الأجيال إلى ما شاء الله..

وعليه فعبد الله البردوني في مختصر تعريفه هو «جوَّاب العصور» وعابر اﻷزمنة والدﻻلات والقارات واﻷبجديات، بمركبته الشعرية الخاصة التي أبدعها تصميما ومواصفات وقدرات خارقة بموهبته الفذة ..

عبد الله البردوني الشاعر والرائي ومؤسس دولة الشعر العظمى الممتدة من اﻷقاصي إلى اﻷقاصي في عوالم الفن والروح ..

دولةٌ أخذت من مِهادها اليمنية قشابة المدرجات وثراء التضاريس وخصوبة اﻷرض وسحر شواطئ اللازورد وبلاغة لغة الكروم والبن وعراقة العقيق، وراحت تجوب أقطار اﻹبداع اﻹنساني الشاسعة ناثرةً صور إﻹعجاز وشواهد عظمة الخالق المزروعة في روع هذا الكائن اﻹنساني المتميز ..

عبد الله البردوني المعماري الفذ والعبقري الذي أتحف الحضارة اﻹنسانية في بعدها الفني الجمالي اﻹبداعي بصروح شامخة غير مسبوقة في مميزاتها الهندسية والتصويرية ..هو شاعر عصي على الغياب، وقصيدتُه زحف ضوئي ﻻ يتوقف في شرايين حياة محبيه ومتذوقي فنه الشعري المدهش ..

هو دائم الحضور في أفراحنا وأتراحنا وعلى نواصي اﻷحداث والممرات المختلفة والمسارات الشتى ..

هو من انقشعت غيوم الغيب لقصيدته التي تكاملت لديها أركان النبوغ والفرادة ..فغدت نبضا كامنا في رحم الوﻻدات الكبرى، وجمرا يتوقد في تلافيف الوعي، ومركبة كاسحة للعتمة في مسارات وجودنا اﻹنساني الملأى باﻷحداث والتحولات واﻷشواك واﻷخطار والغيوم والظلمات.. بل صارت مصباحا بيد الشعب وهو يقارع الخطوب، ويجابه التحديات ويخوض غمار مجاهيلها السحيقة..

وهو اليوم-أي هذا الشاعر العظيم-يكرس حضوره المرموق في حياتنا مُشيَّعا بملايين اﻷقمار وفسائل الشعر المنزرعة في وعي اﻷجيال، وملايين النبوءات الشعرية التي طوت اﻷزمنة وضغطتها في كبسولة ضوء مركزة تتفاعل بإدهاش عجيب بين مفاصل اﻷحداث والمتغيرات التي يتصدرها العدوان البربري الكوني الغاشم الذي نتعرض له.. جاذبةً الوعي المتأمل إلى رحاب فعلها الاستباقي الكاشف ..

قد يعجبك ايضا
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com