العملاء ورقة الاحتلال الرابحة
العملاء ورقة الاحتلال الرابحة
يمني برس/
منذ احتلال الانجليز لجزيرة “بريم” في العام 1799، ربطتهم علاقة صداقة ومودة بسلطان العبادلة، واستفادوا من تلك العلاقة في إكثار التردد على عدن تحت مبرر التزود بالماء والتزاور، وانتهى مطاف المغازلة كما يذكر الدكتور “أحمد فخري” بعقد معاهدة ودية وتجارية في 6 سبتمبر 1802 ميلادي بين أمير العبادلة بلحج السلطان “أحمد عبدالكريم” وممثل الشركة الهندية الشرقية الإنجليزية، تضمنت بنودها:
1 – فتح ميناء عدن للتجارة البريطانية.
2 – تأجير جزء من مدينة عدن للإنجليز.
أسهمت هذه المعاهدة في تعاظم النفوذ البريطاني، وتوجهه في 11 يناير 1839 ميلادي للبسط على عدن بالقوة، ومن يومها أصبحت مستعمرة بريطانية، وتذرّع الاحتلال بتحطم بعض سفنه في خليج عدن، ونهب سكان عدن محتوياتها.
وكان أمير العبادلة بلحج قد أعلن خروجه على إمام اليمن في العام 1732، وبدلاً من تعزيز استقلال بلاده وما جاورها قرر في 6 سبتمبر 1802 وضع الحجر الأولى في قبر ذلك الاستقلال بتوقيعه اللا واعي واللا مسؤول على تلك المعاهدة، والتي مثّلت صكّ غفران للاحتلال لتوسيع نفوذه وصولاً إلى البسط والسيطرة على عدن في العام 1839.
أخذ نفوذ الاحتلال بالتوسع والتغلغل داخل اليمن، انطلاقا من عدن، والتي مثّلت مُرتكزاً للانطلاق، وأصبحت سلطنة لحج نفسها محمية من بين عشرات المحميات بموجب معاهدة 5 مايو 1881، وأخطر ما ورد في هذه المعاهدة، تعهد السلطان “فضل بن علي محسن العبدلي” بـ:
1 – تحمّل المسؤولية عن أي تعدٍّ يحدث من رجال القبائل على المحتلين، بمعنى حماية المحتلين من غضب الشعب اليمني الحر.
2 – عدم عقد أي معاهدة مع الدول الأخرى دون إذن حاكم عدن الإنجليزي.
3 – عدم تعمير القلاع والعمارات على ساحل البحر دون إذن حاكم عدن الإنجليزي.
4 – ربط استيراد أو تصدير السلاح والذخائر والعبيد وكل أنواع التجارة والمكسرات والمكيفات من السواحل اليمنية بتصريح خطي من الحاكم الإنجليزي في عدن.
ولذا لا نستغرب من حال الحكومة اليمنية الكومبارسية الموالية للعدوان السعودي الإماراتي اليوم، فالمشهد يُعيد نفسه، وعبادلة اليوم أكثر قذارة وانبطاح وعمالة من عبادلة الأمس، على الأقل عبادلة الأمس كان لهم بعض المواقف الداعمة للانتفاضات الشعبية ضد الاحتلال وإن على استحياء، بينما هم اليوم كالأنعام السائمة همّها علفها وليذهب الشعب والوطن إلى الجحيم.
وثمن بيع القرار والسيادة اليمنية بخس ومُخزي، حيث تعهد الاحتلال بدفع راتب شهري للسلطان وإطلاق الحامية البريطانية في عدن 21 قذيفة مدفعية عند زيارته لها، وعش رجباً ترى عجباً.
المثير في الأمر أن الإنجليز كان لديهم فرَمان من الاحتلال العثماني يُتيح لأسطولهم استخدام ميناء عدن متى أراد، لكنهم فضّلوا عقد معاهدة مع سلطان لحج وبقية السراطين من أجل منح وجودهم الشرعية، ليعبثوا كيفما شاءوا.
أعطت المعاهدة الاحتلال الضوء الأخضر لتنفيذ سياسته الاستعمارية التوسعية، وبسط نفوذه على كامل الساحل الجنوبي لجزيرة العرب ومدخل البحر الأحمر، وتوافرت عدة عوامل ساعدته على التمدد السريع وطول فترة الاحتلال، منها:
1 – حالة الضعف والوهن والتشظي في المناطق الجنوبية والشرقية.
2 – كثرة الصراعات بين مشائخ وسلاطين تلك المناطق على السلطة والزعامة والنفوذ.
3 – انتشار الأمية والجهل في أوساط السكان.
في ظل هذا الوضع المحلي المزري لم يجد الاحتلال صعوبة في السيطرة والتمدد والإبقاء على أسباب التنازع بين القبائل اليمنية وتغذيتها ليضمن لنفسه البقاء والسيادة والاستمرارية.
أنشأ الاحتلال عدة محميات في جنوب اليمن، وجعل من عدن مركزاً لإدارتها، وقسّم المناطق اليمنية الجنوبية والشرقية إلى كانتونات صغيرة، وجعل عليها أمراء ومشائخ، وأجرى لهم المرتبات ومخصصات الضيافة، وكل أمير بحسب حجمه ووزنه وقُربه من الاحتلال، وكبّل ذلك الكمّ الهائل من الغثاء السلاطيني والأميري والمشيخي بمعاهدات خاصة، أعطته الشرعية والأريحية للتحرك دون رقيب أو حسيب.