من دلالات جمعة رجب… كيف حصن اليمنيون هويتهم من الضياع؟
من دلالات جمعة رجب… كيف حصن اليمنيون هويتهم من الضياع؟
يمني برس/نجيب العنسي/
حتى يتسنى لأعداء الأمة السيطرة عليها والتحكم في حاضرها وتشكيل ملامح مستقبلها، بما ينسجم مع مخططاتهم، كان لا بد لهم أولا من بتر الروابط التي تجمع أبناء الأمة، وعزلهم عن تاريخهم الذي شكل ملامح هويتهم، وطمس أو تشويه عقيدتهم، لما لها من دور في غرس قيم الكرامة والحرية في نفوسهم.
أرادوا أن يكون أبناء الأمة ليس أكثر من كائنات حية تستهلك أيامها في البحث اللاهث عن مصادر العيش- أي عيش ومن أي مصدر- أفرادا وجماعات، وليس في قائمة اهتماماتهم الدفاع عن أوطانهم، ولا يلتفتون إلى من يحكمها، أو يتحكم في مصائرهم ، وينهب مقدراتهم.
ولقد كانت اليمن وما زالت على رأس قائمة مطامع العدو، ليس فقط لأهمية جغرافيتها، أو فقط لما تمتلكه من مقدرات وموارد طبيعية هائلة، بل لمكانة هذا البلد في التاريخ الإسلامي، ولما لدى الشعب اليمني من تراث ديني أصيل، إضافة إلى الرصيد الأخلاقي، والتركيبة الاجتماعية المتفردة، وهي عوامل حصنته من كل محاولات تحريف الهوية الإيمانية.
بل وأصبح هذا الشعب في موقع الحارس للعقيدة الإسلامية، ورأس حربة في معركة التصدي للمشاريع الاستعمارية، ومقاومة كل مخططات التآمر.
لهذا حرص أعداء الأمة كل الحرص على وضع وتنفيذ مخططات أرادوا عبرها إعادة تشكيل الإنسان اليمني فعملوا جاهدين ومنذ عقود طويلة على إفراغ روحه من كل ما له علاقة بتاريخه، وعقيدته، وتراثه، وصولا إلى طمس هويته.
فأنكروا عليه حتى الاحتفال بذكرى مولد نبيه- عليه وعلى آله الصلاة والسلام.
كما عملوا على شن حرب فكرية وطائفية عبر أدواتهم في المنطقة، فظهرت فتاوى تكفير كل من يعمل على إحياء ذكرى الثورات العظمى في التاريخ الإسلامي، كثورة الحسين -عليه السلام-.
كما عملوا على شن حرب فكرية وطائفية عبر أدواتهم في المنطقة، فظهرت فتاوى تكفير كل من يعمل على إحياء ذكرى الثورات العظمى في التاريخ الإسلامي، كثورة الحسين -عليه السلام-.
واستمرت مخططاتهم وصولا إلى محاولاتهم الكبيرة لدفع الشعب اليمني- أو على الأقل جزء كبير منه- إلى أن استبدال عقيدتهم الإسلامية، بعقائد أخرى مشبوهة، ومشوهة، ورديئة ومتردية، في مقدمتها العقيدة الوهابية التي تم تقديمها بغلاف إسلامي، وينتحل رموزها ألقاب دينية إسلامية، بينما يعملون وبكل إخلاص على ترويج سنن ومخططات الشيطان الأكبر.
أراد أعداء اليمن والأمة، أن يعفروا بالسوء وجه الإسلام، ذلك الإسلام الذي عرفه اليمنيون أول ما عرفوه عبر إمامهم علي بن أبي طالب عليه السلام، في أول جمعة من رجب الحرام.
ولأن (ذكرى جمعة رجب) محطة مهمة تشد اليمنيين إلى دينهم وتربطهم بالإمام علي- عليه السلام- وتذكرهم بمكانته ودوره كصمام أمان للعقيدة الإسلامية.
فقد عمل العدو بكل الوسائل على محو قيمة هذه الذكرى، ودلالاتها من الذاكرة اليمنية، ودورها في تشكيل الهوية الإيمانية للشعب اليمني.
وحين لا يصبح لدى الإنسان هوية، ولا يرتبط بتاريخ، ولا تهز مشاعره الذكريات المجيدة… يصبح مجرد كائن هلامي، رخو، لا تحدده ملامح ثابتة، وتجره حبال الأهواء… يهيم في الفراغ، وتكون روحه شاغرة، يمكن لشتى الأفكار والمذاهب أن تستوطنها.
لكن الواقع أثبت عجز أعداء الأمة عن تدجين الشعب اليمني وإيصاله إلى هذه المرحلة.
فهذا شعب قلده محمد عليه وعلى آله الصلاة والسلام، وسام (الإيمان يمان والحكمة يمانية ).
وفي كل مراحل التاريخ، استعصى اليمنيون على كل محاولات التجيير لصالح المشاريع والعقائد المشبوهة.
فحافظوا على دينهم نقياً من الشوائب، كما قدمه لهم حيدرة في أول جمعة من رجب.
وقد عبقت نفوسهم برحيق الحرية الذي فاح به دم الإمام الحسين عليه السلام.
وما يستهل مواليدهم النطق إلا بحروف (هيهات منا الذلة).
ومنذ الجمعة الأولى من رجب في السنة التاسعة للهجرة، ذلك اليوم التاريخي الذي شهد أكبر وأجل وأعظم وأكبر دخول جماعي في دين الله، حين أعلن اليمنيون – وهم من أهل المنعة والقوة- أن يدخلوا طواعية في دين الله أفواجاً، على يد الإمام علي “عليه السلام”، منذ ذلك اليوم الذي يندر أن شهد التاريخ البشري نظيراً له ، واليمنيون- يحتفون بهذه الذكرى؛ وخلّدوها كذكرى لأكبر نعمة الإلهية، نعمة توفيق الله لهم ، والله “سبحانه وتعالى” يحث عباده على التذكر للنعم، وهل من نعمة أعظم من الهدى ؟
أو ليست هذه النعمة جديرة بالتذكر والاحتفاء بها والشكر لله عز وجل عليها؟