نص كلمة السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي بمناسبة الذكرى السنوية لاستشهاد الرئيس الصماد وآخر المستجدات
نص كلمة السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي بمناسبة الذكرى السنوية لاستشهاد الرئيس الصماد وآخر المستجدات
يمني برس/
كلمة السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي بمناسبة الذكرى السنوية لاستشهاد الرئيس الصماد وآخر المستجدات 3 شعبان 1445هـ 13 فبراير 2024م
الثلاثاء 3 شعبان 1445هـ 13 فبراير 2024م
أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللَّهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}[الأحزاب: الآية23]، صَدَقَ اللَّهُ العَلِيُّ العَظِيم.
في هذا الطريق قضى الشهيد الرئيس/ صالح علي الصَّمَّاد “رَحمَةُ اللَّهِ تَغشَاهُ” قضى نحبه، شهيداً سعيداً، فائزاً بموعود الله “تَبَارَكَ وَتَعَالَى” للشهداء الأبرار. عنوان الصدق مع الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: بالإخلاص لله “جَلَّ شَأنُهُ”، والثبات في الموقف الحق، وبذل النفس، والمال، والجهد، والطاقات، والقدرات، في سبيل الله “تَبَارَكَ وَتَعَالَى” حتى الفوز بالشهادة، هو يجسِّد ما تضمنته الآية المباركة، من الصدق مع الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
الشهيد الرئيس الصَّمَّاد “رَحمَةُ اللَّهِ تَغشَاهُ” هو نموذجٌ كرجلٍ مؤمنٍ مجاهد، {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ}، هو كان نموذجاً كرجلٍ مؤمنٍ مجاهد، انطلق من منطلق هويته الإيمانية وانتمائه الإيماني، وتحرك في مسيرته الإيمانية بوعيٍ، وبصيرةٍ، وفاعلية، وروحٍ عملية، وإسهامٍ ملموس، ثم هو أيضاً نموذجٌ كرجل مسؤولية، في أدائه العملي من موقع المسؤولية التي تحملها كرئيس، ثابتاً على منطلقاته الإيمانية، ودوافعه الإيمانية، وروحيته الجهادية، وأهدافه المقدسة دون تغير؛ ولذلك فالشهيد هو بحقٍ فخرٌ للشعب اليمني، أمام الكثير من الشعوب، من شعوب أمتنا التي تعاني من إفلاس حقيقي في الرؤساء، والملوك، والقادة، وغبن رهيب في أن يكون لها رؤساء، أو ملوك، أو قادة، يحملون الروحية الإيمانية، ينطلقون من المنطلقات الإيمانية، يمتلكون المؤهلات الراقية لأداء مسؤولياتهم، يكونون لائقين بشعوبهم.
الشهيد الصَّمَّاد “رَحمَةُ اللَّهِ تَغشَاهُ” كان يجسِّد في موقع المسؤولية التي تحملها هوية شعبه الإيمانية، وينطلق من هذا المنطلق، من انتماء شعبه وأمته، وجمع بين الوعي السياسي، والخلفية الثقافية والمعرفية، والنفس الاجتماعي، في روحيته الاجتماعية، علاقاته الاجتماعية الواسعة، والروحية الإيمانية والجهادية، وكان يتحلى بمكارم الأخلاق، وحسن التعامل، والعلاقة الطَّيِّبَة مع الناس، والاحترام للناس في تعامله معهم، والتواضع، التواضع الجم الذي كان معروفاً به.
كان أيضاً مهتماً، وجاداً في عمله، وفي أدائه لمسؤوليته، يعمل في الليل والنهار، ويبذل الجهد في مجالات العمل التي يتحرك فيها بجديَّة ملموسة وواضحة، وهو في ظل مساره الجهادي والعملي تحمل مسؤوليته كرئيس في ظروفٍ صعبة للغاية، كان العدوان على بلدنا في ذروته، وفي شراسته، التي عرفناه بها في تلك المرحلة، وهو يقصف بشكلٍ عشوائي، بآلاف الأطنان من القنابل والصواريخ، على رؤوس شعبنا في المدن والقرى، ويجتاح البلد من كل الأنحاء ومن كل الاتجاهات، ويحاصر البلد، ويُدَمِّر كل البنية الاقتصادية، ويستهدف البلد بكل أشكال الاستهداف، هو أتى في ظل ظروف صعبة جدّاً.
لماذا استهدف الأعداء وعلى رأسهم الأمريكي، الذي كان له دور أساسي في جريمة الاستهداف للشهيد الصَّمَّاد، لماذا قاموا باستهداف الشهيد الصَّمَّاد “رَحمَةُ اللَّهِ تَغشَاهُ”؟
أولاً: يعود هذا إلى قلقهم من دوره الفاعل، وما حظي به من تأثير في أوساط شعبه، وقابليةٍ عالية، واحترامٍ ومحبة، وتأثيره في إطار مسؤوليته للتصدي للعدوان، كان إسهامه في الحفاظ على الجبهة الداخلية من جهة، وفي التصدي للعدوان، وحشد الطاقات والإمكانات والقدرات لأبناء البلد على المستوى الرسمي والشعبي في التصدي للعدوان، بما يمثله العدوان على بلدنا من خطورة رهيبة، مساعي تحالف العدوان كانت لاجتياح البلد واحتلاله بكله، ومصادرة حُريَّة شعبنا العزيز، واستقلاله، والاستحواذ على كل شيء، عدوان يمثل خطورةً بالغة على أبناء شعبنا العزيز، فالشهيد الصَّمَّاد كان له دورٌ فاعل ومؤثر، وكان له إسهام واضح في هذا التوجه الصحيح: في حشد الطاقات، والقدرات، والإمكانات، على المستوى الرسمي وعلى المستوى الشعبي، في القيام بهذه الأولوية المهمة: في التصدي للعدوان، وكذلك في السعي الدؤوب ليلاً ونهاراً في المحافظة على استقرار الجبهة الداخلية في البلد وتماسكها، فكان هذا يقلق الأعداء؛ ولذلك كان من أهم الأسباب لاستهدافه.
ثم أيضاً تصورهم الخاطئ: أن استهدافهم له سيكون عاملاً من عوامل متعددة، يحاولون من خلالها كسر إرادة شعبنا، هم كانوا يبحثون عن كل ما يمكن- بحسب تصوراتهم- أن يكون عاملاً مساهماً في كسر إرادة هذا الشعب وصموده، ويحاولون أن يزرعوا حالة اليأس، من الصمود والثبات، وجدوى الموقف في التصدي للعدوان، فكان تصورهم أنهم إذا قتلوا الرئيس الشهيد الصَّمَّاد “رَحمَةُ اللَّهِ تَغشَاهُ”، بالنظر إلى موقعه، وبالنظر إلى صفته الرسمية، وبالنظر إلى دوره الفاعل، أن هذا مع عوامل أخرى سَيُحَطِّم الروح المعنوية لشعبنا، ويصيبه باليأس والانهيار.
أيضاً قلقهم من هذا النوع من المسؤولين في الوطن العربي والعالم الإسلامي، الذين هم قادةٌ أحرار، لا يخنعون لأمريكا، ولا يقبلون بمصادرة حريَّة شعبهم، واحتلال بلدانهم وأوطانهم، وهم يتمسكون بقضايا أمتهم، قلقهم أن يكون في اليمن بما له من أهمية جغرافية، وشعبٍ فاعل يمتلك الهوية الإيمانية، أن يكون في هذا البلد من يتمسك بقضايا أمته، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
الأمريكي، والبريطاني، والإسرائيلي، كانوا يحسبون في كل تلك المراحل حساب ما يحدث في هذه الأيام، في هذه المرحلة، في ظل مساندة شعبنا العزيز، وموقف بلدنا رسمياً وشعبياً، في نصرة الشعب الفلسطيني، في نصرة غزة، والعمليات التي تتم الآن في البحر الأحمر، ومضيق باب المندب، قلقهم الكبير جدّاً أن يكون هذا البلد، في ظل موقعه الجغرافي، المطل على البحر الأحمر، مع باب المندب، مع خليج عدن، مع البحر العربي؛ كل هذه المضائق وهذه البحار، التي هي ذات أهمية كبيرة جدّاً، يحسب لها كبار تلك الدول، ويحسب لها الأعداء ألف ألف حساب، في أهميتها الاستراتيجية، أن يكون في هذا البلد توجهٌ تحرري، متمسك بقضايا الأمة، وعندما يتجه الأعداء لتصفية القضية الفلسطينية، في سعيهم لإبادة الشعب الفلسطيني، وتهجيره من بلده، فيكون هناك من يقف وقفةً صادقة، جادة مع الشعب الفلسطيني، مستفيداً من هذا الموقع في الضغط على الأعداء، في المقدمة على العدو الإسرائيلي، هذه مسألة استراتيجية تحدث الأعداء عنها، تحدث حتى (المجرم نتنياهو) تحدث عن هذه المسألة، تحدث عن مضيق باب المندب، تحدث عن خطورة أن يكون من يقود بلدنا في اليمن من يحمل هذا التوجه التحرري، والموقف الصادق مع الشعب الفلسطيني، والموقف الحاسم ضد العدو الإسرائيلي، هو تحدث، له تصريحات بهذا الشأن، وذيعت في وسائل الإعلام، ونُشِرَت في تلفزيونات، معروفة تصريحاتهم بهذا الشأن، هناك تصريحات لأمريكيين، ووسائل إعلام أمريكية وبريطانية.
فآنذاك- في تلك المرحلة- كان الأعداء يحسبون حساب مثل هذه الأيام؛ لأنه في ضمن البرنامج الإسرائيلي والأمريكي والبريطاني، وفي إطار خططهم، خططهم المرحلية وبعيدة المدى والاستراتيجية: السعي لتصفية وإنهاء القضية الفلسطينية نهائياً، هذه مسألة موجودة في خططهم، ويبنون عليها سياسات، وتوجهات، وبرامج عمل، وأنشطة معينة، واهتمامات معينة، ويحسبون حسابها تجاه انبعاث شعوبنا، وحركتها، ويقظتها، ووعيها، وتطلعها لأن تكون في مستوى مسؤولياتها، وأن تنال حقوقها المشروعة، فيزعجهم ذلك، ويتحركون تبعاً لذلك؛ فكان من أكبر الدوافع، والأهداف أيضاً لاستهدافهم للشهيد الرئيس الصَّمَّاد “رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ” هو: قلقهم أن يكون هناك زعماء وقادة، وأن يسود في بلدنا هذا التوجه التحرري، أن يكون هو السائد، الذي يتجه فيه الموقف الرسمي والموقف الشعبي، هذه كانت مسألة ذات أهمية كبيرة لدى الأعداء وحسبوا حسابها.
هم يريدون في بلدنا- كما في غيره من البلدان- أن يكون الموقف الرسمي دائماً في إطار العمالة لهم: العمالة لأمريكا، العمالة لإسرائيل، العمالة لبريطانيا، موقفاً يتجه في نفس السياق الأمريكي، والتوجه الأمريكي، والتوجه البريطاني، هو ذات الموقف، ذات التوجه، ذات التحرك، ثم يخنق الموقف الشعبي، ويكبته، ويحول دون أن يكون هناك تحرك مغاير لذلك، تحرك من منطلق الانتماء الإيماني والهوية الإيمانية، لبلدنا وغيره من البلدان العربية والإسلامية، هم يريدون عملاء، مهمتهم الرئيسية: حراسة المنشآت الأمريكية، والقواعد الأمريكية، والقواعد البريطانية، وحماية السفن الإسرائيلية، وحماية السفن البريطانية، وحماية السفن الأمريكية، ولو فعل الأمريكيون ما فعلوا، ولو فعل البريطانيون ما فعلوا، ولو كان التوجه الإسرائيلي والأمريكي والبريطاني في محاولة إبادة الشعب الفلسطيني، أو غيره من شعوب أمتنا بشكلٍ عام، وهو ما نراه متمثلاً بشكلٍ واضح في البعض من المرتزقة، الذين يُعَبِّرون بشكل واضح بنفس ما يعبِّر به الأمريكي، منطقهم نفس المنطق الأمريكي، نفس المنطق البريطاني، نفس المنطق الإسرائيلي، توصيفهم لموقف بلدنا المساند لغزة هو نفس التوصيف الإسرائيلي والأمريكي والبريطاني، لا يختلف عنه، تعبيرهم يختلف في اللغة فقط، وفي اللهجة؛ أمَّا المضمون فهو ذاته، عندما تتابع تصريحات الإسرائيليين، تصريحات الأمريكيين، تصريحات البريطانيين، تجد نفس التصريحات والمواقف لقادة المرتزقة هي ذاتها، لا تختلف عنها، هم يريدون هكذا عملاء في أيديهم، يكون كل همه وأول همه: أن يحرس بسهر، بجد، باهتمام، تأمين السفن الإسرائيلية وهي تعبر؛ لتوصل إلى الإسرائيلي بضائعه، ودعمه اللوجستي، وهو يعمل على إبادة الشعب الفلسطيني، ثم يُعَبَّر عن ذلك: بالملاحة الدولية، بحماية الملاحة الدولية، والمسألة حماية السفن الإسرائيلية.
ولذلك لم يَرُق للأمريكي أن يكون في هذا البلد رئيس كالرئيس الشهيد صالح علي الصَّمَّاد “رَحمَةُ اللَّهِ تَغشَاهُ”، ولا أن يكون في هذا البلد هذا التوجه والنهج التحرري، الذي يتحرك فيه شعبنا العزيز، ولكن الأعداء فشلوا في تحقيق أهدافهم، الأمريكي فشل، والإسرائيلي، وعملاؤهم الإقليميون، وجنودهم المحليون، الذين خانوا وطنهم والتحقوا بهم، الكل فشلوا في تحقيق هدفهم من استهداف الشهيد الرئيس صالح الصَّمَّاد “رَحمَةُ اللَّهِ تَغشَاهُ”، ونحن نرى جميعاً في هذه المرحلة- شعبنا العزيز، والكل في العالم- نرى ثمرة التضحية، والعطاء، والجهد، للشهيد الرئيس الصَّمَّاد “رَحِمَهُ اللَّه”، ولرفاق دربه الشهداء في كل السنوات الماضية، من استشهدوا قبله، ومن استشهدوا معه، ومن استشهدوا فيما بعد، نرى هذه الثمرة فيما وصل إليه شعبنا من قوة، من منعة، من عزة، من كرامة، من فاعلية، وتأثير، وحضور، وإسهام حقيقي في معركة الأمة، المعركة التي تعني الأمة بكلها، شعبنا يؤدي مسؤوليته، ودوره، هو حاضر، ويسهم بفاعلية، وسمع كل العالم بكل ذلك.
تصور الأعداء أنهم بمسلكهم الإجرامي في القتل والاستهداف، للأحرار من أمتنا من القادة، من أبناء شعوب أمتنا، في مختلف مستويات مواقعهم، ومسؤولياتهم، وأدوارهم، في إطار الموقف التحرري، تصور الأعداء أنهم بقتلهم لهم، واستهدافهم لهم، سيحققون أهدافهم في القضاء على أي تحرك صادق وجاد وواعٍ من أبناء هذه الأمة، في إطار الموقف التحرري، والنهج التحرري لأمتنا، هو تصور خاطئ، تصور الأعداء أن مسلكهم الإجرامي بالقتل والاغتيالات والاستهداف هو تصورٌ فاشل وخاطئ.
ميزة الشهداء في كل مواقعهم، في مسؤولياتهم، والدور الذي يقومون به ويتحركون به، وكله دورٌ مهم، كل شهيدٍ في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في إطار الموقف الحق، والقضايا العادلة لأمتنا، كل شهيد له أهمية، ومنزلة عالية، وإسهامه مهم، وثمرة جهده، وتضحياته، وجهاده، وإسهامه، ثمرة مهمة وعظيمة وملموسة.
ولذلك هناك ميزة كبيرة للشهداء، ميزة بدءاً من إسهامهم العملي المباشر ما قبل الشهادة، ثم توَّجوا عطاءهم، عملهم، جهدهم، توَّجوه بعطاء الشهادة، ببدل الروح والنفس والحياة في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، في إطار قضايا عادلة؛ لخلاص أمتهم، لإنقاذ شعوبهم، للتصدي للطغيان والظلم، وأيضاً مع إسهامهم المباشر ما قبل الشهادة، ثمرة ونتائج وآثار تضحيتهم وأعمالهم السابقة، وتضحياتهم وجهدهم في السابق، وذلك أن الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” هو الذي يبارك تلك الجهود، يبارك تلك التضحية، في آثارها، وفي نتائجها، وفي ما يترتب عليها وينتج عنها، وهذا شيء واضح وملموس بشكل كبير.
وأيضاً من الميزة المهمة للشهداء: أنهم يبقون خالدين كنموذج ملهم، في موقع القدوة، والأسوة والحافز، والدافع، لغيرهم للتحرك، حينما
نتطلع إلى ما كانوا عليه من قيم ووفاء، وما قدموه من جهد، وما بذلوه من تضحية، هذا له أهميته وآثاره؛ فهم النموذج الملهم.
إضافةً إلى منزلتهم العالية عند الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وما نالوه، وتحقق لهم، ووصلوا إليه من الفوز العظيم، كما قال الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}[آل عمران: الآية169]، عند ربهم بكل ما يعنيه ذلك، من منزلة عالية، ومقامٍ عظيم، ونعيمٍ وتكريمٍ فوق مستوى تخيلنا، {فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ}[آل عمران: 170-171]، جزءٌ من أجر المؤمنين هو: في الثمرة والنتائج التي تتحقق لصالح الأهداف المقدسة، التي حملوها وهم يتحركون في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، في إطار المواقف الحق والقضايا العادلة، وجزءٌ آخر: يتعلق بما يمنحهم الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” من تكريم ونعيم.
موقف شعبنا العزيز في هذه المرحلة، على المستوى الرسمي والشعبي، تجاه مأساة ومظلومية الشعب الفلسطيني في غزة، وفي فلسطين بشكلٍ عام، شاهدٌ كبيرٌ وواضح ودامغ على فشل الأعداء في تحقيق أهدافهم، في استهداف الشهيد الصَّمَّاد، ومن قبله ومن بعده من الشهداء.
ميزة هذا الموقف لشعبنا العزيز، ميزة هذا الموقف على المستوى الرسمي والشعبي في بلدنا: هو التكامل، والتحرك الشامل في كل المجالات، وفي مقدمة ذلك: العمليات العسكرية، هناك تقصير رهيب جدّاً من كثيرٍ من البلدان في أمتنا، سواءً على مستوى العالم العربي أو غيره، في المقابل هناك تحرك على أعلى المستويات في بلدنا، حتى على المستوى العسكري، في الاستهداف للعدو الإسرائيلي، وفي العمليات البحرية: في البحر الأحمر، ومضيق باب المندب، وخليج عدن، والبحر العربي، التحرك على المستوى العسكري تحركٌ فاعل، ومؤثرٌ جدّاً، ونأمل أن يستوعب الجميع فاعلية وتأثير هذا التحرك.
لقد مَنَّ الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” على بلدنا بنصرٍ حقيقي في عملياته البحرية، بتحقيق هدف مهم جدّاً، وهو: منع عبور وحركة السفن المرتبطة بإسرائيل، لقد تحقق هذا الهدف بشكلٍ تام، في هذه الأسابيع لم يحصل أي حالة مرور أو عبور لسفينة مرتبطة بالعدو الإسرائيلي، هذه نعمة كبيرة، وهذا انتصار حقيقي، وإنجاز مهم جدّاً: التمكن من المنع التام لحركة وعبور السفن المرتبطة بالعدو الإسرائيلي، وهذا دليلٌ واضح على فاعلية تأثير العمليات العسكرية البحرية لشعبنا العزيز، وهذا له آثاره ونتائجه على العدو الإسرائيلي، ليس فقط على وضع العدو في أم الرشراش (التي يسميها بإيلات)، في تَعَطُّل الحركة التجارية في مينائها، وما يترتب على ذلك من عوائد للعدو، ولكن على مستوى أكبر: على مستوى وضعه الاقتصادي بشكلٍ عام، الإحصائيات، المعلومات، الأرقام تُثبت هذه الحقيقة، فهذه مسألة واضحة وملموسة، واعترف بها العدو الإسرائيلي، وتحدث عنها الآخرون أيضاً.
ثم أيضاً لفاعلية وتأثير هذا الموقف، الأمريكي وهو الذراع الآخر للصهيونية (للوبي اليهودي الصهيوني)، والبريطاني وهو أيضاً ذراع آخر من أذرعة اخطبوط الشر (اللوبي اليهودي الصهيوني)، عندما تحرك كلٌّ منهما كحركة واحدة في العدوان على شعبنا العزيز، هو لأن موقف شعبنا مؤثِّر بشكل كبير، له تأثير استراتيجي، له تأثير حقيقي؛ ولذلك قاموا بالعدوان على بلدنا، وورطوا أنفسهم بكل ما ترتب على ذلك من تبعات تؤثِّر عليهم هم، في وضعهم الاقتصادي، وفي غيره أيضاً؛ لأن سفنهم وبارجاتهم الحربية أيضاً تستهدف، منذ بدء عدوانهم على بلدنا، فأصبحوا هم يعيشون تلك المشكلة مع العدو الإسرائيلي، في أن سفنهم أصبحت مستهدفة، وفي الآثار والنتائج المترتبة على ذلك في وضعهم الاقتصادي وفي غيره.
ثم عندما تحقق الهدف في منع عبور وحركة السفن المرتبطة بالعدو الإسرائيلي، بالرغم من العدوان الأمريكي والبريطاني على بلدنا، وبالرغم من كل ما بذله الأمريكي والبريطاني من جهود، ومساعٍ في حماية السفن المرتبطة بالعدو الإسرائيلي، وحربهم وعدوانهم على بلدنا هو لذلك الهدف أساساً؛ ففشلوا، فشلوا بكلهم، فلا الإسرائيلي يتمكن من حماية عبور وحركة سفنه عبر باب المندب والبحر الأحمر، ولا الأمريكي ولا البريطاني تمكنا من ذلك، ففشلهم جميعاً، ونجاح بلدنا- بفضل الله- في تحقيق هدفه، في منع عبور وحركة السفن المرتبطة بالعدو الإسرائيلي، هو انتصارٌ عليهم جميعاً، على ثلاثي الشر (أمريكا، وإسرائيل، وبريطانيا)، فهذه نعمة كبيرة، وهذا انتصار حقيقي، وهذا يدل على المدى الذي وصل إليه بلدنا في قدراته العسكرية، وفي تأثير موقفه.
طبعاً هناك اعتراف بفشلهم، على أرفع المستويات لديهم: الرئيس الأمريكي اعترف بفشلهم في حماية السفن الإسرائيلية، وإن كانوا يعبِّرون بدلاً عن التعبير الحقيقي (الإسرائيلية) بالسفن بشكلٍ عام، لكن لا هم تمكنوا من حماية السفن المرتبطة بالعدو الإسرائيلي، وهم- في نفس الوقت- ورّطوا أنفسهم فلم يعودوا يستطيعون حماية السفن المرتبطة بهم، المرتبطة بالأمريكي، والمرتبطة بالبريطاني، اعترف رؤساؤهم، قادتهم، قادتهم العسكريون أيضاً، وقادتهم السياسيون اعترفوا بفشلهم في حماية السفن، هذا انتصار حقيقي وكبير، ونحمد الله ونشكره على ذلك.
التحرك لشعبنا العزيز على مستوى التعبئة، والجهوزية العسكرية بشكلٍ واسع في الوسط الشعبي، هو مسار في غاية الأهمية، والعدو يحسب له ألف حساب، كذلك في المظاهرات التي تترجم، وَتُجَلِّي، وَتُبَيِّن، وتُعَبِّر عن الحضور الشعبي، عن التأييد الشعبي، عن الموقف الشعبي، على نطاق واسع، لأبناء شعبنا العزيز بمختلف فئاته وتياراته.
الحضور الواسع في المظاهرات والمسيرات هو بشكلٍ لا مثيل له في أي بلدٍ آخر، والاستمرار فيه، بالرغم من طول أمد العدوان على غزة، ومن ملل الكثير من الناس في مختلف البلدان، في أن يبقى صوتهم، ويبقى فعلهم، ويبقى حضورهم، ويستمر اهتمامهم لمساندة الشعب الفلسطيني، الاستمرار بزخم كبير جدّاً لشعبنا العزيز هو في إطار الموقف الصحيح، المُعَبِّر عن الوعي، عن الإيمان، عن الأخلاق، عن الإنسانية، عن الشعور بالمسؤولية بكل اعتباراتها: الإنسانية، والأخلاقية، والدينية.
العدو الإسرائيلي في ظل استمراره في ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية بشكلٍ يومي بحق الشعب الفلسطيني، وتحضيراته حالياً للعدوان الشامل، والاجتياح البري لرفح، في ظل ذلك لابدَّ أن يكون هناك استمرارية في التحرك الجاد ضد العدو الإسرائيلي، ضد همجيته، ووحشيته، وإجرامه، وطغيانه، على الشعب الفلسطيني المظلوم.
نحن اليوم في اليوم المائة والثلاثين منذ بداية العدوان على غزة، والاستهداف الهمجي الوحشي للشعب الفلسطيني في غزة، مع أن الاعتداءات والجرائم ضد الشعب الفلسطيني في الضفة، والقدس، وأنحاء أخرى من فلسطين، مستمرة لا تتوقف، وهناك شهداء في كل يوم في غير غزة، لكن ما يفعله العدو الإسرائيلي في غزة هو جرائم إبادة جماعية، وتدمير شامل بشكلٍ غير مسبوق؛ لذلك نحن حريصون من واقع انتمائنا الإيماني، واستشعارنا للمسؤولية، ومشاعرنا الإنسانية، وأخلاقنا وقيمنا كشعبٍ يمني، أن نستمر في موقفنا، بل أن نتجه إلى التصعيد، أن يكون التحرك أكثر وأكثر، وليس بتراجع، أو ملل، أو فتور.
العدو الإسرائيلي وهو يستمر في الوحشية والإجرام، ويتباهى حتى جنوده ومجنداته بقتل الأطفال، نحن شاهدنا فيديوهات ومجندات إسرائيليات يتباهين ويفتخرن بقتلهن لأطفال فلسطينيين، كذلك جنود إسرائيليون يتباهون ويفتخرون بقتلهم للشعب الفلسطيني، شخص يقول بأنه قتل كذا وكذا، يذكرون بالأرقام كم قتلوا من الشعب الفلسطيني، ممن يقتلونهم بدمٍ بارد، وليس في إطار المواجهة. المجاهدون في فلسطين يتصدون للعدو الإسرائيلي، ويقاتلونه ببسالة منقطعة النظير، في ظل ظروف صعبة للغاية؛ ولكنَّ الجنود الإسرائيليين، والمجندات الإسرائيليات، كلهم يفتخرون بأنهم يقتلون المدنيين العُزَّل من السلاح، يقتلون الأطفال، يقتلون النساء، يقتلون الأهالي بدمٍ بارد في إعدامات جماعية، يفتخرون بالقتل الذي يتم بواسطة آلات القتل والتدمير الشامل: القنابل الأمريكية، والصواريخ الأمريكية، التي تحدث كل ذلك الدمار الهائل بالشعب الفلسطيني، والقذائف والقنابل التي تُقَدَّم من البريطاني والألماني وغيرهم، ممن يشاركون مع العدو الإسرائيلي ويسهمون بشكلٍ مباشر في جرائم الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، يتباهون ويفتخرون بذلك، بكل وحشية، بكل إجرام.
التحضيرات العدوانية على رفح، أيضاً هي إمعان في الإجرام، في الطغيان، في الاستهداف للشعب الفلسطيني، رفح التي يتواجد فيها- بحسب الإحصائيات المعلنة- قرابة مليون وأربعمائة ألف نازح فلسطيني، في ظروف صعبة، ومعاناة كبيرة، وتتعرض للقصف الجوي، والقتل، ومنها جرائم القتل في الاعتداءات التي حصلت بالأمس، وقبل أمس، واليوم في رفح، لكن العدو الإسرائيلي يريد أن يفعل في رفح ما فعله في شمال قطاع غزة، وفي وسط قطاع غزة، يريد جرائم إبادة جماعية، وتدمير شامل، وإجرام رهيب جدّاً، والمأساة ستكون أكبر مع تكدس كل ذلك العدد الكبير من النازحين، وإلى أين يتجهون بعد رفح؟! إلى أين يمكن أن يتجهوا؟! كل القطاع مدمَّر، محاصر، مستهدف بالقصف، وضعية صعبة جدّاً، مسؤولية كبيرة تجاه ذلك الخطر الكبير على الشعب الفلسطيني، على مئات الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني في رفح، من الأهالي هناك، من النازحين، ومن سكان رفح، مسؤولية كبيرة على العالم الإسلامي في المقدِّمة، على كل المسلمين، عليهم مسؤولية أمام الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، مسؤولية دينية، ومسؤولية إنسانية، ومسؤولية بكل الاعتبارات، على الجميع أن يتحرك بشكلٍ جاد لمساندة الشعب الفلسطيني في مظلوميته، في ظل استمرار الإجرام بشكل عام، وفي ظل هذه الخطوة الإجرامية، التي يعلن الإسرائيلي أنه يريد أن ينفِّذها.
الأمريكي بالرغم من أسلوبه المخادع في التصريحات التي نسمعها من الرئيس الأمريكي، ومن بعض المسؤولين الأمريكيين، لكن الأمريكي هو شريك في كل جرائم العدو الإسرائيلي، شريك فعلي، شريك بقنابله، بصواريخه، بماله، بالإدارة القتالية، هناك من يدير، من يخطط، من يشارك في إدارة العمل الإجرامي، والجرائم التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني، حتى في التحضير لجريمة كبيرة جدّاً، ومذبحة جماعية في رفح، طائرات الاستطلاع الأمريكي، وطائرات الاستطلاع البريطاني، هي في المقدِّمة تحضِّر لذلك المسلسل الدموي الإجرامي، الذي يريد العدو الإسرائيلي أن ينفِّذه، هي من تستطلع، هي من تعد الخطط والمعلومات، وبالتأكيد هناك ممن حضر إلى فلسطين بالمشاركة المباشرة من الضباط الأمريكيين والبريطانيين، في إدارة العمليات الإجرامية، والتخطيط لها، وتقديم الاستشارة، هناك من يشتغل على هذا الملف، للتحضير لتلك الخطوة الإجرامية؛ ولذلك هم مشاركون.
في المقابل أين هو الضمير الإنساني لأمتنا الإسلامية؟! أين هو الإحساس الديني بالمسؤولية؟! أين هي قيم الإسلام؟! أين هي الأخلاق؟! أين موقف أمتنا تجاه التعليمات الإلهية الملزمة بالوقوف مع الشعب الفلسطيني المظلوم، الذي هو جزءٌ من هذه الأمة؟! الجريمة كبيرة جدّاً، التي يرتكبها العدو الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، وسكوت دول بأكملها من أبناء أمتنا، وشعوب بأكملها، وعدم تحركهم الجاد، هو اشتراك بشكل أو بآخر في تلك الجريمة؛ وبالتالي المسألة في غاية الخطورة.
ينبغي أن يكون هناك تحركٌ جاد، وموقفٌ واضح وقوي للجميع تجاه ذلك، في البداية: أمتنا الإسلامية بشكل عام، الدول العربية، أين هي جامعة الدول العربية؟! حتى على مستوى المسار الدبلوماسي تحركها ضعيف للغاية، ليس له أي اعتبار، ولا صدى، ولا أثر، أين هي الدول العربية بشكلٍ عام؟! أين تحركها الجاد، حتى يُلمَس فعلاً، على المستوى الرسمي: ليس هناك تحرك جاد أبداً.
أيضاً جمهورية مصر العربية، ولها أيضاً أهمية فيما يتعلق برفح، أولاً: بحكم اتفاقية السَّلام التي كانت فيما بينها وبين العدو الإسرائيلي، وفي توجه العدو الإسرائيلي لتنفيذ تلك الخطوة الإجرامية ضد الأهالي في رفح، والنازحين في رفح، هو يخترق تلك الاتفاقية، وهو يتجاوز محور فيلادلفيا.
ثم أيضاً بالاعتبارات الأخرى، اعتبارات الجوار، اعتبارات الانتماء للإسلام والعروبة والجوار… وكل الاعتبارات، حتى بالنظر إلى المصلحة القومية، والأمن القومي المصري؛ ولذلك المفترض من الأشقاء في مصر أن يكون لهم تحرك جاد، جاد، وألَّا يكترثوا للضغوط الأمريكية والبريطانية، أن يتحركوا بموقف أقوى، وأن يقف الجميع في إطار موقفٍ قوي، وليسوا وحدهم، الدول العربية ينبغي أن يكون لها موقف واضح، على مستوى العالم الإسلامي، دول العالم الإسلامي المفترض أن يكون لها تحرك جاد وفاعل، وأن تتظافر جهودها لتضغط بشكل أكبر، وأن تتحرك في إطار خطوات عملية، وقرارات، ومواقف فعلية، على المستوى السياسي، على المستوى الدبلوماسي، على المستوى الاقتصادي، هناك خيارات، هناك أوراق ضغط كثيرة، لكنها تحتاج إلى أن تكون في إطار مواقف فعلية، وهذا ما ينقص في الموقف العربي والإسلامي، لدى الكثير من الأنظمة والحكومات، وهي تدجِّن أو تكبت الموقف الشعبي من ورائها، وهذه قضية خطيرة.
المأساة كبيرة، المظلومية كبيرة للشعب الفلسطيني، المخاطر كبيرة جدّاً، ويكبر أيضاً التفريط عندما يكون هناك تجاهل لها، أو تغاضٍ تجاهها، أو ليس هناك تحرك، أو لم يحصل تحرك بالشكل المطلوب تجاه ذلك، القضية خطيرة جدّاً.
ثم أيضاً على المستوى الدولي، والمؤسسات التي هي مفضوحة بمظلومية ومأساة الشعب الفلسطيني، أين هو دور مجلس الأمن؟! أين هو دور بقية الدول والبلدان، الأمم المتحدة… غيرها من المنظمات والمؤسسات والدول؟! أين هو التحرك الجاد؟! نسمع بعض المواقف الإيجابية من هنا أو هناك، هناك تحرك أيضاً في الأوساط الشعبية والجاليات بمظاهرات، يجب أن يتصاعد هذا التحرك في إطار المخاطر الراهنة.
العدو الإسرائيلي يمارس جرائم الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني بما يمتلكه من حقد، جرائمه تعبِّر عن مدى حقده، وعن إفلاسه الرهيب على المستوى الإنساني، يقتل الأطفال، معظم الشهداء من الأطفال والنساء، الإحصائيات قبل أيام عن الشهداء، الشهداء من الأطفال أكثر من اثني عشر ألف شهيد من الأطفال! يعني: إجرام رهيب جدّاً، آلاف الشهداء من الأطفال يقتلهم العدو الإسرائيلي، ثم يأتي بعد مائة وسبعة وعشرين يوماً- قبل يومين- ليتباهى، وليفتخر بأنه- بحسب زعمه- حقق إنجازاً بعد كل ذلك التدمير الشامل، بعد قتل أكثر من اثني عشر ألف طفل، بعد قتل الآلاف، عشرات الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني، من الأطفال والنساء والأهالي، والتدمير الشامل، وتجويع كل سكان غزة، ليقول أنه- بحسب زعمه- حقق إنجازاً باستعادة أسيرين، كانا- بحسب روايات معلنة من بعض المصادر الشعبية- محتجزين لدى أسرة فلسطينية، يتباهى بذلك، ويقدِّم ذلك كإنجاز عملاق، يتحدث قادة العدو الإسرائيلي، ويضخِّمون ذلك، ويعتبرونها خطوة عملاقة، وتحولاً كبيراً في الموقف… وغير ذلك، سخافة بكل ما تعنيه الكلمة، سخافة بكل ما تعنيه الكلمة!
الذي حققه العدو الإسرائيلي هو رصيدٌ هائلٌ من الجرائم، رصيد إجرامي حققه، رصيد إجرامي بشع جدّاً لا مثيل له، رصيد إجرامي يرتكبه في البث المباشر، يشاهد العالم تلك الجرائم الفظيعة والرهيبة جدّاً.
أمَّا الإنجازات، ليس هناك إنجازات، أي إنجازات لعدو يجعل المستشفيات، ومنها: مستشفى ناصر، الذي هو الآن هدف أساسي للعدوان في عملياته العسكرية، ويتقدم إليه، ويعتبر ذلك إنجازات عسكرية كبيرة، قتل الأطفال بالنسبة له يعتبرها إنجازات عسكرية، استهداف المستشفيات، وقتل الكادر الطبي، يعتبر بالنسبة له إنجازات عسكرية، عدو حاقد، ودنيء، وخسيس، وهو يرتكب أبشع الجرائم الواضحة باعتراف كل الدنيا، ثم يقدِّمها ويروِّج لها على أنها إنجازات عسكرية.
هو يستمر في كل ذلك الإجرام بكل تلك الوقاحة، لماذا؟ كما قلنا في كل الكلمات السابقة: لأن الأمريكي يشاركه في ذلك، والبريطاني يشاركه في ذلك، والدور الأمريكي هو الأساس في استمرار الإجرام الصهيوني، وفي أي خطوة إجرامية مهما بلغت، لن يتحرك العدو الإسرائيلي لاجتياح رفح، وأن يفعل فيها ما فعله في شمال قطاع غزة، أو وسط قطاع غزة، إلَّا بالاستناد إلى الأمريكي، لو حاول الأمريكي أن يخادع شعوب العالم بإطلاق تصريحات سخيفة بكل ما تعنيه الكلمة، كل ذلك الدمار الشامل هو بالقنابل الأمريكية، والصواريخ الأمريكية، كل تلك الضحايا الكبيرة بالأرقام الهائلة، بالآلاف من الأطفال والنساء، قتلتهم قنابل أمريكا، وصواريخ أمريكا، والتخطيط والإسهام في الإدارة للإجرام، كل ذلك أمريكا من خلاله شريكة فعلية في كل ما يحصل من الإجرام بحق الشعب الفلسطيني، فالأمريكي والبريطاني كلاهما شريكان، حتى عدوانهما على البلد هو في سياق حماية الإجرام الصهيوني، ودعم العدو الإسرائيلي، ومشاركة مع العدو الإسرائيلي؛ لأن جبهة اليمن هي جبهة في مواجهة العدو الإسرائيلي، إسناداً للشعب الفلسطيني في غزة، والعدو الأمريكي فتح جبهة على هذه الجبهة إسناداً للعدو الإسرائيلي، حمايةً للإجرام الصهيوني؛ ولذلك أمام كل ذلك: العدوان، والجبروت، والطغيان الإسرائيلي الذي تشارك فيه أمريكا وبريطانيا، فإننا سنواصل كل نشاطنا المساند للشعب الفلسطيني، ونسعى- كما قلنا- إلى أن يتصاعد أكثر وأكثر على كل المستويات.
عملياتنا في البحر الأحمر، ومضيق باب المندب، والمياه التي يُطل عليها بلدنا، هي عمليات مشروعة، هي عمليات لإسناد الشعب الفلسطيني في غزة، الذي هو محاصر، يمنعون عنه الغذاء والدواء، يموت البعض من أطفال ونساء وأهالي غزة من الجوع، يقتات البعض منهم أعلاف الحيوانات، يأبى لنا ضميرنا الإنساني، وانتماؤنا الإيماني، وقيمنا، كرامتنا وحريتنا، يأبى لنا أن نتفرَّج على تلك المأساة الرهيبة والهائلة، لو سكتنا، وتغاضينا، وتفرَّجنا، وخضعنا للتهديد الأمريكي، أو الإغراءات التي قدَّمها الأمريكي، في مقابل أن نوقف عملياتنا؛ لكان ذلك شراكةً في الجرم، لكان ذلك شراكةً في الجرم الأمريكي والإسرائيلي والبريطاني.
بلدنا سيواصل عملياته المساندة للشعب الفلسطيني، طالما استمر العدوان والحصار، ومنع الغذاء والدواء عن الأهالي في غزة، ستستمر عملياتنا، لن نكترث، ولن نتأثر، ولن نتراجع نتيجةً لأي تصنيفات أمريكية.
أم الإرهاب، وجذور الإرهاب، ومنبع الإرهاب، هو اللوبي اليهودي الصهيوني وأذرعه الثلاثة، ثلاثي الشر: (إسرائيل، وأمريكا، وبريطانيا)، الإرهاب والإجرام في أبشع صوره، هو تلك الجرائم التي يفتك بها العدو الإسرائيلي بالأطفال والنساء في غزة بالقنابل الأمريكية، والصواريخ الأمريكية، ذلك هو الإرهاب الإجرامي الوحشي، الأطفال والنساء التي تقتلهم قنابل أمريكا، وصواريخ أمريكا، مئات الآلاف من النازحين الذين يجوَّعون، فيموت بعضهم من الجوع، ولا يتمكَّن بعض الآباء من النوم لصراخ أطفالهم، وبكاء أطفالهم من شدة الجوع، ذلك هو الإرهاب الإجرامي الوحشي، الذي هو أمريكي.
أمريكا ليست في مقام أن تصنِّف الآخرين، وتطلق عليهم التسميات والأوصاف؛ لأنها تنطبق عليها كل أوصاف الشر، والإجرام، والطغيان، بسياساتها العدائية، وجرائمها الفعلية المشهودة، الموثَّقة الواضحة، تستحق كل أوصاف الشر والطغيان والإجرام، ثم أن يكون في مقابل ذلك المواقف العملية تجاه من يرعى كل ذلك الإجرام، كل ذلك الطغيان؛ ولذلك لن تؤثِّر علينا التصنيفات في الحد من موقفنا، سنتصدى أيضاً للعدوان الأمريكي والبريطاني، استهدافاتهم لبلدنا لن تفيدهم شيئاً، وهم اعترفوا بفشلهم في حماية السفن الإسرائيلية، ثم في الأخير في حماية سفنهم بأنفسهم، كلما صعَّدوا أكثر؛ كلما خسروا أكثر، وكان لذلك تداعيات ونتائج وتبعات أكثر وأكثر.
الحل الصحيح لكيلا يتوسَّع الصراع في المنطقة، هو: إيقاف الجرائم ضد الشعب الفلسطيني في غزة، هو إيصال الغذاء والدواء، الذي هو مطلب إنساني محق وعادل بكل الاعتبارات: بالقانون الدولي، بالحقوق بكل عناوينها: حقوق الإنسان، والطفل، والمرأة… كل أنواع الحقوق، من حق الشعب الفلسطيني في غزة أن يصل إليه ما يحتاجه من الغذاء والدواء، والاحتياجات الإنسانية، لماذا تمنعون ذلك؟ لماذا تحاربون للحيلولة دون ذلك، وتوسِّعون الصراع لمنع وصول الغذاء والدواء إلى أهل غزة؟ أليس ذلك هو الإجرام، والإرهاب، والطغيان، وإثارة المشاكل، وتوسيع الصراع؟! وبغير حق، لا حق لكم في ذلك.
ولذلك نؤكِّد بمواصلة أعمالنا المساندة للشعب الفلسطيني، كل أنشطتنا التي نتحرك بها في هذا الاتجاه: العمليات العسكرية البحرية، العمليات في استهداف العدو الإسرائيلي، الأنشطة الواسعة والتحرك الواسع بكل ما نستطيع، لن نألو جهداً، ونطمئن كل البلدان الأخرى؛ لأن الأمريكي منذ اليوم الأول يحاول أن يثير القلق في أوساط بقية الدول، ويحاول أن يزيف الحقيقة الواضحة فيما يتعلق بالعمليات الحربية البحرية، فيحاول أن يصوِّر أنها لاستهداف كل السفن، وهو يكذب، ويعرف أنَّه يكذب؛ ولذلك نقول لكل بلدان العالم، ما عدا أمريكا وبريطانيا، وما عدا العدو الإسرائيلي: سفنكم آمنة من جهتنا، اعبروا من باب المندب والبحر الأحمر بسلامٍ آمنين، لا تقلقوا من جهتنا، إن كان هناك خطر عليكم فهو من العدو الأمريكي، من جهتنا لا تقلقوا، موقفنا واضح تماماً، نحن نستهدف السفن المرتبطة بالعدو الإسرائيلي، ثم لأن الأمريكي والبريطاني كل منهما ورَّط نفسه بالعدوان على بلدنا؛ حمايةً لسفن العدو الإسرائيلي، والسفن المرتبطة به، أصبحت سفنهم مستهدفة، فقط لا غير، بقية السفن بإمكانها أن تعبر بسلام، اعبروا بسلامٍ آمنين، من جهتنا كونوا مطمئنين.
الأمريكي هو مصدر القلق والخطر، هو الذي يسعى لتحويل البحر إلى ميدان حرب، وهذا يؤثِّر ويقلق بقية الدول، وهو يريد أن يجرَّ عليها المشكلة؛ لذلك ينبغي أن تكون كل الدول حذرةً من الاستجابة له.
توجهاتنا في أيِّ تصعيد، في أيِّ خطوات عملية أخرى هي في هذا الاتجاه: ضد العدو الإسرائيلي، والتصدي للعدوان الأمريكي والبريطاني، الذي هو لإسناد العدو الإسرائيلي، بقية البلدان، بقية الدول، بقية المصالح لبقية البلدان والدول، ليست هدفاً لعملياتنا، ولا لتصعيدنا، بما في ذلك ما تردد في بعض وسائل الإعلام عن نيتنا استهداف الكابلات البحرية التي تصل إلى المنطقة (كابلات الإنترنت)، ليس لدينا الاستهداف للكابلات البحرية الواصلة إلى بلدان المنطقة، نحن توجهنا واضح، هو: التحرك ضد العدو الإسرائيلي، ثم لأن الأمريكي والبريطاني ورَّطا نفسيهما في إسناد العدو الإسرائيلي نحن نتصدى لهما، ليس هناك أي نية لاستهداف الكابلات البحرية التي تصل إلى بلدان المنطقة.
مساعي الأعداء المستمرة للتشويش على موقف شعبنا وبلدنا، أو التشويه، هي جزءٌ من معركتهم، ولو كان من ضمن من يتحرك في هذا الإطار عملاء لهم، وأبواق لهم، في وسائل إعلام عربية، أو البعض المرتزقة، هو جزءٌ من معركة العدو، وهم أبواق لهم، وأذرع لهم، وأدوات لهم؛ ولذلك هم يتحرَّكون كجزء من معركة الإسناد للعدو الإسرائيلي بالتشويه لأي موقف مساند للشعب الفلسطيني، التشويه لموقف اليمن، التشويه لموقف حزب الله، التشويه لموقف الشعب العراقي والمجاهدين في العراق، التشويه لكل محور المقاومة، هذا جزءٌ من معركة إسناد العدو الإسرائيلي ضد من يساند الشعب الفلسطيني في غزة؛ ولذلك ينبغي أن يكون هناك وعي تجاه هذه الحقيقة، فالمسألة هي بهذا الوضوح.
بالنسبة لنا نحن كشعب يمني، مسؤوليتنا انطلاقاً من هويتنا الإيمانية، ثقافتنا القرآنية، وأمانة الشهداء، والشهيد الرئيس الصَّمَّاد “رَحْمَةُ اللَّهِ تَغشَاهُم”، هي الثبات على الموقف؛ لأنه موقف حق، والثبات على النهج التحرري، والتمسك بقضايا أمتنا، وعلى رأسها: قضية فلسطين والمسجد الأقصى، ولن نألو جهداً في ذلك.
أمانةٌ أخرى، هي: العنوان الذي رفعه الشهيد الرئيس صالح علي الصَّماد “رَحْمَةُ اللَّهِ تَغشَاهُ”، عنوان (يدٌ تحمي، ويدٌ تبني)، هذا هو أمانةٌ في أعناق مسؤولي الدولة وأحرار البلد، ولابدَّ للجميع أن يتحرك في هذا السياق.
على موعدٍ معكم- إن شاء الله- في يوم الخميس القادم.
نَسْألُ اللَّهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يَتَغَمَّد الشَّهِيد الرَّئيس صَالِح عَلِي الصَّمَّاد بِوَاسِع رَحْمَتِه، وَأَنْ يَرْفَع دَرَجَاتِه، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهَدَاءَنَا الأَبرَار جَمِيعاً، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أسرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛