لماذا يتواصلُ انهيارُ العُملة في المحافظات اليمنية المحتلّة؟
لماذا يتواصلُ انهيارُ العُملة في المحافظات اليمنية المحتلّة؟
يمني برس- تقرير- عباس القاعدي*
يعيشُ المواطنون في المحافظاتِ اليمنيةِ الجنوبيةِ والشرقيةِ الواقعةِ تحت سيطرةِ الاحتلالِ الإماراتيِّ السعوديِّ تحتِ خَطِّ الفقر.. المرضُ والجوعُ يحاصِرُهم من كُـلّ جانب، والوباءُ كابوسٌ لا يستطيعون الفرارَ منه.
وتواصلُ حكومةُ المرتزِقة حربَها الاقتصادية على اليمنيين، وفي مقدمة ذلك الانهيار المتسارع للعملة المزيفة؛ ما تسبب في ارتفاع الأسعار، وتعميق مأساة المواطنين المعيشية هناك.
ويبرُزُ التساؤُلُ الرئيسُ هنا: ما وراء التدهور المتواصل للعُملة اليمنية في المحافظات اليمنية الواقعة تحت سيطرة الاحتلال؟ ولماذا لا تتدخل حكومة المرتزِقة والاحتلال الإماراتي السعوديّ لوقف نزيفها؟
يرى وكيل وزارة المالية والكاتب والباحث في الشؤون الاقتصادية، الدكتور يحيى السقاف، أن “مؤشرات الأزمة الاقتصادية بتداعياتها المختلفة في المحافظات المحتلّة، تدفع نحو انهيار شامل؛ بسَببِ الحرب الاقتصادية التي تمارسها دول العدوان وحكومة المرتزِقة، منذ تسع سنوات، والتي خلَّفت الكثيرَ من الأزمات المالية والنقدية والاقتصادية، وأدت إلى ظهور تعقيدات كثيرة أمام الأنشطة الاقتصادية، وإلى تضييق الخِنَاق على القطاعَينِ التجاري والمصرفي، وكذلك على التبادلات التجارية الداخلية والخارجية؛ وهو أمر يؤكّـده نسبة تراجع حجم هذه التبادلات، حَيثُ وصلت إلى أكثر من 40 %؛ ولهذا فقد أَدَّت السياسات المالية والنقدية الفاشلة في حكومة المرتزِقة إلى تقويض استقرار الاقتصاد الكلي في المحافظات المحتلّة، وشكلت غطاء لفسادهم الرسمي”.
ويشير في تصريح لصحيفة “المسيرة” إلى أن “معظمَ تقارير الخبراء في الأمم المتحدة وجهت اتّهامات صريحة لحكومة المرتزِقة وفرع البنك المركزي في عدن، بتحويل موارد البلاد الاقتصادية والمالية عن مسارها بشكل غير قانوني؛ مِن أجل تحقيق أهدافها ومصالحها الخَاصَّة وفتحت باباً للمضاربة بالعملة، كما أَدَّت إلى تدهور الأوضاع المعيشية، وتردي الخدمات العامة في المحافظات المحتلّة، التي أصبح المواطن يعيش فيها ظروفاً صعبة؛ بسَببِ الفساد الذي تمارسه حكومة المرتزِقة؛ الأمر الذي جعل المواطن يطالب بطرد الاحتلال ومحاسبة مسؤولي حكومة المرتزِقة التي تقف وراء نهب موارد وثروات اليمن وقامت بطباعة العملة المزورة، التي كانت السبب الرئيسي في سوء الخدمات وتعقيدات الحياة اليومية التي تزايدت؛ بسَببِ موجة الغلاء والتضخم في أسعار السلع والخدمات الناتجة عن تهاوي قيمة العملة الوطنية”.
وبالإضافة إلى قيام حكومة المرتزِقة بنهب المساعدات التي تلقتها من منظمات دولية؛ وما يؤكّـد ذلك ما جاء في تقارير الأمم المتحدة، والكلام للدكتور السقاف.
تداعيات كارثية:
وحول الانهيار الاقتصادي الحاصل في المحافظات المحتلّة، وتداعياته، يؤكّـد الدكتور السقاف أن “لذلك الانهيار أسباباً كثيرة، أبرزها: الانهيار المُستمرّ للعملة الوطنية، ولا شك في أن لذلك الانهيار تداعيات وآثاراً كارثية في جميع الجوانب؛ فسياسيًّا من المتوقع أن تشهد تلك المناطق وبدرجات متفاوتة احتجاجات ومظاهرات ضد سلطات حكومة المرتزِقة ولن يكون الانهيار الاقتصادي في صالح أجندات ومخطّطات دول تحالف العدوان ومرتزِقتهم؛ إذ ستكون له نتائج سلبية أَيْـضاً على مختلف الأصعدة، وهذه النتائج ستتفاوت في درجتها وحدتها وسيجد العديد من الأطراف والمليشيات الموجودة في المناطق المحتلّة في ذلك فرصة للتصعيد ضد حكومة المرتزِقة؛ وهو ما يجعل من دول العدوان أن تتخذ قرارات في تغيير قيادات عليا من مرتزِقتها لامتصاص غضب الشارع اليمني في المناطق المحتلّة من قيام ثورة شعبيّة لطردهم وإنهاء الاحتلال”، لافتاً إلى أن “هذا ما حدث فعلاً في الفترة الأخيرة، بتغيير رئيس حكومة المرتزِقة معين عبد الملك وتعيين العميل المرتزِق ابن مبارك بدلاً عنه”.
ومن ضمن تلك التداعيات أمنيًّا -بحسب الدكتور السقاف- من المتوقع أن تتجه الأوضاع الأمنية في المناطق المحتلّة للمزيد من التدهور، وأن تنتشر الجريمة، وسيتحول جزء كبير من السكان إلى ممارسة الجريمة وأنشطة أُخرى غير مشروعة وتتحول تلك المناطق إلى بؤرة لتهريب الأسلحة والمخدرات وغسيل الأموال.
وبالنظر إلى واقع حال حكومة المرتزِقة يقول السقاف: إن “تلك الحكومة أصبحت دمية بيد دول العدوان، وهذا بات جليًّا، ويكشف عن حقيقة زعم العدوان المتمثل في إعادة تلك الشرعية الزائفة، وخُصُوصاً ما أوردته التقارير الدولية والأممية، وكيف عاثت دول العدوان في الأرض فساداً وتسلطاً واستغلالاً لثروات الشعب، واحتلال الجزر والموانئ اليمنية”، موضحًا أن “أمريكا وحلفاءها يسعون إلى شن الحروب ضد خصومهم في العالم، ويستخدمون من خلال ذلك نفوذهم الاقتصادي عن طريق فرض عقوبات اقتصادية، من خلال إقرار حصار اقتصادي، وعدة إجراءات وفرض القيود على الصادرات والواردات، وتجميد الاحتياطيات من النقد الأجنبي في البنوك الخارجية، وذلك عبر أدواتها في البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، وهي عبارة عن هيئات دولية تخضع في تسيير أعمالها لإملاءات وتوجيهات من دول الاستكبار والشر، أمريكا و”إسرائيل” وبريطانيا، حَيثُ تختص تلك الهيئات في تدمير الدول التي تتعامل معها عبر تنفيذ مخطّطات تآمرية تسعى لانهيار اقتصاديات الدول المناهضة لها، تحت غطاء كاذب وعناوين زائفة، وهي القيام بتنفيذ برامج إصلاح مالي وإداري، ومكافحة الفساد، وهي بالأَسَاس تعمل على تدمير ممنهج مالي واقتصادي وتكرس عملية تفشي ظاهرة الفساد في أوسع نطاق في تلك الدول الواقعة تحت الاحتلال الأمريكي ومنها اليمن”.
وبالإضافة إلى ذلك “تقوم أمريكا –كما يقول الدكتور السقاف- بانتهاك سيادة الدولة اليمنية، بدلاً عن صونها، وفقدان السيطرة الفعلية بدلاً عن تكريسها، وتفشي الإرهاب وتوظيفه خلافاً لمزاعم محاربته، وإنشاء الكيانات التابعة من أحزمة ونخب أمنية وعسكرية تعمل بالوكالة لدول العدوان، وتحقيق مصالحها الخَاصَّة وتقويض السلطات المفترضة لتلك الحكومات المزعومة، وفقدانها للقيادة والسيطرة وتواجدها الدائم في فنادق الرياض وعجزها الدائم تأمين موضع قدم لوزرائها في تلك المناطق التي تصفها بالمحرّرة”.
رفع سعر الرسوم الجمركية:
وبخصوص السياسات الفاشلة التي تمارسها حكومة المرتزِقة؛ جراء الحرب الاقتصادية التي تحمل أوجهاً متعددة، وأدت إلى أزمة خانقة يقول الخبير الاقتصادي سليم الجعدبي: إن “من تلك السياسات قرارات حكومة المرتزِقة برفع سعر الدولار للرسوم الجمركية والضريبة على أسعار السلع والخدمات والتي كان آخر هذه الإجراءات قيام المرتزِقة برفع سعر الدولار الجمركي من 250 إلى 500 ريال، وكذا رفع ضريبة الدخل بنسبة 200 % كما صرَّحَ بذلك الإخوة في الغرفة التجارية والصناعية بصنعاء”.
ويقول في تصريح خاص لصحيفة “المسيرة”: “وبالتالي أَدَّى ذلك إلى رفع فاتورة الاستيراد، واستمرار تدهور العملة في المحافظات المحتلّة ولها عدة تداعيات منها أن الزيادة في حجم النقد المحلي سوف يستخدم لغرض المضاربة بالعملة وسحب النقد الأجنبي وتحويله إلى البنوك الخارجية في الرياض، وبالتالي زيادة العرض من النقد المحلي، والذي يؤثر على انخفاض القوة الشرائية للعملة المحلية وانهيارها”.
ومن تلك التداعيات أَيْـضاً الآثارُ الكارثيةُ لرفع سعر التكلفة الجمركية التي تؤدي إلى الزيادة في قيمة مدخلات الإنتاج للمنتجات الصناعية والزراعية، وبالتالي زيادة سعر المنتج الذي يؤدي إلى عدم قدرة المواطن على شراء احتياجاته الضرورية للعيش.
ويؤكّـد الجعدبي أن “أوجه الحرب الاقتصادية التي تشهدها المحافظات المحتلّة تمثلت في: نقل وظائف البنك المركزي إلى فرع عدن، والتحكم بواردات الشعب اليمني، وإلزام المستوردين بالاستيراد عبر آلية موضوعة في الموقع الرسمي لبنك عدن، وتلك الآلية من ضمن إجراءات فتح الاعتماد المستندية هو التواصل مع وزارة الخزينة السعوديّة، وبالتالي أصبح العدوان السعوديّ هو من يتحكم بعملية الاستيراد”.
ويضيف أن “عليها الكثير من الأعباء بغرض رفع فاتورة الاستيراد وتحميل المواطن الكثير من الأعباء، وبالتالي ارتفاع الأسعار للوصول بالاقتصاد اليمني إلى مرحلة الركود الاقتصادي، وعدم قدرة المواطن على الشراء”.
ويوضح الجعدبي أن “البنك المركزي يمثل في أية دولة صمام الأمان الاقتصادي؛ كونه المسؤول عن رسم وتنفيذ السياسات النقدية للبلد؛ ولهذا فَــإنَّ انقسام البنك المركزي كان ضمن أهداف العدوان الأمريكي السعوديّ، والمتمثلة في تدمير السياسة النقدية للبلد، من خلال عملية نقل وظائف البنك المركزي، وبالتالي دخول البلد في فوضى نقدية تتمثل في الطباعة المفرطة، والتلاعب بأسعار الصرف من خلال المزادات العلنية، التي يقوم بها بنك عدن أسبوعياً لبيع 30 مليون دولار عبر مزاد بسعر أعلى من السعر السائد في السوق، إضافة إلى إقحام البلد في قروض بفوائد مرتفعة وآخرها ما حصل عليه من قروض ووحدات سحب خاص، وبالتالي أصبح بنك عدن للأسف الآن ذراعَ العدوان لتدمير اقتصاد اليمن”.
طباعة العملة ونهب الثروة:
وبالإضافة إلى الطباعة المفرطة للعملة التي تعتبر في حكم (المزوَّرة) والتي “وصلت كما صرَّحَ بذلك الإخوة في البنك المركزي إلى قرابة 5300 مليار ريال، وبالتالي أَدَّى ذلك إلى انخفاض القوة الشرائية (التضخم)، وتوجيه هذه الأموال من قبل المرتزِقة إلى شراء الدولار، ورفع سعره؛ الأمر الذي انعكس سلباً على أسعار السلع والخدمات، وأدَّى أَيْـضاً إلى الركود”.
ووفقاً للجعدبي فَــإنَّه “ضمن أوجه الحرب الاقتصادية نهب ثروات اليمن من النفط الخام، والتي تصل وفق التقارير الدولية وحتى تقارير المرتزِقة أنفسهم إلى قرابة 4 مليارات دولار سنوياً، بمعنى نتحدث عن 36 مليار دولار كانت ستكفي لدفع مرتبات الشعب اليمني في الشمال والجنوب لمدة 9 سنوات، وبنفس القوة الشرائية لمرحلة ما قبل نقل وظائف البنك المركزي، ناهيكم عن تعطيل مشروع الغاز المسال الذي لو تم تمكين اليمن من تشغيله لحقّق إيرادات سنوية تتعدى 5 مليارات دولار سنوياً خَاصَّة في ظل ارتفاع أسعار الغاز عالميًّا والتسارع المحموم للحصول عليه”.
ويؤكّـد الخبير الاقتصادي الجعدبي أن “إقحام اليمن في قروض خارجية وبشروط مجحفة للحصول على ودائع وقروض وسحب من وحدات السحب الخَاصَّة أحد الأسباب الرئيسية في الأزمة الاقتصادية”.
ووفق موقع البنك الدولي فَــإنَّ الدين الخارجي للجمهورية اليمنية مرشح للارتفاع بنهاية 2025 م إلى 43 مليار دولار بعد أن كان قبل نقل وظائف البنك المركزي قرابة 7 مليارات دولار فقط، ونهب ذهب وثروات اليمن التعدينية التي وصلت وفق تقارير دولية للفترة من (2015-2019) إلى قرابة 34 طناً من الذهب، بالإضافة إلى تدمير منشآت الوطن (مصافي عدن –ميناء عدن –الحقول النفطية ونهبها –تسليم الجزر اليمنية للمحتلّ الإماراتي والصهاينة من خلفهم)، تعد ضمن الحرب الاقتصادية التي تمارس على اليمن.
ولم يكتفِ الكيانُ السعوديّ بفرض الحرب الاقتصادية على المواطنين داخل اليمن، وإنما امتد الأذى ليصلَ إلى المغترب اليمني، حَيثُ قامت حكومة بني سعود بفرض مبالغ سنوية على كُـلّ مغترب يمني تصل إلى 12 ألف ريال سعوديّ؛ بمعنى نتحدث عن حرمان الاقتصاد اليمني من تدفق سنوي داخلي يصل إلى 10 مليارات دولار، وأصبح المغترب اليمني يعيش وضعاً اقتصاديًّا لا يقل سوءاً عن الوضع الاقتصادي داخل الوطن الناجم عن الحرب الاقتصادية التي شنها العدوان ومرتزِقته على بلدنا.
ولهذا فَــإنَّ الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها المحافظات المحتلّة تندرج تحت الآثار الناجمة عن العدوان على بلدنا والحرب الاقتصادية الشرسة التي توجّـهها دول العدوان باتّجاه الاقتصاد اليمني، وقد اتضح ذلك جليًّا من السنة الأولى للعدوان عندما تحدث السفير الأمريكي لرئيس الوفد المفاوض، “بأننا سنجعل الريال اليمني لا يساوي قيمة الحبر المطبوع عليه”.
لذا تعتبر الحربُ الاقتصادية تأتي وفق سيناريو أمريكي سعوديّ تنفّذه حكومة المرتزِقة، حَيثُ تبدو الورقة الاقتصادية هي آخرَ الأوراق التي يعمل عليها العدوانُ الأمريكي السعوديّ والهدف من وراء ذلك هو تركيع المواطنين في المناطق المحتلّة.
*نقلا عن المسيرة نت.