المولد النبوي الشريف.. مناسبة للوحدة ودعوةٌ لمواجهة التطرف والإرهاب
كتب / سليمان ناجي آغــــــــــــــــا
تعيشُ الأُمَّــتان العربيةُ والإسلامية في ظلِّ حالة الشتات والفُرقة والصراعات وعدم الفَهم الصحيح من جانب البعض لتعاليم الدين الإسلامي وسماحته، وانتشار الفكرِ المتطرّف والفتاوى التكفيرية التي تم توظيفُها لتحقيق طموحات دنيوية.
يتوجَّبُ على أبناء الأُمَّــة العربية والإسلامية، العودةُ إلى منهج الرسالة المحمدية العظيمة والفكر المستنير والثقافة القرآنية.
وهي مناسبةٌ تمثّل فرصة لهذه الأُمَّــة التي تتكالب عليها الأمم أن تستذكرَ نهجَ صاحب المناسبة كخير نموذج يُحتذى به على مرّ العصور والأزمان، فقد باتت منساقةً وراء المتآمرين عليها بعد أن نجحوا في الإيقاع بها في فخّ الطائفية والمذهبية؛ لتشتيتها وتمزيقها وإضعافها، فغدا الدم العربي والإسلامي هو اللونَ الذي تُروى به أرض العرب والمسلمين.
إن ذكرى المولد النبوي الشريف مناسبةٌ للعودة إلى ما تضمُّه سيرة النبي الكريم من الدعوة إلى الرحمة والرأفة والأخوّة الإنسانية والدعوة إلى الله بالموعظة الحسَنة والعدل والإحسان والمساواة بين أبناء الإنسانية وحقن دماء الناس. مناسبةٌ للعودة للبياض الناصع بعد أن سوّدته طُغمةٌ من الأوغاد اللئام.. رفعوا راياتِ بغيهم وضلالهم وسلّوا سيوفَ الحقد والإجرام..
بالرصاصات نواجهُ إرهابهم وبالمُصالحات والتوقيع على وثيقة الشرَف القبَلية نؤكد توحُّــدَنا ضد محاولة تفرقنا أَوْ الوقوف إلى جانب الجيش واللجان الشعبية الذين يطهرون الأرض من رجسهم ويحمون الناس من شرهم، وشعاره (على الإرهابيين والتكفيرين والمرتزقة والغزاة قوة وعلى الناس سلام).
في الـيَـمَـن السعيد جرت العادة أن يتخذوا من مناسبة المولد النبوي الشريف يوماً لبشراهم وفرحهم، فإذا شرع لنا أن نفرح بمولد طفل أَوْ طفلة فمن باب أولى فرح البشرية كلها بميلاد الرسول صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَــه وَسَلَّمَ.. وكلما اقترب شهر ربيع الأول طالعتنا نسائم المولد النبوي الشريف، وهبت علينا ذكرى النبوة، ونور البشير النذير الذي علا به شأن الإسلام، وسرَى نور دعوته في القلوب، فضحّى أصحابه في سبيلها بكل نفيس وغال، وقد اعتاد الـيَـمَـنيون أن يحتفلوا بذكرى مولد النبي الكريم منذ دخول الإسلام الـيَـمَـن. بالرغم من مرور فترات تم فيها التضييق على كُلّ من يقوم بالاحتفال بالمناسبة إلّا أنها بقيت وإن كانت بشكل بسيط؛ بسبب دخول وانتشار الفكر الوهابي السلفي التكفيري في الـيَـمَـن، ورغم التشديد وسجن وحبس من يقوم بإحيائها حتى انطلقت المسيرة القرآنية وأعادت إحياء المناسبة وأعطته مكانتها الحقيقية لتعيش الأُمَّــة العربية والإسلامية أمجاد الماضي العظيم، وجهاد النبي الخاتم الأمين، ويلتمسوا القدوة الهادية في حياة الرسول العظيم.
ففي مثل هذا الشهر المبارك قبل أكثر من 1487سنة وُلد فخر المرسلين بمكة المكرمة، فاستنار الكون بنور طلعته صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَــه وَسَلَّمَ، وأشرقت الأرض بهذا النور الوهاج حتى انقشعت الظلمات المتراكمة على هذا العالم، المتوارثة من القرون الهمجية المتوغلة في الجهل، وقد حلت بنا هذه الأيامُ ذكرى مولد الرسول الهادي والنبي المختار صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَــه وَسَلَّمَ، تلك الذكرى المباركة التي تُذكِّرنا بميلاد هذا الإنسان العظيم الذي غيَّرَ مجرى التأريخ، وحقق العدلَ والرحمةَ في المجتمع الذي عانى الظلم والاستبداد والجَوْر وشتى الأمراض الخُلقية ردحاً من الزمان قبل بعثته، وأزال الجهل ونشر العلمَ ورسَّخ الإيمانَ في نفوس الناس وقضى على العصبيات والقوميات، وأنقذ أجيالاً من الجاهلية ومن براثنها، وقاد البشرية نحوَ العزة والسؤدد، حتى أصبحت أمتُه خيرَ أمة أخرجت للناس، ملَكَتْ أزمِّة القيادة، ونالت درجات الريادة، وضربت للعالم أروعَ الأمثلة في كُلّ المجالات، هَزمَت الكفارَ، وفتحت الأمصارَ وغرست منهج الله في النفوس ومكّنَتْ له في الأرض.
هذه المناسبة ليست فقط مناسبة لاستذكار اليوم الذي وُلد فيه رسولنا الكريم، وإنما فرصةٌ لنستعيدَ إلى الذاكرة تعاليم الإسلام الحقيقي، الإسلام الذي يُعنى بالإنسان بأسمى الأشكال، لا الإسلام الذي نراه اليومَ من البعض يلهث خلف القشور، حتى بات جوهر الدين الحق ثانوياً والعُمق الإلهي والفلسفي للرسالة النبوية جزءَ غير مذكور، عيد المولد النبوي هو فرصة في كُلّ عام لكل شخص يريد أن يراجع نفسه وتصرفاته من خلال استذكار صفات النبي الكريم ومآثره وَشدّة تحمله للابتلاء، وهو النبي الذي اطمأن عن جاره اليهودي بعد مرور عدة أيام لم يَرْمِ فيها اليهودي القمامةَ أمام بيت الرسول، أليس هذا النبي بخير مَن يجب أن نحتذي به؟، بعدم رد الأذى بالأذى، وبعدم مباداة الناس إلّا بالخير؟!.
إن مناسبة المولد النبوي الشريف هي فرصة للعودة غلى منبع الإسلام الحقيقي وجوهرة بعد استفحل الفكر الوهابي الذي جاء ليشوه الصورة المشرقة والناصعة التي قدمها النبي محمد صلوات الله عليه وعلى آله للعالم كله، للشرق وللغرب، عن مشروعه ورسالته وسلوكه وأخلاقه وتعامله الإنساني وإنجازاته الحضارية، وليمارس نفسَ الدور الذي مارسه بنو أمية والخوارج في تشويه الإسلام وتحريفه وتقديم صورة سيئة عنه. إن مناسبة المولد النبوي الشريف تأتي وقد انتشرت الوهابية التي هي مصدر الحركات التكفيرية في العالم وأن كُلّ التيارات التكفيرية تستند على الفكر الوهابي وتستلهم من الفكر الوهابية وهي تدرس كتبهم وتعلم مبادئهم وأفكارهم الوهابية التي تقوم على نبذ الآخر وتكفيره، وهي باتت تهدد السلم في كافة أنحاء العالم لما تبثه من أفكار إرهابية وإجرامية، أفكار تدفعُ بالشباب المسلم إلى تكفير وترهيب المجتمعات والشعوب وتدفع الشباب إلى الالتحاق بالتيارات التكفيرية التي تقتل وتذبح وتفجر وتعتدي في كُلّ مكان.
إن مناسبة المولد النبوي الشريف هي فرصة للوقوف ضد الفكر الوهابي الذي ينشر التطرف والفساد والعنف والإرهاب باسم الإسلام.. هي مناسبة لنثبت للعالم أن الإسلام وجوهره الحقيقي هو ضد العنف والتطرف والإرهاب.
يقول السيد عبدالملك الحوثي إن (إحياء المولد النبوي الشريف هو بمثابة رمزٌ لأصالة الأُمَّــة وهويتها، واستقلالها، وركيزةٌ أساسيةٌ فارِقةٌ لمواجهة كُلّ محاولات التذويب للأمة، وطمس هُويتها من قبل أعدائها، وهي مناسبةٌ للوَحدة الإسلامية، واستذكار القواسم المشتركة والكلمة السواء بين كُلّ المسلمين، فالرسولُ محمد صلى الله عليه وآله ليس رمزاً خاصاً بمذهب، أَوْ طائفة، أَوْ عِرق، أَوْ بلد، وهي ذكرى وتذكير بالنبيّ الخاتم وبمقامه، وبرسالته، وتعزيز الارتباط به وبرسالته، ومُنطلقٌ مهمٌ لتغيير الواقع السيئ والمرير والمهين الذي تعيشه الأُمَّــة، وإصلاحِ الخلل، وتصحيح الوضع الذي تعيشه الأُمَّــة الإسلامية).
معنى المولد الحقيقي أن تولّدَ محبةَ الرسول الأكرم في قلب كُلِّ مؤمن وأن تولّد الرسالة والتعاليم التي جاء بها هذا المولد في كُلّ المجتمعات، إنها رسالة العلم والمحبة؛ لأن الإسلام أزال الفوارقَ بين الناس وأرسى المساواة. إنه مولد الخير، فالإسلام هو دعوةُ الخير إلى أن الصلاحَ والتمسك بأخلاق الرسول ونشر دعوته وحَمْلَ رسالته وشريعته تقرّبُ الانسان من خالقه.
المناسبة تتزامن هذه السنة مع ظهور جماعات تتسترُ وراء هذا الدين الحنيف لتقتلَ باسم الإسلام وشريعة الله الإنسان، وتمارس أبشع أنواع الجرائم التي تخالف رسالة محمد العظيمة والشريعة السمحاء.
مناسبةُ المولد النبوي الشريف هي مناسبةٌ للوقوف بحزْم ضد الأفكار المنحرفة والمتطرفة، وهي مناسبةٌ لتعزيز الوعي الفكري والثقافي للإسلام المُنير. وهي مناسبة للوقوف ضد ثقافة الانتحار والتكفير والتفخيخ وقطع الرؤوس وبقْر البطون وشقّ الصدور والتفجير والتحريض والضلال ومواجهة هذه الثقافة الدخيلة على مجتمعاتنا وإسلامنا.
لذا فإن المطلوبَ من أمة الإسلام وعلمائها محاربةُ هذا الفكر التكفيري ونشرُ الرسالة الصحيحة التي حملها النبي الكريم صلى الله عليه وعلى آله، وأن لا تسمح لمجموعة ضالة أن تشوه الصورة الحقيقية للإسلام ونشر أفكارها التكفيرية الهدامة وإشاعة الفوضى والقتل والدمار بديار المسلمين.
من واجب المسلمين جميعاً، وفي مقدمتهم العلماء والمثقفين والإعلاميين، أن يواجهوا بكل حزم هذه الهجمة الظلامية، وأن يفضحوا أساليبَ القتل وسعي هؤلاء لتشويه صورة الإسلام وتعكير صفو المسلمين، وينبغي في هذا المجال أن تتكاتفَ منظمات المجتمع المدني ووسائل إعلام ومؤسسات الحكومة؛ من أجل التعاون لدحر هذا الإرهاب الأسود وتجفيف منابعه الفكرية والتكفيرية.
إن هذه المناسبة العظيمة هي مناسبة للتعايُش الأخوي والتسامُح وخدمة الوطن وترسيخ أسس العدالة الاجتماعية وسيادة القانون ومساندة الجيش واللجان الشعبية الذين يدافعون عن الوطن والمواطن.
إن مناسبةَ المولد النبوي الشريف فرصةٌ للوقوف بشكل جاد من أجل إعادة الـيَـمَـن إلى رحاب الأخوّة والوحدة والخروج من نفَق الطائفية المقيتة التي هي إفراز من إفرازات الغزو والاحتلال السعودي الأمريكي ووباء من أوبئة الجهل، وقودُه الفقراء ونتائجه جيشٌ من النازحين وسيادة دُعاة الذبح الرافضين للأخوة من داعش والقاعدة وميليشيات حزب الإصلاح ومن لف لهم من العصابات والمرتزقة.. يجب أن تكون المناسبة بداية لمرحلة جديدة، والكل يتسرب إلى قلوبهم الأمل والتفاؤل لمرحلة الاستقرار لطرد العابثين بالـيَـمَـن والمتآمرين عليه.
وهي مناسبةٌ ودعوةٌ لأبناء الـيَـمَـن من شماله إلى جنوبه ومن شرقه غلى غربه، إلى نبذ الفرقة ولَمّ الشمل وتوحيد الكلمة والمحبة، فلا ندع الغزاة ومرتزقتهم ينفذون بين صفوفنا وتمزيق وحدتنا؛ خدمةً لمصالحهم الشخصية والضيقة، ولا سبيل لتجاوز الأزمة إلّا بالوحدة والأخوَّة بين أبناء الشعب الـيَـمَـني.