العلامة عبد المجيد الحوثي: – الاحتفالُ بمولد النبي في ظل العدوان بدايةَ مرحلةٍ جديدة لبناء الـيَـمَـن والدولة العادلة، فيما الشعب الـيَـمَـني اليوم يتنفَّسُ نسيمَ الحرية والعزة والكرامة
– ما دامت قد غضبت علينا أمريكا وإسرائيل وأَذنابهم من الأعراب فهو دليل على أننا في الاتجاه الصحيح
– ما وصلت إليه الأمةُ من الضياع وَالارتهان لأَعْــدَاء الأمة ولأئمة الكفر جعلنا نستشعرُ أهميةَ الرجوع إلى مصدر عز هذه الأمة وفخرها وَوحدتها وقوتها
– المستبدون في كُلّ زمان ومكان لا يريدون للضعفاء وللمستضعفين أن يتحرروا من هيمنتهم ولا أن يخرجوا عن سيطرتهم ولا أن يعيشوا أَحْــرَاراً كما أَرَادَ اللهُ لهم
أكد فضيلةُ العلامة السيد عبدُ المجيد الحوثي أن دينَنا الإسلامي الحنيف وتأريخَ نبيه يتعرض اليوم لأكبر هجمة تشويهية كبيرة أمام العالم لم يتعرض الإسلام لهذه الحملة على مر التأريخ منذ أن بُعث النبي صَلَـى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَــهُ وسلم، من قبل أئمة الظلم والجور في هذه الدول الظالمة التي تشن حربا شعواء على وطننا وشعبنا وعلى رأسها المملكة الوهابية السعودية والتي أَرَادَ ت أن تجعل الإسلام يتناسَبُ مع بقائها ومع مشروعيتها.
مبيناً في حواره أن ما وصلت إليه الأُمَّــةُ من الفُرقة والتشظي هو بسبب بُعدها الحقيقي عن كتاب الله وشخصية الرسول محمد صَلَـى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَــهُ وسلم ولا بد من الرجوع إلى شخصية النبي والتأريخ لتمحيصهما
وأشار إلى أن دولَ الغرب استطاعوا ضربَ الإسلام في عمقه واستغلوا العقليات الغبية التي تدَّعي التدين وصنعوا صورة مشوهة عن الإسلام فأوجدوا القاعدة، وحينما أدركوا أن القاعدةَ لم تحقق لهم كُلَّ ما يتمنونه، صنعوا داعش وأرادوا أن يظهروا صورةَ الإسلام بالوحشية والقتل والعنف.
عن المولد النبوي الشريف أهميته ودلالاته وعظمته التقى ( يمني برس ) مع العلامة عبد المجيد الحوثي الذي طرح الكثيرَ من جواهر الكلمات عن أهمية الاحتفال بسيد الخلق وحبيب الحق صلوات الله عليه وعلى آله وسلم:-
حوار/ محسن علي الجمال
بدايةً الـيَـمَـنيون وكل شعوب العالم ستحتفلُّ بذكرى مولد سيد الخلق وحبيب الحق محمد صلى الله عليه وسلم عليه وعلى آله في هذه الذكرى الشريف والعطرة للعام 1437هـ، ماذا يمكنكم القول بهذه المناسبة الدينية العظيمة؟
.. الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلى اللهُ وسلم على سيدِنا مُحَمَّــد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، في الواقع إن هذه المناسبةَ هي أغلى مناسبة مرت على هذا الكوكب منذ أن خلق اللهُ آدم وحتى قيام الساعة، هذه المناسبة التي كان ينتظرُها أنبياءُ الله بما أخبرهم الله سبحانه وتعالى في كتبه السابقة وبشّر بولادة النبي مُحَمَّــد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، بل وأخذ الميثاق على الأنبياء في أن يكونوا من أتباعه ومن أنصاره إن هم وصلوا إلى عهده وكانوا في زمانه، الآية “وإذ أخذ اللهُ ميثاقَ النبيين لما أتيتهم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسولٌ مصدِّقٌ لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه”.
فهذا الإنسان العظيم الذي جعله الله مسكَ ختام الرسالات السماوية فكان هو أحسن ختام وكان خيرَ الأنام وكان هو سيد الأولين والآخرين الذي تتشرف الأنبياء صلوات الله عليهم بأن يكونوا من اتباعه ومن أهل ملته ومن أمته، فهو الذي غيّرَ مجرى التأريخ وغيّر مجرى الكون وأخرج العالم مما كان يغرق فيه من الجهل ومن الظلام والتخلف وعادات الجاهلية والسلوك السيئ وعبادة الأصنام ووأد البنات وغيرها، إلى النور وإلى العلم وإلى المعرفة وإلى الوَحدة وإلى النظام وإلى مجتمع الدولة الذي يحكمُه النظام والقانون، واستطاع أن يبني أمةً حكمت العالم على مر القرون وإلى هذا اليوم، وهو يعتبر الرجل الأول في قيادة الأمة منذ أن خلق اللهُ أبينا آدم إلى هذا التأريخ باعتراف المفكّرين جميعاً حتى من غير المسلمين.
مصدر عز الأمة
. ما أهمية إحياء المولد النبوي الشريف وما عظمته وما دلالته؟.. وماذا نستلهمُ منه في ظل التشظي والفُرقة الحاصلة فيما بين المسلمين والأمة الإسلامية؟
.. عندما ينظُرُ الإنسانُ إلى ما وصلت إليه الأمة من الضياع ومن الضعف ومن التفرق والتمزُّق ومن الارتهان لأَعْــدَاء الأمة ولأئمة الكفر، هنا يستشعر أهمية الرجوع إلى مصدر عز هذه الأمة وفخرها ومصدر وحدتها وقوتها؛ لأن الرسولَ الأعظمَ صلى الله عليه وعلى آله وسلم أتى إلى هذا العالم وإلى الأمة وإلى الجزيرة العربية بالذات وهي غارقة في التمزق والتشظي والانقسام والظلم والتظالم وفي وأد البنات وفي سبي النساء وفي عادات قبيحة وسيئة، فلم يوحد الله هذه الأمة إلا في عهد النبي مُحَمَّــد صَلَـى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَــهُ وسلم الآية (واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أَعْــدَاءً فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً)، فالنبي مُحَمَّــد صَلَـى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَــهُ وسلم هو من جمع شتاتَ الأمة وانتشلها من الحضيض، فلم تكن لدى العرب أية حضارة ولا أي علم ولا أية معرفة، بل كانوا يسمونها بالأمة الأمية، فكانت الحضاراتُ سواء الحضارة العلمية أَوْ الثقافية أَوْ حتى بناء الدولة والنظام والقانون كانت توجد في باريس وفي روما وفي اليونان وفي مناطق أخرى من العالم، لم تكن الأمة العربية لديها أية حضارة، وإنما الرسولُ الأعظمُ صَلَـى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَــهُ وسلم هو مَن أوجَدَ هذه الأمة من العدم، هو من انتشلها لتكون فيما بعدُ هي أرقى أمة وهي مرجعُ العلوم والحضارات ومرجع الدولة ذات السيادة وذات النظام والقانون، واستطاع أن يخلُقَ أمةً من العدم، فعندما نحيي ذكرى مولد الرسول الأعظم صَلَـى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَــهُ وسلم هو لكي نعودَ إلى مبادئ رسالة النبي صَلَـى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَــهُ وسلم، لكي نستلهمَ شخصيةَ هذا الرجل العظيم الذي يقول الله عز وجل عنه (وإنك لَعلى خلق عظيم) والذي يقول (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً)، فنحن وخُصُـوصاً في هذه الفترة وفي هذا الوقت الذي نرى فيه الأمة وصلت إلى الحضيض في أمس الحاجة لأن نستلهم اليوم الذي أشرق فيه فجرُ ولادة المصطفى صَلَـى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَــهُ وسلم؛ لنستلهم تلك القيم الرفيعة وتلك المعاني السامية التي غرسها النبي صَلَـى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَــهُ وسلم في أصحابه مع ما كانوا عليه من الضعف مع ما كانوا عليه من القلة مع ما كانوا عليه من المحاربة من كُلّ مستكبري هذا العالم، ولكنه استطاع بأولئك المستضعفين بأولئك النفر القليل أن يوحّد الأمة ويوحّد الجزيرة العربية ويوحّد العالم تحت رايةٍ تقومُ على العدل والحق واحترام الإنْسَـان وتقوم على كرامة الإنْسَـان.
واليومَ نحنُ في أشدِّ الحاجة إلى هذه المبادئ وإلى هذه القيم في واقع الأُمَّــة، فنحن في حاجة إلى أن نحيي هذه الأشياء بإحياء مولد الرسول صَلَـى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَــهُ وسلم كشخص عظيم وكمَثَلٍ أعلى لنا وللأمة الإسلامية بل وللعالم أجمع، فهو الشخصية التي كما قال أحد المستشرقين “استطاعت أن تجعلَ مليارات البشر على مر التأريخ يتبعون هذا النهج وهذا المشروع الذي قدمه للناس لم تقدم أية شخصية في العالم ما قدمه الرسول صَلَـى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَــهُ وسلم للأمة وللبشرية جمعاء”.
ضرورة الرجوع إليه
. ألا ترى أن الأمة الإسلامية قد انفصلت عن التأسي والاقتداء بشخصية الحبيب مُحَمَّــد صلى الله عليه وسلم وعلى آله قولاً وفعلاً وعملاً؟
.. وهذا كما قلنا.. ضرورة إحياء مثل هذا المولد، ضرورة الرجوع إلى قيم الرسول الأعظم صَلَـى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَــهُ وسلم إلى قيم الإسلام الصحيحة إلى قيم الرسالة السماوية التي ختم الله بها جميع الرسالات، وكانت هي الرسالة الشاملة، كان اللهُ سبحانه وتعالى يرسل الأنبياء إلى قومهم (وإلى ثمود أخاهم صالح) وكذا بقية الأنبياء.
فالنبيُّ مُحَمَّــدٌ صَلَـى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَــهُ وسلم هو الذي أُرسِلَ إلى العالمين، إذاً لا بد أن تكون عظمة الرسالة بقدر المرسِل وبقدر المرسَل إليه، إذا كان المرسل هو الله سبحانه وتعالى والمرسَل إليه هم العالمين جميعاً فلا بد أن تكون هذه الرسالة شاملةً تغطي كُلّ جوانب الحياة في كُلّ المجتمعات في كُلّ الحضارات في كُلّ مناطق العالم، لا تستوي الرسالةُ التي ترسلُها إلى العالم والرسالة التي ترسلُها إلى قبيلة أو إلى منطقة أَوْ إلى فئة معينة، فرسالةُ النبي صَلَـى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَــهُ وسلم هي شاملة بشمول المرسَل إليهم كما قال الله (وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين)، (وما أرسلناك إلا كافة للناس).
بانتصار ثورة الشعب
. بماذا يتميّز ذكرى المولد النبوي الشريف عن المناسبات التي أحياها الـيَـمَـنيون في الأعوام الماضية؟
.. في هذه السنة وفي هذا العام يتميز ذكرى مولد الرسول الأعظم مُحَمَّــد صَلَـى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَــهُ وسلم أنه جاء بعد انتصار الثورة، انتصار الشعب الـيَـمَـني، إزالة الفساد والفاسدين، إزالة القوى التي كانت تهيمنُ على الـيَـمَـن وعلى مقدراتها وخيراتها، سواء من الفاسدين في الداخل أَوْ من المتسلطين والمهيمنين في الخارج من المملكة العربية السعودية أَوْ الولايات المتحدة الأمريكية، فاليوم الشعب الـيَـمَـني رغم العدوان السعودي الذي يناله ورغم الحصار هو يتنفسُ نسيم الحرية، هو يرى لأول مرة في تأريخه ومنذ عقود روح الاستقلال وروح العزة والكرامة. فالاحتفالُ بمولد النبي صَلَـى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَــهُ في ظل هذا الظرف وهمجية العدوان سيكون بإذن الله بدايةَ مرحلة جديدة لبناء الـيَـمَـن ولبناء الدولة العادلة التي جاء بها الرسولُ صَلَـى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَــهُ وسلم والتي تتمثلُ في مشروع الإسلام، ومشروع الإسلام هو بناءُ الدولة العادلة التي تقيمُ الحقَّ وَالعدل وتعطي الإنسانَ كرامتَه وعزتَه واستقراره وتحافظ على حياته وماله عرضه وحقوقه وممتلكاته.. هي هذه رسالة الإسلام التي جاء بها مُحَمَّــدٌ صَلَـى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَــهُ وسلم، فبإذن الله سيكون انطلاق المولد هو انطلاقٌ لبناء الدولة العادلة دولة المؤسسات وَالكفاءات وَالمساواة والحرية والحقوق التي هي جوهرُ الإسلام وروحه، فيكون لهذا المولد إن شاء الله طابعٌ خاصٌّ في انطلاقة الـيَـمَـن الجديد والمستقبل لهذا البلد، وفي انطلاقة النصر ضد أئمة الكفر وأَذنابهم وأَعْــدَاء الأمة (الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد) وَسيصب عليهم ربك سوط عذاب.
رسالة انتصار
. في ظل هذا الزخم الثوري وفي ظل هذه الاستعدادات لإحياء المولد النبوي.. ما هي الرسالة التي يحتفل بها الـيَـمَـنيون في ظل هذا العدوان الهمجي السعودي الأمريكي الصهيوني الغاشم؟
.. الـيَـمَـنيون يستلهمون من ذكرى مولد الرسول الأعظم صَلَـى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَــهُ وسلم تلك المعاناة التي واجهها الرسولُ من جلاوزة قريش، فنحن اليوم نواجه من جلاوزة قريش في عصرنا نفس ما واجهه الرسول صَلَـى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَــهُ وسلم بنفس الغطرسة وبنفس التكبر وبنفس الاستبداد وبنفس الهيمنة التي كان جلاوزة قريش تريد أن تفرضها على الرسول وعلى أصحابه في مكة وحتى بعد أن هاجروا من مكة وذهبوا إلى المدينة. فالمجرمون المستبدون لاحقوهم إلى المدينة، ما الذي فعله النبي بأهل مكة؟ لقد غادر بيته وغادر مسقط رأسه وترك هو وأصحابه أموالَهم وممتلكاتهم وذهبوا لينجوا بأنفسهم..
ولكن غرور قريش وطغيانها وعنجهيتها لم تتركهم أن يتركوا النبي وأصحابه بسلام، بل ذهبوا إليهم إلى المدينة، ولم يكتفوا بأن يذهبوا إليهم وحدَهم، بل حزّبوا معهم العرب جميعاً وذهبوا إلى النبي صَلَـى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَــهُ وسلم إلى المدينة لكي يجتثوا جذورَ هذه الدعوة من الأرض وعلى ما كانوا يزعمون أنهم سينهون دعوة النبي مُحَمَّــد صَلَـى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَــهُ وسلم فكانت غزوة الأحزاب تحزّب فيها العرب جميعاً وكانوا ما يقارب الثلاثين ألفاً، وكان النبي وأصحابه ومن في المدينة لا يتجاوز الثلاثة آلاف ولكن كانت إرادة الله سبحانه وتعالى أن ينهزم هؤلاء الأحزاب وكما قال الله (وكفى الله المؤمنين شر القتال)، (ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قوياً عزيزاً وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب)، هؤلاء هم العملاء والمرتزقة الذين ناصروا الأَعْــدَاء من اليهود وضِعاف الإيمان من أهل المدينة عندما انهزم الأحزابُ وعندها مكّن الله رسوله من هؤلاء العملاء الخونة وهذا ما سيحصل في الـيَـمَـن بإذن الله من انهزام أحزاب جلاوزة قريش العصر وأحلافهم وسينكسرون جميعاً أمام صمود وإيمان وثبات هذا الشعب العظيم الذي كان هو الرافدَ الأكبرَ لدعوة الرسول صَلَـى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَــهُ وسلم منذ فجر الإسلام والذي قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم عندما جاء أهل الـيَـمَـن ونزلت السورة الكريمة: (إذا جاء نصرُ الله والفتحُ ورأيت الناسَ يدخلون في دين الله أفواجاً فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا)، قال (جاءكم أهل الـيَـمَـن أرق قلوباً وألين افئدة.. الإيمان يمان والحكمة يمانية)، فبهذه الحكمة وبهذا الإيمان إن شاء الله سينكسرُ قرنُ الشيطان وتنكسر قوى العدوان وسينصر أهل الـيَـمَـن كما انتصر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه وكما انتصر الـيَـمَـنيون في المدينة من الأوس والخزرج على جلاوزة قريش.
نشعر بمظلوميته
. إذا ما عُدنا قَليلاً إلى التأريخ القديم هل ما يجري علينا الآن في الـيَـمَـن من تكالب واستدعاء مرتزقة الشرق والغرب من كافة أصقاع المعموة.. هل نستطيع القول بأن التأريخ يعيد نفسَه أمام ما كان يحدُثُ لرسول الله وأصحابه وأهل بيته؟
.. استلهامُنا لسيرة الرسول الأعظم صَلَـى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَــهُ وسلم يبعَثُ فينا القوة وَالثبات؛ لأننا نشعُــرُ بمظلومية الرسول صَلَـى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَــهُ وسلم وأصحابه ونشعر بمظلوميتنا اليوم، ونشعر بأن المستبدين في كُلّ زمان ومكان لا يريدون للضعفاء وللمستضعفين أن يتحرروا من هيمنتهم ولا أن يخرجوا عن سيطرتهم ولا أن يعيشوا أَحْــرَاراً كما أَرَادَ الله لهم، بل كان جلاوزة قريش يعذّبون عبيدهم وإماءَهم والمستضعفين من أهل مكة؛ لأنهم تمرَّدوا على هيمنتهم، وهذا ما يحصل اليوم عندما خرج الشعب الـيَـمَـني رافضاً للهيمنة الخارجية وللوصاية السعودية وصارخاً بأن الـيَـمَـنَ دولة مستقلة ذات سيادة ذات إرادة لا يجب أن تتدخلُ في قرارها السياسي ولا في مقدّراتها ولا في قرارها أيَّةُ دولة أَوْ جهة خارجية مهما كانت..
فالـيَـمَـنُ برجاله وأهله قادرٌ على أن يقودَ نفسَه ويقودَ بلدَه ولا يحتاجُ إلى أية وصاية، هذه الوصاية التي دمّرت الـيَـمَـن وفرضت على الـيَـمَـن البقاءَ في حالة الضعف والارتهان والفساد واللادولة لكي يبقى مرتهناً لهم ولقراراتهم ولسياساته،م فهم يُديروننا من السفارات.
مصدر تشويه الإسلام
. لا شك ديننا الإسلامي الحنيف تعرض للتحريف على مدى التأريخ بل وبلغَ ذروته هذه الأيام مع ظهور داعش والقاعدة والخطابات التكفيرية.. يا ترى ما علاقة العدوان السعودي بهذا الانحراف؟
.. لنربط الموضوع بمولد الرسول الأعظم صَلَـى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَــهُ وسلم لماذا نريدُ أن نحييَ مولد الرسول؟ ولماذا نريد أن نحيي رسالةَ الرسول صَلَـى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَــهُ وسلم؟ لأن الإسلام في هذا الوقت بالذات يتعرَّضُ لأكبر هجمة تشويهية أمام العالم، لم يتعرض الإسلام لهذه الحملة على مر التأريخ منذ أن بعث النبي صَلَـى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَــهُ وسلم وإلى هذا الوقت، فأدرك الغرب وأمريكا وخُصُـوصاً بعد سقوط الاتحاد السوفيتي أنه لم يعد أمامهم من عدو وخطر يهدد كيانهم إلا الإسلام بفكره النيِّر ومشروعه العظيم الذي يتلاءم مع كُلّ الأَحْــرَار ومع كُلّ الفطَر السليمة في كُلّ بقاع الأرض، فكانوا يخافون من هذا الفكر وهذا المنهج أن يغزوَ أوروبا وأمريكا ويغزوَ الدول الأجنبية، وهذا ما كان يحصل فكان يسلم الآلاف في فترات قصيرة وأرادت أمريكا ودول الغرب أن يضربوا هذا الإسلام في عُمقه فقاموا باستغلال هؤلاء العقليات الغبية التي تدّعي التدين، ومن خلالها صنعوا صورةً مشوهةً عن الإسلام فأوجدوا القاعدة، حينما كانوا يحاربون الاتحاد السوفيتي آنذاك وبعد أن انتهى الاتحاد السوفيتي رجعوا بهذه القاعدة يحاربون الإسلام، وحينما أدركوا أن القاعدة لم تحقق لهم كُلّ ما يتمنونه صنعوا داعش وأرادوا أن يظهروا صورة الإسلام بالوحشية والقتل والعنف وَأن هذه هي رسالة الإسلام وأنه إذا حكَمَكم الإسلامُ فسيكون تصرُّفُه كما تتصرف داعش، وليس بالصُّدفة أن يسموا هذا التنظيم الإجرامي بالدولة الإسلامية ولا أن تكونَ رايتُهُ هي راية الإسلام، ولا أن يكون شعارُه وقت الذبح وحز الرؤوس والأجساد هو شعار الإسلام والتكبير الذي يتردد في كُلّ أرجاء الأرض في المآذن في كُلّ أرجاء الشرق والغرب “الله أكبر الله أكبر”، هذا التكبيرُ الذي هو شعارُ الإسلام يريدون أن يربطوه بهذه الصور الفظيعة والشنيعة التي صنعوا مَن يقوموا بها ثم صنعوا مَن يظهرها للإعلام ومن يروّج لها وهم أكثر من يروّج لهذه المذابح والصور الشنيعة ليقدموا الإسلامَ بهذه الوحشية والبربرية والعُنف لكي يُذهبوا الصورة الحقيقية للإسلام.
فنحن في حاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى أن نرجعَ إلى شخصية الرسول الأعظم الذي شهد الله سبحانه بقوله (وإنك لعلى خلق عظيم)، وقال تعالى (وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين)، بينما هم اليوم يقولون إنما جئتكم بالذبح جئتكم بالقتل. هكذا الغرب يريدون أن ينقلوا الصورة عن الإسلام، الإسلام هو دين الرحمة، دين احترام الإنْسَـان ودم الإنْسَـان بشكل عام قال تعالى (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتَلَ نفساً بغير نفس…) قال أي نفس مهما كانَ فكرها أَوْ رؤيتها لكن (بغير نفس أَوْ فساد في الأرض فكأنهما قتل الناس جميعاً)، ليس هناك أي قانون أَوْ أي فكر أَوْ أية ملة يجرم القتل كما جرّمه ديننا الإسلامي، أَيضاً يحفظ مال الإنْسَـان (ولا تأكلوا أَموالَكم بينكم بالباطل)، حرم الربا وحرم أكل مال اليتيم (إن الذين يأكلون أَموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيرا)، أمر بالعدل والقسط (قل أمر ربي بالقسط) و(إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي)، جاء الإسلام ليؤمّن للإنسان حياته وماله وعرضَه وكرامتَه وعزته، ليجعله يعيشُ في أمن واستقرار وطمأنينة وسعادة كما قال تعالى (فمن اتبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) سيعيشون في دائرة اللاخوف وفي دائرة اللاحزن، ومعناها السعادة التي تنتفي فيها كُلّ أسباب الحزن فهذه هي رسالة الإسلام.. وكما قال الرسول صَلَـى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَــهُ وسلم (مَن ولّى رجلاً وهو يعلم أن غيرَه أكفأ منه فقد خان اللهَ في أرضه).. جاء الإسلامُ يبني نظاماً يبني دولة يبني قانوناً، يكون في ظلها المؤمنُ والكافرُ واليهودي والنصراني، الإسلام لا يحارب شخصاً ولا يقتل شخصاً لعقيدته نهائياً، هو يقتل من يكونُ سبباً في الإخلال بالأمن أَوْ الاستقرار أَوْ في سفك دماء الأبرياء أو في الإفساد في الأرض فقط، أما الإنْسَـانُ لعقيدته فالإسلام لا يجيزُ ذلك، فالنبيُّ مُحَمَّــد صَلَـى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَــهُ وسلم حينما بعث المجاهدين قال لهم” لا تقتلوا طفلاً ولا امرأةً ولا راهِباً”.
فالراهبُ هو الإنْسَـانُ الذي يتمسك بدينه ولو كان القتل لأجل العقيدة فالراهبُ هو أولُ مَن يجب قتله؛ لأنه هو الداعي إلى هذا الفكر وإلى هذا الدين، لكن الرسول قال لا تقتلوا الراهب وإنما قال “قاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا”.
إذاً فالإسلامُ لم يأتٍ ليقتل أحداً، لا على ديانته ولا على معتقده، بل جاء ليثبتَ دعائمَ الأمن والرخاء ويقيم الحق والعدل، وهذه هي رسالة الأنبياء “ولقد أرسلنا رُسُلَنا بالبينات والهدى، وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط”.
نرجع لتمحيص التأريخ
. في هذه الذكرى النبوية كيف نواجه الافكار المنحرفة عن حقيقة وجوهر الإسلام ومنهج الأُمَّــة المُحَمَّــدية؟
.. علينا أن نرجعَ إلى شخصية المصطفى مُحَمَّــد صَلَـى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَــهُ وسلم، ونرجعَ إلى تأريخنا لتمحيصه؛ لأن تأريخ النبي وتأريخ الأُمَّــة تعرَّض لتشويه كبير من قبل أئمة الظلم والجور في هذه الدول الظالمة بحق شعبنا الـيَـمَـني والذي تدّعيه يتنافى مع أيديولوجيتها فأرادت أن تجعلَ الإسلامَ يتناسب مع بقائها ومع مشروعيتها.. فحاولت أن تحرّف دينَ الإسلام وصنعت فكرَ “اطِع الحاكم وإن جلد ظهرك وأخذ مالك، اطيعوهم وحسابهم على الله”، هذه الرؤيةُ التي أَرَادَ الظلمةُ من خلالها أن يجعلوها هي رؤية الإسلام، ولكن لدينا القُــرْآن الكريم هو الدستور الخالد والذي لا يقبَلُ التحريفَ والتبديل “ذلك الكتاب لا ريب فيه”.
وهذا هو المرجَعُ الأساسي للإسلام، ولهذا عندما سُئلت عائشة عن أخلاق النبي قالت “كان خُلُقه القُــرْآن”.
محاولة لصد الناس
. كيف تردون على مَن يقول إن إحياءَ ذكرى المولد النبوي الشريف بدعةٌ ويقوم ببثها للناس عبر المنابر والمحاضرات؟
.. هذا بالتأكيد هو محاولةٌ لصد الناس عن الرسول وفكره ورسالته والذي ما أشرقت الجزيرة العربية إلّا بشرَفه صَلَـى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَــهُ، وليس المولد النبوي عندهم فقط، بل حتى زيارة النبي صَلَـى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَــهُ وسلم الذي قال “مَن حج ولم يزرني فقد جفاني”، وهؤلاء يقولون: زوروا المسجد ولا تزوروا قبرَ النبي.!!
وما أريد القول هو أن هناك محاربةً لكل شَيء يربط الأُمَّــة برسول الله صَلَـى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَــهُ سواء عبر زياراته أَوْ عبر الأخيار من الصحابة أَوْ عبر بيت رسول الله، فكل من يمثل النهجَ النبوي المُحَمَّــدي الصحيح تُشن عليه حربٌ شعواء، ومن جملتها تحريم الاحتفال بالمولد النبوي. فعندما يحرّم أَوْ يحلل لا بد أن يستندَ الإنْسَـانُ إلى نصٍّ شرعي، فعندما يقولون إن الاحتفالَ بالمولد النبوي بدعة وحرام؟ ما هُو الدليلُ الشرعيُّ على أن هذا الفعل حرام، واللهُ سبحانه وتعالى يقولُ “قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون”، فأيُّ فضل وأية رحمة أعظم من مولد سيد الأولين والآخرين رحمةً الله للناس أجمعين، فإذا كان اللهُ قد شرَعَ الاحتفال بالنصر حينما يقول “ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله” فكيف لا نفرَحُ بولادة سيد الكونين وسيد الثقلين ومَن أخرجنا اللهُ به من الظلمات إلى النور”.
أنتم في الاتجاه الصحيح
. كلمة أخيرة تودون قولها والتذكير بها؟
.. نقول لشعبنا الـيَـمَـني العظيم والمقاوم والمجاهد إنكم في الاتجاه الصحيح ما دامت وقد تكالبت عليكم قوى الشر من كافة أنحاء العالم من أمريكا إلى إسرائيل إلى دول الخليج إلى الجنجويد إلى المرتزقة، فاعلموا أنكم تسيرون في المنهج القويم لأن اللهَ سبحانه وتعالى يخبرُنا أنه لا يمكنُ أن يكونَ هؤلاء الأَعْــدَاء لا يريدون الخير “ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزَّلَ عليكم من خير من ربكم”.
فإذا ما دامت قد غضبت علينا أمريكا وإسرائيل وأَذنابهم من الأعراب وتكالبت علينا الأمم فهو دلالة واضحة على أننا نمشي في الاتجاه الصحيح وأننا نهدم مشروعَهم الاستعماري والاستكباري والهيمنة على العالم العربي والإسلامي، بل ويدُلُّ على الانتصارات العظيمة التي حقَّقها الشعبُ الـيَـمَـني، فاضطر هؤلاء أن يحشدوا كُلَّ هذه القوة ويبذلوا كُلّ جهدهم ويصرفوا كُلّ تلك الأموال، وأن يتحدوا القانونَ الدولي وما يسمَّى بحقوق الإنْسَـان، ليس إلّا أنهم أحسُّوا أن هذا الشعبَ سيكون مصدرَ إلهام بقية شعوب العالم العربي والإسلامي في أن ينتفضوا في وجوه الظلمة.
وليثق شعبُنا الـيَـمَـني بنصر الله وَأن اللهَ سبحانه وتعالى معه، فإرادةُ الله هي في نُصرة المستضعفين فقال سبحانه “ونريد أن نمُنَّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمةً ونجعلهم الوارثين، ونمكّن لهم في الأرض”.
لذا فاللهُ سبحانه وتعالى قد أذن لنا في الدفاع عن أنفسنا وسيكون هو الناصر والمعين والحامي، ومن سينزل الهزيمة الساحقة بالمعتدين الباغين.. وقد أرانا اللهُ بشائرَ نصره على الغُزاة والمعتدين فلم يصلوا إلى شَيء مما كانوا يخططون له.
كما نوصي شعبَنا الـيَـمَـني بالثبات والصبر والمُضي في طريق الحُرية والاستقلال والكرامة والاستقلال ورفض الهيمنة ولننهج طريقَ الرجوع إلى الله سبحانه ومنهج رسوله وآل بيته الكرام ونقدم الإسلام بوجهه الحقيقي.. فيجبُ علينا أن نجددَ هذه الرؤية وأن نمحوَ كُلَّ تلك التشويهات التي أَرَادَ أَعْــدَاء الإسلام أن يقدموها على أنها صورة الإسلام بداعش والقاعدة وبالدول الظالمة والمستبدة.
فنُحيي صمودَ شعبنا الـيَـمَـني ونسأل اللهَ الرحمةَ للشهداء والشفاءَ العاجلَ للجرحى وأن يمُــدَّ هذا الشعب بنصره وتأييده.