(نص+فيديو) كلمة السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي حول آخر التطورات في فلسطين والمستجدات الإقليمية 9 شوال 1445هـ
(نص+فيديو) كلمة السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي حول آخر التطورات في فلسطين والمستجدات الإقليمية 9 شوال 1445هـ
كلمة السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي “يحفظه الله”
حول آخر التطورات والمستجدات
الخميس 9 شوال 1445هـ 18أبريل 2024م
أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللَّهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[المائدة: الآية35]، صَدَقَ اللَّهَ العَلِيُّ العَظِيم.
انقضى شهر رمضان المبارك، الذي له خصوصيته وأهميته لدى المسلمين في كل أرجاء العالم، شهر رمضان شهر الصيام الذي هو ركنٌ من أركان الإسلام، شهر نزول القرآن، وربيع القرآن، الشهر الذي يشهد إقبالاً من المسلمين على تلاوة القرآن الكريم بأكثر من غيره على مدى العام بكله، الشهر الذي هو مدرسةٌ عظيمةٌ ومتميزة، على المستوى التربوي، والروحي، والأخلاقي، والإيماني، وعطاؤه عطاءٌ مهمٌ وعظيم، وبركاته كبيرة، مدرسةٌ بهدف التزود من التقوى، {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة: من الآية183]، كما قال الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
الشعب الفلسطيني، والمجاهدون الأعزاء في فلسطين، صام شهر رمضان المبارك وأحياه وهو يجاهد، ويصابر، وهو يعاني من الظلم، والحصار، والتجويع، بشكلٍ لا مثيل له في كل العالم، والأمة من حوله، المسلمون في كل بلدانهم، وفي المحيط القريب من فلسطين، المسلمون الذين هم الأمة التي تقع على عاتقها المسؤولية الكبرى في نُصرة الشعب الفلسطيني، في الوقوف معه، في إسناده، في إغاثته، في دعمه، في التصدي للعدو الذي يعتدي عليه بكل الاعتبارات: باعتبار أن الشعب الفلسطيني هو جزءٌ من هذه الأمة كشعب، وكأرض أيضاً، وباعتبار المقدسات، بكل ما تمثله من أهميةٍ دينيةٍ للأمة الإسلامية. الأمة التي يقع على عاتقها أيضاً- وأكثر من غيرها- وزر التقصير في المسؤولية، ووزر التخاذل، والملامة أيضاً، والعيب على التقصير، المسلمون صاموا شهر رمضان المبارك، وهم حسب الحال المتفاوت تجاه الشعب الفلسطيني، ومظلوميته، ومعاناته:
- بين من يستشعر المسؤولية، ويتحرَّك بما يدفعه له ضميره الحي، وإحساسه الإنساني، وشعوره الإيماني، كما هو الحال في جبهات المساندة والمناصرة للشعب الفلسطيني، وكما هو أيضاً موقف الذين يسهمون عملياً في نصرة الشعب الفلسطيني، من أبناء أمتنا الإسلامية في كل البلدان، في مختلف المجالات.
- وبين متخاذلين، وهم دائرة واسعة، يتصدرهم وعلى رأسهم الموقف الرسمي لمعظم الدول والحكومات العربية وفي العالم الإسلامي، وأيضاً في كثيرٍ من الشعوب، دائرة المتخاذلين هي دائرة واسعة، وهذا شيءٌ مؤسف!
- وبين متواطئ ومساهم لخدمة العدو الإسرائيلي، متواطئ في العدوان على الشعب الفلسطيني، ومساهم مع العدو الإسرائيلي في مجالات متعددة: على المستوى الاقتصادي، على المستوى السياسي، على المستوى الإعلامي بشكلٍ واضحٍ ومفضوح ومكشوف، وحتى البعض على المستوى العسكري، فيما يتعلق بالحماية العسكرية، على مستوى لعب دور سلبي في التثبيط في داخل الأمة، والتشويه للموقف الفلسطيني وللشعب الفلسطيني، والتشويه لكل موقفٍ مساند للشعب الفلسطيني.
هذا الفرز في واقع الأمة ليس جديداً، بل هو ضمن سُنَّة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” على مدى التاريخ مع كل الأمم، مع كل أمم الأنبياء وأقوامهم يأتي الاختبار الإلهي، الذي يكشف واقع الناس، في مصداقيتهم في الانتماء الإيماني، هذه سُنَّة من سُنن الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، في صدر الإسلام، في عهد رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، ومن قبله من الأنبياء، في الذين ينتمون إلى رسالة الله تعالى، ويُعَبِّرون عن إيمانهم وانتمائهم للإيمان، يأتي الاختبار الإلهي كَسُنَّة من سنن الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”؛ ليُّميِّز الخبيث من الطيب، والصادق من الكاذب، كما قال الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم: {الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}[العنكبوت: 2-3]، هكذا يُبَيِّن الله أنها سُنَّة، سُنَّة حتى في الأولين، وتستمر في الآخرين، في الآخرين والأولين، لكل الأمم والأجيال التي تنتمي إلى الرسالة الإلهية، لكل الذين ينتمون إلى الإيمان، {أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}[العنكبوت: 2-3].
يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أيضاً: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}[آل عمران: من الآية179]؛ لأنه حتى في إطار العنوان الإيماني والانتماء الإيماني لا يزال هناك خبيث، لم يطب ولم يزكو، ولم يتَّجه للصلاح، ولم يتَّجه بصدق مع الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في إطار الانتماء الإيماني، والله لا يقبل أن تبقى الحال حالاً مجهولة لا تتضح ولا تتجلى في الواقع؛ لأنه يترتب على ذلك مخاطر كبيرة على الأمة في واقعها، ولأن الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” هو العزيز الحكيم؛ ولذلك يجلِّي، ويكشف، ويغربل، كما في الأحاديث النبوية تسمى أيضاً غربلة، غربلة للناس؛ حتى يتجلى واقعهم، وتنكشف حقيقتهم، فالله يقول: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ}[آل عمران: من الآية179]، فالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” يكشف من خلال الأحداث، ومن خلال المواقف، يكشف الخبيث من الطيب، ويميز الخبيث من الطيب، كما قال “جَلَّ شَأنَهُ”: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}[التوبة: الآية16]، فالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أيضاً يجلِّي، ويكشف، ويُبَيِّن، ويميز، من هو الذي سيكون فعلاً صادقاً في انتمائه الإيماني، بصدقه مع الله، من خلال جهاده، وموقفه، وولائه الصادق، فليس هناك دخيلة في موقفه، ولا في ولائه، فلم يتجه، ولم ينحرف بولائه عن الله، وعن رسوله، وعن المؤمنين، لم يتوجه بولائه لصالح الأعداء، ولخدمة الأعداء، ولتقديم ما ينفع الأعداء.
الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” يقول أيضاً في القرآن الكريم: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ}[محمد: الآية31]، هذا الابتلاء: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ}، من خلال الأحداث، من خلال المواقف، التي تجلِّي حال الإنسان: هل سيجاهد، هل سيتحرك في الموقف الحق، في القضية العادلة، وفق توجيهات الله، وفق تعليمات الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، التي تجلِّي ما يختزنه، وما يحمله من مبادئ، من قيم، من أخلاق، من مشاعر، من مشاعر في وجدانه، تبيِّن هل هو يحمل ضميراً حياً، إحساساً إنسانياً، شعوراً إيمانياً صادقاً، فأين هو؟ هل تجلَّى ذلك في موقفه، في فعله، في تصرفه، في إحساسه بالمسؤولية، في استجابته العملية لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، أم لا؟ أين هو صبره، صبره وهو يعمل، وهو يجاهد، وهو يضحِّي، وهو يقدِّم، وهو يتحرَّك، صبره وهو يستمر على ما ينبغي أن يستمر عليه، صبره على المعاناة، على التضحية التي تستلزمها القضية العادلة، والموقف الحق، والتَّحرُّك الجهادي؟ {وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ}، كذلك خُبر الإنسان: ما في أعماقه، ما في خفاياه، ما في ذات صدره، يتجلَّى أيضاً.
يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}[آل عمران: الآية154]، فيتجلى ما هو هناك في القلوب، يأتي الابتلاء الذي يكشفه، ويبيِّنه في الصدور، {وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}.
في واقع الأمة نجد من خلال ما تجلَّى عبر هذه الأحداث القائمة، أحداث كبيرة جداً، العدوان الإسرائيلي على غزة عدوان فظيع، وشنيع، وكبير، وهناك مسؤوليات كبرى على هذه الأمة بكل وضوح، لا يُعفيها عنها التنصل، ولا التهرب، ولا أي محاولات لتبرير التخاذل؛ فَتُجَلِّي تلك الأحداث واقع الأمة كيف هو، كيف هو موقفها تجاه مظلومية الشعب الفلسطيني، وتجاه الإجرام والطغيان الإسرائيلي، الذي يمارسه العدو الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني.
هناك تيارات في داخل هذه الأمة، كالتيار التكفيري: تيار فتنوي كبير، يمتلك الإمكانات الضخمة، ينتمي إليه عشرات الآلاف من المقاتلين، ذلك التيار كان يتحرك تحت (عنوان الجهاد)، تَحَرَّك، ودُفِع، دُفِع أصلاً للتَّحرُّك تحت هذا العنوان بالتحديد؛ لأن العنوان (عنوان الجهاد) هو عنوان مستهدف من أعداء الإسلام؛ مستهدف بالتشويه، ومستهدف بالتحريف، ومستهدف بالتوظيف في غير الاتجاه الصحيح، تحركوا تحت عنوان (الجهاد في سبيل الله)، لماذا تحركوا؟ وفي ماذا تحركوا؟ لنشر الفتن الطائفية والمذهبية بين المسلمين، لقتل أبناء الأمة (صغاراً، وكباراً)، كم قتلوا من أبناء الأمة، سواءً فيما كان في إطار معارك وعمليات عسكرية يُنَفِّذونها، أو في إطار الاستهداف لأبناء الأمة في الأسواق، في المساجد، في المناسبات الدينية والاجتماعية، من خلال العمليات الانتحارية وغيرها.
حاولوا أن يظهروا تحت (عنوان الجهاد) وكأنهم مجاهدون أشداء، ينتحرون في عمليات انتحارية بالآلاف، في العراق أكثر من أربعة آلاف عملية انتحارية، في الأسواق العراقية كم قتلوا في مختلف المدن العراقية، في غير العراق، في مختلف البلدان التي استهدفوها، لا يحتاج هذا إلى تفصيل وكل الناس يعرفون، لكنَّهم كانوا يقدِّمون أنفسهم كمجاهدين مستبسلين أشداء، جاهزين للتضحية، جاهزين للقتل، جاهزين لكل شيء، وأيضاً شدة في عملياتهم، بل أكثر من ذلك، كانوا يمارسون عمليات إجرامية بكل ما تعنيه الكلمة، من القتل بطريقة بشعة وإجرامية للناس، ذبحاً بالسكاكين، تفجيراً للمدنيين، تمثيلاً بالجثامين، قطعاً للرؤوس… وغير ذلك، يحملون الرايات، ويكتبون فيها: (لا إله إلا الله، محمدٌ رسول الله)، وهم يتناقضون في اتجاههم وأفعالهم مع ما تعنيه الشهادتين، وما يبنى عليها، من مبادئ إلهية، وقيم إسلامية، وأخلاق قرآنية… وغير ذلك، لكن هكذا يظهروا، حاولوا أن يظهروا بذلك، وأُريد لهم من قبل أعداء الأمة أن يظهروا بذلك الشكل، فتحركوا تحت (عنوان الجهاد)، قتلوا مئات الآلاف من المسلمين في بلدان كثيرة، وتحركوا بدعم مادي ضخم، بالمليارات من الدولارات، من أنظمة عربية ودول عربية دعمتهم بكل سخاء؛ لأنها وُجِّهَت بذلك، ودعم سياسي، ودعم إعلامي، دعم سياسي وإعلامي ومادي، وتحرَّكوا بزخم كبير.
أين هم الآن، بعد أن تحركوا على مدى سنوات طويلة، أغرقوا الأمة بالفتن، والقتل، والخراب، والدمار، والدماء؟! أين هم الآن في مواجهة العدو الذي لا شك في أنه العدو الأول للإسلام والمسلمين، بنص القرآن الكريم، في كلام الله تعالى، الذي لا يمكن لأي إنسانٍ ينتمي للإسلام أن يجحده، وهو ينتمي للإسلام: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ}[المائدة: من الآية82]، اليهود العدو رقم واحد، الأول للذين آمنوا، وأيضاً بشهادة الواقع، بنص القرآن، وكلام الله، وشهادة الواقع، ما يفعله العدو الإسرائيلي في ممارساته الإجرامية، العدائية، الفظيعة، التي تشهد على مدى ما يمتلكه، وما يختزن فيه، وما يحمله من حقد شديد جداً، وعداء شديد جداً لهذه الأمة، لكل من ينتمي للإسلام، ما يفعله بأبناء الشعب الفلسطيني هو حقدٌ وراءه حقدٌ كبيرٌ جداً وعداءٌ شديد هو تجاه كل مسلم، كل من ينتمي للإسلام، وليس فقط ضد الشعب الفلسطيني؛ وإنما هي ميدان (فلسطين) يرتكب فيها تلك الجرائم، ويتجلَّى من خلالها ما هو عليه من حقد وإجرام، فهي الميدان الأول الذي يرتكب فيه تلك الجرائم، تُعَبِّر عن حقده وعدائه الشديد، أين هم الآن؟!
سكتوا عن العدو الإسرائيلي، ولم يعملوا شيئاً، مع أنهم ظهروا بإمكانات وقدرات، لاختراق أي بلد يريدون أن يخوضوا فيه معركة، أو يحرِّكوا فيه فتنة، أو ينطلقوا فيه لنشاط معين ومؤامرات معينة، ويمكنهم، في بعض البلدان يستطيعون أن يتحركوا منها مباشرةً لاستهداف العدو الإسرائيلي.
فلا هم على المستوى العسكري تحرَّكوا كما كانوا مقاتلين أشداء، ومنتحرين بالآلاف، ولا هم حتى على المستوى الإعلامي وجَّهوا نشاطاً كبيراً في تعبئة الأمة ضد العدو الإسرائيلي، وحديث عن العدو الإسرائيلي بقدر ما كانوا يتحدثون من عداء شديد، وتعبئة وتحريض شديد ضد أبناء هذه الأمة؛ من أجل أن يدفعوا بالناس لقتل بعضهم البعض، أين هم؟! هكذا ميَّز الله الخبيث من الطيب بأحداث كبيرة، تكشف وتجلِّي الحقائق للناس.
أنظمة أيضاً وحكومات وزعماء دعموهم، وفتحوا إضافةً إلى ذلك حروباً دامية، دمَّرت الأمة، دمَّرت الشعب اليمني وغيره، حروباً مرهقة جداً، قدَّموا فيها مئات المليارات من الدولارات، كما فعل النظام السعودي ومعه النظام الإماراتي، قدَّموا أنفسهم في أوساط العالم على أنهم من يتزعمون الأمة الإسلامية بكلها، وأنهم من خلال هذا العنوان سيتدخلون هنا أو هناك، ومعنيون بالتدخل في أي بلدٍ عربي، بالمقدِّمة البلدان العربية، وهم يعملون ما يعملون حتى في بلدان إسلامية أخرى، ثم قدَّموا عنوان الحضن العربي، الأمن القومي العربي… مختلف العناوين، قدَّموا نفوسهم أنهم يحمون الحمى، ويحملون الرايات، ويتزعمون الأمة، والمعنيون بكل القضايا والمواقف في المقدِّمة، ثم إذا بهم يتضاءلون ويتلاشون عن أي جهد فعليٍ صادقٍ مساندٍ للشعب الفلسطيني ومجاهديه، واتَّجهوا بدلاً من ذلك إلى لعب دور سلبي؛ للإسهام فيما يخدم العدو الإسرائيلي، يخدمونه إعلامياً بكل وضوح، بكل وضوح، حتى كأنك تجد تصريحات [نتنياهو]، وتصريحات بعض الإسرائيليين، بعض المجرمين من الإسرائيليين، وكذلك تصريحات بعض الأمريكيين، وكأنها موجِّهات إعلامية لوسائل إعلامهم، يتحرَّكون بنفس النغمة، بنفس المنطق؛ ليشنوا حملات دعائية منظَّمة، أين هم الآن؟! هكذا تتجلى الحقائق.
أيضاً جهات، شخصيات، سواءً في بلدنا في اليمن، أو في غيره، كان لهم أنشطة عدائية، أنشطة سلبية، أنشطة بشدة يتحركون فيها، إمَّا تحت عناوين إنسانية، أو أخلاقية، أو عناوين مصلحة الأمة، أو بدافع العدالة والحق، أين هم الآن؟! أين هي أصواتهم؟! أنشطتهم؟! كتاباتهم؟! مقالاتهم؟! تعليقاتهم؟! تغريداتهم؟! أين هو نشاطهم؟! أين هي شدتهم في عباراتهم وتصريحاتهم؟! أين هي تلك الجرأة التي كانوا يعبِّرون من خلالها بوقاحة لكل ما يساعد على إثارة فتن أو صراعات داخلية؟! أين هم الآن؟! أين نشاطهم في الكتابات، والمقالات، والتغريدات، والعبارات… وغير ذلك؟! أين تلك الحالة النفسية التي كانت تمتلئ حقداً وغيضاً؟! نراهم يتحلون بالهدوء تجاه العدو الإسرائيلي، وكل ما كنَّا نسمعه منهم تلاشى، كانوا نشيطين في الإساءات، وفي المقالات السيئة، في الكتابات السيئة، في التحريض، وإن ظهر لهم نشاط؛ فهو في الإطار السلبي، ضد الأمة وضد أي موقف مساند للشعب الفلسطيني.
في عصر النبي “صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ” حدث هذا الفرز، وكشفته (سورة آل عمران)، اقرأوا الآيات التي فيها، (سورة النساء)، في (سورة المائدة) أيضاً، في (سورة الأنفال)، في (سورة التوبة) في آيات كثيرة، معظم (سورة التوبة)، حتى عُرِفَت بين المسلمين بعنوان (الفاضحة)؛ لأنها فضحت كثيراً من تلك النوعيات التي تنتمي للإسلام، لكن موقفها لصالح أعداء الإسلام، شخصيات، بدوافع متنوعة، بأشكال متنوعة، بأساليب متنوعة، وفي مستويات من المواقف متنوعة، في (سورة محمد)، في (سورة الأحزاب) أيضاً، في سورة محمد “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَعَلَى آلِهِ” تجد أنه كان هناك من يتخاذل، من يُثَبِّط، من يتربص، من يسيء، من يشكك، من يتهرَّب من الموقف الحق، وهناك من يصمد، من يثبت، من يتحرَّك ويستجيب لله ولرسوله.
ولهذا يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم: {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}[التوبة: من الآية81]، موقف تخاذل وقعود، ووراءه فرح وارتياح إلى ما هم عليه، هم يرون أنَّ ما هم عليه هو الصواب، بل يعتبرون النبي “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، ومن استجاب لله ولرسوله وتحرَّك مع نبيه، أنهم هم المخطئون في تحركهم، {وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}[التوبة: من الآية81]، فتخاذلوا أيضاً بكره للجهاد وللمجاهدين، ثم اتجهوا لتثبيط الآخرين، {وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ}[التوبة: من الآية81]، فهم يستغلون حتى الظروف البيئية (الحرارة) للتخذيل، والصد، والتثبيط، {وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81) فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا}[التوبة: 81-82]؛ لأنهم يضحكون لما هم فيه من موقف، كالحالة الترفيهية التي يركِّز عليها البعض ليضحك في مقابل مأساة الأمة، ومعاناتها، وآلامها، وأوجاعها، ومظلوميتها، هو يضحك تجاه ذلك، ليس في اتجاه أن يقوم بموقف حتى على المستوى العاطفي والنفسي، هو لا يتألم على معاناة الأمة، ولا يحزن على ذلك، {وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[التوبة: من الآية82]، فيما هم فيه من مواقف السخرية، والاستهزاء، والارتياح لمأساة الأمة ومعاناتها، {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ}[التوبة: الآية83]، ليس هذا فحسب، {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ}[التوبة: الآية84]، وراء حالة الرضا بالقعود، والكره للجهاد، والارتياح لمأساة الأمة، ومعاناتها، وأوجاعها، وراء ذلك حالة كفر مبطَّن في النفوس، حالة رهيبة جداً من التنكر للمبادئ الإلهية، والقيم، والأخلاق، حالة رفض صريح للتعليمات والتوجيهات الإلهية، هي الحالة التي عبَّر عنها بقوله: {إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ}، حالة انعدام ثقة بالله في وعده للمؤمنين بالنصر إن تحركوا.
ثم أيضاً يقول: {وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ}[التوبة: من الآية85]، هي لا تمثل أملاً للأمة، هم لا يحرِّكون أموالهم في إحقاق حق، في دعم مظلوم، يحرِّكون أموالهم دائماً في الاتجاه الخطأ، ويبخلون بها عن الاتجاه الصحيح، أولادهم كذلك، ثروتهم البشرية، {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ}[التوبة: من الآية85].
في مظلومية الشعب الفلسطيني، ليس هناك أي التباس في عدالة القضية، القضية الفلسطينية قضية عادلة بكل وضوح، ولا يوجد هناك التباس فيمن هو صاحب الحق في القضية الفلسطينية، المسألة واضحة جداً، إضافةً إلى حجم المظلومية، والمعاناة، قضية عادلة، مرتكزاتها بالنسبة للأمة مرتكزات كبيرة، فيها المقدسات، فيها المسجد الأقصى، فهي قضية مرتبطة بالأمة في دينها من حيث هذا الاعتبار، فيها المسؤولية تجاه الشعب الفلسطيني، الذي هو جزءٌ من هذه الأمة، وهي مسؤولية إسلامية، دينية، إيمانية، أخلاقية، قيمية بكل ما تعنيه الاعتبارات، وأيضاً تجاه البلاد الفلسطينية، وهي جزءٌ من بلاد المسلمين والعالم الإسلامي.
أيضاً العدو الإسرائيلي– كما نكرر دائماً- هو عدوٌ لكل الأمة، لولا جهاد الشعب الفلسطيني، وتضحيات مجاهديه، وصمودهم، وثباتهم، وجهاد المجاهدين في لبنان، وتضحياتهم، وصبرهم؛ لكانت معركة العدو الإسرائيلي، ولكان شرُّه قد اتجه على كل المستويات إلى البلدان الأخرى، هل كان سيردعه عن مصر اتفاقيات، أو خيارات دبلوماسية، أو أعراف، أو قوانين دولية، أو عن الأردن كذلك، وعن أي بلدٍ عربي؟! أطماعه وأحقاده وتوجهه العدائي معروف، وهو فيما يفعله في فلسطين يثبت أنه لا يعطي أي اعتبار، لا لقوانين، ولا لأعراف، ولا لمنظمات أو مؤسسات دولية، ولا لأي اعتبار آخر لدى البشر، يشتغل وفق حقده، وفق طغيانه، إجرامه، بكل ما يستطيع، ولا يكترث لأي شيء من ذلك، والغرب يدعمه على إجرامه وعدوانه، ويهدر كل شيء، هل كان العرب يمكن أن يعتمدوا على الأمريكي، وهو يشترك مع الإسرائيلي بشكل مباشر؟! بل هو يهدي للإسرائيلي أي بلد أو أي منطقة يحتلها، [ترامب] أعلن عن إهدائه للجولان السوري للعدو الإسرائيلي هدية! ولن يتردد الأمريكي أن يقوم بإهداء أي بلد عربي للعدو الإسرائيلي، لا مانع عنده من ذلك.
المظلومية مظلومية هائلة، مظلومية كبيرة جداً، والطغيان الإسرائيلي الذي يشترك فيه الأمريكي، وتدعمه الدول الغربية، بما فيها كبرى الدول الأوروبية، واضحٌ جداً، فالمأساة كبيرة جداً.
نحن في الشهر السابع، وفي الأسبوع الثامن والعشرين، وفي اليوم الخامس والتسعين بعد المائة، في كل يوم من بداية العدوان الإسرائيلي على غزة، يمارس العدو الإسرائيلي جرائم الإبادة الجماعية، ويرتكب المجازر الجماعية؛ ليقتل أكبر عددٍ ممكنٍ من الشعب الفلسطيني، من الأطفال، من النساء، بلغت المجازر الجماعية: أكثر من (ثلاثة آلاف وخمسين مجزرة)، وبلغ عدد الشهداء والمفقودين: بأكثر من (اثنين وأربعين ألفاً)، والجرحى: أكثر من (سبعةٍ وسبعين ألفاً)، الشهداء والجرحى في هذه الأرقام هم مدنيون، والنسبة الأكبر منهم من الأطفال والنساء، واعترفت تقارير الأمم المتحدة باستشهاد أكثر من (عشرة آلاف امرأة) في غزة، بينهن (ستة آلاف أم)، ستة آلاف أم تركن وراءهن (تسعة عشر ألف يتيم)، وهذه إحصائية محدودة جداً، التي اعترفت بها تقارير الأمم المتحدة، العدد أكبر من ذلك بكثير، ضاعت كل العناوين التي يتغنى بها الغرب من: حقوق المرأة، وحقوق الأطفال، وحقوق اليتامى، حقوق الإنسان… كل الحقوق ضاعت.
في يوم عيد الفطر تعمَّد العدو الإسرائيلي أن يكثف من غاراته الجوية؛ لقتل الأهالي، وأن يرفع من وتيرة مجازره وجرائمه، وكثَّف مع الغارات الجوية القصف للأهالي بالدبابات والمدفعية، واستهدف بعملية اغتيال غادرة إجرامية أبناء وأحفاد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، الأخ المجاهد العزيز/ إسماعيل هنية “حَفِظَه اللَّه”، حيث استشهد سبعة من أبنائه وأحفاده “رَحِمَهُم اللَّه”، وإننا إذ نقدم التعازي والمباركة لأخينا المجاهد العزيز/ إسماعيل هنية، ونشيد بموقفه الإيماني والجهادي، لنشيد أيضاً بمدى التلاحم والاندماج من القيادات في الشعب الفلسطيني مع شعبهم ومجاهديهم.
أمَّا العدو الإسرائيلي فهو بمثل هذه الجريمة لا يحقق لنفسه صورة نصر؛ إنما هو رصيدٌ إضافيٌ من الإجرام، ولا هو أيضاً ينجح بالفتِّ من عَضُدِ القيادات الفلسطينية، والمجاهدين في الشعب الفلسطيني، ولا من عَضُدِ هذا المجاهد الكبير.
العدو الإسرائيلي يستمر أيضاً بممارساته الإجرامية في الإعدامات للأهالي، ويتفنن في ذلك، يتفنن بكل الأساليب القذرة، والعدوانية، والبشعة، وكذلك أثناء محاولات الأهالي للحصول على الغذاء، وبأشكال متعددة، يكثف أيضاً من اعتداءاته في الضفة الغربية، ويسعى لتهجير الأهالي في كثيرٍ من القرى في الضفة الغربية، يستمر يومياً في جرائم القتل، في جرائم الاختطاف، في جرائم اقتحام المنازل، وفي بعض القرى في الضفة يقوم قطعان المستوطنين المحتلين، ومعهم جنودٌ إسرائيليون، بالاقتحام للقرى وإحراقها، وقتل الأهالي، والسعي لتهجيرهم، والنهب لممتلكاتهم… وغير ذلك من الجرائم، جرائم الاختطاف في الضفة الغربية أيضاً مكثفة، الاختطاف للأهالي… وهكذا كل أشكال الجرائم يمارسها العدو الإسرائيلي.
في مقابل ذلك الإجرام والدمار، الذي يشارك فيه الأمريكي بشكلٍ مستمر، ولا يزال يصرُّ على منع وقف إطلاق النار، ويصرُّ على استمرار العدوان والإجرام على الشعب الفلسطيني في غزة، مع المساندة الواضحة الفاضحة أيضاً لألمانيا، وهي تقدِّم الدعم الكبير بالقذائف لقتل الأهالي، لقتل الأطفال، ألمانيا تقدِّم قذائف لقتل الأطفال في غزة، وقتل النساء في غزة، وقتل المدنيين في غزة، وتدمير المساكن في غزة، ولارتكاب جرائم الإبادة الجماعية في غزة، وتساهم فرنسا كذلك بشكلٍ واضح وفاضح، وبعض الدول الأوروبية كذلك؛ أمَّا بريطانيا تشترك مع الأمريكي حتى بطائراتها المسيَّرة. في مقابل كل ذلك، هناك صمودٌ عظيم، واستبسالٌ كبير من قِبَل الإخوة المجاهدين في قطاع غزة، في كتائب القسام، وفي سرايا القدس، وأيضاً بقية الفصائل التي تجاهد في قطاع غزة، وتتصدى بكل ثباتٍ واستبسال للعدو الإسرائيلي.
وثبات الإخوة المجاهدين في قطاع غزة من مختلف الفصائل، هو جديرٌ بالإشادة والتقدير، وهو مدرسةٌ في الصبر، والتوكل على الله، والتفاني في سبيله، وهم في تماسكهم، وفاعليتهم، وصبرهم، يقتدون ويحذون حذو أتباع الأنبياء، وأنصار الأنبياء، الذين تحدث الله عن صبرهم، وأشاد به، وجعله مدرسةً للمؤمنين في كل عصرٍ وجيل، في الآية القرآنية المباركة حيث يقول الله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}[آل عمران: من الآية146]، هكذا نجد واقع الإخوة المجاهدين في قطاع غزة: صبر، وثبات، واستبسال، وفاعلية، واستمرارية، بالرغم من حجم المعاناة الكبيرة جداً، {فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا}؛ ولذلك فهم في صبرٍ عظيم، جديرٍ بالإشادة، وتماسكهم، وثباتهم، واستمراريتهم، وفاعليتهمـ بالرغم من حجم العدوان، وبالرغم من الظروف التي يعيشونها، والحصار الشديد، هو نصرٌ بحد ذاته، وفعلاً نصرٌ واضح، وإلَّا حجم الأحداث والظروف صعب جداً، يستمرون في القتال للعدو بكل أنواع السلاح المتوفر: بالقناصة، بمدفعية الهاون، بالعبوات الناسفة، وحتى بالرشقات الصاروخية، شاهدنا عدة فيديوهات لرشقات صاروخية نفَّذتها سرايا القدس، والفصائل الفلسطينية باتجاه العدو الإسرائيلي، فيما يسمى بغلاف غزة.
فهذا الصمود، وهذه الفاعلية، وهذا الثبات، هو شيءٌ عظيم، وبشارةٌ كبيرة، ومؤشرٌ واضح، وبشارة- إن شاء الله- على مرحلة جديدة في مستقبل الشعب الفلسطيني.
صمود الشعب الفلسطيني وتماسكه أيضاً فاق حتى توقعات الأعداء، الأعداء الذين كانوا يراهنون بذلك الإجرام الفظيع على كسر إرادة الشعب الفلسطيني، ويأملون النجاح في تهجيرهم من قطاع غزة بالكامل، ففشلوا في ذلك، وذُهِلُوا من حجم الصمود والتماسك للشعب الفلسطيني.
فيما يتعلق بجبهات الإسناد والمناصرة للشعب الفلسطيني، ففي مقدِّمة التطورات المتعلقة بذلك، يأتي الرد الإيراني في عملية الوعد الصادق، وهنا فيما يتعلق بهذه العملية عدة نقاط، نتحدث عنها باختصار:
أولاً: ما قبل الرد الإيراني، كان هناك مساعٍ حثيثة، ومحاولات مكثفة للسعي لإعاقة الرد، واحتواء الرد الإيراني، محاولات ألَّا يأتي الرد أصلاً، وقُدِّمت حتى عروض وإغراءات للإيرانيين، في محاولة لثنيهم عن الرد؛ لأن الأعداء يقلقون في هذه المرحلة من أيِّ موقف يفيد الشعب الفلسطيني، ويمثِّل إسهاماً في دعم الشعب الفلسطيني، فهم يقلقون في هذه المرحلة من أيِّ شيء يحصل ضد العدو الإسرائيلي، يريدون أن يبقى العدو الإسرائيلي متفرِّغاً، وهادئاً، وسليماً من أي قلق، ومن أي خطر؛ لينفرد بالشعب الفلسطيني، وينفِّذ جرائمه بشكلٍ يومي، ويسعى لتحقيق أهدافه الفاشلة، والخائبة، والخاسرة، وهو في مأمن من أي موقفٍ من هنا أو هناك، وللأسف الشديد حتى البعض من الدول العربية كانت تسعى لذلك، والكل يتحرك تحت عنوان: (السعي لمنع التصعيد في المنطقة)، حتى لا يتَّسع الصراع والتصعيد في المنطقة، التصعيد والخطر والصراع هو بما يفعله العدو الإسرائيلي في قطاع غزة، ليس هناك أي حل يسهم في الاستقرار في المنطقة بشكلٍ صحيح، إلا وقف العدوان والحصار على غزة، وإنهاء العدوان على الشعب الفلسطيني، لا يمكن أن يكون هناك استقرار والعدو الإسرائيلي محتلٌ لفلسطين، ومرتكبٌ لجرائم الإبادة في غزة.
فما قبل الرد كان هناك محاولة من قبل أمريكا والمرتبطين بها لاحتواء الرد، قدِّمت إغراءات، وقدِّمت أيضاً عروض كثيرة على الإخوة الإيرانيين، محاولات إمَّا لثنيهم عن الرد، أو على الأقل: لإضعاف مستوى الرد، أن يكون رداً محدوداً، أو ألَّا يكون من الأراضي الإيرانية، أو أن يكون فقط في خارج فلسطين، محاولات إمَّا للثني عن الرد، أو لإضعاف مستوى الرد (في هدفه، وفي انطلاقته).
ثم ما بعد ذلك كان هناك أيضاً ترتيبات واسعة للتصدي للرد الإيراني، ونشطت أمريكا في ذلك، هي قائدة العمليات في عملية التصدي للرد الإيراني، الأمريكي قاد الموقف، وتحرك ومعه دول أوروبية، مجموعة من الدول الأوروبية، واعترف بعضها بذلك، والبعض من الدول العربية، وهذا مؤسف جداً، مؤسفٌ جداً أن تقوم دول عربية بحماية العدو الإسرائيلي، وتسعى لحمايته، هذا شيء مؤسف جداً، وجريمة- في نفس الوقت= جريمة ضد الشعب الفلسطيني! فعمل الأمريكي مجموعة ترتيبات وإجراءات؛ بهدف منع الرد الإيراني، أو التصدي له، عمل سبعة أحزمة وطبقات في التصدي للرد الإيراني، والاعتراض للصواريخ والمسيَّرات، التي تستهدف العدو الإسرائيلي.
مع ذلك كان الرد قوياً، سواءً من حيث الزخم، الكم، الكيف، استخدام صواريخ بالِسْتِيَّة، صواريخ مجنَّحة، طائرات مسيَّرة متطورة، بما تمتلكه جمهورية إيران الإسلامية من إمكانات وقدرات عسكرية ضخمة ومتميزة، الرد كان قوياً، ومن الأراضي الإيرانية، وهذا أيضاً مما أقلق العدو، وكان يسعى العدو أن يحاول أن يصرف الجمهورية الإسلامية عن هذا الأسلوب في الرد، ألَّا يأتي من الأراضي الإيرانية، وألَّا يكون بهذا الزخم، وبهذا الكم، وألَّا يكون إلى أهداف في فلسطين المحتلة، كان العدو الإسرائيلي يريد أن يبقى آمناً في فلسطين، لا يُستهدف هناك، فلتستهدف له قنصلية في بلد عربي، أو بلد هنا أو هناك، دون أن تستهدف قواعد عسكرية، فكان الاستهداف من الأراضي الإيرانية، بكمٍ ضخمٍ من: الصواريخ، والمسيَّرات، وأسلحة وقدرات عسكرية مهمة، وإلى قاعدة عسكرية من أهم القواعد العسكرية التي بحوزة العدو في فلسطين المحتلة، الرد بذلك الشكل- وإلى أهداف أخرى- كان رداً مهماً، وقوياً، ولأهداف مهمة.
شارك المحور أيضاً في الرد من مختلف الجبهات المساندة؛ لأنها مثَّلت بالفعل فرصة مهمة لاستهداف العدو الإسرائيلي، في مقابل إمكانات الأعداء من الأمريكي والإسرائيلي، ومن يتعاون معهم، إمكانات الاعتراض والرد، فكانت فرصة أن تكون عملية موسَّعة، ومن جبهات متعددة.
العملية في أهميتها: أنها ثبتت معادلة الرد على العدو الإسرائيلي، في مقابل مسعى العدو وشركائه لفرض قاعدة الاستباحة لأمتنا الإسلامية بكلها، في العالم العربي وغيره، العدو الإسرائيلي اعتاد منذ عقودٍ من الزمن، منذ عشرات السنين، أن يضرب دولاً عربية، دولاً من المسلمين، ولا ترد على اعتداءاته، حصل هذا، حصل في العراق، حصل في السودان، حصل في دول عربية متعددة، أن يضرب فيها العدو الإسرائيلي أهدافاً- هذا منذ عشرات السنين- ولا يجرؤ أحدٌ على الرد عليه عسكرياً؛ إنما في أغلب الأحوال شكوى، في بعض الأحيان تُقدَّم إلى الأمم المتحدة، أو إلى مجلس الأمن، فتثبيت معادلة الرد عسكرياً بقوة، هذه مسألة مهمة جداً، في مقابل مسعى العدو أن تبقى معادلة أو قاعدة الاستباحة، أن تكون الأمة الإسلامية في كل البلدان (في العالم العربي وغيره) مستباحة للعدو الإسرائيلي، يفعل ما يشاء فيها دون ردٍ عليه، وأيضاً تثبيت قواعد الاشتباك، أنه إذا اعتدى؛ يتم الرد عليه بشكلٍ قويٍ وحاسم، وأنه لن يبقى اعتداؤه دون رد، وهذه مسألة مهمة جداً.
بعد فشل الأعداء من احتواء الرد، أو ثني الإخوة في الجمهورية الإسلامية عن الرد، وبعد عجزهم في عملية التصدي للرد الإيراني عن وصول صواريخ وضربها لأهداف عسكرية، اتجهوا للتشويه، وللتقليل، التقليل من الموقف، حاولوا أن يقللوا من الموقف، وأيضاً التشويه للموقف، على مستوى التقليل من الموقف: حاولوا أن يصوِّروا الموقف وكأنه موقفاً لا أثر له، ولا أهمية له، وأنهم قد قاموا بالتصدي له بنجاح، ولكن ما ذكرناه عن فرض معادلات مهمة جداً، معادلة الرد، عن تثبيت قواعد الاشتباك، هذا له أهمية استراتيجية، وهذه مسألة واضحة.
وأيضاً أنَّ المسألة ليست مسألة عارضة، ولحادثٍ واحد، أصبحت هذه قاعدة في التعامل مع العدو الإسرائيلي، وهذه مسألة مهمة، وهو يعترف عن طريق بعض خبرائه، بعض وسائل إعلامه بذلك؛ بينما حاول على المستوى الإعلامي أن يشوش على الموقف، وأن يقلل من أهميته،
المنطق الإسرائيلي ابتدأ هو يتحدث للتقليل من الموقف؛ لأنه قد حاول في البداية أن يحول دون الموقف مع شركائه من الأمريكيين والأوروبيين، وبعض الدول العربية، لكنه فشل، بعدها حاول أن يقلل من أهمية الموقف، ومن تأثيره، لكن أهمية الموقف واضحة، الشعب الفلسطيني ولأول مرة شاهد مشهداً رائعاً: العدد الكبير من الصواريخ وهي تنهمر لاستهداف العدو الإسرائيلي، في القواعد التي على أرض فلسطين، ومشهد فرح وابتهاج الشعب الفلسطيني وهو يشاهد تلك المشاهد الرائعة جداً، نُشرت في مواقع التواصل الاجتماعي، كم كانت فرحة الشعب الفلسطيني، وهو يرى من يجرؤ على أن يستهدف العدو الإسرائيلي بذلك المستوى من الاستهداف، وبتلك الإمكانات، الجمهورية الإسلامية لها إمكانات وقدرات عسكرية ضخمة، المشهد سواءً في الضفة الغربية، وحتى في القدس، مشهد مبهج، يسرُّ قلوب المؤمنين، ويغيظ الكافرين والمنافقين.
للأسف الشديد قامت بعض وسائل الإعلام العربية بالتحرك ضد هذه العملية من الرد بنفس المنطق الإسرائيلي، بنفس منطق [نتنياهو]، وهذا شيء مؤسف، أن يتحول منطق [نتنياهو] إلى موجِّه لبعض وسائل الإعلام العربية، فتتحدث على أساس ما قاله [نتنياهو]، بنفس التعليق، بنفس الموقف، ويأتي المعلقون، وتأتي السياسة الإعلامية لتعتمده كموجِّه، هذا شيء مؤسف، نفس المنطق الأمريكي، والمنطق الإسرائيلي!
ثم أيضاً حاولوا أن يفصلوا الرد الإيراني عن الموقف الفلسطيني، والقضية الفلسطينية، ومساندة الشعب الفلسطيني، وهم يتنكَّرون لحقائق معروفة وواضحة، من أكبر ما يعادي عليه الذين يعادون الجمهورية الإسلامية في إيران، هم يعادونها بالدرجة الأولى سواءً على مستوى الموقف الأمريكي، الموقف الإسرائيلي، بعض الدول الغربية، وحتى بعض الدول العربية، والعنوان الأبرز في المشكلة مع الجمهورية الإسلامية، هو: دعمها للشعب الفلسطيني، وللفلسطينيين، للمجاهدين في فلسطين بالتحديد، بالإمكانات، ومنها: الإمكانات والقدرات العسكرية، وهذه نقطة خلاف كبيرة جداً للأمريكيين والإسرائيليين والأوروبيين مع الجمهورية الإسلامية، موقفها في دعم الشعب الفلسطيني، وهذا الموقف الذي يأتي فيه الدعم العسكري، الدعم السياسي، الدعم الإعلامي… الدعم بكل أشكاله، فهو يمثل قضية ومشكلة أساسية ما بين الأمريكيين والإسرائيليين ومن معهم، وبين الجمهورية الإسلامية، هذه حقيقة واضحة.
مستوى دعم ومناصرة الجمهورية الإسلامية في إيران للشعب الفلسطيني، إلى درجة أنَّ الأعداء حاولوا أن يحوِّلوا القضية الفلسطينية إلى قضية إيرانية؛ لتميز الجمهورية الإسلامية في مستوى دعمها للشعب الفلسطيني مقارنة بغيرها من الدول، على مستوى الدول العربية، أو غيرها، فحاولوا أن يصوِّروها وكأنها قضية إيرانية، وهذا شيء معروف في أدبياتهم الإعلامية، يحاولون أن يصوِّروا القضية الفلسطينية وكأنها قضية إيرانية، لا تعني العرب بشيء، في مستوى التبني الإيراني للقضية الفلسطينية، والدعم للقضية الفلسطينية؛ ولهذا دخلوا في مشاكل مع الجمهورية الإسلامية، وأتت عمليات، وعمليات مضادة… وهكذا.
ثم أيضاً من الواضح أنَّ هذه العملية تمثل دعماً مفيداً ومباشراً للشعب الفلسطيني، وللمجاهدين في قطاع غزة، وهذه مسألة واضحة، بل لو تأتي أي دولة لتفتح لها في هذا التوقيت مشكلة مع العدو الإسرائيلي؛ لمثَّل ذلك دعماً مفيداً للشعب الفلسطيني، ولكان له فائدة وأثر لخدمة الشعب الفلسطيني، ولمصلحة المجاهدين في غزة، إذا كان فيما يقال في الحكم: (عدو عدوك صديقٌ لك)، فما بالك بما يأتي من جانب من هو صديقٌ، وشقيقٌ، ومناصرٌ، ومعاضدٌ، ومعينٌ، ومتبنٍ لقضيتك، وداعمٌ لقضيتك، أن يأتي منه شيء ضد عدوك بشكلٍ مباشر، وهو الذي يقف إلى جانبك، وهو يدعمك، وهو يؤيد موقفك، ويساندك سياسياً وإعلامياً… وغير ذلك، في هذه المرحلة أي عمل ضد العدو الإسرائيلي، هو يفيد لصالح القضية الفلسطينية، ولصالح المجاهدين في غزة، ولصالح الإخوة والأهالي في غزة.
فهذا على مستوى الموقف الإيراني، كانت فرحة الشعب الفلسطيني كبيرة، كان رعب الصهاينة واضح، ذعرهم، صراخهم، صراخ جماهيرهم، كان واضحاً، والآن إذا قام العدو الإسرائيلي بالرد، الجمهورية الإسلامية أعلنت أنها سترد بشكل أقوى، ولو حصل ذلك أيضاً سيكون في مصلحة الشعب الفلسطيني.
على مستوى جبهة حزب الله، كذلك هي في هذين الأسبوعين كانت في تصعيد واضح، وتأثيرها على العدو مستمر، ومتزايد، ويطال وضعه في شمال فلسطين عسكرياً واقتصادياً… وغير ذلك.
جبهة العراق مستمرة، وأسهمت أيضاً في عملية الوعد الصادق.
جبهتنا في اليمن الميمون، يمن الإيمان والجهاد والفتوح، يمن الرجولة والوفاء والشهامة، بلغت عمليات الإسناد خلال أسبوعين (أربعة عشر عملية)، في البحر الأحمر، في البحر العربي، وخليج عدن، وباب المندب، وصولاً إلى المحيط الهندي، أصبح جزء من العمليات في المحيط الهندي، وكذلك في جنوب فلسطين المحتلة ضد أهداف للعدو الإسرائيلي، نُفِّذت هذه الأربعة عشر عملية، بـ (ستة وثلاثين) صاروخاً بالِسْتِيّاً ومجنَّحاً ومسيرة، وتم استهداف (ثمان سفن) مرتبطة بالأعداء، ويصل إجمالي السفن المستهدفة إلى (ثمانيةٍ وتسعين) سفينة، قربت لتصل من المائة سفينة، وإن شاء الله تصل، العمل مستمر، والعمليات مستمرة.
تأثير العمليات- بحمد الله- كبير، وناجح، وانسحبت في هذه الأسابيع عدة قطع بحرية من البحر الأحمر، وهذا شيء مفيد، وشيء مهم، وكل المنسحبين يتحدثون عن فاعلية هذه العمليات، عن تأثيرها، عن شدتها، ويتحدثون عنها بما يدل على قوتها وفاعليتها، وهذا جيد، ونحن نؤكِّد للكل: سواءً للأمريكي، أو البريطاني، أو من يريد الأمريكي أن يورِّطه، أنه لا يمكن أبداً لأحد أن ينجح في إيقاف هذه العمليات التي يقوم بها بلدنا إسناداً للشعب الفلسطيني في غزة، وللضغط لإيقاف الحصار على الشعب الفلسطيني في غزة، وإدخال الغذاء والدواء إليه، وإيقاف العدوان عليه، لا يمكن لأحد لا بعمليات مضادة، من خلال القصف على بلدنا، كما يفعله الأمريكي والبريطاني، ونحن في الشهر الرابع منذ بداية عدوانهم على بلدنا إسناداً منهم للعدو الإسرائيلي؛ ليستمر في جرائمه في غزة، وليستمر في تجويع الشعب الفلسطيني في غزة، ولا من خلال أن يحشد البعض فرقاطات، وسفن حربية، ومعدات حربية إلى البحر- كذلك- مجاملة للأمريكي، وسعياً لاسترضاء الأمريكي، ليس من مصلحة أحد أن يفعل ذلك، موقفنا واضحٌ تماماً منذ البداية، وكررناه كثيراً.
لا خطر على الملاحة التابعة للدول الأوروبية، التي لا تتجه إلى العدو الإسرائيلي، لا خطر عليها أبداً، لتمر بأمان وسلام، طالما لم تتجه إلى العدو الإسرائيلي، ولم تشارك في العدوان على بلدنا، ونحن نؤكد هذا ونقول: من مصلحتكم أن تسحبوا قطعكم التي تكلِّفكم كثيراً، وتدخلكم في مناوشات لصالح الأمريكي، وأعباء: أعباء مالية، ومخاطر كذلك، من دون حاجة إلى ذلك، ولا مبرر لذلك أصلاً، من خلال تنسيق أي دولة أوروبية، أو أي دولة أخرى في شرق الأرض وغربها، مع بلدنا، تستطيع أن تعبر من دون أي استهداف من بلدنا، التأثير الوحيد للازدحام بالقطع الحربية البحرية العسكرية في البحر الأحمر، هو تأثير على أمن الملاحة، على سلامة الملاحة، وعبور السفن؛ ولذلك العدو يعترف بالفشل، خسائره أيضاً الاقتصادية مع الكلفة لما يقوم به في البحر، خسائره الاقتصادية كبيرة؛ لأن الأمريكي ورَّط نفسه، والبريطاني ورَّط نفسه، خسائر الإسرائيلي مستمرة في التصاعد؛ نتيجةً لمنع سفنه من العبور، والسفن المرتبطة به، والتي تذهب بما تذهب به إليه، خسائره مستمرة في التصاعد، ووصلت إلى مستوى كبير بحمد الله، خسائر الأمريكي كذلك، وخسائر البريطاني كذلك، وخسائر الدول التي تورِّط نفسها في هذه الأعباء كذلك تتصاعد، خسائرهم في التأمين على النقل، والشحن البحري، والكُلَف المرتبطة بذلك، وتزايد وارتفاع الأسعار نتيجةً لذلك، وكذلك من يتحولون عبر طرق أخرى بعيدة ومكلِّفة، ويحتاجون إلى إضافة كُلف مالية كبيرة على التأمين لصالح شركات النقل البحري، كلفهم كبيرة، ثم ينعكس ذلك على الأسعار في بلدانهم.
الحل لمصلحة الجميع، هو: إنهاء الحصار على الشعب الفلسطيني في غزة، هو وصول الغذاء والدواء إلى الشعب الفلسطيني في غزة، ومن حقه ذلك، من حقه الثابت المعترف به، من حقه أن يحصل على الغذاء والدواء، وألَّا يمنع عنه الغذاء، أن تنتهي تلك الحالة الشنيعة جداً من التجويع للشعب الفلسطيني، التي هي عارٌ على المجتمع البشري بكله.
عملياتنا مستمرة، ولا خيار للآخرين إلَّا وقف العدوان على غزة، وإنهاء الحصار، وعملياتنا فاعلة.
فيما يتعلق بالأنشطة الأخرى: بحمد لله استمر شعبنا العزيز في شهر رمضان المبارك بخروجه المليوني الأسبوعي، وفي الأسبوع الأخير كان خروجاً عظيماً جداً ومتميزاً، وتحدثنا: أننا فيما بعد شهر رمضان المبارك سنواصل المشوار إن شاء الله، ومن المهم جداً بعد شهر رمضان المبارك، بل إنَّ الثمرة المرجوة لشهر رمضان المبارك في صيامه، وقيامه، وأثره التربوي والروحي والإيماني، وأثر التقوى، أن نكون أكثر إحساساً بالمسؤولية تجاه معاناة الشعب الفلسطيني، الذي كلما طالت الفترة؛ زادت معاناته، آلامه، أوجاعه، تضحياته، جوعه، كلما زادت الفترة؛ أن نزداد إحساساً بالمسؤولية، أن نسعى إلى فعل ما هو أكثر، وهذا ما نحرص عليه على المستوى العسكري، ولابدَّ أيضاً أن يوازيه، وأن يواكبه التفاعل الشعبي، على مستوى الخروج الأسبوعي؛ لأننا في شهر رمضان المبارك والإنسان يقرأ القرآن الكريم، يستشعر المسؤولية، يدرك أهمية الجهاد في سبيل الله، ماذا يعني له بالنسبة له في دينه، أهمية الموقف حتى على مستقبله في الآخرة، يقرأ في القرآن قول الله تعالى: {لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[التوبة: 88-89]، هذه هي طريق الجنة، طريق الفلاح في الدنيا والآخرة، أسوتنا وقدوتنا هو رسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم”، هو القدوة والأسوة، {جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ}، طريق الجنة، طريق الفوز العظيم، طريق الفلاح، والنجاح، والعزة، والقوة، وطريق النصر، وطريق أن يكون هناك حُريَّة بكل ما تعنيه الكلمة، هو: بالاستمرار في حمل راية الجهاد، والتحرك الفاعل، والعمل النشط، لا مجال للكسل، للملل، للتنصل عن المسؤولية، هذا ليس من شأن أي إنسانٍ مؤمن تزوَّد بالتقوى، وازداد إيماناً، وازداد وعياً وبصيرةً، من خلال صلته بالقرآن الكريم، بآيات الله، من خلال بركة وآثار الأعمال الصالحة، من: صيام، وقيام، وصدقات… وغير ذلك من الأعمال الصالحة؛ ولذلك فالمطلوب هو الاهتمام بكل الأنشطة، والاستمرار في تكثيف نشاط التعبئة، هي من أهم المسارات، وكذلك في الخروج المليوني الأسبوعي، الذي هو مهم جداً في هذه المعركة، وهو أيضاً ميسَّر ومتاح، ليست مسألة معقَّدة، الخروج في يوم الجمعة للإسهام في هذه المعركة عمل ميسَّر، عمل متاح، عمل عظيم، عمل مهم في معركة مهمة.
ولذلك أدعو شعبنا العزيز (يمن الإيمان) أن يجسِّد يوم الغد– إن شاء الله- يوم الجمعة، أن يجسِّد مقولة رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ” في أجداده الأنصار: ((تكثرون حين الفزع، وتقلُّون عند الطمع))، أن يكثر براياته، وأن يحضر إلى الساحات في مختلف المحافظات، وفي صنعاء في ميدان السبعين، في خروجٍ مليونيٍ واسعٍ جداً، يترجم فيه وفاءه، ثباته، استمراريته، نشاطه، فاعليته، قوة إيمانه، وليعبِّر أيضاً دائماً للشعب الفلسطيني أنه لن يتخلى أبداً عن موقفه في نصرته، في الوقوف معه، في الثبات على هذا الموقف، لا مع طول وقت، ولا مع حجم ضغوط، ولا مع مستوى أي أحداث، هو شعبٌ صامدٌ ثابت، يتجه لأن يكون موقفه بالمستوى اللائق به في إيمانه، في وعيه، في بصيرته، في شهامته، في قيمه، في أخلاقه.
أدعو الجميع إلى الحضور- إن شاء الله- حضوراً كبيراً في الساحات المعتمدة، حسب الإجراءات المعتمدة أيضاً، والترتيبات المعتمدة.
وَأَسَألُ اللَّهَ أَنْ يَكتُبَ أَجْرَكُم، وَأَنْ يُوَفِّقَكُم، وَأَنْ يُبَارِكَ فِيْكُم، وَأَنْ يَنصُرَ الشَّعبَ الفِلَسطِينِي وَمُجَاهِدِيه نَصراً عَزِيزاً.
أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَنصُرَنَا بِنَصرِه، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهَدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ بِعَاجِلِ الفَرَجِ عَنْ أَسرَانَا.
وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛