هل اليمن بيتنا؟
هل اليمن بيتنا؟
يمني برس- بقلم د.عبدالعزيز البغدادي
إلى القوى والأحزاب والمكونات السياسية ومنظمات المجتمع المدني وكل من يطلق عليهم النخب الثقافية والسياسية وغيرها أقول: بمحبة وحزن وأسىً وغضب وتوتر وهدوء واطمئنان وكلما يشعر به أي إنسان تعرض وطنه لبعض مما تعرض ويتعرض له اليمن على يد بعض أبنائه وإخوانه وجيرانه أو المحسوبين كذلك ممن يشاركونه الحياة على هذا الوطن الذي يئن من أشكال الظلم والاستبداد والطغيان المتوحش بمذاهبه ونزعاته الشريرة وعانى من ويلاتها ما يعجز اللسان عن وصفه.
هل يعقل أو يُتَصور أن تصل حالة تبلد المشاعر والأحاسيس إلى هذه الدرجة من اللامبالاة إزاء ما تعرضت وتتعرض له اليمن على أيدي من يفترض أنهم أبناؤها وموكليهم من الجيران الأعراب الذين يسخر وكلاؤهم وياللعجب من بداوتهم باللسان وهم في الواقع تحت نعالهم مقابل أجر حقير عن هذه العبودية المختارة يتقاضونه من ثروات وطنهم المستباح، وبعضكم يعرف المثل الذي يضرب فيمن يدفع لمن يستعبده أجر استعباده أو ما هو أفظع من الاستعباد، وعجائب العبودية المختارة لا تحصى !.
أيها الأعزاء: دول كثيرة أسست أحزاباً ومنظمات ومؤسسات سياسية ومدنية بعنوان: (ألمانيا بيتنا – أمريكا بيتنا – فرنسا بيتنا – إيطاليا – تركيا- إلى آخر قائمة الأوطان التي يرى أبناؤها أو يحلمون بدفء البيت وهم يقصدون الوطن لأن الوطن فعلا هو البيت الذي لا تشبه دفؤه البيوت إذا بني على المحبة والإخلاص وصدق الانتماء وأقيمت أسسه وقواعده على العدالة والحرية والمساواة.
ولكن لا يوجد بين الدول من يشبه الكيان الصهيوني الذي أسس به حزب على أرض مغصوبة يسميها غاصبوها: (إسرائيل بيتنا)، ففلسطين في التأريخ الحديث هي فلسطين، وهي أرض كنعان منذ آلاف السنين، والعبرة بالمسميات وعلاقة المواطنة.
هذا ليس ما أريد التوسع في الحديث عنه هنا، إنما أردت الإشارة إلى أن الدولة التي أنشأها البريطانيون والأوربيون بجلب اليهود من بقاع الأرض لتحتل فلسطين وتسميها (إسرائيل) ليست دولة طبيعية ولو عمل مغتصبوها ليل نهار على إيهام العالم بأن حق الفلسطينيين في وطنهم باطلاً وباطل احتلالهم حقاً!!.
اليهود الفلسطينيون لا شك أنهم جزء من أرض وشعب فلسطين، ولا يستطيع أحد إنكار حقيقة كون حق الانتماء للهوية الوطنية من الحقوق الطبيعية التي لا توهب ولا تسلب بقرار سياسي لأن من يصدر القرار السياسي في دولة المواطنة مجرد مواطن، المواطنة تثبت بالانتماء للأرض، أما أن يتأسس حزب باسم: (إسرائيل بيتنا) فهدفه محاولة شرعنة العنصرية كأساس لبناء دولة وهو عمل سياسي غير قابل للبقاء شأنه شأن أي عمل عنصري في أي جزء من العالم.
(إسرائيل بيتنا) حزب يقوم على معنى ديني والدين عقيدة والعقيدة تقوم على الحرية وغير قابلة للتوريث لأن توريث العقائد ينافي حرية العقيدة (لا إكراه في الدين، من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر – أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) إكراه الناس على اعتناق عقيدة أو مذهب ديني أو فكري ينافي العدالة الدينية والقانونية والأخلاقية ويغذي ثقافة الكراهية لأن الحرية والعدالة مرتكز الحياة المدنية والإنسانية السوية.
وإذا قلنا مثلاً: (اليمن بيتنا) كإطار عام فإن هذا الإطار يجب أن يقوم على احترام التعدد والقبول بالتعايش ليس كخيار أخلاقي وإنما كالتزام قانوني يترتب على مخالفته المسؤولية المدنية والجنائية حماية لمبدأ التعايش الواجب، وسلطات الدولة أي دولة حقيقية هي المخولة بالإشراف على الحماية وتطبيق قواعد احترام مبدأ سيادة القانون بتفاصيله، ومثلما أن اليمن بيت جميع اليمنيين فإن فلسطين بيت كل الفلسطينيين بمختلف عقائدهم وانتمآتهم ويتمتعون كبقية بلدان العالم بكامل الحقوق المدنية والسياسية.
ومن حق أي جماعة سياسية إنشاء حزب بهذا الاسم طالما كان برنامجه السياسي خال من أي أفكار عنصرية تمس حرية العقيدة أو تدعو إلى أي نوع من أنواع العصبية والانغلاق أو تحرض على الإرهاب المادي أو المعنوي أو الفكري أو تسعى إلى المساس بالدستور ومبدأ التداول السلمي للسلطة واحترام سيادة القانون.
(اليمن بيتنا) يفترض أن يكون عنوان كل نشاط سياسي وطني يقوم على التمييز بين الحق العام للمجتمع والحق الخاص للفرد الذي يلتزم بعدم التعدي على حق غيره.