فلسطين.. (هرتزل) والحلم الاستعماري
بعد مؤتمر (بازل) في سويسرا الذي ترأسه الصهيوني (هرتزل) المدفوع من القوى الاستعمارية الغربية وأمريكا وضعت أمام المؤتمرين عدة خيارات للوطن القومي للصهاينة منها كالفورنيا الأمريكية وجنوب أفريقيا وثالث كان في أمريكا اللاتينية، وأثناء ما كان هرتزل مسافراً على متن أحد القطارات بين ألمانيا والنمسا، صادف في القطار أحد رجال الأعمال الألمان الذي تحاور مع هرتزل واقترح عليه أن تكون (فلسطين هي الوطن البديل لليهود)، لما لها من إرث تاريخي وارتباط ديني، لحظتها اضطر (هرتزل) لمغادرة القطار والعودة إلى ألمانيا ومنها إلى لندن، طارحا الفكرة على أحد أفراد أسرة (روتشيلد) الذي بدوره نقل الفكرة لكبار المسؤولين البريطانيين، الذين استحسنوا الفكرة وأعطوها بعدا آخر، وهو البعد الاستعماري بأهدافه الجيوسياسية، في تأمين مصالح بريطانيا تحديدا – التي كانت حينها قد خطت خطوة نحو مصالحة أوروبا وإيقاف عجلة العنف والصراعات داخل الجغرافية الأوروبية – وأن يكون الكيان المزعوم إنشاؤه بمثابة الحارس للمصالح الاستعمارية ناهيكم عن أنه سيشكل حاجزا جغرافيا يحول دون التقاء الجغرافية العربية، وسيعيق فكرة وحدة العرب إن فكروا يوماً بالتوحد وإعادة دولة الخلافة، إلى جانب إعطاء الكيان الجديد في المنطقة مهمة استعمارية عضوية ووظيفية ترتكز وتتمحور في حماية المصالح الاستعمارية في المنطقة ويكون هذا الكيان بمثابة قاعدة عسكرية للاستعمار في قلب الوطن العربي يفصل الجغرافية العربية ويعزل المشرق العربي عن المغرب العربي، وبهذا تضمن أوروبا الاستعمارية والغرب عدم قيام كيان عربي موحد يتصدى لمخططاتها الاستعمارية، سواء تحت راية (الوحدة العربية) أو راية (الخلافة الإسلامية)، إضافة إلى جعل هذا الكيان حارسا للتمزق العربي وراعيا للصراعات بين المكونات العربية مذهبياً وطائفياً وانعزالياً وفرض كل عوامل التخلف داخل المجتمعات العربية، فيما تعزز قدرات الكيان الدخيل ليكون بمثابة القوة الضاربة في المنطقة ومنحه كل مقومات السيطرة والنفوذ والتفوق بكل صوره على دول المنطقة، لكن وقبل الإفصاح عن هوية الكيان ودوره وعلاقته بالمحاور الاستعمارية، كان على القوى الاستعمارية العمل على إيجاد أنظمة وظيفية وربط وجودها استراتيجياً وديمومتها بديمومة وجود الكيان المزمع إنشاؤه، وهكذا تزامن وعد (بلفور) المشؤوم مع اتفاقية (سايكس -بيكو) وتأسيس (نظام آل سعود) ومنحه السيطرة علي المقدسات الإسلامية في (مكة والمدينة) وإزاحة (الشريف حسين) عنهما بعد مذابح ارتكبها أتباع بن سعود، مذابح ربما فاقت بوحشيتها أو تماهت مع المذابح الصهيونية بحق أبناء فلسطين في (دير ياسين وكفر قاسم) ..
عملت بريطانيا التي كانت تستعمر وتحتل غالبية أجزاء الوطن العربي على إعادة هيكلة الجغرافية العربية بما يتسق مع مصلحة الكيان المزمع تأسيسه على الجغرافية العربية في فلسطين.
وفيما كانت الجاليات اليهودية في أوروبا تمثل حالة قلق وإزعاج للمجتمعات الأوروبية، وكانت رغبة المجتمعات الأوروبية تتصاعد في التخلص من الكانتونات اليهودية، ومع انهيار الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى بدأ المخطط الذي مولته أسرة (روتشيلد اليهودية البريطانية) التي أسست الوكالة اليهودية وكلفتها بتنظيم حركة الهجرة اليهودية إلى فلسطين وتواطؤ بريطاني استعماري، إلى جانب تحمس (الشيوعيين الروس) الذين كانوا يخططون لقيام مجتمع شيوعي نموذجي في فلسطين يمثل رؤيتهم في إنشاء النموذج الشيوعي لمجتمع الطبقة العاملة النقي من الأفكار الرجعية والثقافة الاستعمارية..
استغلت الوكالة اليهودية والقائمون عليها هذا النزوع لدى أركان الثورة الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي، فعملت على استقطاب الرموز اليهودية في مفاصل الحزب الشيوعي السوفييتي ودفعتهم لتأسيس مجموعة شيوعية بين اليهود المهاجرين لفلسطين، في ذات الوقت الذي راحت فيه هذه المنظمة تشكل مجاميع يهودية بنمط العصابات المسلحة، فتشكلت مجموعة من هذه العصابات مثل (هاجاناه.. شيترن.. إرجون.. بيتار.. بلماح)، حيث عملت بدعم وتواطؤ من الاحتلال البريطاني على ارتكاب أبشع المجازر بحق الشعب العربي في فلسطين من سكان المدن والقرى والكفور والضّيَع، مذابح بشعة ذهب ضحيتها ليس المئات من أطفال ونساء فلسطين وشيوخها، بل آلاف الضحايا، فيما أبناء فلسطين كانوا عزلاً ليس لديهم أسلحة يدافعون بها عن أنفسهم، ومن كان ميسور الحال وتمكن من شراء بندقية بدائية كان الاستعمار يصادرها ويحكم على كل فلسطيني ضبطت لديه بندقية بالسجن لسنوات..