المنبر الاعلامي الحر

جباليا تُغــرِقُ القواتِ المتوغلةَ في متاهاتها

جباليا تُغــرِقُ القواتِ المتوغلةَ في متاهاتها

يمني برس/

تأتي معركةُ (طوفان الأقصى) البطوليةُ في يومِها الـ232 من انطلاقتها؛ وقد مَثَّلت تحوُّلاً استراتيجياً، في لحظةٍ تاريخيّةٍ فارقة في تاريخ القضية الفلسطينية؛ إذ قرّرت المقاومةُ في تلك اللحظة، ومن وسط الحصار، ممارسةَ حقِّها المشروعِ في مقاومة الاحتلال، وذلك كردٍّ طبيعي على جرائمه في الضفة الغربية المحتلّة، وعلى تهويد المسجد الأقصى المبارك وتقسيمه، والسيطرة الكاملة على القدس المحتلّة، بمساجدها وكنائسها، ورداً على ما يمارسُه كيانُ الاحتلال من تمييز عُنصري ضدّ الفلسطينيين في الأراضي المحتلّة عام 1948م، وعدوانه المُستمرّ على الأسرى.

وعلى المسار الإنساني فبعد عشرين يوماً من التوغُّل في المرحلة الثامنة، أظهر الاحتلال الإسرائيلي حقيقته للعالم بأسره في سلوكه النازي، وحقّقت غزة انتصاراً عظيماً في كشف وجه الإجرام والإرهاب الحقيقي لكيانه الزائل؛ وهو ما كانت تعجز حركات المقاومة عن فعله لو جلست طوال أعوام، أمَّا على الصعيد الميداني فلا يزال أبطالُ الجهاد والمقاومة يحقّقون انتصاراتٍ ساحقةً برغم الفارق الشاسع في العديد والعتاد؛ وهو ما يمكن أن نلاحظه من خلال الموقف العام في الترتيب والاستعداد والانتشار للعدو، والذي تابعته صحيفة “المسيرة” من أكثر من مصدر.

 

تموضع العدوّ وانتشاره في منطقة العمليات الجنوبية (شرق رفح)

وتقع تحت مسؤولية الفرقة “162” التي تم ضم لواء غولاني التابع للفرقة “36” إليها بعد ما استقدم العدوّ 60 % من الاستعداد العامل على الجبهة اللبنانية إلى غزة، وينتشر خلفها خارج غلاف غزة كقوَّتَي احتياط 80 % من الفرقة “36” المدرعة والفرقة “146” اللتَين استقدمتا من الجبهة الشمالية مع لبنان، بحسب توصيفات عبرية.

 

التموضُعُ في منطقة العمليات الوسطى:

وتشملُ جغرافياً مناطق: (حي الزيتون حتى حدود الطريق رقم 10طولاً ومن شارع الرشيد حتى مستعمرة نتساريم القديمة عرضاً)، وتقع تحت مسؤولية الفرقة “99” وقد ضم إليها نسبة 80 % من لواء “الناحال” ومجموعات من الوحدة “504” التابعة للاستخبارات العسكرية ومجموعات من جهاز “الشاباك”.

 

محور العمليات الشمالية:

ويمتد جغرافياً في (جباليا + مخيم جباليا + المقبرة الشرقية + تل الزعتر+ الأطراف الغربية لجباليا من جهة الفالوجا)، وفي هذا امحور عاود العدوّ في الساعات المتقدمة من فجر الخميس الفائت، وذلك بعد فشل محاولته الكبيرة في منطقة “تل الزعتر” التي قدم فيها خسائر ملحوظة في الجنود؛ تجربة عملية تسلل جديدة شمال غرب “جباليا” من جهة حي “الفالوجا” وسوق مخيم “جباليا” وبعض الأحياء المتاخمة.

وبحسب تقارير إعلامية عبرية تابعتها المسيرة، كان الهدف من هذه العملية التي شاركت فيها مجموعة من القوات الخَاصَّة بمؤازرة مجموعات من وحدات النخبة كـ”الأيغوز” و”الماغلان” التابعتين للواء الكوماندوس “89” ووحدة سرية الأركان “سيماتي ماتكال” فضلاً عن سرايا من اللواء المظلي “35”، وكل هذا الاستعداد هدفه استطلاع الدفاعات الشمالية الغربية لجباليا بالقوة ودراسة مدى استعداد وجهوزية المقاومة على ذلك المحور.

وبناءً على المعطيات الميدانية فَــإنَّ هذا الانتشارَ الصهيوني تم كشفُه في بداياته عند حدود منتصف ليلة الأربعاء الخميس، وتم التعامُلُ معه بما يلزم وإبعادُه، وكانت منطقة تل الزعتر شمال شرق مخيم “جباليا” مسرحاً لهجومٍ كبير من لواء “كفير” واللواء “السابع مدرع”.

وكان هدفُه احتلالَ العارضَينِ الحساسَينِ جنوبه ومحاولة إيجاد ثغرة في دفاعات المخيم عند الشمال الشرقي لإنفاذ الدروع التابعة للواء السابع المدرع وما تبقى من استعدادات من ألوية الـ “35 مظلي و89 كوماندوس” إلا أن هذا الهجوم لم ينجح بفتح الثغرة المنشودة خلال 31 ساعة من القتال، حَيثُ اعترضته المقاومة بجميع أنواع أسلحتها “الياسين 105” والقناصة والاشتباكات القريبة التي أَدَّت إحداها إلى الاشتباك عند النقطة صفر مع قوة من الكتيبة “77” التابعة للواء “كفير” وقتل وجرح ما لا يقل عن 11 جندياً بينهم “نقيب ورقيب” وقتل جندي آخر من وحدة الهندسة القتالية النخبوية “الياهالوم”.

وعلى الرغم من اعتماد العدوّ على طائراته المروحية المقاتلة من نوع “أباتشي” للدعم القريب لقواته إلا أن ذلك لم يفلح؛ ما أَدَّى إلى تعطل الهجوم بعد ما بدأ أبطال الجهاد والمقاومة قتالاً تعطيلياً خلف خطوط العدوّ في محيط معبر “إيريز” وفي “بيت حانون”.

 

المحور الجنوبي (شرق رفح، معبر رفح البري، شارع فيلاديلفيا – حي البرازيل):

على هذا المحور وقبل 48 ساعة، أعلن العدوّ كذباً أنه وسَّع عملياته في عمق “رفح” إلا أن مجمل ما نفذه من عمليات هو توسيع احتلاله للطريق الحدودية عند خط معبر “فيلاديلفيا” على الحدود المصرية؛ إذ لا يوجد أيُّ تماس للعدو مع المقاومة على طول ذلك الطريق التي تستهدفه منذ بداية عملية رفح بالمدفعية الثقيلة والصواريخ من طراز رجوم و”107″ مم، وتقوم المقاومة على مدار الساعة بزرع الألغام والأشراك على تخوم ذلك الطريق، بعد أن لمست عدم اكتراث من جانب الجيش المصري الذي مس الجيش الإسرائيلي بسيادة الأرض المصرية.

وفيما أشَارَت التقارير الميدانية إلى أن الانعطافةَ الشمالية، فجر الجمعة، لقوات العدوّ باتّجاه حَيَّيْ “البرازيل” و”عثمان بن عفان” توضح محاولته قضم المربع عند طريق “العروبة” والتحضير لوقفة تعبوية ينتقل بعدها العدوّ لاجتياز طريق “العروبة” شمالاً إلى طريق “المسلخ”؛ بهَدفِ الوصول إلى “استاد رفح الرياضي” و”جامعة رفح” المتاخمة للحدود المصرية.

واعتمد العدوّ في هذا الهجوم تكتيكاً استخدمه في بداية الحرب لاجتياز منطقة “تل الهوى” باتّجاه حي “الصناعة” وأطراف حيي “الزيتون والشجاعية” الجنوبية، وكلفه ذلك التكتيك في بداية العملية البرية خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد رغم استفادته من خط إمدَاد كبير لديه من الطريق رقم 10.

مصادر ميدانية أكّـدت أن العدوّ في هذه الحالة وفي “رفح” يغامر بالدخول إلى مصيدة قد تتمكّن فيها المقاومة من الإطباق على قواته التي سيدخلها مهما بلغ استعدادها؛ لأَنَّ الجغرافيا العسكرية لتلك المنطقة تمنع العدوّ من الزج باستعدادات أكبر من كتيبة هناك، لأسباب تتعلق بعدم امتلاكه للأجناب وبسبب أن خطَّ إمدَاده الآتي من شارع “فيلاديلفيا” سيكون ضعيفاً جِـدًّا ويمكن قطعه فعلياً وبشكلٍ نهائي بمجموعات صغيرة من المقاومة، كما أن طبيعة المنطقة لا تسمح له بالمناورة جيِّدًا لا بالنار ولا بالحركة المعتمدة على الدروع، حيثُ إنه من المتوقع أن يتلقى في هذه العملية خسائر كبيرة جِـدًّا، وبات من الواضح أن العدوّ ينفذ مناورة هجومية انتحارية، حيثُ إن أجنابه الغربية والشرقية والشمالية تتحكم بها المقاومة التي يمكنها أَيْـضاً التعرض لخلفية قواته في أي وقتٍ تشاء.

 

الموقفُ القتالي والعملياتي للمقاومة في مخيم جباليا وشرقي رفح خلال الـ48 الساعة الماضية:

تشير كافة المعطيات الميدانية التي تابعتها “المسيرة”، على مدار الـ72 الساعة الماضية، إلى أن طبيعةَ القتال الذي استخدمته المقاومة في محور “جباليا” مستثمرةً عدة عوامل أبرزها؛ تميز هذه المنطقة بوجود خطوط إمدَاد قوية ومتعددة للعدو، حَيثُ تم التركيز الدائم على ضرب خطوط الإمدَاد، واستهداف مراكز القيادة والسيطرة بقذائف الهاون.

كما استخدمت المقاومة صواريخ “سام 7” لضرب طائرات الإسناد القريب من نوع “أباتشي” المروحية، و “TBG”لضرب القوى الخَاصَّة، وقنابل يدوية و”برق” و”تلفزيونية” وعبوات “صدمية” ضد جنود الاحتلال في مواقعَ مختلفة، ونفذت عملياتها مستخدمةً عدة تكتيكات، منها التسلل وراء خطوط العدوّ واستهداف القوات من الخلف، وأهمها إفشالُ تسلل من جهة حي “الفالوجا”.

ومن تكتيكاتِ المقاومة استخدام قذائف الهاون بكثافة لمنع تقدم القوات واستهداف التجمعات، واستخدام صواريخ “الياسين 105” لتدمير الدبابات والجرافات التي حاولت اقتحام المخيم، واستخدام قذائف “TBG”لاستهداف القوات الخَاصَّة والمشاة، وتفجير عبوات “شواظ”، وبالتالي الاشتباك المباشر من مسافة صفر مع القوات المتوغلة.

وكان الهدفُ الرئيسي للمقاومة في “جباليا” هو منع العدوّ من اقتحام المخيم والتحصن فيه، ما نتج عنها السيطرة على طائرات ُمسيرة إسرائيلية من أنواع مختلفة، بما في ذلك “سكاي لارك” في مناطق متفرقة، وإطلاق صاروخ “سام 7” على طائرات هليكوبتر مغيرة وإصابة مروحية من طراز “أباتشي”؛ وإذ يتكتّم الاحتلال على خسائره في العديد والعتاد ويفرض رقابةً شديدةً بشأنها، فَــإنَّ البيانات والمشاهد التوثيقية التي تصدرها المقاومة في غزة تؤكّـد أنّ صرعاه جرحاه أكبر كَثيراً مما يعلن.

 

المقاومة شرق “رفح” تفرض كماشتها على قوات العدوّ المتوغلة:

وفق المؤشرات التي يفرضها واقع الميدان، فقد اتسمت عمليات المقاومة في شرق “رفح” خلال الـ48 الساعة الماضية، بطبيعة قتال تميزت؛ لكون هذه المنطقة تشهد وبتركيز ٍعالٍ من قوات العدوّ في خط المعابر والتي تحاول جعلها انطلاقة تعبوية لقواتها، وبالتالي استخدمت المقاومة ولا تزال قذائف الهاون والصواريخ بشكلٍ كبيرٍ لضرب تجمعات جنود وآليات العدوّ، وعملت على إضعاف خط إمدَاد القوات التي تحاول التوغل عبر شارع “البرازيل” وحَـاليًّا تسعى إلى قطعه بقوات قليلة نسبياً من المقاومة.

وشهدت هذه المنطقة عمليات نشطة للمقاومة، باستخدام عبوات “شواظ” و”رعدية” ضد القوات الراجلة، وقذائف “الياسين 105″ و”تاندوم” ضد دبابات “ميركافا”، وناقلات جند “ملالات” من نوع “إم 113” الأمريكية، كما تم التركيز على استهداف العدوّ في المواقع المفتوحة وخطوط الإمدَاد، واستدراجها إلى كمائن ومناطق معدة مسبقًا.

وبحسب وسائل إعلام خَاصَّة بالمقاومة؛ فالمقاومة تستعدُّ بجهوزية عالية وانتظار العدوّ في حيي “البرازيل” و”عثمان بن عفان” و”العروبة”؛ بهَدفِ الفتك به، من خلال استخدام قذائف الهاون بكثافة على مراكز القيادة والتحكم وتجمعات الجنود، وصواريخ “107”و”رجوم” لاستهداف المواقع العسكرية والمغتصبات، إلى جانب تفعيل القنص المتخصص بقناصة العدوّ بشكلٍ دقيق، ناهيك عن تفجير حقول ألغام وعبوات ناسفة على طرق تحَرّك العدوّ.

 

غرقُ قوات العدوّ في متاهات جباليا:

فيما استطاعت المقاومةُ من الضغط على العدوّ باستخدام أُسلُـوب الكماشة ما بين رفح وجباليا، كان الهدف الرئيسي للمقاومة “شرق رفح”، إبطاء تقدم العدوّ وإلحاق أكبر قدر من الخسائر وتعطيل خطوط الإمدَاد، بعد أن غرق في متاهات لا متناهية في جباليا، حَيثُ اعتمدت تكتيكات المقاومة على نصب كمائن والاعتماد على العبوات الناسفة والألغام وَالأشراك المفخخة لتحييد الجرافات والآليات المتوغلة.

كما قامت باستدراج العدوّ إلى نقاط قتل معدة سلفاً مع التركيز على نقاط التقدم والاقتحام كأولوية، والاشتباكات الالتحامية من نقطة صفر في عدة نقاط داخل المخيم وخارجه، وباعتماد تكتيكات خداعية داخل المخيم تتضمن الالتفاف والاشتباك مع مجموعات العدوّ المستدرجة؛ بهَدفِ القضاء عليها؛ ما ساهم بعدم كشف استعدادات المقاومة المقاتلة في المدينة والمخيم إلا في النقطة الحرجة.

وبعد إدراك العدوّ الإسرائيلي الهدفَ الرئيسي للمقاومة شرق رفح هو محاولة إبطاء تقدمه وإلحاق أكبر قدر من الخسائر بعتاده وأفراده وحماية قوات المقاومة المرابطة في المخيم، أشَارَت تقارير عبرية إلى أن العدوّ سيسعى إلى التمدد شمالاً عبر حي “البرازيل”، هو الأمر الذي وصفته بـ”مغامرة كبيرة”، لكنه يهدف منها قضم مربعين والوصول إلى جامعة واستاد رفح لاستعمالهما كنقاط ارتكاز وتجميع للقوات المتوغلة.

ويغامر العدوّ من خلال التوسع شمالاً؛ بسَببِ ضعف جنباته وإمْكَانية قطع خط إمدَاده الضعيف في مؤخرة قواته بسهولة من قبل المقاومة وينذر ذلك بتعرض قواته للتطويق، وهذا نفس التكتيك استخدمه لحماية قواته الراجلة التي غرقت في متاهات جباليا.

ويرى مراقبون إلى أن إشراك العدوّ الفرقة “98” واللواء المدرع السابع ينذر بتكرار ما حصل في مدينة “خان يونس” رغم تغيير العدوّ لتكتيكه واعتماد التكتيك الأمريكي في معركتي “الفلوجة 1 و2” خلال الاحتلال الأمريكي للعراق، إلا أن بوادر فشل العملية الهجومية التي بدأها العدوّ غرب “جباليا” تنذر بأن العدوّ سيدفع من استعداده مجدّدًا لأكثرَ من فرقة؛ وهذا ما حصل لكنه غيرُ كافٍ، مما يرجح رفع استعداده مجدّدًا؛ ما يعني أنه لن ينتقلَ إلى “رفح” ولا يزال غارقاً في متاهات “جباليا”.

قد يعجبك ايضا
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com