سقط الفساد .. ماذا عن منظومته؟!
علي جاحز
لم تمر اليمن بظرف أصعب من الظرف الذي تمر به الآن ، ثورة شعبية وعدوان وحصار وفراغ سياسي ، لكن مع كل ذلك نستطيع أن نقول أن اليمن بدت عصية بصمود شعبها ووعي السواد الأعظم بخطورة الظرف وببسالة جيشها ولجانها الشعبية في المقام الرئيسي ، وهذا سيحسبه التاريخ بتفاصيله للشعب اليمني أولا وأخيرا .
وفي هذا الظرف ثمة زوايا في تفاصيل المشهد المليء بالصخب والأحداث المتسارعة، لا يسلط عليها الضوء اقصد ضوء الإعلام ومجهر الرأي العام ، وبقدر أهميتها وخطورة تأثيرها وأثرها مستقبلا ، فان بقاءها بعيدة عن التناول والاهتمام يمكن أن يجعلها كالماء الراكد الذي لا يتعرض لأشعة الشمس فيتعفن ويصبح ضارا أو في أقل الحالات غير مفيد .
هذه التفاصيل تتعلق بعلاقة العمل الثوري داخل مؤسسات الدولة وفي مرافقها العامة بديناميكية سير الحياة وديمومة استقرارها وتوازنها ، وهو ما ينعكس على صمود الناس وعطائهم في جبهات مواجهة العدوان المختلفة ، وأيضا تفويت الفرص على العدوان وأدواته في الداخل لاستغلال أي اختلال في تلك الديناميكية ليحقق إنجازا ولو إعلاميا أو سياسيا . أداء العمل الثوري أثبت بما لا يدع مجالا للنكران بأنه نجح في الحفاظ على المؤسسات الحكومية والمرافق والخدمات في حدودها المقبولة في ظل العدوان والحصار، وهذا ليس موضوعنا هنا ، لكن ليس هذا هو صلب العمل الثوري رغم أولويته التي فرضتها مرحلة العدوان والحصار ، لأن أصل مهمة اللجان الثورية الرقابية هو إحداث التغيير الذي يحقق أهداف الثورة وعلى رأس ذلك التغيير محاربة الفساد وتحسين أداء المؤسسات الحكومية وإزالة كل العوائق التي كانت تحول دون تحقيق المصالح والأولويات الشعبية .
الفساد ليس سرقة وحسب بل أيضا من ضمن الفساد المنظومة الإجرائية والقانونية التي تؤدي إلى إعاقة التغيير والتنمية ، وإضافة إلى ضرورة إسقاط الفساد ، فلا بد أيضا من تجفيف منابعه وإسقاط منظومته من الآليات والمعوقات التي تحول دون تحقيق التغيير ، أحيانا يكون الفساد عبارة عن لوائح وقوانين وآليات معينة ثابتة تمنع من أحداث أي فرق بين الناتج في أيام سلطة الفساد وفي أيام اللجان الرقابية الثورية ، بمعنى قد يكون هناك لائحة تعطي امتيازات لشريحة ما من الناس وتحرم شريحة هي أولى من تلك ، ولكنها رسمت لتخدم مصالح جهات ، او لتعيق تنمية في قطاع ما أو لتقصي كوادر وكفاءات لصالح أجندات يشتغل عليها لوبي عميل مثلا .
ولأننا نعرف جميعا ونعي أن السلطات السابقة كانت تخدم مصالح الخارج وتعيق التنمية وتشتغل على تجهيل الشعب وعدم تأهيله وعلى تمييع المشاريع وحجب الأفكار وتغييب الكفاءات و… إلخ خدمة للعدو الخارجي ، فإن من الأولوية بمكان خصوصا ضمن جبهة مواجهة العدوان أن تشتغل اللجان الرقابية الثورية على إحداث تغيير جوهري في الآليات واللوائح سواء التي تقنن الفساد أو التي تعيق التغيير والتنمية على كل المستويات .
أما أن يستمر العمل وفق تلك الآليات واللوائح التي رسمها من يفترض أن الثورة أسقطتهم ، والخوف من تغييرها وإسقاطها هي أيضا ، فان ذلك لن يغير شيء وسيكون كل جهد وتعب العمل الثوري قد ذهب أدراج الرياح ، وهو ما يحتم تسليط الضوء وتشكيل اللجان لإعادة النظر في جغرافيا العمل المؤسسي برمته ، بما من شأنه أن يحقق قفزة نوعية كبيرة في الواقع بحيث يلمس الناس التغيير ويشعرون ان ثمة ثورة أسقطت الفساد ومنظومته وأساليبه وحيله .
قد تكون هذه المساحة غير كافية لشرح وتفصيل هذه الجزئية ، لكنها بمثابة إضاءة على زوايا مظلمة في مسيرة الثورة وفي جبهة مواجهة العدوان الكبيرة والمتنوعة.