اقتراح بايدن.. استسلام للمقاومة واعتراف بالهزيمة أم !
اقتراح بايدن.. استسلام للمقاومة واعتراف بالهزيمة أم !
يمني برس/مرزاح العسل/
تباينت ردود الفعل من قِبل المُراقبين والمُحللين السياسيين وقراءتهم لـ”مقترح بايدن” بشأن صفقة وقف العدوان على غزة وتبادل الأسرى الذي قدمه مؤخرًا، بين من يراه “استسلاماً صهيونياً أمريكيا للمقاومة الفلسطينية واعترافًا بالهزيمة”، وبين من يرى ذلك “مناورة أمريكية انتخابية جديدة بعد فشل جيش العدو في تحقيق أهداف عدوانه المُعلنة”.
وفي هذا السياق قال محللون سياسيون: إنّ العرض الأمريكي جاء بهدف “الضغط على المقاومة الفلسطينية والأطراف العربية، فضلاً عن السعي الأمريكي الحثيث لتحفيز المسار التطبيعي مع دولٍ عربية، فيما رأى آخرون أنّ هذا المقترح والصفقة المفترضة “لم تأت بسبب الكرم الأمريكي السخيّ، وإنما حضرت هواجس بايدن الانتخابية بعد تيقنه بفشل نتنياهو في تحقيق أهداف العدوان على غزة، وانتصار ارادة وصمود الشعب الفلسطيني الأسطورية في غزة”.
وفي الواقع بحسب المراقبين، فإن المقترح الأمريكي المتضمن ثلاثة مراحل، لا يختلف كثيراً عن المقترح الموصوف بالمقترح المصري- القطري، والذي وافق عليه وشارك في صياغته والتعديلات عليه مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وليم بيرنز، والذي قبلته حماس والمقاومة الفلسطينية ورفضه نتنياهو وذهب الى معركة رفح لتحقيق ما يسميه بـ”الانتصار الساحق” واستعادة أسراه عبر الضغط العسكري على المقاومة.
ويبدو أن اختيار توقيت نشر “مقترح بايدن- الصهيوني”، جاء في ظل تعمُق المأزق الصهيوني الداخلي، وتزايد الانتقادات والاتهامات لنتنياهو من قبل قيادات أمنية وعسكرية ووزراء حاليون وسابقون، ومحللين وخبراء عسكريين وأمنيين، حول فشل الحكومة الصهيونية الأمني والاقتصادي في إدارة الحرب، من أجل زيادة الضغوط على نتنياهو، الذي يرفض أي وقف لإطلاق النار، قبل ما يسميه بتحقيق أهداف الحرب كاملة، وهي القضاء على حماس والمقاومة وعدم قدرتها على شن معركة أخرى كمعركة السابع من أكتوبر واستعادة الأسرى الصهاينة عسكريين ومدنيين عند المقاومة.
كما يبدو أن هناك إجماع في المؤسستين الأمنية والعسكرية التابعة للعدو بأن الحرب العدوانية على قطاع غزة، وصلت إلى طريق مسدود، ولا يمكن تحقيق أهدافها لا بالقضاء على حركة حماس ولا باستعادة الأسرى بدون تفاوض، ولذلك لا بد من مبادرة تمكن أولا من استعادة الأسرى، وتضع نتنياهو بين مطرقة الضغط الأمريكي الخارجي وسندان الغليان الداخلي الصهيوني، بتصعيد مظاهرات أهالي الأسرى وجمهور الصهاينة.
ومن وجهة نظر المراقبين فإن المقترح الأمريكي مليء بالمطبات الخطرة، رغم القناعة بأن المقاومة الفلسطينية متيقظة وتعرف جيداً سوء النية والتفخيخ لهذه المبادرة، لكي توافق عليها، وتحميلها المسؤولية في حالة عدم الموافقة عليها، لكي يستأنف نتنياهو عمليته العسكرية، ورغم ترحيب المقاومة بهذه المبادرة، ولكن هي لا تجيب عليها قبل موافقة الكيان الصهيوني عليها، والتي ربما يرفضها نتنياهو كما حصل في المقترح المصري القطري.
ويشار إلى أن المبادرة التي تركز على ما يسمُى بالهدوء المستدام، لا تدعو إلى إنهاء حالة الحرب، بل التفاوض في المرحلة الأولى الممتدة لوقف مؤقت لإطلاق النار لستة أسابيع، يمكن تمديدها إذا لم تسُتكمل المُفاوضات حول شروط إنهاء وقف إطلاق النار، وهنا يكمن المطب بأن نتنياهو قد يجد الحجج والذرائع للتملص من هذا الاتفاق، بخرق المقاومة الفلسطينية، ويكون قد استعاد جزءاً ليس بالبسيط من أسراه، كما أن هذه المبادرة لا تتحدث عن مصير معبر رفح والسيطرة عليه ولا مصير معبر فلادلفيا ولا مفرق نتساريم، ولا حدود الانسحاب الصهيوني.
ومن منطلق الإدراك بأن “الشيطان يكمن في التفاصيل” يؤكد المحللون أن هذا الاتفاق جاء نتاج المأزقين الصهيوني والأمريكي، فبايدن تعمقت أزمته بعد “الانتفاضة” الطلابية وتراجعت حظوظه بالفوز في الانتخابات الرئاسية لفترة رئاسية ثانية، ونتنياهو عدا الأزمات الداخلية والخارجية، فحربه لم تحقق أهدافها الإستراتيجية المتطرفة في القضاء على المقاومة وحماس، ولم يتمكن من استعادة أسراه، ولم يعود سكان غلاف مستوطنات القطاع، كما لم توفر الأمن والأمان لهم، والحرب وصلت الى طريق مسدود، وجيش الاحتلال يذهب نحو المزيد من الإهلاك والاهتراء والتفكك وفقدان قوة الردع.
ويشُدد المراقبون والمحللون السياسيون على أن التعاطي مع مبادرة مفخخة وملغومة وفيها الكثير من المطبات والمغالطات، والترحيب بها على قواعد تلبية شروط المقاومة، وجعل الكرة في ملعب كيان العدو في الرفض، يحتم على حركة حماس والمقاومة خوض هذه المعركة بقدر عالي من الذكاء واليقظة والحذر، فما يُحرك القائمين عليها أولا وأخيراً مصالحهم.
فيما ذهبت بعض التحليلاتٌ إلى أنّ أمريكا لم تغيّر من انحيازها لكيان العدو الصهيوني، بل إنّ هذا المقترح جاء لإنقاذ هذا الكيان الغاصب من الهزيمة الساحقة والمأزق العسكري الذي يتعمّق يومًا بعد يوم في غزة، لا سيما أنّ ساحة المعركة منذ السابع من أكتوبر اعتادت تبدل المواقف الأمريكية وانسحابها والتلون والتبدل والتنصل من مواقفها المعلنة في اللحظات الأخيرة لصالح نتنياهو وعصابته الإجرامية.
ويؤكد الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني ياسر الزعاترة، في تصريحات صحفية، أن التطوّر الجديد لم يأت نتاجا لكرم أمريكي، وإنما حضرت هواجس بايدن الانتخابية، ومعها أمل الدولة العميقة بفوزه على ترامب، بل قبل ذلك وبعده نتاج القناعة الأمريكية (ونُخب مهمّة في الكيان الصهيوني) بفشل الغُزاة في تحقيق أهدافهم من خلال القوة العسكرية، خاصة بعد أن دخلوا معظم مدينة رفح دون أن يحققوا شيئا، مع تصاعد خسائرهم، وذلك رغم ما روّج له نتنياهو بجعل المدينة محطة لإعلان “نصره المطلق!”.
وأضاف الزعاترة: “نعم، لم يأت نتاج ما سلف، بل نتاج مقاومة بطولية (أسندها صمود أسطوري للشعب)؛ جعلت فلسطين سيّدة العالم، وفاضحة الصهاينة، بعد أن اعتقد الآخرون أنهم برسم تصفية القضية والهيمنة على الشرق الأوسط برمّته”.
أما الإعلامي الفلسطيني مصطفى عاشور، فقد رأى أن خطاب بايدن (المفصل بشكل دقيق على غير العادة)، جاء تأكيدًا على انتصار المقاومة الفلسطينية وانتصار إرادة وصمود الشعب الفلسطيني في غزة.
فيما رأى أستاذ العلوم السياسية الفلسطيني أحمد بن راشد بن سعيّد، في مقترح بايدن استسلاماً صهيونياً أمريكياً لحركة حماس والمقاومة الفلسطينية.
وقال بن سعيّد في بيان صحفي: “إنّ الخطة التي قدّمها بايدن، الجمعة، لوقف النار في غزة، ووصفها بأنها مقترح صهيوني، وطالب حركة حماس بقَبولها، هي نفسها المطالب التي عرضتها الحركة من قبل، وبدلاً من أن يقولوا إنهم استسلموا للمقاومة، نسبوا الخطة إلى أنفسهم، وطالبوا حماس بقبولها في محاولة يائسة لحفظ ما تبقّى من ماء وجوههم.
أما الإعلامي أحمد منصور فأكد أن مقترح بايدن لوقف الحرب في غزة ليس مقترحا أمريكيا فقط وإنما هو مقترح صهيوني فرنسي بريطاني غربي فكل حلفاء الكيان الصهيوني يشعرون بالخطر الذي يهدد هذا الكيان المصطنع جراء استمرار حربه وأن نتنياهو يجرُهم جميعا لمستنقع سحيق لذلك يريدون إنقاذ هذا الكيان لكن نتنياهو سيستمر في المماطلة والتهرب حتى يسقطهم جميعاً معه.
وفي وقت سابق اليوم الإثنين نقل وزير الخارجية المصري، سامح شكري خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الإسباني، عن حركة حماس قولها: إنّ المقترح المقدم من الرئيس الأمريكي جو بايدن “إيجابي”.. مضيفاً: “نحن ننتظر (إسرائيل) الآن”.
وقال شكري: إن “الدول الثلاث راعية للمفاوضات الجارية؛ للتوصل إلى وقف إطلاق النار، ودخول المساعدات، ومنع تصفية القضية الفلسطينية من خلال النزوح”.. مشيراً إلى أن “الطرح الأمريكي الحالي جدير بأن يتم قبوله، لما يؤدي إليه من وقف إطلاق النار، ووقف الأضرار والقتل المستمر للشعب الفلسطيني في غزة”.
وأكد أن الطرح فيه من العناصر الضامنة “لأن يكون وقف إطلاق النار كاملًا، وإعادة الرهائن، ودخول المساعدات بالكميات التي يحتاجها الشعب الفلسطيني”.
الجدير ذكره أن “مبادرة بايدن” جاءت نتيجة الصمود الفلسطيني غير المسبوق والتفاف الحاضنة الشعبية خلفها رغم التضحيات الكبيرة، وعلى الرغم من ترحيب حركة حماس والمقاومة الفلسطينية للمبادرة الأمريكية- الصهيونية، يجب التنبه للفِخاخ والمطبات، فنتنياهو كاذب ومخادع ومُضلل، والإدارة الأمريكية أكذب منه ولا يمكن الوثوق بها.