العملياتُ المشتركة.. الأهميّةُ والدلالات
العملياتُ المشتركة.. الأهميّةُ والدلالات
يمني برس/عبدالرحمن المختار/
أدركت القوى الاستعماريةُ الصهيوغربية أهميَّةَ وقيمةَ المِيزةِ الطبيعية لجغرافيا الأُمَّــة العربية، فعملت هذه القوى منذُ بدايةِ العقد الرابع من القرن الماضي على التخطيطِ لمِحْقِ تلك القيمة والاستحواذِ على الأهميَّة الاستراتيجية للميزة الطبيعة لجغرافيا الأُمَّــة.
ومنذ تأسيس منظمة الأمم المتحدة سنة 1945 التي تضمَّن ميثاقُها مبادئَ فلسفيةً نظريةً غايةً في الرقي الإنساني، ومن هذه المبادئ ما يقرِّرُ حَقَّ الشعوب في التحرُّر من الاستعمار، ومنها ما يقرِّرُ المساواةَ بين الدول صغيرِها وكبيرِها، وهذه المبادئ لم تأتِ إلا بعد أن أقرَّت القوى الاستعمارية البديلَ عن استعمارها العسكري المباشر للشعوب، خُصُوصاً شعوبَ الأُمَّــة العربية.
ويؤكّـد الواقعُ أن القوى الاستعماريةَ لم تتخلَّ أبدًا عن أطماعها الاستعمارية في ثروات الشعوب المستضعَفة في آسيا وإفريقيا؛ ولذلك فقد عملت بشكل حثيثٍ على إبقاء هذه الشعوب في حالة تخلف وفقر مدقع؛ حتى تتمكّن تلك القوى من نهب ثرواتها ومواردها، دون أن تكون متواجدةً على الأرض في شكل احتلال عسكري مباشر، كما كان عليه الحال قبل تأسيس منظمة الأمم المتحدة.
وقبلَ تفصيل أساليب القوى الاستعمارية التي تبنَّتها بعد تأسيس منظمة الأمم المتحدة لا بد من التركيز على خطة تلك القوى المتعلقة بمحق الميزة الطبيعية لجغرافيا الأُمَّــة العربية، تلك الخطةُ بدأت بما عُرف بوعد بلفور المشؤوم في نهاية العقد الثاني من القرن الماضي، وما تبع ذلك من الترويج الواسعِ للمحرقة النازية؛ بهَدفِ كسبِ مزيدٍ من التعاطف الدولي مع اليهود، ولم يكن منحُ أرض فلسطين لليهود؛ بسَببِ قناعةِ القوى الاستعمارية باستحقاقهم لها، أَو أن منحَهم أرضَ فلسطين تحديدًا يمثل الخيارَ الوحيدَ المتاح؛ بل لأَنَّ القوى الاستعمارية تريدُ قلبَ الأُمَّــة العربية قاعدةً متقدمةً لها تمكِّنُها من السيطرة الفعلية وفقًا لوجهها الاستعماري الجديد، اللاحِقِ لتأسيس منظمة الأمم المتحدة.
ولأن الحُكَّامَ العربَ لم يدركوا الميزةَ الطبيعية لجغرافية أمتهم، فقد انساقوا مع القوى الاستعمارية، وتعاطَفَ البعضُ منهم مع مخطَّط هذه القوى الرامي لمنح أرض فلسطين لليهود، والبعضُ لم يُبْدِ أيَّ اعتراض، ومضت القوى الاستعماريةُ فعلًا في تنفيذِ مخطَّطِ زرع الكيان الصهيوني في قلب جغرافيا الأُمَّــة العربية؛ لتشطر بذلك وَحدتَها الطبيعية إلى شطرَينِ؛ ولتوجد عائقًا مصطنعًا، يحول بين شعوب الأُمَّــة العربية، وبين التنقل بحُرية من الشرق إلى الغرب من الشمال إلى الجنوب، وبالفعل لم يعد ممكنًا لأي مواطن عربي منذ زراعة الكيان الصهيوني التنقل شرقًا وغربًا وشمالًا وجنوبًا في الجغرافيا الطبيعية للأُمَّـة العربية؛ بسَببِ العائق المصطنع، الذي مثّل قاعدةً متقدمةً للقوى الاستعمارية في قلب جغرافيا الأُمَّــة، وكان من أخطر نتائج هذا العائق محقُ ميزتها الجغرافية الطبيعية.
ومنذ ذلك الحين نفَّذت القوى الاستعماريةُ الصهيوغربية خطتَها الاستعمارية، لما بعد منظمة الأمم المتحدة، وقد ركَّزت هذه الخطةُ على استعمار العقول، بدلًا عن استعمار الأرض، ويُعَدُّ هذا الأُسلُـوبُ الاستعماري الجديدُ أخطرَ من الأُسلُـوب الاستعماري القديم، الذي كلَّف القوى الاستعماريةَ أثمانًا باهظة، ماديةً وبشريةً، ووفقًا للأُسلُـوب الجديد، فقد عملت القوى الاستعماريةُ ومن خلال قاعدتها المتقدِّمة في جغرافيا الأُمَّــة العربية على إرباك المشهد العربي عُمُـومًا، بمشاكَسة الكيان الصهيوني للدول العربية، التي لم تتقبل قرارَ منح أرض فلسطين لليهود.
والمؤسفُ أن الدولَ العربيةَ لم تتنبَّهْ في ذات الوقت للأُسلُـوب الجديد للقوى الاستعمارية، ففي الوقت الذي كانت هذه الدولُ تواجه الكيان الصهيوني عسكريًّا، كانت تقيمُ علاقاتٍ كاملةً في مختلف المجالات مع القوى الاستعمارية، التي عملت -وفقًا لأُسلُـوبها الجديد- على تخريبِ مقومات حياة الشعوب، والعبث بمستقبل أجيالها، وظلت الدولُ العربية المناوئةُ للكيان الصهيوني تدورُ في حلقة مُفْرَغَةٍ؛ فهي تصادقُ القوى الاستعمارية، التي تمثِّلُ السندَ القوي والأَسَاسَ المتينَ لدولة الكيان؛ بوصفها تمثل قاعدة متقدمة لتلك القوى في المنطقة العربية والشرق الأوسط.
وتحتَ عناوينَ متعددةٍ، أدخلت القوى الاستعماريةُ الدولَ العربيةَ المناوئةَ لدولة الكيان الصهيوني في دورات صراع دامية ومتكرِّرة إما داخلية، أَو مع الجوار، حتى أُنهكت تماماً، أمَّا الدولُ الريعية التي أنشأتها القوى الاستعماريةُ؛ بهَدفِ إضعاف وتمزيق شعوبِ الأُمَّــة العربية، فَــإنَّ تلك الدولَ لم تخرُجْ منذ تأسيسها عن الخَطِّ الاستعماري الجديدِ المرسومِ لها؛ وباعتبار أن القوى الاستعمارية هي مَن نصَّبَ الحُكَّامَ في تلك الدول، وهي من حمى ويحمي عروشَهم، فقد كان دورُ أُولئك الحكام تخريبيًّا لكل أُسُسِ وروابطِ ومقوماتِ شعوب الأُمَّــة العربية، إلى جانب الدور التخريبي للأجهزة الاستخبارية للقوى الاستعمارية، التي عملت من خلال اختراقِ أجهزة ومؤسّسات كافة الدول العربية على إفشال تلك الأجهزة والمؤسّسات لتظهر أمام شعوبها عاجزةً عن تقديم أبسط الخدمات في مختلف المجالات.
وبعد أن فقدت الشعوبُ العربيةُ الثقةَ في الأجهزة والمؤسّسات الرسمية لدولها، تقبَّلت بشكل تلقائي وتدريجي حلولَ الأجهزة الاستخبارية للقوى الاستعمارية محلَّ مؤسّسات الدولة، من نافذة العمل الإنساني، ومن خلال مئات المنظمات العاملة في هذا المجال، سواء التابعة للقوى الاستعمارية أَو التابعة للمنظمة الدولية، وتتبع تلك المنظمات في غالبيتها للأجهزة الاستخبارية للقوى الاستعمارية الإجرامية الصهيوغربية.
وعملت تلك القوى من جانبٍ آخر وفقًا للأُسلُـوب الاستعماري الجديد على تجنيد عشرات الآلاف من أبناء شعوب الأُمَّــة العربية، العاملين في الأجهزة والمؤسّسات الرسمية لدولهم، وتمكّنت من خلال ذلك من وأد أية فرصة في مهدها، كانت مهيَّأةً للنهوض بشعوب الأُمَّــة العربية، وإحباط أي مشروع تحرّري مناهض لها، ولعل أقربَ مثال مرتبط بالذهنية العربية عُمُـومًا واليمنية خُصُوصاً تجاوز بعزمٍ وقوةٍ المخطّطاتِ الشيطانية للقوى الاستعمارية لوأده، هو المشروع النهضوي التحرّري للسيد القائد الشهيد حسين بدر الدين الحوثي -رِضْـوَانُ اللهِ عَلَيْـهِ- الذي حدَّدَ بكل دقة ووضوحٍ مشكلةَ الأُمَّــة العربية والإسلامية، التي تكمُنُ في أن الأُمَّــةَ مستعمَرةٌ من أعدائها في غذائها وفي ملبسها وفي سلاحها وفي جميع مجالات حياتها.
وشخّص السيد القائد الشهيد حسين بدر الدين الحوثي -رِضْـوَانُ اللهِ عَلَيْـهِ- خطورةَ المرحلة التي تمُرُّ بها الأُمَّــةُ العربية والإسلامية، وحالة ضعف قياداتها وعبَّر عن ذلك بقوله: “في هذا الزمن أصبحت القضايا خطيرةً جِـدًّا جِدًّا بشكل رهيب في ما يتعلق بأعمالِ اليهود والنصارى، لم تعد تقف عند حَــدٍّ، أن يصبحَ مثلاً أي زعيم عربي عبارة عن مدير قسم شرطة، يقولون له: نريد فلاناً، يقول: أبشِروا بنا! نريد فلانًا، يقول: تفضُّلوا، خُذُوه. كلهم جميعاً هكذا! هذه الحالة رهيبة جداً”.
ولإدراك القوى الاستعمارية الصهيوغربية خطورةَ مشروع الشهيد القائد على سطوتها وسيطرتها على شعوب الأُمَّــة العربية، فقد أوعزت إلى من سبق لها استعمارُ عقولهم من أدواتها في بلادنا للتحَرّك السريع لمواجهة مشروع الشهيد القائد، الذي تنامى بشكل سريع بعد استشهادِه -رِضْـوَانُ اللهِ عَلَيْـهِ- في الفصلِ الأول من جريمة النظام العميل الخائن ضد أبناء شعبنا في محافظة صعدة وعددٍ من المحافظات.
ولم تتوقف فصولُ جريمة نظام العمالة الخيانة باستشهاد مؤسِّسِ المشروع -رِضْـوَانُ اللهِ عَلَيْـهِ- واعتقادا من تلك القوى الإجرامية أنها باستشهادِ مؤسِّسه قد سبقت الزمن، وقضَت على أخطر مشروع يهدّدُ نفوذَها في بلادنا والمنطقة، لكنها ما لبثت أن أدركت خطأَ تقديرِها، حينَ وَثَبَ حَمَلَةُ هذا المشروع بقوة وبقيادة السيد/ عبد الملك بن بدر الدين الحوثي -يحفظه الله- لمقارَعةِ الطغاة والمستكبرين، فوجّهوا بصبر وصمود منقطع النظير فصولَ الجريمة التالية لفصلها الأول؛ وليصبح بعد ذلك هذا المشروعُ الحاملَ الأَسَاسَ لقضية الوطن، والمُدافِعَ عن حقوق أبناء الشعب في مواجهة الطغاة والفاسدين عملاء المجرمين والمستكبرين، فكان أنصارُ هذا المشروع قوةً أسياسيةً محرِّكةً لعجلة الثورة الشعبيّة إلى جانب بعضِ القوى الثورية الأُخرى، وها هم اليوم أنصارَ هذا المشروع العظيم يحملون على عاتقهم عبءَ معركة تحرير شعوب الأُمَّــة العربية والإسلامية، من الاستعمار الصهيوغربي بأُسلُـوبه الجديد، وَإلَى جانبهم ثُلَّةٍ من المؤمنين من أبناء الأُمَّــة.
ولقد كان أخطر ما تضمّنه الأُسلُـوب الاستعماري الجديد، هو تقسيم شعوب الأُمَّــة العربية على أُسُسٍ تحولُ تماماً دون تحقيق وَحدتها أَو على الأقل تعاونها؛ فالدول العربية الريعية قليلة السكان تنعَمُ بثراء فاحش، في مقابل دولٍ أُخرى بعدد كبير من السكان تعيشُ في فقر مدقع، وفوق ذلك عملت القوى الاستعماريةُ على إيهام الدول الريعية بأن أيَّ تفكير في الاتّحاد أَو التعاون مع غيرها من الدول الفقيرة، سيترتبُ عليه استنفادُ ناتجها القومي؛ باعتبَار أن الشعوبَ الفقيرةَ في هذه الدول ستكون عالةً على ثرواتها.
وعملت القوى الاستعمارية أَيْـضاً على تكريس أنظمة حُكم ملكية أَو أميرية أَو غيرها من المسميات الوراثية في الدول الريعية، ولازَمَ صِيَغَ أنظمة الحُكم هذه تعصُّبٌ شديدٌ لها في مقابل أنظمة حُكم جمهورية في أغلب الدول الفقيرة، ولازَمَ هذه الصِّيَغَ أَيْـضاً تعصُّبٌ شديدٌ لها؛ ليحتدمَ الصراعُ الموجَّــهُ من جانب القوى الاستعمارية بين أنظمة الحكم في هذه الدول الثرية والفقيرة، الـمَلكية الوراثية والجمهورية الشعبيّة، سِرًّا وعلنًا؛ لتتعمق الهُوَّةُ بين شعوب الأُمَّــة؛ للحيلولة دون تحقيق أيِّ نوعٍ من الوَحدةِ أَو التعاون الحقيقي بين شعوبها في مواجهة المخاطِر المُحدِقة بها.
واليومَ وبعد أن اتضح وانفضَحَ الأُسلُـوبُ الاستعماري الجديدُ للقوى الصهيوغربية، المتمثلُ في استعمار العقول، وتجنيدِ حامليها لخدمتها، والذي تجسَّدَ في الوقت الراهن في صمتٍ مطبقٍ لأغلب الأنظمة والشعوب العربية، بل والأبعدُ من ذلك إسنادُ بعضٍ من هذه الأنظمة للقوى الاستعمارية الصهيوغربية في اقترافها لجريمة الإبادة الجماعية بحق أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، منذ تسعة أشهر، ولا تزال تلك الأنظمةُ مُستمرَّةً في حالة الإسناد لمقترفي جريمةِ الإبادة الجماعية.
ولم تتحَرّك فيها لا روابطُ الدم ولا الدين ولا الجغرافيا ولا غيرُها من الروابط المصيرية، التي تربطُها بالشعب العربي الفلسطيني، في الوقت الذي تحَرّكت فيه شعوبُ العالم التي لا تربطُها بشعب فلسطين سوى الرابطة الإنسانية، ورغم هذا الواقع المأساوي المظلِم للأنظمة والشعوب العربية، الذي رسمت خطوطَه العريضةَ وأدقَّ تفاصيله، القوى الاستعماريةُ الصهيوغربية، ترتسمُ اليوم في الأُفُقِ ملامحُ وعي عربي إسلامي، تفوقُ سرعتُه سرعةَ الصوت، يمتدُّ من جنوب الجغرافيا العربية وحتى شرقِها متجاوِزًا العائقَ المصطنَعَ في قلب جغرافيا الأُمَّــة، وفي قلب هذا الامتداد حَمَلَةُ مشروع نهضة الأُمَّــة، بقيادة مَن وثب لحمل رايته، الوصول به لغايته، حين حقّق اللهُ على يدَيه إزهاقَ باطِلِ المبطلين، وتخليصَ البلد من المستعمِرين، ها هو اليومَ يقارعُ أكابرَ المجرمين في العالم، ويدركُ تماماً، وبيقينٍ بنصرِ الله لا يخالطُه شَكٌّ، أن حالَ أُولئك المجرمين اليوم بِـ عُدَّتِهم وعَتَادِهم، لا يختلفُ أبدًا عن حالِ عملائهم بِـ عُدَّتِهم وعَتَادِهم قبل عَقدَينِ من الزمان، حين أخزاهم اللهُ تعالى بأيدي المجاهدين الصادقين، وسيخزي أسيادَهم اليومَ بأيديهم، ﴿وَمَا ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ﴾ فأمرُه سبحانَه تعالى بين الكَافِ والنون ﴿إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ ﴿وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾ صدق اللهُ العليُّ العظيم.