قرنٌ من الزمــــــــان في مواجهة قرنِ الشيطان
د/ عبد الرحمن المختار
انقضى قرنٌ من الزمان، منذ اقترافِ مؤسِّس مملكة الإجرام، عبدِ العزيز آل سعود، جريمةَ الإبادة الجماعية بحق حجاج بيت الله الحرام سنة 1923م، ومنذ ذلك الحين وما قبله، وما بعده، وحتى اليوم، لم تتوقفِ النوازعُ الإجرامية، لأسرة آل سعود تجاه شعبنا، وقد اتخذ إجرامُ نظام آل سعود، أشكالاً وصوراً ومظاهرَ متعددة، اختلفت من حين لآخر، باختلاف الظروف والأوضاع، يتعذر حصرُها في هذا المقام، وكل تلك الأشكال والصور والمظاهر، تنُمُّ عن دوافعَ إجرامية متأصلة في بيئة أسرة آل سعود، وتكوينها العقائدي، فبيئتُها نجد، منبتُ قرنِ الشيطان، وموطن الفتن، وعقيدتُها الوهَّـابية التكفيرية، المتطفلة على الدين الإسلامي، المارقة عن تعاليمه، والهدامة لأركانه.
وتزخر المؤلفاتُ والكتابات، بالسلوكيات ذات النوازع الإجرامية، لأسرة آل سعود، تجاه شعبنا؛ فالمؤكّـد أن هُــوِيَّته الإيمَـانية، مثلت -منذ أن قلده إياها رسول “صلى الله عليه وآله وسلم”- عامل استفزاز للهُــوِيَّة الشيطانية، المتأصلة في أسرة آل سعود، منذ أن وُصمت بها بيئة هذه الأسرة، فقد أنبتت تلك البيئةُ على مر التاريخ، نبتات شيطانية، أخبثها أسرة آل سعود، بما حملته من نوازعَ عدوانية إجرامية تجاه الشعوب الإسلامية عامة، وتجاه شعبنا خَاصَّة.
وقد عمل نظام آل سعود جاهداً على تكريس عدوانيته تجاه شعبنا من خلال أساليبَ غير مباشرة، منها نشر الوهَّـابية التكفيرية، حين موَّلَ إنشاءَ المعاهد والمدارس والجامعات والمساجد، وكلها بهَدفِ تمزيق وَحدة شعبنا، مستفيداً من الوفرة المالية في شراء ذمم ضِعاف النفوس؛ لاستخدامهم كأدوات تزرع بذور الشقاق والاختلاف، بين مكونات مجتمعنا الواحد، ولم يكن ما ورد في بيان أمين عام حزب “الإصلاح”، محمد اليدومي في المرحلة التالية للثورة، إلا تجسيداً لموقف الوهَّـابية المزروعة في بلادنا، الذي قدَّمه عميلٌ مخلصٌ من عملاء نظام آل سعود، حين أقر بعدمِ تأثير الثورة على مصالح السعوديّة في بلدنا.
ورغم بوادر حُسن النية من جانب شعبنا، في علاقاتٍ قائمةٍ على الأُخوَّة وحُسن الجوار، غير أن نظامَ آل سعود، ومنذ دولته الأولى، دأب على إظهار سوء النية، وبشكل سافر، وأتبعها بأفعال وسلوكيات ومظاهر وأشكال وصور متعددة، مفرطة في السوء، مجسدة لنوازعه الإجرامية، فكان نظام آل سعود جار السوء المحض، الذي لا تخالط سوءَه أَو تختلطُ به أيةُ نوايا حسنة، تجاه جاره المشهود له من رسول الله “صلى الله عليه وآله وسلم”، بالإيمَـان والحكمة، ولين القلوب (الإيمَـان يمان والحكمة يمانية) (جاءكم أهل اليمن أرق قلوباً وألين أفئدة).
ولم يكن شعبنا في أية مرحلة من مراحل صراعه مع نظام آل سعود، إلا مجبراً على دفع عدوانية وهمجية وتوحش هذا النظام، الذي لم يوفر أُسلُـوباً من الأساليب الإجرامية، إلَّا واستخدمه في مواجهة شعبنا، وأنصع دليل، وأعظم شاهد على عدوانية وتوحش النظام، ما هو حاصل اليوم من محاولاتٍ لخنق شعبنا اقتصاديًّا؛ وهو ما دفع السيد القائد العلم، لتوجيه تحذير شديد اللهجة، لنظام آل سعود، بالكف عن الإضرار بشعبنا، وقوله (لا تُلجِئونا) ما هو إلَّا اضطرار، ينفي تماماً أية رغبة لدى شعبنا وقيادته، للصراع بأي شكل من الأشكال مع نظام آل سعود.
وكذلك ما تحلى به السيد القائد –يحفظه الله-، من صبر وروية وتأنٍّ في بداية العدوان على بلادنا سنة 2015م، مذكرًا نظام آل سعود، بروابط الجوار والأُخوَّة والدين، وغيرها من الروابط المشتركة، غير أن نظام آل سعود أصر على ظلمه وغيه وعدوانه، مقترفاً خلال سنوات العدوان جرائم إبادة بحق أبناء شعبنا، وتلك الجرائم تعد امتداداً لجريمة مؤسّس كيان آل سعود، في عشرينيات القرن الماضي، والتي تمثلت في إبادة حجاج بيت الله الحرام من أبناء شعبنا، في تنومة وسدوان، ضارباً عُرضَ الحائط بكل أواصر الدين والأخوة والجوار، مستهيناً بكافة الحرمات، منتهكاً لكل ما تناهت البشرية عن انتهاكه، ديناً وعُرفًا وأخلاقًا، مغلباً نوازعَ التوحش في العدوانية والإجرام، مسقطاً لمبادئ وقيم الإنسانية، مكتسياً ثوبَ الغدر، خالعاً ثوبَ الوفاء، متنصلاً عن كُـلّ عهد وميثاق، ناقضاً وناكثاً لما أبرمه في حال ضعفه، بمُجَـرّد أن يستجمع قواه، أَو تلوح له فرصة، لم تكن متاحة من قبل.
ويذكِّرُ قائد الثورة السيد/ عبد الملك –يحفظه الله- في خطاباته وبشكل متكرّر، نظامَ آل سعود، بما يجمعُ البلدَين من روابط وأواصر قُربى، ويدعوهم دائماً إلى كف الأذى عن شعبنا، والإقلاع عن أساليبهم غير الإنسانية، والرجوع إلى أنفسهم ودينهم، ولكن دون جدوى، وهذه الدعوات المتكرّرة تذكّرنا بدعوة جده الإمام الحسين بن علي -عَلَيْـهِمَا السَّـلَامُ- يوم كربلاء، وهو يناشد أتباع يزيد بأن يرجعوا إلى دينهم، وإلى أنفسهم، قبل الإقدام على ما هم مقدمون عليه، ولكن دون جدوى، فتلك هي بيئة آل سعود وعقيدتهم.
ورغم محاولات حاكم نجد، عبدالعزيز آل سعود، طمس آثار جريمته بحق حجاج بيت الله الحرام وتبرئة نفسه منها، ونفي مسؤوليته عن سفك الدماء البريئة الطاهرة، الملبية لنداء الله “سبحانه وتعالى”، المشتاقة للقائه والوقوف بين يديه في بيته المحرم، إلَّا أن كُـلّ تلك المحاولات كانت بمثابة تأكيد لوقوفه وراء التخطيط لارتكاب تلك المذبحة وإشرافه عليها، وحسابه لنتائجها؛ فطبيعة الجريمة وبواعثها وأهدافها، والظروف المحيطة بها، كلها عوامل تحاصر المجرم الأول، حاكم نجد، عبدالعزيز آل سعود، وأبنائه المتعاقبين على حكم كيانه المجرم من ذلك الحين وحتى يومنا هذا.
وهو ما يمكن القول معه: إن جريمة إبادة الحجاج في تنومة وسدوان من جانب عصابات حاكم نجد في حينه، عبد العزيز آل سعود، لم تكن جريمة عادية، خطط لها وارتكبها مجرمون عاديون، امتهنوا قطع الطريق وسلب المسافرين وقتلهم، وإنما هي جريمة إبادة جرى التخطيط لها وتنفيذها بعناية فائقة؛ باعتبَار أن أهدافها وغاياتها تناسب بواعثها.
ولا تتناسب تلك الجريمة مطلقاً مع سلوك اللصوص وقطاع الطرق؛ فحجم القتل والتوحش غير المسبوق، والتمثيل بجثث الحجاج وقطع الرؤوس، تتناسب وتنسجم تماماً مع التوجّـه التوسعي لحاكم نجد، عبد العزيز آل سعود في ذلك الحين، الذي تزامنت فيه خطوات تأسيس الدولة اليمنية الحديثة، وترسيخ مداميكها واستكمال بنيانها، مع الحروب التوسعية التي خاضها حاكم نجد، عبد العزيز آل سعود، للسيطرة على شبه الجزيرة العربية، ولم يكن النطاق الجغرافي لشعبنا مستثنى من الاستهداف والإصرار على إخضاعه وضمه لمملكته، فكانت مذبحة الحجاج رسالةً إلى شعبنا مفادها إما الرضوخ، وإما مواجهة ذات المصير الذي واجهه الحجاج، وذات السلوك يتبعه الكيان الصهيوني وشركاؤه اليوم في غزة؛ فالدمار الشامل، والإبادة الجماعية، كلاهما رسالة إلى بقية الشعوب العربية، لتكريس حالة الذل والخضوع والخوف من وحشية وهمجية القوى الصهيوغربية.
وقد مثلت جريمة حاكم نجد، بحق حجاج بيت الله الحرام، صدمة كبيرة، ومأساة حقيقية لشعبنا، الذي اشتاط غيضاً وغضباً من قتل الحجاج، وهم في طريقهم لأداء فريضة الحج، وكان شعبنا في حالة غليان، يتوق إلى الانتقام السريع لدمائهم، التي سُفكت ظلماً وعدواناً؛ فتلك الجريمة شملت كُـلّ مدن وقرى بلادنا، في والوقت الذي لم تمضِ فيه سوى بضع سنوات على الاستقلال عن الدولة العثمانية، وبدأ خطوات استكمال بناء مؤسّسات الدولة، وإزالة العوائق، التي تقف في طريق بنائها.
كانت تلك الجريمة فاجعة للسلطة وللشعب، أضافت عبئًا كَبيراً على عاتقهما، إلى جانب تركة العثمانيين الثقيلة، وكادت مذبحة تنومة أن تجر بلادنا إلى حرب؛ انتقاماً لدماء الحجاج، لولا مبادرة حاكم نجد، عبد العزيز آل سعود، بإبداء أسفه، وتلطفه في رسالته إلى الإمام يحيى -رحمة الله عليه- وبتلك الرسالة، نزع ابن سعود فتيل الحرب، وفتح بها باب التسوية الودية لتلك الجريمة، وما ترتب عليها من آثار، غير أن ابن سعود راوغ وتهرَّب لسنوات طويلة، انتهت مراوغاتُه، بإعلان تنصله التام عن الجريمة، وعدم مسؤوليته عنها، ولتكون هذه الجريمة أحدَ أسباب الحرب، بين بلادنا ونظام آل سعود في ثلاثينيات القرن الماضي.
ورغم الأوضاع بالغة الصعوبة، والتعقيدات التي عاشها شعبُنا في الربع الأول من القرن الماضي، إلا أنه مع كُـلّ ذلك، خاض حرباً ضاريةً في مواجهة الأطماع التوسعية في أراضي بلادنا، لحاكم نجد، ومن ورائه بريطانيا، وتمكّن شعبُنا من تحقيق إنجازات ميدانية، رغم الفارق الكبير في الإمْكَانيات، بينه وبين نظام آل سعود، المسنود من إنجلترا بالمال والسلاح المتطور في ذلك الحين، وقد انتهت تلك الحربُ بين بلادنا وحاكم نجد، بتوقيع اتّفاقية الطائف سنة 1934م، بوساطة عربية، أجبرت هذه الاتّفاقيةُ نظامَ آل سعود على الاعتراف باستقلال بلدنا وسيادته، حَيثُ نصَّت المادة الثانية من هذه الاتّفاقية على أن (يعترفَ كُـلٌّ من الفريقين الساميين المتعاقدين للآخر باستقلال كُـلٍّ من المملكتين استقلالاً تامًّا مطلقًا وبملكيته عليها…).
وبهذه الاتّفاقية المؤقَّتة، تم إنهاءُ طموح عبد العزيز آل سعود، ومحاولاته ضمَّ أراضٍ شاسعة من بلادنا لمملكته بالقوة، وبهذه الاتّفاقية تمكّن شعبُنا من الاحتفاظ بحقوقه التاريخية في نجران وجيزان وعسير، وهذه الاتّفاقية تعد أنموذجاً وحيداً وفريداً، بين اتّفاقيات ومعاهدات الحدود في القانون الدولي؛ كونها مؤقَّتةً بمدة زمنية حدّدتها المادة (22) منها بعشرين عاماً قابلة للتجديد، فحافظت بذلك على أراضي بلادنا من خطر التهامها من جانب نظام آل سعود، الذي لم يكن يعيرُ مناطقَ عسير ونجران وجيزان أي اهتمام في ما يتعلق بالجوانب التنموية قبل توقيع اتّفاقية جدة لسنة 2000م، حَيثُ عمل بعد هذا التاريخ على طمس المعالم العمرانية اليمنية، وأحدث في هذه المناطق تنميةً شاملة، وهو ما يعني أن نظام آل سعود، كان مدركاً أن اتّفاقية الطائف مؤقَّتة، وأن أراضيَ بلادنا المشمولة بها، لا تزال أراضيَ متنازعًا عليها، وأنها ستعود لأصحابها وإن طال الزمن.
وفرضت الاتّفاقيةُ على مؤسِّس مملكة آل سعود، حقوقاً خَاصَّةً للعمالة من أبناء شعبنا، لا يجوز للنظام السعوديّ منح مثلها لغيرهم، وردت هذه الحقوق في المادة (3) من الاتّفاقية، التي نصت على أن (يتفق الفريقان الساميان المتعاقدان على الطريقة التي تكونُ بها الصلات والمراجعات بما فيها حفظ مصالح الطرفين، وبما لا ضررَ فيه على أيهما، على ألا يكون ما يمنحه أحدُ الفريقين الساميين المتعاقدين للآخر أقلَّ مما يمنحه لفريق ثالث…) وتضمنت الاتّفاقية غير ذلك من المزايا والحقوق والالتزامات، التي أكّـدت فعلاً نضجَ العقل السياسي اليمني في ثلاثينيات القرن الماضي، مقارنة بنهايته، حين تم توقيع اتّفاقية جدة سنة 2000م التي أهدر بها النظامُ العميل الحقوقَ التاريخية لشعبنا.
وتؤكّـد المعطياتُ والوقائع، أن نظامَ آل سعود قد انتهك جميعَ بنود اتّفاقية الطائف، وبدأ التآمر على شعبنا من اليوم التالي لتوقيعها، سواء في ظل النظام الذي كان قائماً قبل ستينيات القرن الماضي، أَو في ظل النظام الجمهوري، وكان الأصل أن تتراكم مكاسبُ بلادنا في مواجهة نظام آل سعود، بمرور الزمن إلى أن يتحقّقَ لشعبنا إنهاءَ تلك الاتفاقية المؤقتة باستعادة أرضه المحتلّة، ودحر نظام آل سعود نهائيًّا، ومحاسبته على جريمته بحق حجاج بيت الله الحرام، غير أن هذا النظامَ اتّبع استراتيجية تجنيد عدد كبير من العملاء، الذين عملوا على زعزعة استقرار البلد، وجميع المراحل التي سادتها حالةُ عدم الاستقرار الداخلي كان سببها عبث الأيادي الخارجية.
وفي عقد الستينيات من القرن الماضي وما بعده، تمكّن نظامُ آل سعود من اختراق الصفِّ الجمهوري، واستطاع أن يمسكَ بيده خيوطَ القوى الفاعلة في الساحة الوطنية في تلك الفترة، ويحرِّكَها في اتّجاه خلخلة كُـلّ مظاهر الوَحدة والاتّفاق بين تلك القوى، وتكريس نوازع الفُرقة والاختلاف والاقتتال وتمويلها؛ ليتسنى له تنفيذُ أجندته الظاهرة والخفية في ظل انشغال المكونات الداخلية بالصراعات البينية.
ورغم الشواهد الحية، فلا يزال البعض يردّدُ أن السعوديّة وقفت في ستينيات القرن الماضي إلى جانب الملكيين، وموَّلتهم وزوَّدتهم بالسلاح، متناسين حقيقةً ماثلةً أمامهم اليوم، وهي أن السعوديّة لا تموِّل إلا الصراعات، التي تضعف البلد، بما يسهل سيطرتها عليه، وإلا بماذا نفسِّرُ سيطرة السعوديّة على محافظة المهرة، وسيطرتها على جزيرة سقطرى لصالح حليفتها الإمارات، وكذلك محافظة حضرموت وغيرها من المناطق، التي لم تكن يوماً ساحةً للمواجهات، مع من يسمونهم الانقلابيين على الشرعية؟
وكيف يمكن تفسيرُ احتضان مملكة آل سعود اليوم، لمن يصفون أنفسَهم بالجمهوريين، القابعين في فنادق عاصمتها الرياض؟ وهل كان احتضانها في ستينيات القرن الماضي للملكيين، حباً في الملكية وكرهًا في الجمهورية؟ وهل احتضانها اليوم لمن يزعمون أنهم جمهوريون، حباً في الجمهورية وكرهاً للملكية، التي يزعمون أن من يسمونهم الانقلابيين، إنما جاء لإعادتها لحكم البلاد؟ وهل يمكن القول إن المملكةَ أصبحت تحب الجمهورية وتكره الملكية؟ وبالنتيجة تكره نفسها؟ وكيف استساغ للجمهوريين التقدميين الارتماءُ في أحضان الرجعية الملكية؟
ولو كان خُدَّامُ نظام آل سعود، مُجَـرّدَ أغبياء لَكان الأمر هيِّناً، لكنهم كما وصفهم الكفيفُ المبصرُ الأديب الكبير/ عبد الله البردوني (مسؤولون في صنعاء وخدامٌ على بابك) فحالة الغباء كانت ستزول، بتكرار نظام آل سعود للأعمال المضرة بمصالح شعبنا في جميع المحالات، لكن لأَنَّهم عملاءُ خُلَّصٌ فقد مرر مشغِّلُهم كُـلَّ خططه التدميرية بأيديهم، ولعل أخطر عملية تدمير شاملة مرَّرها هذا المشغل اللعين، بأيدي العملاء الأغبياء، هي حربُ صيف سنة 1994م التي دمّـرت القوة العسكرية للبلاد، ودمّـرت الجوانبَ السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فقد أدرك النظامُ السعوديّ أن تحقيقَ وَحدة البلاد، وما سيترتب على دمج القوة المسلحة للبلدَينِ، واقتصادهما، وتوحيد العُملة النقدية فيهما، ظهور قوة كبيرة في جنوب الجزيرة العربية تمثل خطراً على مملكته.
هذه القوة ستكون مؤثرة بشكل كبير إن ترك البلدَ وشأنَه، وإلى جانب ذلك فقد كان أكثر ما كان يقلق نظام آل سعود، الوحدة السياسية للبلد، التي ستعني وحدة الموقف في ما يتعلق بالاستحقاقات الحالية، وأهم استحقاق حَـلّ موعده سنة 1994م، هو التجديد الثالث لاتّفاقية الطائف لسنة 1934م، فلم يكن أمام النظام السعوديّ من خيار، سوى الإذعان لتجديد الاتّفاقية لمدة عشرين عاماً، أَو تسليم الأراضي المحتلّة، أَو اللجوء إلى تحكيم دولي، وأخطر ما كانت تخشاه السعوديّة، هو أن يعتز أبناء شعبنا بقوتهم العسكرية الموحدة، فيقرّروا استعادة أرضهم بالقوة، وهو ما لا قبل لنظام آل سعود بمواجهته.
لكل ذلك فقد عمل بشكل حثيث على تدمير مقومات البلد في شتى المجالات، فأشعل حرب صيف سنة 1994م وكان يمكنه إشعال هذه الحرب سنة 1993م أَو سنة 1995م لكنه اختار التوقيتَ بعناية فائقة؛ لكي يتجاوزَ موعدَ التجديد الثالث لاتّفاقية الطائف في 20 مايو سنة 1994م، حين أشعل حرب الانفصال في تاريخ 27 إبريل 1994م، قبل حلول موعد التجديد الثالث بأربعة وعشرين يوماً فقط، والعملاء الأغبياء في ذروة انشغالهم بتدمير مقومات البلد، خدمة للنظام السعوديّ، فتلك الحرب كانت سعوديّة خالصة، وكانت نتائجها لصالح نظام آل سعود، الذي عمل بعدها على هز كرسي الحاكم العميل في العاصمة صنعاء عفاش الرجيم، وأجبره على توقيع مذكرة التفاهم حول الحدود سنة 1995م.
وظل النظام السعوديّ يهز كرسي حكم العميل عفاش، إلى أن أجبره على توقيع اتّفاقية بديلة عن اتّفاقية الطائف لسنة 1934م، هي اتّفاقية جدة لسنة 2000م، التي كانت مقدماتها مخزية ومهينة أيَّما خزيٍ، وأيما إهانة لكافة مؤسّسات الدولة، ولكل شاغلي مناصبها العليا، فلا يمكن لأي وطني حر أن يقبل بها! لكن وفرة المال لدى السعوديّ، ودناءة نفوس العملاء، لم تعر الوطن وحقوقه، والشعب وكرامته أدنى اعتبار!
ولما لا يفهم الأغبياء، لا بل العملاء، أن أسرة آل سعود، لم تتوانَ في مختلف مراحل الصراع عن استخدام كُـلّ إمْكَانياتها ووسائلها المتاحة، بشكل مباشر أَو بشكل غير مباشر، لفرض الهيمنة والسيطرة على بلادنا، حينها واجهوا مقاومة شرسة في كُـلّ الظروف والأحوال، رغم الإفراط في التوحش، لفرض خيارات ردعية استسلاميه؛ بغية تحقيق هذه الأسرة المجرمة لأهدافها كأمر واقع، فكانت مواقفُ شعبنا في المواجهة، متسمةً بالقوة والصلابة ورباطة الجأش؛ الأمر الذي مكَّنه من الصمود في أحلك الظروف وأشدها قساوة، والتمسك بحقوقه التاريخية، ولن يجدَ القارئُ أيةَ صعوبة في استحضار تلك الظرفية التاريخية، إذَا ما قارن إمْكَانيات شعبنا سنة 2015م، بإمْكَانيات تحالف الإجرام والعدوان السعوديّ الأمريكي.
ولم يثنِ شعبنا ولن يثنيَه عن التمسك بحقوقه، واستمرار السعي لاستردادها، ما اقترفه نظامُ آل سعود من جرائمَ وحشية، منذ جريمة إبادة حجاج بيت الله الحرام، وجرائمه في سنوات عدوانه، منذ بداية العام 2015م وحتى اليوم، ورغم فظاعة وبشاعة تلك الجرائم المروعة، إلا أنها زادت أبناءَ شعبنا إصراراً على مواجهة تدخلات نظام آل سعود في شؤونه الداخلية، بأية صورة من الصور، وبأي شكل من الأشكال، ويجسد ذلك موقف السيد القائد العَلَم في كلماته ودروسه وخطاباته وهو يعبِّرُ عن موقف الشعب، الذي خرج يوم الجمعة الفائت ملبياً النداء، ومفوِّضًا القائدَ في كُـلّ ما يقرّرُه من إجراءاتٍ لرد العدوان وردع المعتدين، ولسانُ حاله (ما بعدَ قرنِ الزمان إلا كسرُ قرن الشيطان).