في جديد اعترافات شبكة التجسس.. ما دور مشروع (RGP) ومعهدُ (NDI)؟
في جديد اعترافات شبكة التجسس.. ما دور مشروع (RGP) ومعهدُ (NDI)؟
يمني برس- تقرير- عبدالقوي السباعي
لعبت دوائرُ الاستخباراتِ الأجنبية دورًا حاسمًا في فقدانِ اليمنِ للسيادة والاستقلال، من خلالِ خلخلةِ النظامِ السياسيِّ والاقتصادي والاجتماعي، وساهمت إلى حَــدٍّ كبيرٍ في زعزعة الأمن والاستقرار، وضربت تماسُكَ ولُحمةَ النسيج الاجتماعي للشعب اليمني.
وكما سلَّطت نجاحاتُ الأجهزة الأمنية اليمنية المتمثلة بالقبض على شبكة التجسس التابعة للوكالات الاستخبارية الأمريكية الصهيونية؛ الضوءَ على الخطط الاستخباراتية المعادية التي تعتمدُها في جمع المعلومات وتحليلها لتحديد التهديدات المحتملة والمؤثِّرة على أنشطتها وبرامجها الهادفة للسيطرة الشاملة على القرار السياسي والسيادي للدول الحرة.
تؤكّـد الاعترافات الخَاصَّةُ بهذه الشبكة أن هذه الوكالات كانت لا تَدَّخِرُ جُهدًا لمنع أية برامجَ أَو مبادرات لإصلاح الوضع الداخلي اليمني، ومن خلال عناصرها المحلية كانت تتعقب الأفراد والكيانات الحزبية وقادة الرأي وجماعات الضغط الرسمية والشعبيّة، وتقوم بتحديد هُــوِيَّاتهم وجمع الأدلة التي ساعدت على التخلص منهم بطريقةٍ أَو بأُخرى.
دورُ “مشروع RGP”، المموَّل من قبل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية:
مساءَ أمس السبت، نشرت الأجهزةُ الأمنية في صنعاء اعترافاتٍ جديدةً لأفراد شبكة التجسس التي عملت لصالح وكالة المخابرات الأمريكية الـ السي آي أيه، والموساد “الإسرائيلي”، وهذه الاعترافات كشفت عن جملة من المعلومات التي ما كانت تخطُرُ على بال الشيطان نفسه.
ومن جملة هذه الاعترافات نأخذ مثلاً ما يسمى “مشروع RGP” والذي بدأ في عام 2013م، واستمر لمدة عامين تقريبًا، وهناك تقاريرُ تشير إلى أنه بدأ قبل هذا التاريخ ومر بمراحل تخطيط وتقييم قبل الإعلان الرسمي عن بدء التنفيذ.
وبحسب المعطيات الرسمية، فَــإنَّ “مشروع RGP”، هو مبادَرَةٌ مموَّلةٌ من قبل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) تسعى إلى تعزيز الهيكل المؤسّسي لمنظمات المجتمع المدني في المحافظات الشمالية من اليمن؛ بهَدفِ تحسين الخدمات المقدمة للمجتمع وتعزيز دور المجتمع المدني في التنمية المحلية.
وكانت أهداف المشروع الرئيسية المعلَنة تشملُ تقديمَ برامجَ تدريبية لتعزيز القدرات المؤسّسية والإدارية، ودعم المنظمات في تقديم خدمات أفضلَ للمجتمع المحلي، وبناء شراكات قوية بين المنظمات غير الحكومية والجهات الحكومية والمحلية، من خلال تنفيذ حملات توعية لزيادة الوعي بأهميّة دور المجتمع المدني في التنمية.
وخلال تلك الفترة خرج مسؤولو الحكومة ليتحدثوا عن النجاحات التي حقّقها المشروع، منها دورُه في تحسين القدرات المؤسّسية، وأن العديد من المنظمات غير الحكومية أصبحت أكثرَ قدرةً على إدارة مشاريعها بفعالية، وأن الأنشطة ساهمت في زيادة المشاركة المجتمعية، وعززت من دور المجتمع المدني في صنع القرار والتنمية المحلية؛ مِن أجلِ تقديم خدمات أفضل، وتحسين نوعية الخدمات المقدمة للمجتمع، مثل التعليم والصحة.
لكن ومن خلال الاطلاع على تفاصيل اعترافات عناصر الشبكة نرى أن بعض جوانب “مشروع RGP” كانت تمثل تهديدًا للأمن الداخلي تحت مرأى مسمع الحكومة، كما استُغلت لأغراض غير مشروعة، وسرَّبت معلوماتٍ حسَّاسةً، وتم استغلال التمويل المقدَّم للمنظمات غير الحكومية لأغراض غير مشروعة، كتمويل أنشطة تخريبية وضارَّة بالمجتمع اليمني.
وبالنظر إلى إدارةِ المشروع للأنشطة، اتضح أنها ساهمت في التأثير على الاستقرار؛ إذ لم تُدَرْ بشكلٍ متوازن؛ ما فاقم التوترات الاجتماعية والسياسية بين مختلف الفئات داخل المجتمع؛ كونها لم تخضع لرقابةٍ صارمة وإجراءات شفافة؛ لضمان أن تُستخدم الموارد بشكلٍ صحيح وأن تُحقّق الأهداف التنموية دون التأثير سلبًا على الأمن الداخلي.
وبالنظر إلى التوترات الاجتماعية وارتفاع الأصوات المندّدة بالتمييز بين الفئات المختلفة في تلك الفترة، يتأكّـد لنا أن تلك المنظمات استُغلَّت لأغراضٍ سياسية، وركَّزت الأنشطة على فئات معينة دون الأُخرى؛ ما زعزع الاستقرار السياسي، وعزَّزَ الاحتقان المجتمعي، واستغلت الموارد المالية بشكلٍ غير قانوني؛ ما ساهم في استشراء الفساد وإضعاف الثقة بمؤسّسات الدولة، وزاد من التدخل الأجنبي وانتهاك السيادة الوطنية.
كما استغلت بعض الأنشطة لتجنيد أفراد في جماعات ذات أنشطة غير قانونية، كان لها تأثير سلبي على الوحدة الوطنية وعلى الاقتصاد المحلي، وزاد من الفجوة بين الفئات المختلفة، وعمل على تنامي الدعوات الانفصالية والنعرات المناطقية “أصحاب مَطْلَع وأصحاب مَنْزَل”، وفاقم التوترات بين المناطق المختلفة، خَاصَّةً بعد تركُّزِ الأنشطة على مناطقَ معينة دون الأُخرى.
الحكومةُ كانت جُزءًا من شركاء العمل التخريبي:
يعد مشروع RGP جُزءًا من سلسلة طويلة من برامج الاستخبارية الأمريكية الصهيونية لزعزعةِ الأمن والاستقرار، وكبح برامج الإصلاحات والتنمية في اليمن، وعمل معه عدد من الشركاء المحليين والدوليين الذين ساهموا في تنفيذ أنشطة المشروع، كبعض الجامعات الأهلية منها “جامعة العلوم والتكنولوجيا” والتي كانت تعتبر الواجهة العلمية العليا للتجمع اليمني للإصلاح، وكذا منظمات المجتمع المدني المحلية، وبعض الوكالات الدولية، كبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) ومنظمة الصحة العالمية (WHO)، التي قدمت الدعمَ الفني والمالي.
ليس هذا فحسب؛ بل وساهمت الحكومةُ اليمنيةُ في تلك الفترة، من خلال الوزارات والمؤسّسات الحكومية في تنفيذ جوانب المشروع، وتعاونت في توفيرِ الدعم اللوجستي، وتسهيل الوصول إلى المناطق المستهدَفة وتوفير البنية التحتية اللازمة لتنفيذ الأنشطة.
ووفقاً للمؤشرات فقد عملت الحكومةُ في إطار “مشروع RGP” على التنسيقِ بين المنظمات غير الحكومية والجهات المحلية؛ لضمان تنفيذ الأنشطة بشكلٍ فَعَّالٍ ومتكامل، وقدمت بعضُ الوزارات الدعمَ الفنيَّ والتدريب للمنظمات لتعزيز قدراتها المؤسّسية، وشاركت الحكومةُ في وضع الخطط الاستراتيجية للمشروع؛ لضمان توافقها مع الأهداف الوطنية للتنمية؛ حَــدِّ زعمها.
لكن وبدلاً عن أن يساهِمَ المشروعُ في زيادة توافر الغذاء وإمْكَانية الوصول إليه للأُسَرِ المتضرَّرة، من خلال تحسين البنية التحتية للإنتاج الزراعي وتعزيز القدرة على التكيُّفِ مع تغيُّرات المناخ، قام المشروعُ بتوفير فُــرَصِ عملٍ مؤقَّتة للنساءِ، من خلال برامج النقد مقابلَ العمل.
ورغمَ بروزِ بعضِ الأصواتِ اليمنية الناقدة لأنشطة “مشروع RGP”، واتّهامها في حينه بأنها ساهمت في التقليل من الإنتاجية الزراعية، من خلال تقديم السِّلال الغذائية الشهرية التي أَدَّت إلى عزوفِ كثيرٍ من المزارعين عن مزارعهم؛ كونهم يحصلون مجاناً على قوتهم بدون أعباء، كما أن أنشطةَ المشروع رَكَّـــزَت على استخدام تقنيات زراعية غير متناسبة وغير صديقة للبيئة؛ ما ساهَمَ في التأثير على الموارد الطبيعية وزاد من التأثير البيئي السلبي.
في حينه؛ فَنَّدَت الحُكومةُ هذه الادِّعاءات، ووصفتها بـ “المُغرِضَة”، وأشَارَت إلى أن المشروعَ قَدَّمَ تدريباً ودعماً فنيًّا للكوادر المحلية؛ لتعزيز قدراتها في إدارة المشاريع الزراعية والتنموية، بما يتناسب مع توجّـهاتها، ونفذ حملات توعية لزيادة الوعي بأهميّة الأمن الغذائي والتغذية السليمة.
دعمُ الديمقراطية وحقوق الإنسان:
خلالَ ثورةِ 11 فبراير الشبابية في اليمن عام 2011م، لَعِبَ المعهدُ الديمقراطيُّ الوطني للشؤون الدولية (NDI) دورًا مهمًّا في السيطرةِ على التوجُّـهات الشبابية واستقطابهم، من خلال برامج “دعم العملية الديمقراطية وتعزيز المشاركة المدنية”.
ويمكِنُ أن تلخِّصَ لنا اعترافاتُ عناصر خلية التجسس الجديدة الدورَ الخبيثَ الذي عمل عليه المعهدُ، من خلال توفير التدريب والدعم الفني للناشطين الشباب، واستقطابهم وتنظيم برامج الزيارات لأمريكا؛ بهَدفِ تنمية قدراتهم، وتبادل الخبرات واكتشاف المهارات وتجنيد المزيد من العناصر.
واستمرَّ المعهدُ الديمقراطي الوطني للشؤون الدولية (NDI) في أنشطتِه تحتَ مبرِّرِ دعمِ العملية الديمقراطية في اليمن، ورَكَّـــزَ المعهدُ على تقديم المشورة الفنية للمؤسَّسات الحكومية والانتخابية، وعمل على تعزيز مشاركة المرأة والشباب في الحياة السياسية، وقدَّمَ برامجً تدريبيةً لتعزيز القيادة والمشاركة الفعَّالة في المجتمع.
وحولَ الكشفِ عن حقيقة تغلغُلِ الشبكات الاستخبارية الأمريكية الصهيونية؛ فمثلاً خِلالِ مؤتمر الحوار الوطني في اليمن، لعب معهد (NDI) دورًا مهمًّا في مخرجاتِ العملية الحوارية للمؤتمر، وقدَّمَ الدعمَ الفني واللوجستي للعديد من الأطراف المشاركة في المؤتمر، بما في ذلك بعضُ الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني.
وبحسب تقاريرَ عن المعهد نفسه، تؤكّـدُ أنه عمل على توفير التدريب والمشورة الفنية للمشاركين في المؤتمر، وساعد في تعزيز قدراتهم على التفاوض والتوصل إلى حلولٍ توافقية، كما ساهَمَ في تنظيم ورش عمل وجلسات تدريبية لتعزيز الحوار وبناء الثقة بين الأطراف المختلفة.
وأخيرًا قال المعهد: إنه “مع تصاعُدِ النزاع في اليمن، واجهنا تحدياتٍ كبيرةً في تنفيذ برامجنا، لكننا استمررنا على الأرض بطرقٍ مبتكرة تتناسَبُ مع الظروف الصعبة، على سبيل المثال، استخدم المعهدُ التكنولوجيا لتعزيزِ التواصُلِ والتدريب عن بُعد؛ حفاظاً على استمرارية برامجنا رغم التحديات الأمنية”، كما ويطالِبُ المعهدُ حكومةَ صنعاء بالإفراج عن 3 من موظَّفيه؛ ما يزيدُ من التأكيد على تورُّطِ المعهد في برامجَ استخبارية معادية لليمن الأرض والإنسان.