أبعاد العملية العسكرية الإسرائيلية في الضفة
أبعاد العملية العسكرية الإسرائيلية في الضفة
يمني برس/
يأتي الهجوم الصهيوني الموسع على الضفة المحتلة في سياق خطة أكبر وأقدم من مجرد حملة عسكرية.
ما يحدث هو مشروع يتحصن بسدود دينية تتجاوز ذرائع الخوف من هجمات مقاومين فهمواً باكراً ما خلف السدود.
جاءت هذه العملية التي نفذها جيش الكيان الإسرائيلي في الضفة المحتلة في الـ 28 من أغسطس، ترجمة لخطة رئيس وزراء الكيان “بنيامين نتنياهو” التي تحدث عنها في كتابه “مكان تحت الشمس”، وشملت هجوماً على مدن “جنين وطولكرم وطوباس وبلدات شمالي الضفة الغربية المحتلة”، واستهداف المقاومين فيها، ووصفتها حكومة الكيان بأنها الأوسع منذ عملية “السور الواقي” عام 2002م.
وتتلخص العملية -وفقاً لنتنياهو- في أن “الدولة اليهودية الخالصة” يجب أن تكون في الأراضي الفلسطينية من نهر الأردن إلى البحر المتوسط، وأن على الأقلية الفلسطينية المتبقية في هذه الأرض أن تقبل العيش تحت السيادة الإسرائيلية، أو الرحيل إلى مكان آخر.
وكان قائد المنطقة العسكرية الوسطى بالجيش الإسرائيلي “آفي بلوت” طالب قبل أسابيع، “بمناورة عملياتية شمالي الضفة على غرار ما حدث في قطاع غزة”.
ماذا تفعل إسرائيل في الضفة الغربية منذ 7 أكتوبر؟
وفي السياق؛ أكد موقع “ميدل إيست آي” البريطاني أن القوات الإسرائيلية نفذت غارات شبه يومية على البلدات والمدن في جميع أنحاء الضفة المحتلة منذ بدء العدوان على قطاع غزة في أكتوبر الماضي، ووسع جيش الاحتلال عملياته بالضفة ما تسبب في استشهاد 675 فلسطينياً بينهم 150 طفلاً، وإصابة أكثر من 5 آلاف و400، واعتقال ما يزيد على 10 آلاف و200 فلسطيني.
وأوضح الموقع -في تقرير بقلم “كاثرين هيرست”- أن خبراء يؤكدون أن عدد الغارات “تضاعف أكثر من 3 مرات” منذ أن شنت “إسرائيل” عدوانها على غزة، وأن معظم هذه الغارات تستهدف مخيمات اللاجئين التي تعدّها إسرائيل معاقلاً للمسلحين مثل “جنين ونور شمس”، والتي تعرضت لغارات متكررة.
الاعتداءات والاعتقالات المستمرة:
في السياق؛ أفادت منظمة حقوق الأسرى “الضمير” بأن 9100 أسيراً أضيفوا إلى 5200 كانوا في السجون الإسرائيلية قبل 7 أكتوبر 2023م، استشهد 10 منهم.
وبحسب مؤسسة الضمير، فإن طبيعة اعتقال الفلسطينيين، أصبحت أكثر عنفاً منذ بداية الحرب، إذ أفادت التقارير بأن قوات الاحتلال غالباً ما تداهم وتخرب منازل المعتقلين، وتعتدي عليهم، وتهدد عائلاتهم، قبل أن يواجهوا ظروفاً مزرية في السجون الإسرائيلية، حيث أفادت تقارير متعددة بانتشار التعذيب المنهجي والاعتداء الجنسي على الفلسطينيين في الحجز الإسرائيلي.
الهدم والاستيلاء على الأراضي الفلسطينية:
في الإطار؛ استخدمت إسرائيل حربها على غزة كغطاء لتصعيد خطير في الاستيلاء على الأراضي في الضفة الغربية المحتلة -كما يقول الموقع- حيث أفادت منظمة السلام الآن بأن إسرائيل استولت على 23.7 كيلومترا مربعاً من الأراضي الفلسطينية هذا العام، وهو ما يتجاوز إجمالي الأراضي التي تم الاستيلاء عليها على مدى السنوات العشرين الماضية.
كما ارتفعت عمليات هدم المساكن، إذ هدمت السلطات الإسرائيلية، أو أغلقت 38 مبنى بشكلٍ عقابي منذ أكتوبر الماضي، مما أدى إلى تشريد 170 شخصاً.
وحسب مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، دمرت قوات الاحتلال والمستوطنون 1429 مبنى وشردوا 3244 فلسطينياً، ما مهد الطريق لتوسع استيطاني هائل، حيث تم إنشاء 44 بؤرة استيطانية في عامي 2023 و2024م، حسب منظمة “السلام الآن”.
ووافق وزير المالية الصهيوني “بتسلئيل سموتريتش” أواخر يونيو الماضي، على إنشاء 5 بؤر استيطانية إسرائيلية جديدة، في خطةٍ وصفت بالسرية لتعزيز السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية المحتلة وإجهاض أي محاولة لأن تكون جزءاً من الدولة الفلسطينية.
وكان التوسع الاستيطاني مصحوباً بارتفاع حاد في هجمات المستوطنين الصهاينة، ما ساعد في تهجير مجتمعات الرعي الفلسطينية في تلال جنوب “الخليل ووادي الأردن والقدس الشرقية”، كما ساهم في تعزيز البؤر الاستيطانية، إذ أحصى مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية حوالي 1250 هجوماً للمستوطنين الإسرائيليين على الفلسطينيين، أسفرت عن استشهاد 120 شخصاً في الفترة من 7 أكتوبر إلى 12 أغسطس من هذا العام.
أربعة أيام منذ بدء العملية الصهيونية على الضفة:
بدايةً ومنذ أربعة أيام؛ فرضت قوات الاحتلال الإسرائيلي فجر يوم 28 أغسطس، حصاراً كاملاً على مدن “جنين وطوباس وطولكرم”، بمشاركة لواء “كفير” (لواء للمشاة)، و4 كتائب تابعة لحرس الحدود، ووحدات من المستعربين، وقوات النخبة، ووحدات من الهندسة العسكرية، بتنسيق مع جهاز الأمن العام (الشاباك) ودعم من سلاح الجو الإسرائيلي، الذي دفع بمروحيات عسكرية ومقاتلات ومسيرات لتوفير غطاء للقوات البرية.
ووفقاً لما ذكره الإعلام العبري، شن الجيش هذه العملية، لأن “الوضع في الضفة الغربية “بات مصدر قلق جدي” للاحتلال، حيث استهدفت قوات الاحتلال ما وصفته بالبنية التحتية للأذرع العسكرية الفلسطينية، في محاولة لإعادة احتلال شمالي الضفة الغربية، وبدأت بالاقتحامات من عدة محاور.
وهاجمت القوات محافظة “جنين” من 3 محاور، وتوغلت من حاجز “الجلمة” شمالاً ومن حاجزي “سالم ودوتان” غرباً، تزامن ذلك مع اقتحام قوات إضافية مدينة “طولكرم” من محاور “نيتسان يعوز” غرباً وحاجزي “جبارة” جنوباً و”عناب” شرقاً.
وكانت العملية أكثر تركيزاً في الجزء الشرقي من “طولكرم”، حيث نفذت قوات الاحتلال إنزالاً للمظليين ثم اقتحمت المدينة من الناحية الشرقية عبر محوري “الحمراء وعاطوف”.
وفي جنين قطعت قوات الاحتلال الطرق المؤدية لمستشفى “ابن سينا”، ووضعت سواتر ترابية حولها لتغلقها بشكلٍ كامل، وحاصرت مستشفى “خليل سليمان”، وأخلت مستشفى “جنين” الحكومي بعد تدقيق هويات الموجودين فيها.
وفي القدس اقتحم الاحتلال مخيم “شعفاط” من محاور عدة بأكثر من 150 جندياً، وأغلق مداخله، وأما في “طولكرم”، فدمرت قوات الاحتلال خط المياه الرئيسي لمخيم “نور شمس”، واندلعت اشتباكات بين المقاومة.
وفي “طوباس” وتحديداً مخيم “الفارعة”، أعلنت كتائب “شهداء الأقصى” تفجير عبوة ناسفة بقوة “الدفدوفان”، التي أنزلتها طائرات الاحتلال المروحية، وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية وصول 7 شهداء لمستشفى “طوباس” الحكومي.
“رعب المخيمات” الرد الفلسطيني:
ورداً على عملية الاحتلال أعلنت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) وسرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، وكتائب شهداء الأقصى الذراع العسكرية لحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) عن عمليات إطلاق نار واشتباكات واستهداف آليات عسكرية.
وانتشرت مقاطع مصورة لإعطاب جرافة وآليات لجيش الاحتلال بالعبوات الناسفة، وأطلقت سرايا القدس على هذا الرد اسم “رعب المخيمات”، وتوعد مقاتلوها بأنهم سيذيقون العدو هذا الرعب.
وقالت حركة الجهاد في بيان لها: إن “العملية تأتي في سياق مخططات العدو لفرض السيطرة على مدينة القدس والمسجد الأقصى المبارك”.
وفي طولكرم، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي في 29 أغسطس، اغتيال “محمد جابر أبو شجاع” قائد كتيبة طولكرم بعد محاصرة مبنى كان بداخله وتبادل إطلاق النار.
وأطلقت القوات الإسرائيلية صاروخاً على المبنى المحاصر، وبعد انتهاء الاشتباكات المسلحة، أعلنت مقتل “أبو شجاع” و4 ممن كانوا برفقته.
وفي جنين، أعلنت كتائب القسام في 30 أغسطس، مقتل جندي وإصابة آخرين في كمين بعبوات ناسفة بالحارة الشرقية، إضافة لخوض المقاومة اشتباكات مع قوة إسرائيلية خاصة تسللت إلى بلدة “الزبابدة”.
كما استهدفت كتائب القسام آلية عسكرية إسرائيلية بعبوة شديدة الانفجار، أسفرت عن تحقيق إصابة مباشرة بالآلية وإيقاع أفرادها بين قتيل وجريح.
ولليوم الرابع على التوالي، تتواصل الاشتباكات العنيفة بين مقاومين فلسطينيين وقوات الاحتلال في أحياء مخيم “جنين”، في حين استشهد “وسام خازم” القائد بحركة حماس في جنين، ودفعت قوات الاحتلال بتعزيزات عسكرية وجرافات إلى المخيم، وسط تحليق مكثف للمسيرات في سماء المدينة ومخيمها.
وفيا نقلت إذاعة الجيش الإسرائيلي عن القيادة الوسطى أن العملية العسكرية في جنين غير محددة بزمن وستنتهي بعد تحقيق أهدافها، أطلقت قوات الاحتلال النيران على منازل المواطنين في “حارة الدمج” وسط اندلاع اشتباكات مسلحة، في وقت فجّر فيه مقاومون عبوات ناسفة محلية الصنع بالآليات العسكرية.
وتواصل جرافات الاحتلال تجريف الشوارع والبنى التحتية في مدينة “جنين” ومخيمها، أدى لانقطاع المياه في مناطق واسعة من المدينة وانقطاع التيار الكهربائي عن أحياء بالمدينة.
إلى ذلك؛ تؤكد مصادر عسكرية أن حالة المقاومة بالضفة الغربية في أفضل مراحل التنسيق والتكامل بين فصائل المقاومة بكل تشكيلاتها، وقد أعدت نفسها لأيام طويلة من المواجهة والاشتباك.
بدورها؛ أفادت مصادر إعلامية عبرية السبت، بأنّ جندياً إسرائيلياً قُتل وأصيب آخرون في معارك بحي “الجابريات” في مدينة جنين، وأظهرت صور جرى تداولها عددا من الجنود ينقلون جندياً مصاب من داخل حي “الدمج” في “جنين” صباح السبت.