سر هزائم السعودية
علي أحمد جاحز
تجاوزنا ثلاثمائية يوم منذ بدء العدوان والحصار على اليمن، وبقدر ما هي 300 يوم من الصمود والتحدي والصبر والثبات، فإنها أيضا 300 يوم من الانتصارات اليمنية والهزائم السعودية، هزائم السعودية التي لم تتوقف عند حدود جغرافية اليمن بل امتدت لتكون هزائم في المنطقة والعالم، على المستوى العسكري والاقتصادي والدبلوماسي.
لا نبالغ حين نقول أنه هزائم السعودية المتتالية على أكثر من صعيد، هي انعكاس لهزائمها أمام الشعب اليمني والجيش اليمني واللجان الشعبية اليمنية، وأن صخرة اليمن الصلبة التي وقفت وحيدة بوجه طغيانها وفظاعة إجرامها رغم الدعم الأمريكي والبريطاني والسكوت الأممي والحقوقي والإنساني، كشفت ضعفها وهشاشتها، وإن جرائمها الفظيعة والبشعة بحق اليمنيين، فضحتها أمام العالم بكونها كياناً إجرامياً ظلامياً رجعياً يعتقد أن بإمكانه إحياء من يريد بالمال وقتل من يريد بالمال أيضاً.
لكن.. كما يبدو أن سكرة الطغيان لن تستمر طويلا، خاصة وقد بدأت السعودية تحصد ثمرة مغامرتها في اليمن غاليا هزائم وسقوط على أكثر من صعيد وفي أكثر من مكان وبأكثر من وجه في المنطقة والعالم، ولعل أهمها تسوية الملف النووي الإيراني وحلحلة إشكالية الرئاسة اللبنانية، إضافة إلى خروج مسار الأحداث في الأزمة السورية من يدها، فضلا عن أزمة انهيار أسعار النفط ومشاكلها الداخلية، والأهم أن كل ما يجري يدل على أن اليمن بصمودها وانتصاراتها تؤثر في ما يجري في المنطقة ولا تتأثر به.
أول أمس قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن أمريكا ستعتمد في حماية مصالحها بالشرق الأوسط على شراكتها مع إيران، وبصرف النظر عن مدى التجاوب الإيراني مع هذه الجزئية، إلا أنها مؤشر واضح على أن السعودية لم تعد محل اعتماد الإدارة الأمريكية بعد أن كانت لعقود طويلة الحارس الأولى للمصالح الأمريكية، الأمر الذي يمكن تفسيره بأن الولايات المتحدة حين زجت بالسعودية في العدوان على اليمن، وضعتها في امتحان “انتحاري” أن صح التعبير، لتختبر مدى قدرتها على الخروج قوية ومتماسكة، تحقق مكاسب وتسيطر على المتغيرات والتهديدات الجديدة لمصالحها وفق رؤيتها.
وبعد مرور أكثر من 300 يوم من الهزائم والخيبات التي منيت بها السعودية في اليمن، فإنها لا تبدو في وضع يمكن الاعتماد عليه لا عسكريا ولا دبلوماسيا ولا اقتصاديا أيضا، لا بمنظور الأمريكان ولا بمنظور القوى التي كانت تعتمد على السعودية كسند، ولعل المتغيرات المتسارعة في لبنان مثلا، النموذج على تفلت الحبال من يد النظام السعودي، فانحياز حزب القوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع إلى ترشيح العماد عون لرئاسة لبنان بعد سنوات من إعاقة السعودية لانتخاب رئيس لبناني، وبقدر ما تعد ضربة قوية مفادها أن لبنان تحرر من قيود الوصاية السعودية غير المباشرة، فإنها أيضا مؤشر على أن جعجع واحد ممن يقرأون بعمق مستقبل المنطقة والمملكة بعد انكشاف ضعفها وهشاشتها في اليمن، وخروج مسار الأزمة السورية عما تريده السعودية.
القوى الاستكبارية وعلى رأسها أمريكا يمهما مصالحها وبقاء نفوذها، وعودتنا في مراحل كثيرة من التاريخ أنها لا تجد مشكلة في تمزيق أي ورقة لم تعد نافعة، ولعل السعودية واحدة من تلك الأوراق التي لم تعد نافعة لأمريكا، وبالقدر الذي تدفع أمريكا السعودية بقوة نحو الانتحار وتشجيعها على الجنون وكسب العداوات مع الشعوب في المنطقة، فإن من الواضح أن الأزمة النفطية التي تعيشها السعودية تقف أمريكا خلفها أيضا فأمريكا هي من يدفع النظام السعودي نحو استمرار زيادة الإنتاج وأيضا هي من ينافسها بالنفط الصخري، وكما أن أمريكا تستنزف احتياطيات السعودية المالية في بنوكها، فإنها أيضا تجفف مصدر وإرادتها الوحيد من خلال انهيار أسعار النفط.
تعرف أمريكا أن هذا النظام لم يعد صالحا للبقاء فضلا عن الاعتماد عليه، خاصة بعد الفضائح المتتالية التي كشفت تبعية القاعدة وداعش لها، وخاصة قتالها في اليمن جنبا إلى جنب في خندق واحد مع القاعدة وداعش، هذه الفضائح التصقت بثياب أمريكا وستحاول أمريكا أن تبيض ثيابها وإن كان الثمن النظام السعودي.