مشاعر ناحية السيد نصر الله
محمد أحمد المؤيد
عندما نتحدث عن السبب الرئيسي لاستهداف القادة في أي معركة منذ بدايتها، فإن ذلك يدل على أن ذلك القائد يشكل خطرًا كبيرًا على الطرف الآخر لعدة أسباب تخص عدوه، وتختلف من قائد إلى آخر ومن عدو إلى آخر، كما تختلف من معركة لأخرى ومن دوافع لأخرى. وكذلك، فإن هذا يدل على ضعف حيلة الطرف الآخر (العدو) تجاه ذلك القائد المستهدف، حيث يصبح الخلاص منه المرتكز الرئيسي الذي يعول عليه العدو للانتصار عليه، على الأقل حتى يتخلص من الهواجس التي تنتابه قبيل بدء المعركة أو بمجرد الدخول فيها. كما هو الحال مع حمزة عم النبي «صلى الله عليه وآله وسلم»، الذي استهدف في بداية المعركة، وتمت تصفيته بتربص وتمعن من مشركي قريش الذين سخروا وحشيًا ليقوم باستهدافه بمجرد البدء في النزال. وهذا الأمر تكرر منذ أول مواجهة بين المسلمين وكفار قريش بعد الهجرة النبوية. هذه الشواهد دليل على الحسابات التي تشكلها شخصية القائد بالنسبة لعدوه. والأحداث منذ الأزل، في كل زمان ومكان، مليئة بالشواهد، ومن أبرزها استشهاد الإمام الحسين بن علي «رضي الله عنهما» وكذلك الإمام زيد بن علي «سلام الله عليهما»، الذين هم من أئمة أهل البيت بيت النبوة. وهذا ما يدل على السبب وراء استهداف الشهيد القائد لحزب الله اللبناني السيد حسن نصر الله من قبل العدو الصهيوني المجرم، بعد أيام – لا تزيد عن نصف شهر – من السنة الماضية التي أخفق فيها الكيان الصهيوني المجرم في معركة غزة. وكانت المعركة بينهما قد احتدمت، وكأن العدو كان يتحين الفرصة لتبرير استهدافه كخصم شريف وشهم، يحسب له اليهود المحتلون ألف حساب. كما قيل إن متابعيه – بمجرد ظهوره على شاشة التلفاز – من يهود الاحتلال أكثر من اللبنانيين والعرب أنفسهم. ورغم إقراره بأنه مع غزة وأهلها، وواجه ذلك بأسلوب ظاهر غير خفي، كان اعتزازه وافتخاره بذلك وثباته أمام العالم أجمع يشبه جبلًا أشم أمام زوابع النفاق العالمي وغطرسة الكلاب الصهيونية. حتى وصل به الحال هو ورجاله الشجعان في حزب الله إلى أن قرر الإسرائيلي اللعين أنه جزء لا يتجزأ من مشكلة غزة وطوفان الأقصى، وأنه حجر عثرة كبيرة تحول بينهم وبين خلاصهم من حماس الشجعان. وهو فعلاً كذلك في الوقت الحالي، ناهيك عن تاريخه الجهادي. «سلام الله عليه وعلى رجاله في حزب الله، سواء الأحياء منهم أو الشهداء»، الذين على مدى ثلاثين سنة كانوا خنجرًا في نحر العدو الصهيوني المغتصب واللقيط. وقد منَّ الله على كثير من رجال الحزب قادة وأفرادًا بنيل شرف الشهادة كوسام شرف يشهد لله وللناس أنهم كانوا نعم الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
لو دققنا في شخصية الشهيد السيد حسن نصر الله وما الذي جعل الكثير من أبناء الأمة الإسلامية يتعلقون به ويحبونه ويتألمون كثيرًا لفراقه بعد استشهاده «سلام الله عليه»، لوجدنا أنه كان رمح الأمة الذي أقلق العدو الصهيوني الغاصب المجرم بشكل يعترف به الجميع، حيث فاق تأثيره تأثير المقاومين الفلسطينيين منذ أن عُرف هذا الكيان الإسرائيلي المؤقت. وكما قال عنه «نتنياهو» بعد استشهاده: «تخلصنا من نصر الله خشية من انقراضنا». قالها بالكلمة «انقراضنا»، وهذا يدل على أن الكيان الإسرائيلي وكيانهما لقطاء. وزاد وزير دفاعه في نفس اليوم بقوله: «استهداف نصر الله هو نهاية حسابات سنوات مضت، وأصبح قضية وجود»، مما يعني أنهم يعلمون أنهم سيزولون وأنهم معرضون لذلك. ولذلك، يستخدمون كل مكر وخديعة للهروب، ليس فقط من زوالهم وانقراضهم، بل أولًا من مجرد إحساسهم النفسي بأن ذلك قد يحصل. هم يستخدمون استهداف الشخصيات كوسيلة لتصفية أي قائد يشعرون أنه أصبح خطرًا عليهم. وهذا نفس النهج الذي اتبعه فرعون عندما حذره الكهنة بأن شخصًا سيولد في تلك الفترة ويكون خلاصه وملكَه على يديه، فاتخذ أسلوب التصفية. والدليل المضحك أيضًا أن الأخبار في هذه الأيام تدهش المتابع بنهم العدو الصهيوني وراء استهداف أي قائد من حزب الله، وقد صنفوهم درجات ورتبًا بحسب الأهمية والخطر. وكل هذا يدل على نهج فرعون عليهم لعنة الله جميعًا، ومصيرهم هو نفس المصير (جهنم بإذن الله).
ومن خلال هذا وذاك نقولها صراحة ولوجه الله: إن السيد حسن نصر الله أثبت لنا بشخصه معنى قوله: «من أحب الله وأحبه الله أحبه الناس». وفعلًا، استشهاده «سلام الله عليه» هز كيان العالم، ووصل صدى ارتقائه شهيدًا – كمقاتل شهم وشجاع وبطل وذي مبادئ عظيمة استقاها من نهج ومبادئ الإسلام الحنيف الذي قدمه دينًا قويمًا كما يرضي الله – إلى العالم بأسره. وأتحدى أن يكون هناك إنسان مسلم موحد يصدق إسلامه ولم يحزن ويتألم لشهادته «سلام الله عليه» بالفطرة. فمبدأ المسلمين في توادهم وتراحمهم كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. وليس هذا وحسب، بل إن مواقفه العملية «سلام الله عليه» جعلت من حسن نصر الله في نفوس المسلمين عمومًا بمثابة الأب والأخ والعم والخال والصديق. وذلك لمجرد أنه نصب نفسه وحزبه «حزب الله»، رغم بساطة الإمكانيات وقلة المؤن وسوء الحال، إلا أنهم بما قدرهم الله عليه قدموا جهدًا عظيمًا، في مواجهة المؤامرة وكثرة الحساد وانتشار الجواسيس والمغرضين. كان هو رمح الأمة ورأس حربتها. وهذا يدل على أنه تحمل عبء الدفاع عن الأمة الإسلامية، ليخفف عن المسلمين ذلك الحمل الثقيل. ويجاهدون حتى ولو بالكلمة والمقاطعة والدعم المادي. هؤلاء هم الذين سيسألون عنهم أمام الله، وما الذي قام به كل مسلم موحد تجاه أعداء الأمة، اليهود والنصارى، الذين احتلوا أرض فلسطين، أرض العروبة والإسلام، وأجرموا وشردوا وقتلوا. قال الله تعالى لكل مسلم: «قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم وأيدي المؤمنين». وقال: «انفروا خفافًا وثقالًا». وقال الله سبحانه آيات عديدة تحث على الجهاد والذود عن الإسلام والمسلمين. ورغم ذلك، لم يتحرك الكثير وتحرك القليل من أمثاله «سلام الله عليه»، الذين بتحركهم قد يدفع الله النقم عن أمة محمد حتى في الدنيا، أما الآخرة فبرحمة الله. والله أعلم، وحسبنا الله ونعم الوكيل. إنا لله وإنا إليه راجعون. رحمك الله يا سيد حسن نصر الله.
،،ولله عاقبة الأمور،،