عام على الطوفان.. كيف أعادت “طوفان الأقصى” القضية الفلسطينية إلى صدارة المشهد؟
عام على الطوفان.. كيف أعادت “طوفان الأقصى” القضية الفلسطينية إلى صدارة المشهد؟
يمني برس- تقرير
منذ اليوم الأول لعملية “طوفان الأقصى” التي انطلقت في السابع من أكتوبر من العام الماضي، تصدرت القضية الفلسطينية صدارة المشهد العالمي والدولي، مع حالة تضامن كبيرة رفرف فيها العلم الفلسطيني كافة أرجاء المعمورة، وكانت صورة فلسطين على كل الشاشات والصحف والمواقع والمنابر العالمية بشكل غير مسبوق في التاريخ الفلسطيني.
بعد مرور عام على بداية المعركة الأشرس في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، ظهر الاحتلال على عدة أصعدة وعدة جبهات، في مشهد بالغ التعقيد جعله أكثر عريا أمام العالم وأظهر دمويته وإجرامه دون قناع. الأحداث الجارية في قطاع غزة والضفة الغربية تفرض نفسها على جميع الأصعدة الشعبية والرسمية في الدول العربية والأوروبية، التي شهدت ساحاتها تفاعلاً شعبياً من خلال انطلاق المظاهرات العارمة بمشاركة الآلاف من المناصرين للقضية الفلسطينية، وآخر رسمياً من خلال تأييد بعض أنظمتها للفلسطينيين ورفض حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال ضد المدنيين في قطاع غزة.
كما أعادت معركة “طوفان الأقصى” القضية الفلسطينية على الأجندة الإقليمية والدولية، إذ أن معظم دول العالم أدركت تماماً أن عدم حل القضية الفلسطينية لا يشكل فقط تهديداً للسلام والأمن الدوليين في الشرق الأوسط إنما على الصعيد العالمي برمته. كما أصدرت المنظمات الأممية قرارات مهمة لصالح القضية الفلسطينية، أبرزها الرأي الاستشاري الذي أصدرته محكمة العدل الدولية في التاسع عشر من تموز/ يوليو الماضي، الذي يقضي بعدم شرعية الاحتلال الإسرائيلي وضرورة انهاءه وتعويض الضحايا وتمكين الشعب الفلسطيني من حقه في تقرير المصير، وإدراج الأمين العام للأمم المتحدة الاحتلال الإسرائيلي على القائمة السوداء الأكثر انتهاكاً لحقوق الطفل.
وبحسب مراقبون، فإن عملية “طوفان الأقصى” أثّرت على قطاع التطبيع الذي انطلق قبل السابع من أكتوبر 2023 حيث بات يشكل عائقاً أمامه، وهو ما جعل القيادات العربية والأنظمة القريبة من الولايات المتحدة الأمريكية تدرك أن المعركة اعادت القضية على الأجندة الشرق اوسطية من جديد بعدما حاولت تجاهلها قبل العدوان، ولن تتمكن من الانطلاق من جديد بما يسمى اتفاقيات السلام مع الاحتلال بدون حل القضية الفلسطينية.
ووفق محللون فإن هناك تفاعلا شعبيا قويا ومتصاعدا في أوروبا وبقية دول العالم تجسد بخروج المظاهرات الحاشدة في ساحاتها، في حين أن التفاعل كان جيداً في بعض الدول العربية مثل الأردن والمغرب العربي، فيما لم تتفاعل الدول الأخرى بما يرتقي لمستوى الحدث.
قضية جميع العرب
ونشير إلى استطلاع الرأي الذي أجراه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، وأظهر إجماعا في الشارع العربي على اعتبار القضية الفلسطينية “قضية جميع العرب وليست قضية الفلسطينيين وحدهم” بنسبة 92%، وهي نسبة غير مسبوقة، إذ ارتفعت النسبة بمعدل 16%، مقارنة بـ76% المسجلة نهاية عام 2022. وشملت أبرز المقترحات التي طرحها استطلاع للرأي العام أنه على الحكومات العربية إيقاف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة المستمر منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وقطع العلاقات مع إسرائيل، وإدخال المساعدات إلى قطاع غزة، واستخدام سلاح النفط، وإنشاء تحالف عالمي لمقاطعة إسرائيل.
وارتفعت نسبة اعتبار القضية الفلسطينية قضية كل العرب بشكل ملحوظ في بعض الدول، ففي المغرب ارتفعت من 59% عام 2022 إلى 95%، وفي مصر من 75% إلى 94%، وفي السعودية من 69% إلى 95%، على نحوٍ يعكس تحولا جوهريا في آراء مواطني هذه البلدان.
وحسب الاستطلاع، الذي شمل عينة حجمها 8 آلاف مستجيب ومستجيبة، خلال الفترة من 12 ديسمبر/كانون الأول الماضي وحتى الخامس من يناير/كانون الثاني الجاري، في 16 مجتمعا عربيا، فإن الرأي العام العربي غير مقتنع بأن عملية طوفان الأقصى التي نفذتها حركة المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي تحقيقا لأجندة خارجية، وأن 89% من العرب يرفضون أن تعترف بلدانهم بإسرائيل.
ويعتقد 36% من مواطني المنطقة العربية -حسب نتائج الاستطلاع ذاته- أن الإجراء الأهم للحكومات العربية لإيقاف العدوان على قطاع غزة يتمثل في قطع هذه الحكومات علاقاتها مع إسرائيل أو إلغاء عمليات التطبيع معها، في حين رأى 14% من المستجيبين أنه يتمثل في إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة من دون موافقة إسرائيل، وحبذ 11% استخدام سلاح النفط من أجل الضغط على إسرائيل ومؤيديها.
وأبرز الاستطلاع أن الرأي العام العربي غير مقتنع بأن عملية “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي كانت تحقيقا لأجندة خارجية، إذ اعتبر 35% من المستجيبين أن السبب الأهم للعملية هو استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، في حين عزاها 24% إلى الدفاع عن المسجد الأقصى ضد استهدافه، ورأى 8% أنها نتيجة لاستمرار حصار قطاع غزة.
وتنوعت آراء المستجيبين الآخرين بين تحرير المعتقلين والأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية (6%)، وضد استمرار الاستيطان واتساعه في الأراضي الفلسطينية (5%)، وعدم اهتمام المجتمع الدولي بحقوق الفلسطينيين واستمرار الاحتلال (4%)، ورفض إسرائيل إقامة دولة فلسطينية (4%)، وغيرها من الآراء بنسب ضئيلة.
طوفان الجامعات
كما شهدت الجامعات في عدة دول حول العالم هبة طلابية عارمة، لنصرة القضية الفلسطينية ودعما لقطاع غزة في وجه العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة.
وانطلقت هذه الهبّة من جامعة كولومبيا في مدينة نيويورك الأميركية، وسرعان ما انتقلت شعلتها إلى مئات الجامعات في مختلف أنحاء العالم، ووصلت إلى اليابان وإسبانيا وإنجلترا وغيرها من الدول، لتشكل موجة من التضامن الطلابي غير المسبوقة.
ونظّم الطلاب في مختلف الجامعات فعاليات ومظاهرات حاشدة للتعبير عن رفضهم الاحتلال الإسرائيلي وسياساته الوحشية ورفعوا الأعلام الفلسطينية ولافتات منددة بالعدوان على غزة، مرددين شعارات تدعو إلى الحرية والعدالة للشعب الفلسطيني.
وإلى جانب التنديد بالعدوان، عبّر الطلاب عن رفضهم القاطع لسياسات التطبيع مع إسرائيل التي تمارسها بعض الدول العربية. ونددوا بزيارات المسؤولين العرب لإسرائيل، وطالبوا بقطع العلاقات معها ومقاطعة بضائعها. ولاقت هذه الحركة الطلابية تفاعلًا واسعًا من قبل مختلف فئات المجتمع المدني في العالم وأشاد العديد من الشخصيات السياسية والمثقفين في منصات التواصل الاجتماعي بموقف الطلاب الداعم للقضية الفلسطينية، وعبّروا عن تضامنهم مع نضال الشعب الفلسطيني.
هذه الحالة قوبلت بعنف وتضييق من قبل الإدارة الأمريكية على الطلاب المشاركين في المظاهرات حيث تعرضوا للاعتقال والضرب المبرح والفصل من الجامعة ومنهم تم فصله من عمله وجامعته بسبب موقفه المتضامن مع القضية الفلسطينية. وخير دليل على ذلك، ما حدث مع رئيسة جامعة بنسلفانيا الأميركية “ليز ماغيل”، التي أُجبرت على الاستقالة بعد شهادتها في جلسة الاستماع بالكونغرس، حيث دافعت عن حرية التعبير المكفولة للطلاب كي يتضامنوا مع القضية الفلسطينية أمام الاتهامات بتزايد “معاداة السامية” في الحرم الجامعي.
وبعد شهادة ليز هدَّد المانحون الجامعة بسحب تبرعاتهم من أجل إقصائها. وعلى الرغم من التضييق والملاحقة، إلا إن الهبّة الطلابية في جامعات مختلفة حول العالم نجحت في إيصال رسالة قوية للعالم مفادها أن القضية الفلسطينية ما تزال حية في قلوب الشباب، وأنهم لن يترددوا في التضامن مع الشعب الفلسطيني حتى نيل حقوقه كاملة.
الاعتراف بدولة فلسطين
في خطوة أوروبية لافتة أعلنت أيرلندا وإسبانيا والنرويج رسميا الاعتراف بدولة فلسطين، في حين أبدت دول أخرى مثل سلوفينيا ومالطا اعتزامهما اتخاذ خطوة مماثلة، وهو ما اعتبر ثغرة في جدار الصد الأوروبي للحقوق الفلسطينية ولو بحدها الأدنى.
وحول دلالة ذلك، فإن اعتراف 3 دول أوروبية بالدولة الفلسطينية هو مؤشر على بداية تفكك الموقف الأوروبي الداعم لإسرائيل، وهو الذي تمثل أيضا بمطالبة عدد من هذه الدول بوقف الحرب على غزة، على عكس الموقف الذي تشكل إثر 7 أكتوبر/تشرين الأول، وأن عدد الدول التي ستعترف بفلسطين مرشح للارتفاع.
يذكر أن السويد كانت الدولة الأوروبية الوحيدة في الاتحاد الأوروبي التي اعترفت بدولة فلسطين عام 2014، فضلا عن اعتراف 8 دول أخرى قبل انضمامها إلى الاتحاد، وهي بلغاريا وقبرص وجمهورية التشيك والمجر وبولندا ورومانيا وسلوفاكيا ومالطا، في حين اعترفت آيسلندا والفاتيكان أيضا، وهما من خارج إطار الاتحاد.
وهذا يعني أنه خلال فترة قصيرة ستكون 13 دولة أوروبية قد اعترفت بالدولة الفلسطينية من أصل 27 دولة يضمها الاتحاد الأوروبي، وهذا بحد ذاته مكسب مهم لفلسطين وللقضية الفلسطينية، حيث يبلغ الآن العدد الإجمالي للدول التي تعترف بفلسطين 146 دولة من أصل 193 دولة عضوة في الأمم المتحدة.
بل إن الدافع الأساس لموافقة عدد متزايد من الدول على الدولة الفلسطينية لا يعود فقط إلى ما جرى في طوفان الأقصى وما بعده، بل إن هناك رغبة من دول العالم بمعاقبة الكيان على ارتكابه المجازر ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب دون أن يجد رادعا. وهذا يعني أن علاقات “إسرائيل” مع الجانب الأوروبي ستذهب إلى أزمات متتالية، خصوصا مع استعداد حكومة الاحتلال لاتخاذ إجراءات دبلوماسية ضد الدول المعترفة، بحسب مراقبون.
ومن خلال هذا التحرك يمكن الاستفادة من الدلالة القانونية للاعتراف، والتي تعني حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره واختيار نظامه السياسي والاقتصادي والاجتماعي كما نصت عليه مبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.
كسر السردية الإسرائيلية
وخلال عملية “طوفان الأقصى” انهارت “سردية الدولة” النموذج في المنطقة، فخلال الشهور الماضية انكشف الوهن الإسرائيلي في كل مناحي الدولة عسكريا وسياسيا ومجتمعيا، وانهارت صورة البلد الذي يشع ديمقراطية في محيط مستبد، وظهر بشكل أكبر الطابع الدموي الذي لا يوقفه حد، ويتجاوز في بطشه بالمدنيين في غزة كل أعراف وقوانين الدنيا.
وظهرت أيضا وبشكل لا لبس فيه حاجة “إسرائيل” إلى العون الخارجي، وتحديدا إلى العون الأميركي في كل شيء تقريبا، اقتصادا وسياسة وأمنا وحربا. وتزايد حالة العزلة العالمية، حيث أصبحت “إسرائيل” من الدول المارقة على القانون وفق قرارات محكمة العدل الدولية، كما أن صوت الرفض تجاه تل أبيب بات يعلو في كل منصة دولية، وكل منتدى شعبي في العالم.
تآكلت صورة “إسرائيل” لدى الغرب الذي أصبح اليوم -أو على الأقل دوائر متعددة فيه- أكثر قناعة بأنه محتل غاشم وعدو دموي للحياة، وبذلك يضج ملايين المواطنين الغربيين بأكثر من لسان وأكثر من فعالية. وبحسب مراقبون فإن حركة التضامن العالمية الأخيرة من أجل فلسطين تتحدى الرواية الإسرائيلية الطويلة الأمد من خلال لفت الانتباه إلى انتهاكات حقوق الإنسان والصعوبات التي يواجهها الفلسطينيون.
المصدر: وكالة شهاب