المنبر الاعلامي الحر

السفير عبدالله صبري: السابع من أُكتوبر حفر سرديةً عميقةً على جدار التاريخ المعاصِر مع القضية الفلسطينية

يمني برس |
أكد سعادة السفير عبدالله علي صبري أن السابع من أُكتوبر قد حفر سرديةً عميقةً على جدار التاريخ المعاصِر، تعمَّدت بالدم والصمود وكل أشكال التضامن مع القضية الفلسطينية.

وأضاف السفير صبري أن (طوفان الأقصى) طوت صفحة تصفية القضية الفلسطينية وضربت الردع الصهيوني في الصميم.

وأشَارَ إلى أن جبهة الإسناد اليمنية من أكثر جبهات محور المقاومة فاعلية وتأثيرًا، وخَاصَّةً على الصعيد العسكري.

إلى نص الحوار:

– مع حلول ذكراها السنوية الأولى كيف تقيِّمون معركةَ (طُوفَان الأقصى) بشكل عام، وكيف تقيِّمون دور اليمن بشكل خاص؟

معركةُ (طوفان الأقصى) شكّلت انعطافةً مهمَّةً في تاريخ الصراع العربي الصهيوني؛ إذ طَوَتْ صفحةَ تصفيةِ القضية الفلسطينية، وضربت الردع الصهيوني في الصميم، وأمكن لمحور المقاومة أن يعبِّرَ بشكل عملي عن الثوابت والمبادئ المتعلقة بالقضية الفلسطينية؛ ما جعل الفرزَ واضحًا وسهلًا بين مشروعَينِ:- أحدهما يقاوم وينتصر لفلسطين بعطاء الدم رغم شحة الإمْكَانات، ومشروع خانع ذليل، بل ومتآمر على حقوق الشعب الفلسطيني، وتابع للهيمنة الغربية برغم أنه يمتلك كُـلّ الأموال والفرص التي توفر له شيئًا من الاستقلالية والكرامة لو أنه سلك طريق الأحرار والشرفاء الذين يدعمون فلسطين -شعبًا وقضية ومقاومة-. وبات بالإمْكَان القول إن السابع من أُكتوبر قد حفَرَ سرديةً عميقةً على جدار التاريخ المعاصِرِ، تعمَّدت بالدم والصمود وكُلِّ أشكال التضامن مع القضية الفلسطينية.

واليمن كان -بفضل الله- رُكنًا من أركان هذا المتغير الاستراتيجي المهم في مسيرة الصراع مع الكيان الصهيوني، الذي كان وسيبقى صراع وجود لا حدود، وقد اختارت اليمن السير على نهج المقاومة وفاءً لفلسطين؛ وانطلاقًا من الواجب الديني والمسؤولية الأخلاقية والإنسانية، وهذا ما أكّـد عليه السيد عبدالملك الحوثي “حفظه الله” في أكثر من خطاب.

وكانت جبهة الإسناد اليمنية من أكثر جبهات محور المقاومة فاعليةً وتأثيرًا، وخَاصَّةً على الصعيد العسكري، حين أمكن للقوات المسلحة اليمنية أن تحقّقَ انتصاراتٍ متواليةً في معركة البحار؛ ما أَدَّى إلى إغلاق وإفلاس ميناء أم الرشراش “إيلات”، وتكبيد العدوّ الصهيوني خسائر كبيرة في اقتصاده القومي، كما إن طائرة يافا المسيَّرة ضربت في عمق كيان الاحتلال أكثر من مرة، ووصلت صواريخنا البالستية إلى مواقعَ وأماكنَ مهمةٍ داخل الأراضي الفلسطينية المحتلّة، وخَاصَّة صاروخ فلسطين2 الفرط الصوتي، الذي ضرب هو الآخر في وسط يافا “تل أبيب”؛ ما دفع الملايين المغتصبين إلى الهروب واللجوء للأماكن المحصَّنة، فيما كانت وسائل الإعلام تنقل مشاهد الهلع الذي أصاب الصهاينة، مع الحرائق التي اشتعلت من حولهم.

ولا ننسى الخروج المليوني الأسبوعي في العاصمة صنعاء وعشرات الساحات اليمنية؛ تضامُنًا مع فلسطين، وتفويضًا للسيد القائد والقوات المسلحة في عمليات الإسناد. وبالمجمل فقد بات لليمن دوره الإقليمي الذي لا يمكن تجاهله أَو تجاوزه مستقبلًا.

– إلى أي مدى أثّرت عملية استهداف واغتيال قيادات حزب الله والأمين العام الشهيد حسن نصر الله على وَحدة الساحات ومحور المقاومة، وفي هذا السياق كيف تقرأون الرد الإيراني الأخير؟

من المؤسف أن الأُمَّــةَ العربية الإسلامية فقدت في هذه المعركة عددًا كبيرًا من الشهداء القادة كالشهيد إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، والشهيد حسن نصر الله، أمين عام حزب الله. وقد اعتقد كيان الاحتلال أنه باستهداف السيد نصر الله قد قضى على قوة حزب الله، خَاصَّة أنه تمكّن قبلها من إرباك المقاومة الإسلامية اللبنانية، من خلال ما يُعرَفُ بغزوة “البيجر”، ثم باغتيال عدد كبير من القادة العسكريين في حزب الله. وكل ذلك بدعم ومباركة أمريكية وغربية.

بالَغَ المجرمُ نتنياهو في تقدير الموقف، ورفع من سقف أحلامه المريضة وأوهامه السخيفة، بزعمه أن المنطقة تتجه نحو “شرق أوسط جديد” متجاهلًا قدرات حزب الله الروحية قبل العسكرية، وغافلًا عن ترابط ساحات المقاومة من غزة إلى طهران، فجاء الرد الإيراني المزلزل، حَيثُ تعرض هذا الكيان لهجمة صاروخية هي الأكبر والأقسى في تاريخه؛ الأمر الذي أعاد توازن الردع والرعب الذي كان قائمًا وظن القادة الصهاينة أنه بات مختلًّا لصالحهم. وبالتزامن رأينا كيف اشتعلت عمليات حزب الله العسكرية على مستوى الصواريخ الثقيلة، وعلى مستوى المواجهة البرية من المسافة صفر. ولم تتأخر الضربات الحيدرية من اليمن والعراق، بل ومن داخل غزة أَيْـضاً.

– بنظرك، هل تنحو المواجهة مع الكيان الصهيوني إلى مزيد من التصعيد، أم أن الأحداث تتجه نحو تسوية ما؟

حَـاليًّا نستطيعُ القولَ: إن المواجهة على مفترق طرق، وهي إن كانت أقرب للتسوية؛ نظرًا لكثير من العوامل؛ فَــإنَّ نقطة التحول مرتبطة بالرد المرتقَب من قبل كيان الاحتلال على الرد الإيراني.. طبيعة ومستوى هذا الرد سترسم صورة الحرب على المدى المنظور؛ فإذا أقدم العدوّ على حماقة كبيرة، فلا مناصَ من الحرب الإقليمية الشاملة التي لا يمكن التنبُّؤُ بتداعياتها ومآلاتها. أما إن جاء الردُّ الصهيوني متوازِنًا وفي الإطار المقبول -وهذا ما أرجِّحُه– فَــإنَّ الطريق سيكون متاحًا إلى تسوية تقوم على أَسَاس إيقاف إطلاق النار في غزةَ ولبنانَ، ثم البحث في التفاصيل الأُخرى.

علمًا أن ثمة عواملَ قد تدفعُ بالكيان الصهيوني إلى المزيد من المماطلة والمراوغة، كما هو معروفٌ عنه، ومن هذه العوامل الانتخاباتُ الرئاسية في أمريكا وانتظار نتائجها، وكذلك المستقبل السياسي للمجرم نتنياهو وخشيته من المحاسبة داخليًّا على فشله وهزيمته العسكرية، إضافَةً إلى ملاحقته كمجرم حرب من محكمة العدل الدولية.

– بالعودة إلى جريمة اغتيال السيد حسن نصر الله، ما دلالة استخدام قنابلَ أمريكية تزن ألفَي رطل في عملية الاستهداف؟ وماذا عن الدور الأمريكي في العدوان على فلسطين ولبنان؟

استخدامُ السلاح الأمريكي في هذه الحرب العدوانية يشكِّلُ الفَارِقَ في القدرات العسكرية لصالح هذا الكيان الغاصب وهذا ليس بجديد، هذا العدوُّ يحوزُ على قوة غاشمة وفتَّاكة، ويتصرَّفُ دون أية ضوابطَ أَو خطوطٍ حمراءَ، وهو فوق ذلك مدعومٌ بالسلاح والمال الأمريكي وبالغطاء السياسي والإعلامي الغربي، وهو في الأصل كيانٌ وظيفتُه خدمةُ الأجندة الغربية التي كانت بريطانيةً إبان الحرب العالمية الأولى، ثم أصبحت بريطانية أمريكية منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية. ولا نبالغ إن قلنا: إن الولاياتِ المتحدةَ الأمريكيةَ شريكٌ كاملٌ في جريمة القرن والمجازر الوحشية وكل انتهاكات حقوق الإنسان في فلسطين ولبنان.

– عربيًّا، لماذا وقفت غالبيةُ الأنظمة العربية والإسلامية على الحياد، وإلى متى هذا الصمتُ المخزي؟

لا يمكنُ تفسيرُ ولا تبرير المواقف العربية الرسمية المخزية تجاه العدوان على غزة واستباحة الدماء وتشريد عشرات الآلاف وتجويعهم وحصارهم؛ فهم وإن كانوا عاجزين عسكريًّا، فقد خذلوا فلسطين سياسيًّا وإنسانيًّا، بل وأخلاقيًّا؛ إذ لا يخفى تآمُرُ الكثير من الأنظمة العربية على المقاومة الفلسطينية، وما تخفيه قلوبُهم تفضحُه ألسنةُ أبواقهم في وسائل الإعلام المتصهينة. والأشدُّ إيلامًا أن هذه المواقفَ الرخوةَ انسحبت على الشارعِ العربي الذي لم يتحَرّك حتى الآن بالشكل المطلوب، بالرغم أن الأحرار في الشعوب الغربية كانت لهم مواقفُ مشهودة، وقد خرجت عشراتُ التظاهرات المتضامنة مع الشعب الفلسطيني في تلك العواصم وفي جامعاتها، بينما كان الشارع العربي يتحَرّك على إيقاع “الجامعة العربية”. ومع ذلك ما زلنا نتطلَّعُ ونعوِّلُ على دور الأحرار في أمتنا، بعد أن سقطت كُـلّ القناعات وانكشفت الحقائق جليَّةً ودامِغَةً لكل ذي لب وبصيرة.

– كيف تقرأون دورَ اليمن مستقبلًا، في إطار تداعيات المواجهة بين محور المقاومة والكيان الصهيوني، وفي إطار العدوان الأمريكي البريطاني على اليمن؟

سبق وأشرنا إلى الدور اليمني في معركة الإسناد، ويمكن أن نضيفَ بشيء من التفصيل، أن اليمنَ تحَرّكت في هذا الموقف دونَ أية حسابات سياسية، ولم تفكر القيادةُ السياسية والثورية في أية مصلحة من وراء هذا الإسناد العسكري تحديدًا، بل على العكس كان المشفِقون من الأصدقاء يتوقَّعون سيناريوهات مشؤومة؛ نظرًا للتهديدات الأمريكية، التي تحوَّلت إلى عمل عسكري عبرَ ما يسمى “تحالف الازدهار”، والعدوان الأمريكي البريطاني على اليمن الذي لا يزال قائمًا.

غير أن تطورات المواجهة كانت في صالح اليمن بحمد الله؛ الأمر الذي يمنح بلادَنا أفضليةً ليس في إطار محور المقاومة فحسب، بل على الصعيد الإقليمي والدولي، خَاصَّةً في ظل إحكام السيطرة على باب المندب واستعادة السيادة الوطنية على مياهنا الإقليمية في البحرَينِ الأحمر والعربي، والاستفادة من الموقع الجيوستراتيجي لليمن في معركة “الفتح الموعود والجهاد المقدَّس”

– برأيكم، ما مستقبل المفاوضات اليمنية السعوديّة، وهل تتوقعون عودةَ الحرب من جديد؟

صحيحٌ أن المفاوضاتِ اليمنيةَ السعوديّة قد تعثرت؛ بسَببِ تداعيات المعركة القائمة؛ وبسبب التدخلات والضغوط الأمريكية الوقحة على الجانب السعوديّ، وبرغم التوترات التي رافقت الضغوطَ الاقتصادية إلا أن حالَةَ خفض التصعيد ما تزال صامدةً.

لكن حالة اللاحرب واللاسلم لن تطول كَثيراً، وهذا ما حَــذَّرَ منه رئيسُ الجمهورية المشير مهدي المشَّاط في كلمته الأخيرة بمناسبة الذكرى العاشرة لثورة 21 سبتمبر الفتية، حين قال بكل وضوح: إن “صبرَ شعبنا على سياسة الإفقار والتجويع وتشديد الحصار الاقتصادي وعرقلة صرف مرتبات موظفي الدولة لن يطولَ، وَإِنَّ اليمنَ قد يضطرُّ إلى انتزاع حقوقه بالقوة المشروعة.

وبالطبع، فَــإنَّ هذا الموقفَ غيرُ منفصل عن القدرات العسكرية المتنامية لقواتنا المسلحة، التي كان لها اليد الطُّولى في المواجهة مع الأمريكي والبريطاني على مدى الأشهر الماضية، وبحسب خطاب فخامة الرئيس، فاليمن حريصة على تحقيق السلام العادل والمشرِّفِ لما فيه من مصلحة للجميع.

وعليه فالكُــرَةُ في مرمى الطرف السعوديّ ومرتزِقة العدوان، ويمكنُ البناءُ على خارطة الطريق لإنجاز اتّفاقٍ معلَنٍ يضمنُ حقوقَ شعبنا ويفتحُ الطريقَ أمام حوار سياسي يمني- يمني؛ مِن أجلِ تقريرِ مستقبَلِ اليمن على أَسَاسِ الوَحدةِ والسيادة والشراكة الوطنية.
——————————————-
المسيرة – حاوره عباس القاعدي

قد يعجبك ايضا
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com