أكتوبر (سيفن) .. أسفين القرن
أكتوبر (سيفن) .. أسفين القرن
يمني برس- بقلم- عدنان باوزير
أزعم أن مقولة (أن إسرائيل جيش له دولة) مقولة صحيحة ولكنها غير دقيقة، فالأصح أن إسرائيل بالأساس جهاز مخابرات أصبح له جيش ودولة، ففي البدء كانت المخابرات قبل أن يُنشأ الجيش وتولد الدولة، وعلى أساسه قام كل شيء .
لطالما برعت العقلية الصهيونية الموغلة في المادية والمهتمة بالتفاصيل في الجاسوسية، حيث لا يعتبر هذا العمل مجرد وسيلة لتحقيق أهداف سياسية وعسكرية وحسب، بل هو بالمقام الأول ثقافة يهودية عامة.
منذ أسطورة (إستير) تلك الفتاة اليهودية الحسناء التي زُرعت بخبث في بلاط الملك الفارسي (قورش) وتدرجت حتى صارت هي المتصرفة الأولى في شؤون البلاط والتأثير على الملك نفسه فخاض حرباً لا ناقة له فيها ولا جمل مع مملكة بابل وبالتالي تحرير قومها من السبي البابلي الثاني.
وقبل إستير وبعدها تكررت نفس الوسيلة مروراً بالعصر الإسلامي، حيث تعج كتب السير بالكثير من هذه القصص والمؤامرات على الإسلام وعلى شخص النبي (اللهم صل على محمد وآل محمد) وما قصة غزوة الخندق إلا أنموذج بسيط من مئات هذه النماذج ومحاولات الاختراق.
وما زالت تتكرر قصة إستير في عصرنا الحديث والمعاصر في مختلف البلاطات العربية وحتى أروقة السياسة العالمية.
وهذا يفسر تنوع وتعدد أجهزة الاستخبارات الصهيونية (موساد، شاباك، شعبة أمان، استخبارات جوية-بحرية-قتالية ..إلخ)، حصون مادية ومعلوماتية مركبة، حيث أن هذه الأجهزة بمثابة جهاز عصبي وعقل الكيان، لا يستطيع أن يقاتل إلا بها، حيث لا ينتظر الأخطار أن تتكون، بل يحاول أن يجهضها في مهدها، ونلاحظ هذا يتكرر اليوم في لبنان وسوريا وإيران، ويفسر هذا حرص المقاومة في لبنان على فقء عيون العدو منذ الأيام الأولى وهي محقة.
وثبت أن المفاجأة تشل حركة الكيان تماماً وتفقده السيطرة وربما تؤدي إلى الانهيار الكامل، وهذا ما رأيناه يتحقق في 7 أكتوبر 2023م، حيث كانت المفاجأة هي العنصر الأكبر والأخطر في طوفان الأقصى، لقد كان الجرح الأكبر فيما حدث للكيان هو جرح كبرياء هذه المخابرات وتضليلها وهذا ما حصل، وهذا ما يحاول اللاوعي الصهيوني الآن تبريره بتسريبات مفادها أن المخابرات قد حذرت من حصول حدث 7 أكتوبر ولكن (نتنياهو) تجاهل التحذيرات، وهذا غير صحيح.
عندما تحيط فقط بهذه العقلية المخابراتية الصهيونية المعقدة تستطيع أن تفهم حينها عظمة ما حدث في 7 أكتوبر وخطورته على الكيان.
الفائدة المستقاة هنا هي أن العرب المعروفين للأسف كظاهرة صوتية وهم بالفعل كذلك، متى ما تخلو عن طريقتهم في التفكير بصوت عال واشتغلوا بصمت مطبق وبسرية وبتحصين بشري وتكنولوجي وجوي إلى حد ما، واتقوا كل هذه الاختراقات، فإنهم يستطيعون أن يكرروا ويطوروا تجربة 7 أكتوبر والبناء عليها طالما أن الشرخ الأكبر قد حدث.