الحروب والمآسي.. روح أمريكا التي لا تعيش بدونها
الحروب والمآسي.. روح أمريكا التي لا تعيش بدونها
يمني برس- تقرير
ظلت الولايات المتحدة الأمريكية منذ نشأتها، تُعرف بأنها دولة بُنيت على الحروب والمآسي، فقد ارتكز تأسيسها على إراقة دماء السكان الأصليين، وشكّلت القوة والعنف مبدأً ثابتًا في سياستها الداخلية والخارجية. لم يكن التوسع الأمريكي مجرد صدفة تاريخية، بل كان نتاجًا مباشرًا لاستراتيجية استعمارية اعتمدت البطش والإبادة، ففي حادثة تعكس الوحشية الأمريكية في أبشع صورها، وزّعت السلطات الأمريكية في القرن الثامن عشر بطانيات موبوءة بمرض الجدري على السكان الأصليين (الهنود الحمر)، في أولى صور الحرب البيولوجية في التاريخ، لإبادة هذا الشعب بهدف إحلال المستوطنين البيض محلهم.
تلك العقلية، التي تعتبر الحرب وسيلة لتحقيق الأهداف، امتدت عبر الأجيال وشكّلت سياسة الولايات المتحدة في الداخل والخارج، فكل محطة في تاريخها مرتبطة بتدخل عسكري أو دعم مباشر لصراعات مسلحة، مما يجعل الحرب جزءًا من الهوية الأمريكية، وفي هذا التقرير، سنستعرض أبرز الحروب التي قادتها أمريكا منذ الحرب العالمية وحتى دعمها العسكري المباشر لإسرائيل، مرورًا بحروبها في الشرق الأوسط التي لا تزال مستمرة حتى اليوم.
قصف اليابان بالقنابل النووية
دخلت الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية في أعقاب هجوم بيرل هاربر عام 1941، لكنها تركت بصمة دموية في نهايتها عبر إلقاء قنبلتين نوويتين على مدينتي هيروشيما وناغازاكي، تسببت تلك الهجمات في قتل مئات الآلاف من المدنيين، غالبيتهم نساء وأطفال، فيما وصفته كثير من الدراسات بأنه جريمة حرب غير مبررة، إذ كانت اليابان على وشك الاستسلام بالفعل.
- الخسائر البشرية والمادية، أرقام مرعبة
- الخسائر البشرية:
في هيروشيما، انفجرت القنبلة النووية التي أُطلق عليها اسم “الولد الصغير” (Little Boy) في صباح السادس من أغسطس 1945، وأسفرت عن مقتل 140,000 شخص بحلول نهاية العام.
وفي ناغازاكي، ألقيت قنبلة “الرجل البدين” (Fat Man) في التاسع من أغسطس 1945، وأودت بحياة 74,000 شخصا بحلول نهاية العام.
الغالبية العظمى من الضحايا كانوا من المدنيين، بمن فيهم أطفال ونساء وكبار سن، بينما العديد من الضحايا لاقوا حتفهم على الفور نتيجة الانفجار الهائل والحرائق التي اجتاحت المدينتين.
- الخسائر المادية:
دُمّرت هيروشيما بالكامل تقريبًا، حيث طال الدمار أكثر من 90% من المباني، ففي ناغازاكي، تسببت طبيعة التضاريس الجبلية في تقليل نطاق الدمار، لكن ما يقرب من 40% من المدينة تحول إلى أنقاض. بينما انهارت البنية التحتية في المدينتين بالكامل، مما شلّ الحياة الاجتماعية والاقتصادية.
- الآثار الصحية طويلة الأمد
- الأمراض الإشعاعية:
بعد القصف، عانى الآلاف من آثار الإشعاع النووي، فظهرت أعراض مثل فقدان الشعر والنزيف الداخلي والغثيان الحاد، وخلال العقود التالية، ازدادت حالات الإصابة بأمراض سرطانية، خاصة سرطان الدم وسرطان الغدة الدرقية، بشكل كبير بين الناجين.
- التشوهات الخلقية:
الأجيال التي وُلدت بعد القصف عانت من تشوهات خلقية وأمراض جينية، نتيجة التعرض للإشعاع، وأدى ذلك إلى معاناة اجتماعية ونفسية للناجين وأسرهم.
- التأثير النفسي والاجتماعي
عانى الناجون من القصف، والمعروفون باسم “الهِباكوشا”، من وصمة اجتماعية شديدة، حيث خاف العديد من الناس من العدوى أو الأمراض الوراثية.
- الخضوع السياسي والعسكري
بعد استسلام اليابان في 15 أغسطس 1945، فرضت الولايات المتحدة احتلالًا مباشرًا استمر حتى عام 1952، وخلال هذه الفترة، أعيدت صياغة الدستور الياباني تحت إشراف أمريكي، وكان أبرز تعديل هو إدراج المادة 9 التي تمنع اليابان من امتلاك جيش هجومي، مما جعلها تعتمد على الولايات المتحدة في الدفاع عن نفسها.
- التحالف الأمني والعسكري الدائم مع الولايات المتحدة
رغم انتهاء الاحتلال المباشر، ظلت اليابان تحت المظلة العسكرية الأمريكية حتى اليوم، حيث يوجد في اليابان حوالي 50,000 جندي أمريكي يتوزعون على قواعد عسكرية مختلفة، مثل قاعدة يوكوسوكا البحرية وقاعدة كادينا الجوية.
- التبعية الاقتصادية والسياسية
أصبحت اليابان واحدة من أهم الشركاء الاقتصاديين لأمريكا، لكنها ظلت خاضعة لسياساتها الاستراتيجية حتى اليوم، وتواجه اليابان قيودًا على سياستها الدفاعية، وتُبقي على اعتمادها الكبير على الحماية الأمريكية في مواجهة أي تهديدات إقليمية.
- تقييم الهجوم: جريمة حرب بلا مبرر
رغم ادعاءات المسؤولين الأمريكيين آنذاك بأن القصف النووي كان ضروريًا لإنهاء الحرب، إلا أن كثيرًا من المؤرخين والعسكريين يرون أن اليابان كانت مستعدة للاستسلام قبل إلقاء القنابل، لكن الهدف الحقيقي، كما يُرجح، كان إظهار القوة الأمريكية أمام الاتحاد السوفيتي مع بداية الحرب الباردة.
كان قصف هيروشيما وناغازاكي واحدًا من أكبر الجرائم في التاريخ الحديث، ليس فقط بسبب الخسائر البشرية الهائلة التي أوقعها، ولكن أيضًا لما تركه من آثار صحية ونفسية مستدامة على الناجين، كما أن هذا الحدث رسّخ خضوع اليابان السياسي والعسكري للولايات المتحدة، وجعلها في موقع التابع الاستراتيجي لها حتى اليوم.
إن ما جرى في هيروشيما وناغازاكي ليس مجرد ذكرى تاريخية، بل تذكير دائم بأن القوة العسكرية يمكن أن تتجاوز حدود العقل والإنسانية، حين تصبح أداة لإثبات الهيمنة على حساب حياة الأبرياء.
حرب كوريا (1950-1953)
في مواجهة المد الشيوعي، انخرطت الولايات المتحدة في حرب كوريا، حيث دعمت كوريا الجنوبية عسكريًا، ضد جارتها كوريا الشمالية ما أدى إلى مقتل مئات الآلاف من المدنيين وتدمير بنى تحتية، وهذه الحرب لم تنتهِ فعليًا حتى اليوم، حيث لا يزال التوتر قائمًا في شبه الجزيرة الكورية.
حرب فيتنام (1955-1975)
تُعد حرب فيتنام (1955-1975) واحدة من أطول وأعنف الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة، حيث خلفت خسائر بشرية ومادية هائلة وغيّرت مسار التاريخ في جنوب شرق آسيا.
اندلعت هذه الحرب في سياق الحرب الباردة، وكانت تهدف إلى منع انتشار الشيوعية في فيتنام ودول المنطقة بالرغم من أن التدخل العسكري الأمريكي فشل في تحقيق أهدافه، لينتهي بانسحاب مذل إلا أنه خلف مآسٍ وجرائم حرب لا مثيل لها، وتركت البلاد غارقة في الدمار.
- جذور حرب فيتنام وأسبابها
بعد الحرب العالمية الثانية، أصبحت فيتنام ساحة صراع بين الشيوعيين في الشمال، بقيادة هو تشي منه، وحكومة جنوب فيتنام المدعومة من أمريكا، لذا فقد اشتعلت الحرب بعد تقسيم البلاد إلى شمال شيوعي وجنوب مدعوم من الولايات المتحدة.
من جانبها رأت الولايات المتحدة في هذا الصراع جزءًا من استراتيجيتها لاحتواء الشيوعية ومنعها من الانتشار في آسيا.
وأما فيتنام الشمالية فقد سعت إلى توحيد البلاد تحت الحكم الشيوعي.
- أبرز مراحل الحرب
- التصعيد العسكري الأمريكي (1964-1969) :
في عام 1964، استخدمت الولايات المتحدة حادثة خليج تونكين كذريعة لتوسيع تدخلها العسكري، وبدأ قصف شمال فيتنام بشكل مكثف ضمن حملة “الرعد المتدحرج”، حيث أُلقيت ملايين الأطنان من القنابل، وفي ذروة هذا التدخل، بلغ عدد الجنود الأمريكيين في فيتنام أكثر من 500,000 جندي.
- الخسائر البشرية:
بالرغم من هزيمة أمريكا عسكريا وتمكن المقاومة الفيتنامية من دخول سايغون وتوحيد البلاد إلا أن أمريكا قتلت في الحرب ما يقرب من 3 ملايين شخص، بينهم 2 مليون مدني فيتنامي.
كما خسرت الولايات المتحدة 58,220 جنديًا، إضافة إلى مئات الآلاف من الجرحى والمرضى النفسيين، وعانى الجنود العائدون من اضطرابات نفسية شديدة، عُرفت لاحقًا باسم اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD).
- الخسائر المادية والبيئية:
أسقطت الولايات المتحدة 7.5 مليون طن من القنابل على فيتنام، وهو ما يعادل ثلاثة أضعاف كمية القنابل التي أُلقيت في الحرب العالمية الثانية.
كما استخدم الجيش الأمريكي مبيد العامل البرتقالي (Agent Orange) لتدمير الغابات والمحاصيل التي يعتمد عليها الفيتكونغ، ما أدى إلى تلوث البيئة وانتشار الأمراض والتشوهات الخلقية بين السكان.
- آثار الحرب الأمريكية على فيتنام
الدمار الاقتصادي: خرجت فيتنام من الحرب مدمّرة بالكامل، حيث كانت معظم المدن والبنية التحتية في حالة خراب.
المعاناة الإنسانية: خلّفت الحرب ملايين الأيتام واللاجئين والجرحى.
الألغام والمتفجرات: لا تزال آلاف الألغام والمتفجرات غير المنفجرة تشكل تهديدًا للسكان حتى اليوم.
العدوان الأمريكي على كوبا (1962)
في 1959، نجحت الثورة الكوبية في الإطاحة بنظام فولغينسيو باتيستا المدعوم من الولايات المتحدة، واختار النظام الجديد تحت قيادة فيدل كاسترو وتشي غيفارا طريق الاشتراكية، ما أثار قلق الولايات المتحدة التي رأت في كوبا تهديدًا على مقربة من حدودها، ففي 1960، قررت كوبا تأميم الشركات والمصالح الأمريكية، ما أدى إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وسرعان ما فرضت الولايات المتحدة حصارًا تجاريًا، مستهدفة الاقتصاد الكوبي لعزله ومنع النظام الجديد من تحقيق نجاحات اقتصادية.
- محاولة الغزو: عملية خليج الخنازير
في أبريل 1961، دعمت الولايات المتحدة عملية عسكرية نفذتها مجموعة من المنفيين الكوبيين، بهدف الإطاحة بكاسترو. عُرفت هذه العملية بـ”خليج الخنازير”، لكنها باءت بفشل ذريع حيث أُسرت القوات المهاجمة بسرعة من قبل الجيش الكوبي وشكّل الفشل إحراجًا سياسيًا كبيرًا للإدارة الأمريكية بقيادة جون كينيدي، وأدى إلى تعزيز شعبية كاسترو، ودفع هذا الفشل كوبا للتحالف بشكل أوثق مع الاتحاد السوفيتي، مما أدى إلى أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962.
- أزمة الصواريخ الكوبية 1962
خلال ذروة التوتر بين المعسكرين الغربي والشيوعي، وافق الاتحاد السوفيتي على نشر صواريخ نووية في كوبا ردًا على نشر الولايات المتحدة صواريخ مماثلة في تركيا.
ولكن الأزمة انتهت بتسوية بين الطرفين حيث سحبت موسكو صواريخها من كوبا، وتعهدت واشنطن بعدم غزو كوبا، لكنها أبقت الحصار الاقتصادي، الذي شمل منع الصادرات والواردات، بما في ذلك الغذاء والدواء، ومنع الشركات الأمريكية أو الأجنبية من التعامل مع كوبا ومُنع المواطنون الأمريكيون من السفر إلى كوبا أو إرسال حوالات مالية إلى ذويهم في الجزيرة، وفي العقود الأخيرة، وسّعت الولايات المتحدة العقوبات بموجب قوانين مثل: قانون هيلمز-بيرتون عام 1996، الذي يستهدف الشركات الأجنبية التي تتعامل مع كوبا.
- الآثار الاقتصادية والاجتماعية لحصار كوبا
- تدهور البنية التحتية الكوبية، خاصة في قطاعات مثل الصحة والتعليم والطاقة.
- ندرة الأدوية والتجهيزات الطبية، التي أدت إلى تفاقم الأزمات الصحية، خاصة مع انتشار الأمراض الوبائية.
- انخفاض الإنتاج الصناعي والزراعي بسبب نقص المعدات وقطع الغيار.
- هجرة الكوادر الكوبية، خاصة الأطباء والمهندسين، بحثًا عن فرص أفضل في الخارج.
- الآثار السياسية والإنسانية لحصار كوبا
العزلة السياسية: فُرضت عزلة دولية على كوبا لعقود طويلة، رغم الدعم المستمر الذي حظيت به من بعض الدول مثل فنزويلا والصين.
معاناة الشعب الكوبي: دفع الشعب الكوبي ثمن الحصار، حيث يعيش أغلب السكان في فقر نسبي بسبب نقص الموارد.
الهجرة الجماعية: أدت الظروف الاقتصادية الصعبة إلى موجات من الهجرة إلى الولايات المتحدة، خاصة في أوقات الأزمات.
الغزو الأمريكي للصومال
مع انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991 وانتهاء الحرب الباردة، وجدت الولايات المتحدة نفسها بلا خصم يعادلها على الساحة الدولية، ما دفعها إلى تبني سياسة الهيمنة الأحادية لضمان بقاء تفوقها العسكري والاقتصادي.
ومع غياب التحدي الأيديولوجي، اتجهت الإدارات الأمريكية إلى استغلال قوتها في إشعال الحروب وخلق الأزمات، خاصة في منطقة الشرق الأوسط الغنية بالموارد، وذلك تحت ذرائع مختلفة مثل محاربة الإرهاب ونشر الديمقراطية، فتحولت المنطقة إلى مسرح للدمار والفوضى.
كانت الحروب على العراق وأفغانستان، والتدخل في ليبيا وسوريا، والعدوان المستمر على اليمن جزءًا من استراتيجية أمريكية تستهدف نهب الثروات الطبيعية والتحكم بمصادر الطاقة، بما يضمن استمرار سيطرتها على الاقتصاد العالمي، لكن هذه الحروب لم تقتصر على الخسائر المادية، بل عمّقت المآسي الإنسانية وأدت إلى تهجير الملايين وزرع الفوضى، مما جعل المنطقة في حالة عدم استقرار دائم لا تزال تداعياته قائمة حتى اليوم.
- محاولة أمريكا احتلال الصومال (1993)
رغم أن الصومال لا يُعد من الدول الغنية بالموارد الطبيعية، فإن موقعه الجغرافي الاستراتيجي جعله هدفًا مهمًا للولايات المتحدة والقوى الكبرى، لذا سعت واشنطن من خلال سياساتها وتدخلاتها في الصومال إلى تحقيق مجموعة من الأهداف العسكرية، الاقتصادية، والجيوسياسية، يمكن تلخيصها فيما يلي:
- التحكم بالممرات البحرية الدولية
يقع الصومال على القرن الإفريقي، المطل على المحيط الهندي وخليج عدن، وهو قريب من مضيق باب المندب، أحد أهم ممرات الشحن البحري في العالم وبالتي رأت فيه أمريكا موقعا محوريًا في حركة التجارة العالمية، وخاصة تجارة النفط القادمة من الخليج العربي والسيطرة على هذه المنطقة تمنح الولايات المتحدة
نفوذًا استراتيجيًا يمكن استخدامه في مراقبة الملاحة الدولية وفرض القيود على الدول المنافسة.
وعليه: بدأت أمريكا ترتب مبررات غزوها للصومال من خلال الإطاحة بالرئيس محمد سياد بري في عام 1991، وادخلت الصومال في حرب أهلية مدمرة، تسببت في تفشي المجاعة وانتشار الفوضى، ما أسفر عن وفاة مئات الآلاف من المدنيين، وانهارت المؤسسات الحكومية بالكامل، ما أدى إلى انتشار الميليشيات القبلية وتوقف جميع الخدمات الأساسية.
وفي عام 1992، قررت الأمم المتحدة التدخل لوقف المجاعة في الصومال عبر إرسال قوات حفظ السلام ضمن عملية “الإغاثة المستمرة” فاستغلت أمريكا هذه القرارات، وقادت ما يسمى بعملية “استعادة الأمل”، حيث أرسلت آلاف الجنود إلى الصومال لتأمين توزيع المساعدات الإنسانية، لكنها سرعان ما تورطت في الصراع الداخلي، متجاوزة هدفها الأولي المتمثل في الإغاثة.
وفي 3-4 أكتوبر 1993، شنت القوات الأمريكية عملية عسكرية لمحاولة السيطرة على الصومال، إلا أن العملية انتهت بكارثة، حيث أسقطت الفصائل الصومالية مروحيتين من طراز بلاك هوك، ما أدى إلى اشتباكات عنيفة في شوارع مقديشو.
قُتل في المعركة 18 جنديًا أمريكيًا وجُرح العشرات، فيما قُتل مئات المدنيين الصوماليين، وتسببت صور الجنود الأمريكيين القتلى الذين سُحلت جثثهم في الشوارع بصدمة كبيرة داخل الولايات المتحدة، ما دفع إدارة الرئيس بيل كلينتون إلى إعادة النظر في وجودها العسكري بالصومال.
بعد معركة مقديشو، تعرضت الولايات المتحدة لضغط داخلي ودولي للانسحاب. وبحلول مارس 1994، أنهت القوات الأمريكية عمليتها وسحبت قواتها من الصومال، تاركة البلاد في حالة فوضى دون تحقيق أهدافها المعلنة.
تسببت المحاولة الأمريكية الفاشلة في سقوط أكثر من 500,000 مدني بسبب الحرب والمجاعة، في حين سقط مئات الصوماليين خلال المواجهات المباشرة مع القوات الأمريكية.
بينما خسرت الولايات المتحدة 18 جنديًا في معركة مقديشو وحدها، فيما تجاوزت تكاليف العملية مئات الملايين من الدولارات كما تسببت الحرب في تشريد ملايين الصوماليين، حيث نزحوا داخل البلاد أو لجأوا إلى دول أخرى، وحتى اليوم مازالت الصومال تعاني ولم تتعافى بعد جراء العدوان الأمريكي.
مؤامرة أحداث الحادي عشر من سبتمبر للهيمنة على العالم واحتلال منطقة الشرق الأوسط
منذ وقوع هجمات 11 سبتمبر 2001، أثبتت نظريات عديدة أن الولايات المتحدة كانت ضالعة في التخطيط لهذه الهجمات لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية استراتيجية، وأن الغرض من تنفيذ الهجمات خدمت مصالح أمريكية عميقة دفعت باتجاه توسيع النفوذ العسكري والاقتصادي على مستوى العالم.
حيث سعت الولايات المتحدة بعد الهجمات إلى إعادة تشكيل النظام العالمي وفق مصالحها، ما مكنها من التدخل في شؤون دول عديدة بحجة محاربة الإرهاب.
وأدى ذلك إلى سقوط ملايين من الضحايا اغلبهم من المسلمين في محاولة إضعاف المنافسين الدوليين وضمان بقاءها القوة المهيمنة على العالم.
- غزو أفغانستان (2001-2021)
بعد أحداث 11 سبتمبر، غزت الولايات المتحدة أفغانستان بذريعة القضاء على تنظيم القاعدة، والذي اتهمته بالوقوف وراء الهجمات حيث تشير التقارير إلى مقتل أكثر من 243,000 شخص، بينهم عشرات الآلاف من المدنيين، نتيجة للعمليات العسكرية والهجمات الجوية التي نفذتها أمريكا.
خلفت الحرب مئات الآلاف من الجرحى والمشردين، مع اضطرار أكثر من 5 ملايين شخص إلى الفرار كلاجئين إلى دول مجاورة مثل باكستان وإيران.
كما تعرضت العديد من المدن والمناطق الأفغانية للتدمير، بما في ذلك المدارس والمستشفيات، وتسببت الحرب في انتشار الفقر والجوع بشكل واسع، حيث يعتمد ملايين الأفغان على المساعدات الدولية للبقاء على قيد الحياة، كما خلفت الحرب آثارًا نفسية عميقة على السكان، بما في ذلك الأطفال، بسبب تعرضهم لمشاهد العنف المستمرة.
- غزو العراق (2003)
بعد تدمير أمريكا لأفغانستان انتقلت لغزو العراق في 20 مارس 2003، بمشاركة بريطانيا وعدد من الدول المتحالفة، و كان المبرر الامريكي لهذا الغزو هو امتلاك العراق أسلحة دمار شامل والذي تبين لاحقا باعتراف الأمريكيين والبريطانيين أنها كانت كذبة، وفشلت أمريكا في اثبات صحة هذه المزاعم.
ومع مرور الوقت، اتضح أن الغزو كان جزءًا من سياسة أمريكية لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط والسيطرة على موارده، وخاصة النفط كون العراق غني بالنفط والموارد.
قتلت أمريكا في هذه الحرب أكثر من ٢ مليون عراقي وملايين الجرحى وخلفت مآسٍ لا حصر لها ما زال العراق يعاني منها حتى اليوم، ونهبت احتياطاته من الذهب والعملة الصعبة وسرقت تراثه ومتاحفه وارتكبت بحق الشعب العراقي أبشع الجرائم، ولعل أشهر هذه الجرائم ما تسرب من جرائم تعذيب لا مثيل لها في سجن أبو غريب بالرغم من أنها تقدم نفسها راعية لحقوق الإنسان، والتي توزعت على:
- التعذيب الجسدي:
تعرض السجناء للضرب المبرح، الصدمات الكهربائية، والإجبار على أوضاع مؤلمة لفترات طويلة.
- التعذيب النفسي:
استخدمت القوات الأمريكية وسائل تعذيب قذرة مثل: التجريد من الملابس، الإذلال الجنسي، والتهديد باغتصاب السجناء أو أسرهم.
- الإعدام الوهمي:
حيث كان يتم تهديد المعتقلين بالإعدام الفوري أو إطلاق النار الوهمي لإرهابهم.
- استغلال الكلاب:
أطلقت القوات الأمريكية الكلاب المدربة على المعتقلين لترهيبهم أو إصابتهم بجروح.
الحرب على ليبيا وسوريا
استغلت أمريكا انطلاق الثورات العربية (الربيع العربي) وسعت للالتفاف على مطالب الشعوب العربية بتأجيج الأوضاع في ليبيا عام 2011 عبر دعم الفصائل المسلحة، مما أدى إلى انهيار الدولة، وقتل القذافي مما أدى لحرب أهلية سقط فيها مئات الآلاف في وقت يتم فيه نهب النفط الليبي.
أما في سوريا، فقد جيشت أذرعها في المنطقة لدعم الحرب على سوريا فتم تسهيل ونقل آلاف من الأدوات التكفيرية التي صنعتها المخابرات الأمريكية ما تسبب بتدمير البنية التحتية السورية وتشريد أهلها، ولما رأت أمريكا الفرصة مواتية قامت باحتلال منابع النفط السورية وسرقته جهارا نهارا وأمام أنظار العالم متحديه كل القوانين الدولية.
العدوان على اليمن (2015 – مستمر)
بعد أن تمكن الشعب اليمني من الانتصار في ثورته الشعبية في ٢١ سبتمبر ٢٠١٤م، وإخراج اليمن من تحت الهيمنة الأمريكية سعت الأخيرة بكل جهدها، لإسقاط ثورة الشعب اليمني وإعادة هيمنتها فأوعزت إلى أدواتها في المنطقة وبالذات النظام السعودي والإماراتي ومعهما أكثر من 20 دولة بعضها ساهم عسكريا بشكل مباشر والبعض الأخر قدم أسلحة ومعلومات لوجستية وخبراء في غرف العمليات، وفي مقدمة هذه الدول، الولايات المتحدة التي قدمت دعمًا عسكريًا واستخباراتيًا للتحالف الذي قادته السعودية والإمارات والحقيقة أن أمريكا هي من يقف خلف العدوان بكل إمكانياتها، ويمكن أجمال خسائر الشعب اليمني في هذا العدوان فيما يلي:
- الخسائر البشرية:
يُقدّر أن حوالي 400,000 شخص قد فقدوا حياتهم، نتيجة القصف العشوائي والحصار بينهم أطفال ونساء بشكل مباشر أو غير مباشر، نتيجة للعدوان الأمريكي السعودي، حيث شنت الطائرات الأمريكية أكثر من ربع مليون غارة على المدن والقرى اليمنية، وساهمت الظروف الإنسانية المأساوية الناجمة عن الحصار وانهيار البنية التحتية في تفاقم هذه الأرقام.
- تدمير البنية التحتية:
تم استهداف المنشآت المدنية الحيوية بشكل مباشر، بما في ذلك المطارات، والموانئ، والجسور، ومحطات الكهرباء، ما أدى إلى شلل شبه كامل في الاقتصاد اليمني، ناهيك عن تضرر المرافق الصحية بشكل كبير، حيث تم قصف أكثر من نصف المستشفيات والمراكز الصحية في البلاد، مما جعل الحصول على الرعاية الصحية الأساسية أمرًا مستحيلاً لعدد كبير من السكان.
إضافة إلى ذلك، تم تدمير العديد من المدارس والجامعات، مما أدى إلى انقطاع ملايين الأطفال والشباب عن التعليم، ولم يقتصر الدمار على المباني فقط، بل شمل أيضًا البنية التحتية الزراعية، حيث تم استهداف الأراضي الزراعية والمزارع، ما تسبب في أزمة غذائية خطيرة.
- الخسائر الاقتصادية:
كانت الآثار الاقتصادية للعدوان كارثية، فالحصار المفروض على الموانئ اليمنية أدى إلى شلل الاقتصاد الوطني واعتماد البلاد بشكل شبه كامل على المساعدات الإنسانية، كما تعرضت القطاعات الاقتصادية الرئيسية مثل النفط والغاز، وهما مصدران أساسيان للدخل الوطني، للضرر الشديد جراء القصف والغارات الجوية، مما أدى إلى توقف معظم الأنشطة الاقتصادية.
بالإضافة إلى ذلك، أدى انهيار العملة المحلية إلى تضخم غير مسبوق في أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية، مما جعل حياة ملايين اليمنيين أكثر صعوبة.
وتقدر خسائر الاقتصاد اليمني بسبب العدوان والحصار بمئات المليارات من الدولارات، مع توقف عجلة الإنتاج بشكل شبه كامل في معظم المناطق.
- الأزمة الإنسانية:
يعيش أكثر من 80% من سكان اليمن تحت خط الفقر، وتعتمد معظم الأسر على المساعدات الغذائية المقدمة من المنظمات الدولية، ومع الحصار الجوي والبحري المفروض على البلاد، تفاقمت الأزمة الغذائية، حيث يعاني أكثر من 17 مليون يمني من انعدام الأمن الغذائي. كما أدت الأوبئة مثل الكوليرا وانتشار الأمراض المعدية الأخرى إلى وفاة آلاف اليمنيين، حيث لم تتمكن المرافق الصحية المدمرة من التعامل مع الأوضاع الصحية المتدهورة.
- الآثار الاجتماعية:
أدت الحرب إلى تمزيق النسيج الاجتماعي في اليمن، حيث أن النزوح الداخلي، الذي أجبر أكثر من 4 ملايين يمني على ترك منازلهم، زاد من تعقيد الوضع الإنساني، فانتشرت حالات الفقر والبطالة بشكل كبير، كما تسببت الحرب في فقدان ملايين اليمنيين لمصادر رزقهم.
أمريكا و”إسرائيل”: تحالف عسكري واستراتيجي مستمر
منذ قيام الكيان الصهيوني عام 1948، كانت الولايات المتحدة الداعم الرئيسي له عسكريًا وسياسيًا، فقد موّلت واشنطن الحروب الإسرائيلية ضد الدول العربية، ووفرت لإسرائيل الغطاء الدبلوماسي في المحافل الدولية، وتستمر هذه العلاقة الوثيقة حتى اليوم، حيث تدعم الولايات المتحدة إسرائيل في حربها الحالية على غزة ولبنان، إضافة إلى الدعم المالي السنوي الذي تتلقاه إسرائيل، فقد زودتها الولايات المتحدة بأسلحة متطورة استُخدمت في قصف المدنيين في قطاع غزة، مما يعكس انحيازًا أمريكيًا واضحًا للعدوان الإسرائيلي.
ومنذ قيام المستوطنات الصهيونية بدعم أمريكي وبريطاني وغربي مرورا بالنكسة والحروب العربية الإسرائيلية، وإلى معركة طوفان الأقصى تشير التقديرات إلى أن قرابة مليون فلسطيني سقطوا بين قتيل وجريح وخسروا قرابة 80% من أراضيهم، وتعرضوا لأبشع صور التنكيل والتعذيب والقتل اليومي والتهجير والهدم والمصادرة وسرقة الأراضي والمنازل، وممارسات العصابات الصهيونية العنصرية مع من بقي من أبناء فلسطين في الداخل الفلسطيني وكل ذلك بدعم وتشجيع أمريكي مطلق للكيان الصهيوني.
دور أمريكا في الحرب الأوكرانية
كما تدخّلت الولايات المتحدة بشكل غير مباشر في الحرب الأوكرانية التي بدأت عام 2022، عبر دعم كييف بالسلاح والتكنولوجيا المتقدمة في إطار مواجهتها مع روسيا، وقد أسهم هذا الدعم في إطالة أمد الحرب وتفاقم معاناة الشعب الأوكراني.
أخيرا وعلى مدى عقود، أثبتت الولايات المتحدة أنها دولة لا تستطيع العيش بدون الحروب، فقد تحولت الحروب إلى جزء لا يتجزأ من سياساتها لتحقيق مصالحها الاقتصادية والسياسية، وتسببت هذه الحروب في تدمير دول وتشريد شعوب، فيما تستمر واشنطن في لعب دور أساسي في تأجيج الصراعات حول العالم.