برنامج “إطعام”.. نموذج للجهود الإغاثية الناجحة في ظل العدوان والحصار
برنامج “إطعام”.. نموذج للجهود الإغاثية الناجحة في ظل العدوان والحصار
يمني برس ـ تقرير ـ يحيى الربيعي
تشهد اليمن منذ عام 2015 واحدة من أكبر المآسي الإنسانية على مستوى العالم نتيجة العدوان والحصار والأمريكي السعودي المستمر منذ عشر سنوات. يعاني حوالي 75% من السكان من انعدام الأمن الغذائي، مما يضع الضغوط الإنسانية على كاهل المجتمع ويزيد من معاناتهم اليومية.
استجابةً لهذا الوضع المأساوي، أطلقت مؤسسة بنيان التنموية برنامج “إطعام الإغاثي” في يناير 2018، والذي يهدف إلى تقديم المساعدات العاجلة للفئات الأشد فقراً، والمجتمعات المتضررة من العدوان. يعكس البرنامج التزام المؤسسة العميق بمسؤوليتها تجاه الشعب اليمني، حيث يتم توزيع المساعدات الغذائية بصورة منتظمة في 164 نقطة مختلفة على مستوى أمانة العاصمة والمحافظات المجاورة مثل عمران والمحويت ووشحة في محافظة حجة.
يُعَد مشروع “إطعام” من بين أبرز البرامج الإغاثية في البلاد، حيث يتكون من ثلاثة مشاريع رئيسية: الأفران الخيرية، والسلة الغذائية الرمضانية، وتوزيع اللحوم في عيد الأضحى المبارك. يستهدف البرنامج حوالي 42 ألف أسرة، بإجمالي يصل إلى 278,000 مستفيد، مما يسهم في تخفيف معاناتهم بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة.
و من بين هذه المشاريع، يعتبر مشروع الأفران الخيرية عنصراً أساسياً، إذ يعمل على توفير الخبز للفئات الأكثر حاجة. حيث يتم توزيع نصف كيلو من الخبز يوميًا لكل أسرة، ما يعادل 10 أرغفة.
يتضمن مشروع الأفران الخيرية 6 أفران، منها 3 أفران حديثة الآلية موجودة في أمانة العاصمة وصنعاء، و3 أفران تقليدية موزعة على محافظات عمران والمحويت ومديرية وشحة الحدودية في حجة، وتبلغ القدرة الإنتاجية الإجمالية لهذه الأفران 430,000 رغيف يوميًا، أي ما يقارب 154 مليون و800 ألف رغيف سنويًا. ويعمل في هذه المشروع أكثر من 560 متطوعًا، مما يبرز أثر العمل الجماعي في مواجهة التحديات الإنسانية التي تواجهها البلاد.
يمثل هذا الجهد نقطة تحول إيجابية، حيث يعمل على توفير الحاجات الأساسية للفقراء والمحتاجين، بما في ذلك رغيف الخبز الذي يُعتبر عنصرًا حيويًا في النظام الغذائي للشعب اليمني.
إحياء روح التكافل
وتكمن أهمية هذه المبادرات في إحياء روح التكافل الاجتماعي وتعزيز العلاقات الأخوية بين أفراد المجتمع، مما يسهم في دعم المحتاجين وحفظ كرامتهم لاستمرارية الصمود في وجه العدوان والحصار.
تسير هذه الخطوات في اتجاه تعزيز القدرة على مواجهة الأزمات، حيث يُظهر التحول نحو الإنتاج المحلي في مصانع الخبز بفضل استخدام الآلات اليمنية، التوجه الإيجابي نحو الاعتماد على الذات. إن تكافل المجتمع وجهود مؤسسة بنيان في مجالات العمل الخيري والتنمية تُظهر عزم الشعب اليمني على تجاوز الصعوبات والحفاظ على وحدة الصف في مواجهة التحديات.
بهذا، تُعتبر هذه الجهود نموذجاً يُحتذى به في العمل الإنساني، لما يعكس من الإبداع والتحدي الذي يتمتع به الشعب اليمني في ظل الظروف الصعبة.
يستهدف مشروع الأفران الخيرية في اليمن الفئات الأكثر احتياجاً من المجتمع، حيث تم تحديد ثلاث فئات رئيسية تعتمد على الدراسات الميدانية التي أُجريت في مختلف المناطق. تركز هذه الدراسات على استهداف الأسر التي لا يوجد لديها عائل، أو تلك التي تعولها امرأة، أو الأسر التي تفتقر إلى مصادر دخل شهري ثابت أو متغير تغطي احتياجاتهم؛ بالإضافة إلى الأسر حديثة النزوح التي تعاني من ظروف معيشية صعبة.
الطاقة الإنتاجية
يشمل المشروع ستة أفران، 3 منها آلية وثلاثة تقليدية، حيث تم توزيعها حسب الاحتياج في مختلف مناطق العاصمة صنعاء، وكذلك في محافظتي عمران والمحويت ومديرية وشحة محافظة حجة.
يعد الفرن الآلي الأول (شعوب) من الأفران الرئيسية ويحتوي على خطين انتاجيين ، ويقوم بإنتاج 156,000 رغيف يومياً، مع قدرة إنتاجية قصوى تصل إلى 300,000 رغيف.
بينما ينتج الفرن الآلي الثاني الواقع في جولة عمران 77,000 رغيف يومياً، ويمكن أن يصل إلى 150,000 رغيف عندما يعمل بكامل طاقته. الفرن الآلي الثالث يقع في مديرية السبعين ويحقق إنتاجاً حالياً يبلغ 160,000 رغيف يومياً، مع إمكانية زيادة الإنتاج إلى 180,000 رغيف.
أما في محافظات المحويت وعمران وحجة، فقد تم تدشين ثلاثة أفران تقليدية لتلبية احتياجات الأسر المحتاجة.
ينتج فرن المحويت 10,000 (كدمة بلدي) يومياً، بالإضافة إلى إمكانية الوصول إلى 20,000 (كدمة بلدي) في أقصى إنتاجية له. بينما يسجل فرن عمران رقماً يصل إلى 10,000 (كدمة بلدي) يومياً، مع قدرة قصوى تبلغ 32,000 (كدمة بلدي) إذا تم تشغيله بكامل طاقته الإنتاجية كما ينتج فرن مديرية وشحة محافظة حجة 20,000 (كدمة بلدي) يوميا ويوزع لكل مستفيد في هذا الفرن بشكل خاص عدد 15 (كدمة بلدي) يوميا ويستهدف 1,300 أسرة.
يتم توزيع الخبز عبر شبكة من نقاط النقل والتوزيع، والتي تشمل 175 نقطة في أمانة العاصمة وجزء من محافظة صنعاء، بالإضافة إلى 6 نقاط في محافظة عمران و5 نقاط في محافظة المحويت و13 نقطة في مديرية وشحة حجة. وتُدعم عمليات التوزيع عبر 6 وسائط نقل خاصة بالمشروع، إلى جانب وسيلتين من وسائل النقل العامة، مما يسهل وصول المساعدات الغذائية إلى الأسر المحتاجة.
يمثل هذا التوزيع العادل للموارد شريان الحياة للعديد من الأسر اليمنية، مما يسهم في تخفيف حدة الجوع والمعاناة الناتجة عن الظروف الحالية. إن استمرار هذه المبادرات الخيرية يعكس التزام مؤسسة بنيان التنموية بتحقيق تأثير إيجابي مستدام في المجتمعات المحلية، ويأتي في إطار جهود مجتمعية شاملة لمواجهة التحديات الإنسانية المتزايدة.
الموازنة العامة لمشروع الأفران الخيرية
تستهدف موازنة مشاريع الأفران الخيرية، الذي تسعى لتلبية احتياجات الأسر الأكثر فقراً في اليمن، تعزيز القدرة الإنتاجية وتوفير المواد الغذائية الأساسية. وفقًا للخطة المدروسة لعام 1444هـ، بلغ إجمالي الموازنة 2,224,635,000 ريال يمني، موزعة على مجموعة من الأقسام الحيوية التي تدعم سير العمل وتحقيق الأهداف التنموية. حيث تتوزع الموازنة العامة لمشاريع الافران على النحو التالي:
مشروع الأفران الخيرية في صنعاء والمحويت حيث يكون من ثلاثة أفران آلية في أمانه العاصمة وفرن عادي في محافظة المحويت حيث تبلغ قيمة المواد الأولية (البر والدقيق والديزل) في العام ( 1,697,560,200 )ريال والنفقات التشغيلية مبلغ ( 346,800,000 )ريال ليبلغ تكلفة المشروع كامل ( 2,044,360,200) ريال.
فرن محافظة عمران
مشروع فرن عمران حيث يتكون من فرن عادي في مدينة عمران و تبلغ قيمة المواد الأولية (البر والدقيق والديزل) في العام( 41,610,600 )ريال والنفقات التشغيلية مبلغ (13,200,000 )ريال ليبلغ تكلفة المشروع كامل للعام ( 54,810,600) ريال.
فرن محافظة حجة
مشروع فرن حجة حيث يكون من فرن عادي في مديرية حيث تبلغ قيمة المواد الأولية (البر والدقيق والديزل) في العام( 90,180,000 )ريال والنفقات التشغيلية مبلغ( 13,200,000 )ريال ليبلغ تكلفة المشروع كامل للعام( 35,284,200 )ريال.
تعمل هذه الموازنة على ضمان التوزيع العادل للموارد، مما يسهم في تعزيز الأمن الغذائي في ظل الظروف الإنسانية الصعبة التي يمر بها اليمن. إن التخطيط الدقيق والتنظيم المدروس لهذه المخصصات يعكس الجهود المستمرة لمؤسسة بنيان التنموية في تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية من خلال تكافل المجتمع ورفع مستوى المعيشة.
مشروع الأفران الخيرية.. تعزيز التكافل الاجتماعي
يعد مشروع الأفران الخيرية أحد أبرز مبادرات مؤسسة بنيان التنموية، وفقًا لما أوضحه مدير برنامج “إطعام” أمين العابد يعكس المشروع استجابة شاملة للتحديات الاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن العدوان والحصار المفروض على اليمن. إذ أن تداعيات هذه الأزمات، جنبًا إلى جنب مع السياسات غير السليمة التي اتبعتها الأنظمة السابقة، قد أدت إلى تفاقم الأوضاع المعيشية وارتفاع مستويات الفقر والبطالة وانعدام الأمن الغذائي في البلاد.
وأشار العابد إلى أن “العدوان والحصار الأمريكي السعودي قد أوقعا الويلات على اليمن، فأهلكا الحرث والنسل، وأدخلا المجاعات إلى كل بيت”. في ظل هذه الظروف القاسية، استجاب مشروع الأفران الخيرية عبر برنامج “إطعام” لتلبية احتياجات المجتمع، متبنيًا مجموعة من المشاريع الغذائية المستدامة، من بينها مشروع الأفران الخيرية ومشاريع الوجبات الرمضانية والأضاحي.
الأهداف والتوجهات
يهدف المشروع بشكل أساسي إلى تحسين الظروف المعيشية للسكان والتقليل من الأثر المدمر للعدوان والحصار. كما يسعى إلى تعزيز قيم التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع، مؤكدًا على الأهمية الكبيرة لمشاريع الإغاثة المستمرة. منذ انطلاقته، استطاع مشروع الأفران الخيرية أن يؤثر بشكل إيجابي على حياة الكثير من الأسر، حيث أصبح جزءًا لا يتجزأ من برنامج إطعام، الذي يُعتبر من أكبر البرامج الإغاثية في اليمن.
كما يتناول ضابط المشروع، يحيى التركي أهمية المشروع، حيث قال: “إنه يُنفذ بشكل دائم طوال العام منذ ست سنوات، وقد كان له الأثر البارز في تخفيف المعاناة وتجسيد مفاهيم الإحسان في المجتمع”.
تقديم المساعدات والإمدادات الغذائية
تمتاز خدمات مشروع الأفران بتقديم الخبز والمواد الغذائية الأساسية للأسر المحتاجة بشكل متواصل، حيث يتم توزيعها عبر 175 نقطة توزيع في مختلف المناطق. يُعتمد في هذا الجهد على 560 متطوعًا، منهم جرحى، يسهمون في إيصال المساعدات بشكل فعال.
يعمل برنامج إطعام بشكل عام مع أكثر من 1100 متطوع، مما يُعزز من الجهود المبذولة لتفعيل الطاقات المجتمعية. يسعى المشروع إلى تقديم فرصة للمواطنين للمساهمة في تحسين أوضاع الفئات الأشد فقراً، حيث يعتمد البرنامج بشكل كبير على الانفاق الطوعي والدعم من أفراد المجتمع.
التكامل بين الإغاثة والتنمية
يسعى مشروع الأفران الخيرية كذلك إلى معالجة القضايا الإنسانية من منظور تنموي، حيث يتم إعداد قاعدة بيانات دقيقة للأسر المحتاجة بالتعاون مع الجهات المحلية مثل عقال الحارات ومكاتب هيئة الزكاة. هذه الخطوة تعزز من فعالية الدعم المقدم وتحدد المستحقات للأسر الأكثر حاجة.
يشير التركي إلى الأهمية الكبيرة للإنتاج المحلي من المواد الأولية، مما يعود بالفائدة على الاقتصاد المحلي ويعزز من الأمن الغذائي. في هذا السياق، يُشجع المشروع على التعاون بين جميع المعنيين بما في ذلك التجار ورجال الأعمال، حيث دعاهم للمساهمة في دعم هذه المبادرات الإنسانية لرفع مستوى المساعدة المقدمة للأسر المستضعفة.
النداء للتضامن والتكافل
ختامًا، وجه التركي نداءً للتجار وأصحاب الشركات والموسرين في المجتمع للإسهام بمساهماتهم لصالح مشروع إطعام. وهو تعبير يبرز أهمية التعاون والتكافل في المجتمع، مشددًا على أن كل دعم يُقدَّم يُعتبر خطوة نحو النهوض بخدمات المشروع وزيادة عدد المستفيدين في البلاد.
بهذه الطريقة، تمثل مؤسسة بنيان التنموية نموذجًا يحتذى به في مجال العمل الإغاثي والتنموي، حيث تجمع بين تقديم المساعدات الفورية وتعزيز العمل المجتمعي المستدام. إن هذا التوجه يُعد استجابة ملحة للواقع الصعب الذي يعاني منه اليمن، ويعكس الجهود المستمرة لتحسين مستوى المعيشة لدى الشرائح الأكثر تضررًا.
لمسة إنسانية في مشروع الأفران الخيرية
يسلط المتطوعون الضوء على الروح الحقيقية للتطوع في مشروع الأفران الخيرية، حيث تتكامل الجهود الفردية لتخفيف المعاناة عن الأسر الفقيرة والمحتاجة في المجتمع. تحكي المتطوعة الحاجة مريم : “التعب في سبيل إغاثة المستضعفين لا ينهكني. آخرون يحتاجون للأيدي التي تمتد إليهم في لحظات الحاجة.” رغم أنها تمشي مسافة 4 كيلومترات يوميًا سيرًا على الأقدام لإحضار الخبز من فرن “إطعام الخيري”، إلا أن عزيمتها لا تفتر. تتحدث بفخر عن مهمتها في توزيع الخبز وتقليص معاناة الأسر التي تكافح لتأمين لقمة العيش لأطفالها. تجسد هذه القصة الإنسانية روح الجهد والتفاني، حيث تتجاوز مسافات عديدة من أجل إحداث تغيير حقيقي في حياة الآخرين.
بدوره، يشارك المتطوع علي عبد الله صالح زيدان قصته وتجربته في قرية سنع. يقول: “أنا أعمل متطوعًا في مشروع الأفران الخيرية منذ عامين. نبدأ العمل عند المغرب ونعود ليلاً لتوزيع الطلبات، لكي نضمن وصول المساعدات للأسر المستفيدة في الساعة السابعة صباحًا.” يواجه علي تحديًا يوميًا لا ينتهي، حيث يلتقي مع بعض الأشخاص الذين يغمرهم اليأس ويتساءلون: “ما هي الفائدة من توزيعاتكم؟”. لكن ردود علي وزملائه دائمًا تحمل رسالة الأمل: “نحن نبتغي رضاء الله. هدفنا هو مساعدتك ومساعدة الأشد احتياجًا.” هذه الكلمات تعكس الرؤية النبيلة للمتطوعين، الذين يعتبرون عملهم سبيلاً لتقديم الخير ويحثون المجتمع على تعزيز روح التكافل.
كما يشدد علي على أهمية تفقد الأسر المتعففة، خاصة أسر الشهداء والجرحى والمرابطين، ويؤكد على ضرورة أن يكون المجتمع مُلهماً لبعضه البعض. يقول: “يجب علينا أن نهتم بالأسر التي تغلق أبوابها على جوعها، ولا تعرض حالها إلا على الله.” إن كلماته تؤكد على الأمل في إمكانية تحسين حياة الآخرين من خلال البذل والعطاء، وكيف أن قصة كل متطوع تحمل في طياتها معنى الإنسانية والرغبة في تقديم الدعم لمن يحتاجه.
يظهر ما يعكسه هؤلاء المتطوعون من قصص ملهمة إنسانية كيف يمكن للفرد أن يحدث فرقًا حقيقيًا في المجتمع من خلال عمله التطوعي. إن روحهم المليئة بالعطاء والتفاني تُعد بمثابة شعلة أمل تُضيء الطريق للعديد من الأسر المحتاجة، وتعكس القيم العميقة للتعاون والتضامن في أوقات الأزمات.