الأسوة والقدوة
الأسوة والقدوة
يمني برس- بقلم د. فاطمة بخيت
كانت محط اهتمام الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، حظيت برعاية كبيرة، تربت على يديه الشريفتين تربية صالحة، تعلمت منه مختلف العلوم، سمعت من فمه الطاهر آيات الذكر الحكيم وتمثلت تلك الآيات قولاً وعملاً، تحملت معه صلى الله عليه وآله وسلم أعباء الدعوة الإسلامية وهي ما زالت طفلة صغيرة، كانت ترعاه كما كان يرعاها حتى قال عنها: “أم أبيها”، لا سيما بعد وفاة أمها الصديقة خديجة التي ترك رحيلها بالغ الأثر في نفس رسول الله، كانت تواسيه وتخفف عنه ما يعانيه من كفار قريش وأعداء الرسالة المحمدية، فكانت خير خلف لخير أم من أمهات المؤمنين، حتى بلغت أعلى درجة في درجات سلم الكمال الإيماني والإنساني، لم تكن كأي أنثى على هذا الوجود، بل كانت كما قال عنها صلى الله عليه وآله وسلم: “سيدة نساء العالمين وسيدة نساء المؤمنين وسيدة نساء أهل الجنة”.
وفي ذلك البيت الطاهر المفعمة أجواؤه بنور الإيمان والتقوى والعفاف، نشأت وترعرعت فاطمة الزهراء سلام الله عليها، وكلما كبرت، كلما تجلت فيها معالم السمو الإيماني والأخلاقي والإنساني بشكل أكبر، وما إن بلغت سن الزواج حتى تسابق الصحابة لنيل شرف الاقتران ببضعة النور وربيبة بيت النبوة، ولكن لأنّ الله أراد لتلك الابنة أن تكون نواة لسلسلة العترة الطاهرة لم يأذن بزواجها إلا بعد أن تقدم لها من هو جدير بأن يكون كفء لها، فجاءت المباركة السماوية عندما تقدم لها سيد الوصيين وقائد الغر المحجلين الإمام علي عليه السلام لما تميز به من كمال الإيمان والإخلاص والتضحية في سبيل الله مع ابن عمه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، فشكل الإمام علي مع الزهراء سلام الله عليهما الأساس واللبنات الأولى لذلك البيت المنور بنور الإيمان، حتى أصبحا قدوة لغيرهما من المؤمنين الصادقين، فخرج من ذلك البيت الطاهر أئمة التقى وأعلام الهدى، حيث تربى ابناؤهما على أرقى مستوى، مع والدين عظيمين، تحفهم أيضاً رعاية جدهم المختار صلى الله عليه وآله وسلم، الذي قال عن ابنيهما: “الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة”. فتعلما الإيمان ومكارم الأخلاق، ومعهما كذلك الطاهرة زينب الحوراء عليهم سلام الله أجمعين.
وتحملت ريحانة رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – في البيت المتواضع للإمام علي عليه السلام متاعب الحياة وأعباءها، وواصلت طريق التضحية والفداء من أجل الله وفي سبيله، حتى بلغت درجة أن يكون رضاها لله وغضبها أيضاً لأجله. فقال عنها صلى الله عليه وآله وسلم: “فاطمة بضعة مني من أغضبها أغضبني ومن أغضبني أغضب الله”، فكانت حياتها حافلة بالمواقف العظيمة والمشرفة التي تتشرف بها عندما تلقى الله وتقف بين يديه.
وكما فتح الله المجال للرجل ليرتقي في سلم الكمال الإيماني والأخلاقي، فتح كذلك للمرأة، وهذه نعمة من الله يجب على المرأة أن تشكره عليها، وتقتدى بمن يجب عليها أن تقتدي بها. ولم يأت تغييب فاطمة الزهراء وغيرها من سيدات نساء الجنة والمؤمنات العظيمات من كتبنا ومناهجنا ووسائل إعلامنا إلا ضمن خطة مدروسة؛ لأنّ الأعداء يدركون جيداً أن الاقتداء بهن يعني فشل مشاريعهم ومخططاتهم في استهداف الأمة والقضاء عليها.
إنّ أيّ ذكرى تتعلق بهذه المرأة العظيمة لا تستحق منا أن نذكرها في فترة معينة فحسب، بل إنّ الزهراء عليها السلام مدرسة متكاملة الأركان نتعلم فيها الكثير من الدروس والعبر في شتى مجالات الحياة، لنرتقي في إيماننا ووعينا، وحتى لا نقع ضحية للمشاريع الشيطانية لأعداء الدين والأمة، وستظل الزهراء نوراً مشعاً يضئ كل جنبات حياة المؤمنات الصادقات.