المنبر الاعلامي الحر

غزة تنزف والشعوبُ العربية ما تزالُ في سباتها!

غزة تنزف والشعوبُ العربية ما تزالُ في سباتها!

يمني برس ـ بقلم ـ شاهر أحمد عمير

إن العرب اليوم يقفون على مفترق طرق خطير، فبينما تنزف غزة تحت وطأة العدوان الإسرائيلي الوحشي، تظل الشعوب العربية والإسلامية، ومعها حكامها، غارقة في صمت مخزٍ لا يليق بماضٍ عرف عنه الشهامة والغيرة والنخوة. في كُـلّ عدوان جديد على فلسطين، تتجدد الآمال بتحَرّك عربي إسلامي يعيد للأُمَّـة كرامتها المفقودة، لكن ما نراه على الأرض هو العكس تمامًا؛ حكام يهرولون نحو التطبيع وشعوب تكبلها القيود والضغوط السياسية. أما غزة، فتواصل صمودها، تاركة للأُمَّـة دروسًا في التضحية والإباء.

غزة اليوم ليست مُجَـرّد مدينة فلسطينية تحت الحصار، بل هي رمز للكرامة والصمود في وجه الظلم والعدوان الإسرائيلي والأمريكي. اليوم العدوان الإسرائيلي على غزة كشف للعالم الوجهة الحقيقي للاحتلال الذي لا يتورع عن ارتكاب أبشع الجرائم ضد الإنسانية، مستهدفًا الأطفال والنساء والشيوخ مستهدف النازحين وطلاب المدارس بلا رحمة. رغم ذلك، لا نرى سوى صمت مطبق من غالبية الدول العربية والإسلامية، وتشجيع أمريكي غربي لهذا الكيان المجرم وكأن ما يجري في غزة يحدث على كوكب آخر لا يمسهم. أن ما يحدث اليوم في غزة ليس مُجَـرّد صراع بين مقاومة فلسطينية وعدو محتلّ، بل هو معركة وجودية تعيد تعريف القيم الإنسانية والأخلاقية للأُمَّـة بأسرها.

إن الصمت العربي اليوم أمام ما يحدث في غزة ليس صمتًا عاديًا، بل هو صمت يحمل في طياته الكثير من الدلالات المقلقة. أين الدين الذي يدعو لنصرة المظلوم؟ أين القيم التي طالما تغنوا بها؟ أين هم من شجاعة الإمام علي عليه السلام واين هم من غيرة الصحابة التي كانت مثالًا يحتذى به؟ يبدو أن هؤلاء الحكام قد فقدوا كُـلّ معاني الدين والقيم، وركنوا إلى التبعية والخضوع لقوى الاستعمار والهيمنة، متجاهلين صرخات الأطفال تحت الركام وآلام الأُمهات الثكلى.

اليوم الأنظمة العربية التي كان من المفترض أن تكون في مقدمة المدافعين عن الشعب الفلسطيني، أصبحت اليوم جزءًا من المشكلة. لم تعد قضية فلسطين تمثل لهم سوى عبء سياسي يحاولون التخلص منه بأي ثمن. بعضهم هرع إلى التطبيع مع الاحتلال، متجاهلًا كُـلّ الجرائم التي يرتكبها هذا الكيان بحق الفلسطينيين. بل والأسوأ، أصبحوا يساهمون في تلميع صورته أمام العالم، مستخدمين إعلامهم لتشويه صورة المقاومة وتحويلها من حركة تحرير إلى ما يسمى بـ “إرهاب”. هذه الأنظمة لم تكتفِ بالصمت، بل أصبحت شريكة في العدوان، سواء بالدعم غير المباشر للاحتلال أَو بمحاصرة غزة وإضعاف صمودها.

أما الشعوب العربية والإسلامية فبالرغم من صمتها الظاهر، إلا أن الغضب يعتمل في صدورها. الحكومات الاستبدادية قمعت أية محاولة للتعبير عن التضامن مع فلسطين، مستخدمة سياسات الترهيب والتضليل الإعلامي. ومع ذلك، فَــإنَّ القضية الفلسطينية ما زالت حية في قلوب الملايين الذين ينتظرون اللحظة المناسبة للانفجار. لكن، لا يكفي أن يبقى الغضب مكبوتًا، فالشعوب اليوم مطالبة بالتحَرّك على جميع المستويات لدعم غزة وفلسطين. يجب أن يكون هناك ضغط شعبي حقيقي على الحكومات لتغيير سياساتها المخزية، وأن يتم توجيه الجهود نحو دعم القضية الفلسطينية بكل السبل الممكنة

في ظل هذا المشهد المظلم، تبقى غزة هي النقطة المضيئة. هي التي تُعيد تعريف الكرامة والصمود في وجه الاحتلال. المقاومة الفلسطينية، بإمْكَاناتها المحدودة، تقف شامخة في وجه أعتى جيش في المنطقة ملقنة الجميع دروسًا في التضحية والصبر. غزة لا تقاتل فقط؛ مِن أجلِ نفسها، بل؛ مِن أجلِ الأُمَّــة بأسرها. هي تقاتل؛ مِن أجلِ القدس، ومن أجل الكرامة العربية التي دُفنت تحت أنقاض الخيانة والتطبيع.

إن من الواجب اليوم على الأُمَّــة العربية والإسلامية الوقوف حقيقيًّا ليس فقط التضامن مع غزة بالكلمات، بل العمل على جميع المستويات لدعم صمودها. يجب على الشعوب العربية والإسلامية أن تكسر حالة الصمت وأن تعيد توجيه البوصلة نحو القضية الفلسطينية؛ باعتبَارها القضية المركزية للأُمَّـة التضامن الشعبي، حتى لو كان التضامن رمزيًّا، فَــإنَّ له أثر كبير في كسر الحصار السياسي والإعلامي المفروض على غزة، حَيثُ إن الحصار ليس مقتصرًا على المعركة العسكرية فقط، بل يمتد ليشمل أبسط حقوق الإنسان في غزة، يعاني الناس حتى من الحصول على شربة ماء أَو لقمة خبز، في مشهد يفضح بشاعة الحصار الذي يفرضه الاحتلال والمجتمع الدولي الصامت.

ما يحدث اليوم في غزة ليس مُجَـرّد عدوان على مدينة فلسطينية بل هو اختبار حقيقي للأُمَّـة العربية. التاريخ لن يرحم أُولئك الذين خذلوا فلسطين، وسيأتي اليوم الذي يُحاسب فيه كُـلّ متواطئ وصامت. أما غزة، فستظل عصية على الانكسار، وستواصل مقاومة الاحتلال حتى تحقّق النصر أَو تسلم الراية لجيل آخر. الصمت لم يعد خيارًا، بل عارٌ سيلاحق الجميع. غزة اليوم لا تطلب المساعدة، بل تفضح كُـلّ من تخلّى عن واجبه تجاهها.

فلتتحَرّك الأُمَّــة قبل فوات الأوان، ولتدرك أن الدفاع عن غزة هو دفاع عن الأُمَّــة العربية هو دفاع عن وجودها وهُويتها.

قد يعجبك ايضا
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com