الأمة بين الحسابات القرآنية والسياسية: قراءة في كلمة السيد الحوثي
الأمة بين الحسابات القرآنية والسياسية: قراءة في كلمة السيد الحوثي
جاء خطاب السيد عبد الملك الحوثي ليفكك أبعاد الصراع العربي-الإسرائيلي مع التركيز على دور الصهاينة في تفكيك المجتمعات العربية واستغلال الصراعات الداخلية لتحقيق مصالحهم. وسلط الضوء على التكتيكات الإسرائيلية التي تهدف إلى إضعاف المجتمعات العربية ودفعها نحو الانقسام والصراعات بعناوين طائفية أو سياسية، وهو ما يسهم في تسهيل تنفيذ الأجندة الصهيونية واستثمار نتائج هذه الصراعات لصالح الاحتلال.
السيد الحوثي وضع الصمود الفلسطيني في مواجهة الغطرسة الإسرائيلية كنموذج صحيح ومهم للتعامل مع الاحتلال وأن هذا الصمود ليس مجرد موقف بطولي فحسب، بل هو الاتجاه المشروع على المستويات الدينية والإنسانية والقانونية. معتبرا بأن عمليات المقاومة الفلسطينية، سواء كانت هجومية أو دفاعية، تمثل شاهداً حياً على مدى التماسك والإصرار الذي يتمتع به الشعب الفلسطيني كون هذا التماسك يضعف الاستراتيجية الإسرائيلية التي تسعى لتفكيك المجتمعات وتحويلها إلى مجتمعات منهكة وضعيفة.
بشكل عام، الكلمة تعكس رؤية استراتيجية واضحة بأن المقاومة ليست مجرد خيار، بل هي واجب ديني وأخلاقي وقانوني يفرضه الواقع الذي تعيشه الأمة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
وهنا انتقد السيد عبد الملك الحوثي بشكل قوي موقف الأنظمة العربية والإسلامية تجاه العدوان الإسرائيلي على غزة، مشيرا إلى أن هذه المواقف السلبية تعكس انحرافا عن المبادئ القرآنية التي تدعو إلى نصرة المظلومين والمستضعفين.
يرى السيد الحوثي أن التخاذل والتواطؤ مع العدو الإسرائيلي لا يُظهر فقط ضعفا سياسيا، بل أيضا خنوعا يساهم في تعزيز جرأة الاحتلال على مواصلة عدوانه. هذا السلوك، في تحليله، لا يقتصر على كونه خطأ استراتيجيا، بل يشكل تهديدا طويل الأمد لوحدة الأمة الإسلامية، ويزيد من فاعلية المخططات الاستعمارية والصهيونية الرامية لتفكيك المنطقة.
في سياق ذلك، يؤكد السيد الحوثي على أهمية العودة إلى القيم القرآنية كمرجعية في جميع المواقف السياسية، خاصة في القضية الفلسطينية، ويعتبر التخاذل عنها خطوة نحو تدمير وحدة الأمة.
مثل هذه الدعوة تدعو إلى تجاوز الحسابات السياسية الضيقة لصالح موقف إيماني يشمل جميع أبناء الأمة، ويرسخ قاعدة التضامن والدعم المتبادل في مواجهة الاحتلال.
وهنا كان لابد من المقارنة بين الموقف الذي انطلق منه اليمن والموقف الذي عليه حال الأمة تحدث السيد القائد عن خصوصية الموقف اليمني الذي يرفض الخضوع للإملاءات الخارجية ويتبنى مواقف مستقلة نابعة من أسس إيمانية وعقائدية.
مستشهدا بمقارنة بسيطة ومهمة مقارنة واضحة بين الحسابات السياسية التي تحكم مواقف العديد من الدول العربية والإسلامية، والحسابات القرآنية التي تنطلق من الإيمان والثقة بالله. هذا التمايز يظهر اليمن كشعب استثنائي في ظل مشهد إقليمي يتسم بالخذلان والخنوع. الدول التي اختارت التواطؤ أو الصمت أمام التهديدات الأمريكية بشأن دعم المقاومة الفلسطينية، كما يشير، لم تكن تحسب حسابا للمبادئ الإيمانية أو القيم الأخلاقية، بل خضعت لضغوط سياسية واقتصادية اعتقادا منها أنها تحقق “السلامة”، لكنها في الواقع فتحت المجال للأطماع الخارجية وزادت من جرأة المعتدين.
خطاب السيد الحوثي يوضح أن الموقف اليمني ليس مجرد تكتيك سياسي أو محاولة لتحصيل مكاسب مادية أو اعتبارات مصلحية، بل هو موقف ثابت يقوم على الإيمان بوعود الله بالنصر وعلى الالتزام بأداء الواجب الشرعي. هذا الموقف أكسب اليمنيين جرأة كبيرة واستعداداً للتضحية، وهو ما جعلهم قادرين على الصمود أمام الضغوط والتهديدات التي فشلت في تغيير توجههم.
وهنا يعيد السيد الحوثي صياغة مفهوم المقاومة من خلال الربط بين النصوص القرآنية والواقع السياسي، مبرزاً أهمية الاستجابة لله بدلاً من الخضوع لتهديدات القوى الكبرى. مقارنة الوعيد الأمريكي بوعيد الله في القرآن تقدم نموذجاً فريداً لتحليل الموقف، حيث يعتبر الخوف من عذاب الله هو الأولوية الحقيقية التي يجب أن تحكم خيارات الأمة، وليس الخوف من العقوبات أو الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية.
الكلمة أيضاً تحمل انتقادات واضحة لحالة التخاذل والانقسام في الأمة الإسلامية، التي اعتبرها السيد إشكالية تعكس ضعف الانتماء والوعي بمصالحها الكبرى. السكوت والخنوع، كما يشير، لا يجلب الاحترام أو الحماية، بل يزيد من جرأة الطامعين ويؤدي إلى المزيد من الانتهاكات.
من زاوية أخرى، السيد الحوثي يبرز نقاط القوة التي يتمتع بها اليمنيون، بما في ذلك التعبئة الإيمانية، الجاهزية الشعبية، وتطوير القدرات العسكرية.
مثل هذه العناصر، حسب خطابه، ليست فقط أدوات للدفاع، بل تعبير عن التزام عميق بمسؤولياتهم التاريخية والدينية.
بشكل عام، الكلمة تعبر عن رؤية استراتيجية متماسكة، تتجاوز الظرفية الآنية للصراع مع التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة و”إسرائيل”. الموقف اليمني يتم تقديمه كنموذج للصمود القائم على المبادئ والقيم، في مقابل مواقف أخرى تعكس ضعفاً وتخاذلاً.
ولذلك كانت تأكيدات السيد بأن التمسك بالإيمان وبمنهج القرآن هو السبيل الوحيد لتحقيق النصر والحفاظ على العزة والكرامة، في مواجهة مشروع الهيمنة الأمريكي-الإسرائيلي الذي يسعى للسيطرة على المنطقة.
كلمة السيد عبد الملك الحوثي في هذا السياق تسلط الضوء على الدور اليمني البارز في دعم المقاومة الفلسطينية، مع تقديم تحليل دقيق للعدو الإسرائيلي وطبيعة الصراع معه فالخطاب يعكس إصرار اليمنيين على مواصلة العمل المقاوم رغم الضغوط العسكرية والسياسية، ويبرز قدرتهم على التأثير في معادلة الصراع الإقليمي كما ان تأثير العمليات اليمنية على العدو الاسرائيلي يشير إلى مدى تماسك الموقف الرسمي والشعبي اليمني وفعاليته في التأثير على العدو.
السيد الحوثي يربط هذا النجاح بالإيمان والثقة بالله، مع التأكيد على أن الموقف اليمني ليس مجرد ردة فعل عاطفية، بل جزء من استراتيجية قائمة على القيم والمبادئ القرآنية.
وبالتالي فان رؤية العدو لليمن كتهديد حقيقي يُعتبر إنجازاً بحد ذاته، خاصة في ظل نظرة الاستخفاف التي يوجهها العدو لبقية الدول والأنظمة العربية.
النقد الموجه للمؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية في خطاب السيد يوضح إدراكه لواقع النظام العالمي الذي يخدم مصالح القوى الكبرى ويتجاهل مظالم الشعوب المستضعفة.
وهنا كان لابد من الدعوة إلى ضرورة الاعتماد على الذات وبناء القوة كوسيلة وحيدة لحماية الشعوب المستضعفة وهي دعوة واضحة لتعزيز التسليح والقوة الذاتية، باعتبار أن هذا هو الخيار الوحيد في عالم لا يحترم فيه القوي إلا القوي.