خطاب السيد عبدالملك الحوثي .. التأسيس لمرحلة مقبلة
خطاب السيد عبدالملك الحوثي .. التأسيس لمرحلة مقبلة
يمني برس ـ تقرير| علي الدرواني
كان خطاب السيد القائد عبدالملك الحوثي الاثنين، والذي كان مخصصا للمباركة بانتصار غزة، بعد إعلان وقف إطلاق النار مع العدو الإسرائيلي وبدء تبادل أول دفعة من الأسرى مع كيان العدو، كان خطابا تأسيسيا أكثر منه خطابا تعبوياً توعوياً كما كانت الخطابات الأسبوعية السابقة على مدى 15 شهرا .
صحيح أن السيد القائد قد ذهب إلى التفصيل الدقيق لمراحل الإسناد اليمنية لغزة، وتنقلها من أول مرحلة إلى خامستها، وكيف كانت الخطوط الحمراء التي انتهكها العدو الإسرائيلي سببا في مشاركة صنعاء في حرب الإسناد، إلا أن ذلك جاء في سياق ترتيب المقدمات وبناء النتائج عليها.
أشار السيد “يحفظه الله” في خطابه إلى أن قرار إسناد غزة اتخذ من اللحظة الأولى لطوفان الأقصى، لكن مع وضع خطوط حمراء، كانت كما أشار في كلمته بالأمس، ارتكاب المجازر، والدخول البري إلى غزة، وكذلك المس بقدرات المقاومة الإسلامية حماس، وأكد السيد في هذا الخطاب أن أول عملية إسناد بالصواريخ والمسيرات، كانت ردا على مجزرة مستشفى المعمداني، وهي المجزرة التي كانت في 17 أكتوبر 2023، في عاشر أيام طوفان الأقصى، وتسببت بمئات من الشهداء والجرحى.
الجدير بالذكر هنا أن العملية اليمنية بقصف أم الرشراش في اليوم التالي، جاءت أثناء تواجد الرئيس الأمريكي جوبايدن في “تل أبيب” لتقديم الدعم لكيان العدو، متبنيا في تلك اللحظة رواية العدو بشأن المتسبب بالمجزرة ، وهي الرواية التي تحمل المقاومة مسؤولية ضربة صاروخية على المستشفى، وبكل صفاقة ووقاحة.
كانت الضربة اليمنية مهمة لناحية الإرادة والقرار والتحدي، بكل ما تعنيه هذه الكلمات من معان.
كانت مجزرة المعمداني كفيلة بوقف الحرب في غزة، لبشاعته ووحشيتها، ومدى الإحراج للمجتمع الدولي والغربي لا سيما الأمريكي نتيجة الشعارات التي ترفعها واشنطن والقوى الغربية عن الإنسانية وحقوق الإنسان، وما إليها من شعارات براقة، لو احترمتها تلك القوى لما قبلت باستمرار تلك الجريمة على مدى 15 شهرا.
بالعودة إلى قرار الإسناد، وعلاقته بالتطورات، وما ترتب عليها، فقد أكد السيد القائد أن التفصيل عن الموقف اليمني لم يكن للتمنن، بقدر ما هو : للبناء على ما قد تحقق في الحاضر والمستقبل.
الإسناد اليمني يفاجأ العدو
في الحقيقة السيد “يحفظه الله”، كرر في خطابه عبارة المفاجأة التي كانت تصيب العدو، فقد تفاجأ العدو بالإسناد اليمني، وتفاجأ بالتطورات العسكرية والأسحلة المستخدمة، وتفاجأ أيضا باستخدام تلك الأسلحة في البحر، تفاجأ باستمرار الموقف والمساندة، كل شيء حرفيا كان مفاجئا للعدو الأمريكي، ومن معه.
الكلمة الأخرى التي تكررت في الخطاب، هي كلمة الفشل التي ترافق مع الجهود الأمريكية والمحاولات الكبيرة لوقف الإسناد اليمني لغزة، بالحشود العسكرية والبوارج وحاملات الطائرات، والفرقاطات والتحالفات ، إلى جانب التحركات السياسية والدبلوماسية، واستخدام مجلس الأمن واستصدار قرارات ضد العمليات اليمنية البحرية، ومحاولة تخويف العالم وغيرها من التحركات، على رأسها التحرك الإعلامي لشيطنة وتشويه والتقليل من الموقف اليمني.
أيضا الفشل الذي رافق العدوان العسكري الأمريكي البريطاني ، وقد كانت واشنطن تعهدت للكيان المجرم بالتكفل بجبهة اليمن وإسكاتها، ما أضطر الكيان إلى تنفيذ غارات عدوانية استعراضية بنفسه ، كانت أيضا فاشلة، في وقف إسناد اليمن لغزة.
كيف يبنى على هذه المقدمات؟
ذهب السيد القائد مباشرة، إلى الحديث عن مميزات الموقف اليمني، ويمكن تلخيصها من الخطاب، بالانطلاقة الإيمانية، والتوجه القرآني لشعب اليمن العزيز، وأيضا بتكامل الاتجاه الرسمي والشعبي معاً في توجه واحد وموقف واحد، ثم الموقف العملي والتحرك الشامل في كل المجالات.
هذه المميزات، لم تذكر للافتخار بالشعب اليمني، ولكن لأخذ الدرس والعبرة، كما هو الحال مع ذكر التطورات العسكرية التي حصلت على مدى 15 شهرا، وكيف كانت الفشل هو الملاصق لتحركات الأعداء ضد اليمن.
لم ينس السيد القائد هنا، أن يشير إلى انتصار المقاومة في غزة، واستثمار هذا النصر في توجيه النصح للأمة، “إذا كان البعض نظراً للهجمة الإسرائيلية، والتدخل الأمريكي الذي كان بشراكة تامة مع العدو الإسرائيلي، في عدوان الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، كان البعض من الأنظمة وبعض النخب يائسون من إمكانية انتصار الشعب الفلسطيني، فما حدث من انتصار تاريخي هو درس للجميع، ويفترض أن يبعث الأمل في نفوس الجميع، وأن يكون حافزاً لاستشعار المسؤولية من جديد، والتحرك من الجديد من قبل الجميع”.
نموذج المواجهة في غزة، يؤكد هذا، ونموذج الإسناد اليمني لغزة يؤكد هذا.
فغزة واجهت آلة القتل والتدمير على مدى 15 شهرا، لكنها لم تنكسر، ولم يستطع العدو تحقيق أهدافه، رغم التضحيات الكبيرة، إلا أن العدو أضطر إلى الذهاب لصفقة مع حماس، اعترافا بأنه غير قادر على كسرها، وتحقيق أهدافه المبالغ فيها، وهذه غزة، مقارنة بالعدو وآلته العسكرية وتقدمه التكنولوجي، فكيف بالأمة بطولها وعرضها وإمكانياتها، من يستطيع أن يهزمها، أو يحقق أهدافها لو اختارت المواجهة؟.
أيضا جبهة الإسناد اليمني، من كان يتوقع أن تحصل هذه المفاجأة؟ هذا الصمود، آلة الحرب البحرية التي حشدتها واشنطن إلى البحر الأحمر، المواجهة التي دفعت خسائر واشنطن إلى 5 مليارات دولار، حسب آخر التقارير في “ايكونوميست” البريطانية، والنجاح الذي تحقق بقوة بحرية عربية واحدة، منعت ملاحة أكبر قوة بحرية في العالم ، بحرية أمريكا ومعها بريطانيا وتحالف أوروبا، وأجبرتها على الذهاب بسفنها حول الرجاء الصالح، متكبدة عناء المسافة وتكاليف النقل والزمن والتأمين.
مع هذه النجاحات ، ماذا لو تحركت بحريات القوات الجيوش العربية ، كيف سيكون واقع الأمة بين الأمم، وهل ستبقى الغطرسة الأمريكية، هل ستبقى فلسطين محتلة.
إن الدرس الأكبر من هذه المعركة، هو الإرادة، والتصميم، هو الإيمان والتوكل على الله، وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا.
لهذا ختم السيد عبدالملك الحوثي خطابه، بأن هذه مرحلة مضت، وهي تؤسس لمراحل قادمة، سيستمر اليمن في الاستعداد لها، والتجهيز بعون الله: “ما تمَّ حتى الآن هو جولة على مدى خمسة عشر شهراً، هذه جولة من المواجهة مع العدو الإسرائيلي، هناك جولات قادمة، نسعى أيضاً للاستعداد لها… ومستعدون، وعاملون باستمرار للاستعداد للجولات الآتية الحتمية، في كل المجالات؛ من أجل أداءٍ أقوى من هذه الجولة- بإذن الله تعالى- على كل المستويات.