المنبر الاعلامي الحر

الشهيد القائد.. هبة ربانية في أخطر المراحل التي واجهتها الأمة

الشهيد القائد.. هبة ربانية في أخطر المراحل التي واجهتها الأمة

تمر علينا ذكرى استشهاد شهيد القرآن السيد القائد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه). رجلٍ كان مثل طوق النجاة للأمة في لحظاتٍ عصيبة، حيث كان خيط الأمل الذي تمسك به المستضعفون في عالمٍ طغت عليه قوى الاستكبار وقوى النفاق والخيانة في تلك اللحظات الحرجة.
عندما كانت الأمة الإسلامية تواجه هجمة غير مسبوقة من قوى الهيمنة العالمية بعد أحداث الـ11 من سبتمبر 2001م، كان الشهيد القائد يحمل على عاتقه مسؤولية تاريخية عظيمة، دفاعًا عن الإسلام والمسلمين، محاربًا للاستكبار ومناهضًا للظلم والهيمنة.
في ذكرى استشهاده،(26 رجب من كل عام) نستحضر مسيرته الجهادية وتضحياته العظيمة في سبيل الأمة، فقد كان الصوت الجريء الذي واجه الطغيان العالمي بكل ما أوتي من قوة وعزيمة، محقًا في تحركاته، مشروعًا قرآنيًا نهضويًا أعاد للأمة هويتها الإسلامية واستنهض عزائمها للوقوف ضد الاستعباد والهيمنة، وها هي الذكرى السنوية لاستشهاده تجدد فينا العزيمة والمضي قدماً على درب مسيرته الجهادية، درب الحق والكرامة الذي سعى من أجلها حتى الشهادة.

النكبات الممتدة: الماضي والحاضر

عبر التاريخ

تواجه الأمة الإسلامية محطات دامية من الاستهداف والتحديات، حيث تتكرر المآسي وكأنها سلسلة لا تنقطع. عندما نستذكر الأحداث الكبرى التي هزّت الأمة، يتجلى أمامنا استشهاد الإمام علي (عليه السلام) في محراب الكوفة، واستشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء، واستشهاد زيد بن علي (عليه السلام)، وغيرهم من العظماء الذين نذروا حياتهم لنصرة الحق وإقامة العدل.
وهكذا كل أولئك العظماء من أولياء الله وهداة عباده الآمرين بالقسط والداعين إلى الله والعاملين على إحقاق الحق وإقامة العدل، من الذين تحركوا لهداية الأُمة وإنقاذ الأُمة وإصلاح واقع الأُمة، الذين تحركوا من أجل الحق والعدل ابتغاء مرضاة الله وقياماً بالمسؤولية، الذين مَنّ الله بهم على عباده لهداية واستنقاذ وإصلاح عباده والدفاع عن المُستضعفين من عباده.
مآسي الماضي وجروحه الغائرة تحركت من جديد، اندمل الجرح أكثر فأكثر، زاد الألم وعظمت المحنة والمأساة بهذا المُصاب. واليوم، تعود الأحزان مجددًا مع مصاب الأمة في الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه)، الذي مثّل خسارة كبرى في مرحلة حساسة من تاريخ الأمة، مرحلة تمثل الخطر الأعظم على الدين والكرامة والوجود الحضاري للمسلمين.

الشهيد القائد: نعمةٌ في أخطر المراحل

كان الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي هدية من الله إلى هذه الأمة، نعمةً أنعم الله بها في زمن كاد أن يُفقد فيه كل شيء، لقد عاش في مرحلة بلغت ذروتها في الخطورة، حيث كانت الأمة تواجه تهديدًا شاملًا يستهدف دينها وهويتها وعزتها، جاءت هذه النعمة في وقتٍ كانت القوى العالمية، بقيادة أمريكا و”إسرائيل”، تفرض هيمنتها على الشعوب المسلمة، مستخدمةً كل أدوات الطغيان والإجرام.
لم يكن الشهيد القائد مجرد شخصية سياسية أو زعيمٍ عابر، بل كان رجلا قرآنيا يحمل مشروعًا متكاملًا يهدف إلى إعادة الأمة إلى صراط الله المستقيم، إلى نهج العزة والكرامة، إلى الخروج من مستنقع الاستضعاف والخضوع للطغاة، تحرك حاملًا راية الإسلام المحمدي الأصيل، رافضًا العبودية لغير الله، ساعيًا لإعادة الأمة إلى مكانتها التي أرادها الله لها.

المشروع العظيم: إنقاذ الأمة من الضياع

برز الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي حاملاً مشروعًا قرآنيًا نهضويًا يهدف إلى إعادة الأمة إلى مسارها الصحيح. لم يكن تحركه مجرد رد فعل عابر على أحداث آنية، بل كان استراتيجية متكاملة لاستعادة الهوية الإسلامية وحماية الأمة من الوقوع في شرك التبعية والذل.
انطلق الشهيد القائد من رؤية تعتمد على العودة الصادقة إلى القرآن الكريم، مستلهمًا منه ومن سيرة الرسول الأعظم الوسائل والأساليب في مواجهة قوى الاستكبار. دعا إلى التمسك بالمبادئ الإسلامية الحقيقية، مؤكدًا أن التحرر من الهيمنة الأجنبية لا يتحقق إلا بالعودة إلى تعاليم الدين الإسلامي الصحيحة، لأن الأمة إذا فقدت وعيها وبصيرتها، ستصبح فريسة سهلة للمستكبرين. لذا، عمل جاهدًا على إيقاظ وعيها من خلال مشروعه القرآني، ساعيًا إلى بناء أمة قوية قادرة على الوقوف بحزم في وجه قوى الطغيان التي تسعى إلى استعباد الشعوب وسلب إرادتها.
لقد رسم مشروعه مسارات واضحة للنهضة بالأمة، واضعًا أسسًا تقوم على المستويات الدينية، والاقتصادية، والسياسية، والإعلامية، والاجتماعية، بهدف تحقيق نهضة شاملة تعيد للأمة مكانتها وعزتها.

خطورة المرحلة وبداية التحرك

في الوقت الذي بدأ فيه الشهيد القائد تحركه، كانت الأمة تمر بأسوأ مراحلها، حيث بلغ الاستكبار العالمي أوجّه. تحركت أمريكا و”إسرائيل” ومعهما الأنظمة العميلة، لتفرض سيطرتها على الشعوب الإسلامية عبر الاحتلال المباشر كما حدث في أفغانستان والعراق، أو عبر الهيمنة السياسية والاقتصادية والثقافية.
كانت الشعوب تعيش حالة من العجز والاستسلام، إذ لم يكن هناك موقفٌ إسلاميٌ حقيقيٌ قادرٌ على مواجهة هذا الطوفان الجارف. كان الجميع يترقب ما سيحدث، بينما كانت القوى الإجرامية تواصل زحفها، مستبيحةً كل شيء، مسترخصةً الدم المسلم والعربي، متجاوزةً كل القيم والأعراف.
وقد سلط الشهيد القائد الضوء على طبيعة التحركات الاستعمارية الحديثة، مبينًا أن الولايات المتحدة و”إسرائيل” تقودان مشروعًا عالميًا للهيمنة، مستخدمتين مختلف الوسائل للسيطرة على مقدرات الشعوب الإسلامية.
وأوضح أن الحرب على الإسلام لم تعد مقتصرة على الجانب العسكري، بل أصبحت تشمل الأبعاد الفكرية والاقتصادية والاجتماعية، حيث يتم استهداف المسلمين في هويتهم الثقافية والدينية.
وأشار إلى أن السياسة الغربية تعمل على خلق أعداء وهميين داخل الأمة، بهدف تقسيمها وإضعافها، بينما تُبرم التحالفات السرية مع الأنظمة العميلة لضمان استمرار حالة التبعية والخنوع. كما أكد أن المسلمين ليسوا مجرد ضحايا، بل هم مستهدفون بشكل رئيس، لأنهم يشكلون العقبة الأكبر أمام تحقيق المشروع الصهيوني الأمريكي.

استرخاص الإنسان المسلم: نهج الاستكبار العالمي

لقد تعاملت قوى الطغيان والظلم مع المسلمين في شتى أنحاء الأرض وكأنهم لا قيمة لهم، حتى أن دماءهم وأرواحهم لم تكن تعني شيئًا بالنسبة للمعتدين. مشهد قتل المسلم كان يتكرر بشكل يومي في العراق، وأفغانستان، وفلسطين، حيث كانت أجساد الأبرياء تُمزق على أيدي الصهاينة والأمريكان، دون أن يُكترث لحياة الإنسان أو كرامته، في تلك البقاع، كانت حقوق المسلم تُنتهك بأبشع الطرق، وكانت كرامته تُهان بشكل ممنهج، دون أن تجد من ينقذها أو يرفع صوته دفاعًا عن الحق.
ومع هذه الممارسات الوحشية، كانت الحكومات العميلة تعمل في الخفاء على التواطؤ مع المعتدين، وبدلاً من الوقوف في وجههم، كانت تُشرعن الجرائم وتمنح الغطاء السياسي والعسكري للتحركات الأمريكية المعادية.
في تلك الأوقات العصيبة، وفي ظل هذه الظروف القاسية، كان الشهيد القائد، صوتا يستنهض الأمة في ظل تكميم الأفواه، وعمل بكل جهده لاستنهاض الأمة ضد المؤامرات التي تتعرض لها، وبقي يلقي محاضراته ودروسه ويدعو للمقاطعة الاقتصادية، ورفع الشعار لم يخشَ التهديدات ولا حركات المرجفين والمثبطين، ولم ينظر إلى الأخطار التي كانت تحيط به من كل جانب. بل على العكس، تحرك بكل عزيمة وصدق، مُؤْمِنًا أن هذه المسؤولية قد فرضت عليه في الدفاع عن أمة جده رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله، والوقوف في وجه تلك القوى الظالمة التي أرادت أن تسلب المسلمين حقهم في الحياة والحرية.
لم يساوم الشهيد القائد، بل تحدى كل محاولات التكميم والترهيب، وحمل همّ الأمة بكل ما يملك من قوة إيمان وعزّة إسلامية. لم يكن ينتظر أن يتحرك الآخرون، بل اختار أن يكون هو في المقدمة، وأن يواجه هذا الطغيان بما أوتي من قوة وشجاعة. كان يراهن على أن الكلمة الحق والوقوف ضد الظلم بكل ما هو ممكن هما أقوى الأسلحة التي يمكن أن تواجه طغيان أمريكا وأذيالها في المنطقة.

تحقيق وعد النبي: “أهل بيتي أمان لأهل الأرض”

كان الشهيد القائد فعلا تجسيدًا عمليًا لحديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): “أهل بيتي أمانٌ لأهل الأرض”. فقد كان بحقٍّ أمانًا لهذه الأمة، يدافع عنها، ويقف سدًّا منيعًا أمام قوى الاستكبار والطغيان، حاميًا لكرامتها ودينها وعزتها.
لقد تحرك بروح النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، بروح الإمام علي والإمام الحسين (عليهما السلام)، بروح الغيرة على الأمة والرحمة بالمستضعفين، حيث لم يكن يتحمل أن يرى الأمة تُهان وتُذل وتُستعبد من دون الله. لم يكن يتحمل أن يرى دماء الأبرياء تُراق، وكرامة المسلمين تُداس، دون أن يرفع الصوت عاليًا في وجه الطغاة.
لقد حمل الشهيد القائد مسؤوليةً عظيمة، مؤهَّلًا بما وهبه الله من حكمة وفصل الخطاب ورؤية قرآنية، فكان تحركه امتدادًا لمسيرة الأنبياء، وصرخته امتدادًا لصوت الحق الذي لا يموت. لقد أثبت أن المقاومة هي السبيل الوحيد لحفظ كرامة الأمة، وأن الاستسلام ليس خيارًا لمن يريد أن يعيش حرًا كريمًا.
وهكذا، يبقى الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي رمزًا خالدًا في ذاكرة الأمة، ملهمًا للأحرار في كل مكان، ودليلًا على أن التضحية في سبيل الله هي الطريق إلى العزة والكرامة. سيظل مشروعه منارةً تهتدي بها الأجيال القادمة، وسيظل صوته صدًى يُذكّر الأمة بأن الصمت عن الحق جريمة، وأن النهوض في وجه الطغاة واجبٌ مقدسٌ لا يقبل التأجيل.
رحم الله الشهيد القائد، وأسكنه فسيح جناته، وجعل مشروعه القرآني نبراسًا للأمة حتى تقوم الساعة.

قد يعجبك ايضا
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com