المنبر الاعلامي الحر

التصنيف الأمريكي لأنصار الله بالإرهاب.. طبيعته وتداعياته

التصنيف الأمريكي لأنصار الله بالإرهاب.. طبيعته وتداعياته

وقّع الرئيس الأمريكي ترامب أمراً تنفيذياً لإعادة تصنيف حركة أنصار الله كـ”منظمة إرهابية أجنبية”، تأتي هذه الخطوة في سياق التحولات الإقليمية والدولية، وهي رد مباشر على الدور التي قامت به القوات المسلحة اليمنية في معركة الإسناد، والاشتباك المباشر مع القوات البحرية الأمريكية، وهذه التوجهات العدوانية كانت جزء من السياسة الخارجية التي أفصح عنها ترامب للجمهور في الحملة الانتخابية.

هذا التنصيف وإن كان في الظاهر ضد مكون يمني بعينه، إلا أنه ضد الشعب اليمني عموماً الذي كان مع موقف غزة من صنعاء إلى  عدن، ومن المهرة حتى صعدة، وهي عقوبة لكل اليمنيين؛ لأن  تداعياته الاقتصادية والسياسية لا تقتصر في أثرها على مكون يمني دون آخر، بل على كل الشعب اليمني، كما كان عليه حال قرار نقل البنك المركزي من صنعاء  إلى عدن، فرغم أنه في الظاهر استهدف صنعاء ومناطق المجلس السياسي الأعلى، إلا أن التداعيات الاقتصادية  لهذا القرار أثرت على الاقتصاد اليمني عموماً وعلى سعر الصرف وعلى النظام المالي في “عدن” و”صنعاء” معاً.

التصنيف بالإرهاب هي سياسة أمريكية ثابتة في علاقاتها الدولية، وتستهدف في الأساس القوى التحررية في العالم وفي مقدمتها حركات التحرر وقوى  المقاومة.  حتى الآن لا يوجد تعريف محدد لمصطلح “الإرهاب”، لأنه إذا حُدد فسوف تظهر الدول الغربية وخصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني باعتبارها “إرهابيين”، فقد اقترفا مختلف جرام الحرب والجرائم ضد الإنسانية المنصوص عليها في القوانين والأعراف الدولية.

طبيعة القرار

“يطلب الأمر التنفيذي من وزير الخارجية الأمريكية المساعدة على تنفيذه، بالتشاور مع آخرين، وهو يوصي بإعادة تصنيف أنصار الله في غضون 30 يومًا.” من تاريخ توقيع القرار، الذي أمضاه ترامب في يوم عودته رئيساً للولايات المتحدة في الولاية الثانية 20 يناير 2025م.

“في عهد الرئيس ترامب، أصبحت سياسة الولايات المتحدة الآن هي التعاون مع شركائها الإقليميين للقضاء على القدرات اليمنية-صنعاء، وحرمان اليمن من الموارد، للضغط على صنعاء وإضعاف قدراتها العسكرية وخصوصاً الصاروخية والطيران المسير والقوات البحرية التي شاركت في دعم المقاومة الفلسطينية، والتي تمثل عماداً للدفاع عن السيادة الوطنية اليمنية ضد أي هجوم عدواني قادم من البحر.

وجه الأمر التنفيذي أيضا مدير الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ووزير الخارجية بإجراء مراجعة مشتركة لشركاء الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والمقاولين العاملين في اليمن.

في القانون الأمريكي تصنيف المنظمة “إرهابية أجنبية”، وضعها ضمن هذا التصنيف،  يعني أن أي شخص أو شركة في الولايات المتحدة أو خارجها في أي من دول العالم يشتبه في تقديمه الدعم أو الموارد  لأنصار الله والسلطة الوطنية في العاصمة صنعاء، يمكن محاكمته بموجب القوانين الأمريكية المختلفة، بما في ذلك ما يسمونها بالقوانين التي تحظر الدعم المادي “للإرهاب”. ويقتضي تصنيف أنصار الله كإرهابيين عالميين حد وصفهم، تجميد أموال أنصار الله، وحظر المنتمين إلى أنصارالله من دخول الولايات المتحدة. 

التأثيرات:

القرار السابق بالتصنيف الذي وقعه ترامب في ولايته الأولى الذي ألغاه  بايدن بعد شهر من توليه السُلطة كان حينها لازال في مرحلته الأولى ولم يدخل حيز التنفيذ العملي؛ لهذا لم يكن له تأثيرات مباشرة على الوضع في اليمن، بخلاف هذا القرار الذي من المتوقع أن يستمر طوال فترة  ترامب هذه، وأن يكون له تأثيرات في جوانب مختلفة. وبالطبع فإن الجمهورية اليمنية لن تقف مكتوفة الأيدي، وسوف ترد على الأمريكي وتتعامل مع التحديدات الجديدة التي سوف تترتب على القرار، وهي كما يلي:

اقتصادياً

جوهر القرار في المقام الأول اقتصادي، لهذا ستكون تأثيراته معظمها في هذا الجانب، فمن المحتمل أن يؤدي إلى خنق النشاط الاقتصادي التي تديره حكومة التغيير والبناء عبر ميناء الحديدة والبنك المركزي والبنوك الخاصة التي تقع مراكزها الرئيسية في العاصمة صنعاء. فسوف تُستهدف بقيود تُضعف قدرة الحكومة الوطنية في صنعاء على تمويل الأنشطة المالية والتجارية، وهذا الأمر يُعد عقوبة جماعية.

إعادة التصنيف سيعقّد العلاقة بين البنوك في صنعاء والبنك المركزي في عدن المحتلة، ويُهدد بتجميد أموال وحظر تعاملات مالية، وفرض عقوبات مالية على البنوك- على غرار العقوبات الأخيرة التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية على بنك اليمن والكويت- ودفعها لنقل مقراتها إلى عدن الحمتلة، وبما يتم بناءً على هذا التصنيف إعادة تلك العقوبات التي كانت قد فرضها فرع البنك المركزي في عدن، والتي لم ترفع إلا بعد تهديد قائد الثورة للسعودية.

في المجمل التصنيف يعني جولة جديدة من الحرب الاقتصادية تستهدف الشعب اليمني عموماً.

سياسياً

على المستوى السياسي فإن القرار قد يعطل فرص الحلول السياسية، ويكرّس واقع الصراع القائم وبقاء وضع انقسام البلد الراهن، وكذلك استمرار وضع “اللا سلم واللا حرب” بين اليمن والسعودية،  بقاء هذا الواقع مع الاستهداف الاقتصادي لصنعاء-، ودعم اقتصادي لعدن – مؤخراً عقد مؤتمر مانحين في نيويورك لدعم الحكومة العميلة، هذا الأمر إذا مضى كما هو مخطط له من شأنه أن يؤثر على السلطة الوطنية في صنعاء ويقوي “المركز السياسي والاقتصادي” للمرتزقة. وهو يقدح بذلك شرر استئناف الحرب العدوانية من قبل التحالف والحرب الدفاعية من قبل اليمنين التي جمدتها الوساطة العُمانية في اتفاقية التهدئة.

إنسانياً

في الجانب الإنساني، نجد أن المنظمات الدولية العاملة في صنعاء قد فتحت لها فروع في عدن خلال الأعوام الماضية، زيادة الضغوط عليها بموجب هذا التصنيف قد يدفعها إلى نقل عملها بشكل كامل إلى عدن، وإدارة النشاط الإغاثي والمساعدات في مناطق حكم المجلس السياسي الأعلى من عدن.

في الأيام الماضية وفي تصريح له وعد رئيس ما يسمى “بمجلس القيادة الرئاسي” المرتزق رشاد العليمي بالالتزام بضمان حكومته العميلة استمرار  المساعدات الإنسانية في اليمن وهو خطاب يهدف إلى مواجهة الخطاب القائل أن التصنيف سوف يؤثر على العمل الإنساني، ووعود العليمي كاذبة، فهي تشبه وعود “الرئيس” هادي من قبل؛ عند نقل البنك المركزي إلى عدن بقرار أمريكي، وعد هادي بدفع رواتب كل الموظفين اليمنيين بما في ذلك العاملين في مناطق إدارة الحكومة الوطنية في صنعاء، وهو الأمر الذي لم  يتحقق.

عسكرياً:

تهدف العقوبات الاقتصادية من ناحية الأثر العسكري المرجو أن تصل إلى درجة التأثير على القدرة اليمنية في استمرار الانتاج والتطوير في الصناعات العسكرية، لتعجز اليمني عن الدفاع عن سيادتها الوطنية وإحباط أي هجوم عدواني بحري، وكلك  من أجل  إضعاف اليمن عسكرياً لتعجز مستقبلاً  عن مساندة المقاومة الفلسطينية وإيقاف اي حرب إبادة جديدة  يخطط لها العدو الصهيوني.

كما أن هذا التصنيف وزيادة الضغوط على السلطة الوطنية قد يدفع إلى عودة المواجهات مع البحرية الأمريكية البريطانية وربما مع السعودية والإمارات أيضاً، ما يعني عودة اليمن إلى واقع ما قبل “الهدنة” وخارطة الطريق.

ختاماً

التصنيف الأمريكي إعلان حرب على الشعب اليمني والقوات المسلحة اليمنية والمكونات والقيادات الوطنية اليمنية، حرب جديدة هي امتداد للحرب العدوانية التي قامت في العام 2015م، وكما صمد الشعب اليمني والقيادة الوطنية الثورية في مواجهة العدوان السابق، فإن اليمن ستكون اليوم عند مستوى التحدي لمواجهة التحديات الجديدة، وتحتفظ بالأوراق المطلوبة من أجل  فعل ذلك، وستظل القوات المسلحة اليمنية قوية وقادرة على انتزاع حقوق الشعب اليمني من أي دولة تعتدي عليه وتشن حرباً عليه مهما كان نمط هذه الحرب.

قد يعجبك ايضا
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com