غزة بعد الحرب: دمار هائل ومخاطر تهدد حياة السكان
غزة بعد الحرب: دمار هائل ومخاطر تهدد حياة السكان
يمني برس ـ تقرير | يحيى الشامي
بعد خمسة عشر شهراً من حرب الإبادة الصهيونية على قطاع غزة، يواجه السكان تحديات جمة، في مقدمتها الدمار الهائل الذي لحق بالبنية التحتية والمنازل، فضلاً عن مخاطر الأجسام المشبوهة ومخلفات الحرب التي تعمّد العدو الإسرائيلي زراعتها وتركها في الأحياء والشوارع، و تهدد حياة المدنيين، وتنذر بتوسع لائحة الضحايا الذين سيستمر نزفهم لأشهر إن لم يكن لسنوات، خاصة مع ضعف -أو انعدام- إمكانات الدفاع المدني المتخصصة في إزالة ركام الحرب والكشف عن الأجسام المشبوهة.
وذكر مسؤولٌ في جهاز الدفاع المدني بقطاع غزة أن العدو الإسرائيلي شن نحو نصف مليون غارة على القطاع، استخدم فيها 92 ألف طن من المتفجّرات، منذ اندلاع الحرب عقب عملية “طوفان الأقصى” يوم 7 أكتوبر 2023.
وكشف مدير عام الإمداد والتجهيز في الدفاع المدني الدكتور محمد المغير -في حوار إعلامي مفصل- أن 18% من الصواريخ والقذائف سقطت ولم تتفجر، وتشكل مع المباني المفخخة (المزروعة بعبوات ناسفة)، وكذلك الآيلة للسقوط، مصدر تهديد كبير على حياة أكثر من مليوني فلسطيني في هذا الشريط الساحلي الصغير.
تفاصيل الدمار الشامل بالأرقام
كشفت جولات الدفاع المدني في غزة عن دمار واسع النطاق، حيث تصدرت محافظتا رفح وشمال القطاع قائمة المناطق الأكثر تضررًا. ففي رفح، تشير التقديرات إلى أن 80% من البنية الحضرية قد دُمِّرَ بالكامل، بينما تحتاج النسبة المتبقية إلى معالجات هندسية عاجلة. أما البنية التحتية، فقد تم تدميرها بنسبة 100%. ولم يكن حال شمال غزة أفضل من رفح، حيث وصلت نسبة التدمير فيه إلى 100%. المباني والمنازل المتبقية أصبحت غير صالحة للسكن، وتشكل خطرًا حقيقيًا على حياة السكان. ورغم هذا الدمار الهائل، يشهد شمال غزة عودة كبيرة للسكان النازحين، الذين يحاولون استئناف حياتهم رغم الظروف الصعبة.
تُعد المباني الآيلة للسقوط أحد أكبر التحديات التي تواجه عودة النازحين، وتشير التقديرات إلى أن 50% من المباني والمنازل التي استُهدِفت خلال الحرب أصبحت آيلة للسقوط، وتشكل خطرًا حقيقيًا على حياة السكان. ورغم الجهود المحدودة التي تبذلها فرق الدفاع المدني والجهات المحلية، فإن التعامل مع آلاف المباني الآيلة للسقوط يتطلب إمكانات ضخمة وقدرات فنية عالية، وهو ما يفتقر إليه القطاع.
الأجسام المشبوهة ومخلفات الحرب تهديد مستمر
لا يقتصر خطر الحرب على الدمار المادي، بل يتعداه إلى وجود آلاف الأجسام المشبوهة ومخلفات الحرب التي لم تنفجر بعد. وقد تلقت فرق الدفاع المدني نحو 10 آلاف بلاغ عن وجود أجسام مشبوهة في مناطق مختلفة من القطاع، وخاصة في محافظتي رفح وشمال غزة. وتشكل هذه المخلفات خطرًا كبيرًا على حياة المدنيين، وخاصة الأطفال، الذين قد يعبثون بها دون إدراك لمخاطرها. وتشمل الأجسام المشبوهة قنابل وذخائر وقذائف صاروخية لم تنفجر بعد، بالإضافة إلى ألغام وعبوات ناسفة. وتُعد هذه المخلفات شديدة الخطورة، ويمكن أن تنفجر في أي لحظة، ما يشكل تهديدًا مباشرًا على حياة المدنيين.
ومنذ بداية الحرب وحتى اللحظة استشهد -جراء انفجار أجسام من مخلفات العدو- 150 مواطنا في أنحاء القطاع، نحو 70% منهم أطفال، وأصيب ما بين 300 إلى 400 آخرين، علاوة على من أصيبوا جراء انهيار مبان آيلة للسقوط استهدفت سابقا بقصف جوي ومدفعي وعمليات نسف مربعات سكنية.
تحديات تواجه الدفاع المدني
يواجه الدفاع المدني في غزة تحديات كبيرة في التعامل مع المباني الآيلة للسقوط ومخلفات الحرب، وذلك بسبب نقص الإمكانات والمعدات والمركبات الخاصة. كما أن تدمير البنية التحتية الخاصة بتجميع الذخائر غير المنفجرة وتخزينها، فضلاً عن استشهاد نحو 70 من عناصر هندسة المتفجرات، يزيد من صعوبة التعامل مع هذه المخلفات. ويقوم الدفاع المدني بجهود مضنية للتعامل مع المباني الآيلة للسقوط ومخلفات الحرب، رغم إمكاناته المحدودة. ويقوم عناصره بتدعيم بعض المباني المتصدعة، وإزالة الأنقاض، وتوعية السكان بمخاطر الأجسام المشبوهة.
وذكر المسؤول في الدفاع المدني في غزة أنهم رصدوا وتلقوا ما يقارب 10 آلاف إشارة واتصالات من مواطنين للإبلاغ عن وجود أجسام مشبوهة في مناطق مختلفة من القطاع، مضيفاً أن الجزء الأكبر منها في محافظتي رفح وشمال قطاع غزة، إضافة إلى منازل مشرّكة (مزروعة بمتفجرات من مخلفات العدو).
وأكد أن فرق هندسة المتفجرات في الشرطة عملت على تحييد بعضها، ولكن من الصعب جداً التعامل معها كلها كون كافة مقدرات تجميع الذخائر غير المنفجرة وتخزينها ومن ثم العمل على إتلافها كدائرة متكاملة قد تم استهدافها من العدو الإسرائيلي خلال الحرب، بما في ذلك الكوادر البشرية في هندسة المتفجرات التي خسرت نحو 70 شهيدا من عناصرها المتخصصة والمدربة.
وأشار الى أن الدفاع المدني يعاني من نقص في كل شيء، ولا يمتلك سيارات خاصة تتوفر بها عوامل الأمان لتتحرك بها طواقم الهندسة، كما أن أماكن التخزين والإتلاف غير متوفرة حيث تم تدميرها وتجريفها، واختصر المشهد بقوله: “إن دائرة التعامل مع هذه الأجسام والمخلفات غير مهيأة وغير مكتملة، وبحاجة إلى إعادة بناء وتطوير قدرات مادية وبشرية”.
ويناشد الدفاع المدني في غزة المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية، لتقديم الدعم اللازم لمساعدته في مواجهة هذه التحديات، وتوفير الإمكانات والمعدات اللازمة لتأمين حياة السكان. ويناشد المجتمع الدولي بضرورة الضغط على كيان العدو الإسرائيلي، لحمله على تقديم معلومات حول أماكن وجود مخلفات الحرب، وتسهيل عملية إزالتها.