تحوُّلاتٌ صنعها مشهدُ الإسناد اليماني لغزة
تحوُّلاتٌ صنعها مشهدُ الإسناد اليماني لغزة
يمني برس ـ بقلم ـ حسن محمد طه *
ما بين تاريخ السبت 7 أُكتوبر 2023م وبين السبت 18 يناير 2025م أحداث جليلة وجسيمة يلزمنا مؤلفات لشرحها.
غير أن الجدير بالإشارة إليه هو أن صنعاء المقدسة استوقفت عجلة التاريخ العربي، وهي على وشك أن تطوي أسوأ صفحات الضعف والذل والهوان من واقع الأُمَّــة العربية.
وأجبرتها على تغيير المحتوى الموصول لليمن وشعبه الذي يعيش ظروفًا صعبة فرضتها عليه 9سنوات من العدوان الذي قادته السعوديّة بأوامر أمريكا، إلى فينيق بشري انبعث من ركام الدمار، ليخط مواقفًا عظيمة ما يُبَيّضُ وجوه أبناء الأُمَّــة العربية ويشرّف اليمنيين أمام الله والأجيال القادمة.
لقد حقّقت اليمن تحولات كبيرة على إيقاع مشهد إسناد غزة وبجهد ذاتي، وتوجّـه صادق مستقل، وإصرار إيماني نبيل، مواجهةً لكل التحديات، إذ مع كُـلّ مرحلة من مراحل الإسناد كانت تتضاعف الالتزامات وتتعاظم المسؤولية على اليمنيين الأحرار المعروفين بضمائرهم الحية وشدة حميتهم على دينهم وأعراضهم، فتجلت التحولات الاستراتيجية عبر العديد من المحطات دونت بعضها على عجالة أبرزها:
الأولى: صدق الموقف
تتجلى هذه المحطة المفصلية من تاريخ اليمن المعاصر في صدق الموقف المُجَـرّد من دبلوماسية الساسة وشوائب المصالح الذاتية، فليس موقفاً شكلياً لإسقاط الواجب، بل برزت اليمن من عمق جراحاتها ومنطلقاتها الإيمانية، مستدلة بمقولة شهيد الإسلام والإنسانية السيد حسن نصرالله، في خطابه وعيناه تذرف الدموع وصوته يتقطع من التأثر (يا سيدنا أنتم محاصرون.. فهل لديكم خبز؟) في جواب على موقف قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي، في إحدى خطاباته (حاضرون أن نتقاسم اللقمة الواحدة مع أهلنا في فلسطين).
الثانية: ثبات موقف القيادة
وهو ما تحقّق في موقف سيد القول والفعل: عبد الملك الحوثي، وحكمته بالرد على مبعوثي أمريكا المكلفين بإيصال أوامر ورسائل التحذير عبر الوسطاء ((اصدروا أوامركم لمن يستمع لها ووجهوا تهديداتكم لمن يخافها))؛ الأمر الذي دفع الأمريكي إلى التصعيد الاقتصادي عبر حلفائه في الرياض وأبوظبي وأدواتهم من المرتزِقة اليمنيين، بالضغط على صنعاء بتنفيذ إجراءات اقتصادية ظالمة شملت إلغاء التعامل بالعملة الوطنية، ونقل مقرات البنوك التجارية من العاصمة صنعاء إلى عدن، وحضر التعاملات معها ومع شركات الصرافة بصنعاء وإغلاق رحلات طيران اليمنية من مطار صنعاء وعرقلة مسار المفاوضات وخارطة الطريق مع السعوديّة، لكن كُـلّ ذلك لم يثنِ اليمنيين عن موقفهم.
الثالثة: النتائج الواقعية
لم يلتفت القائد الشهم علم وحادي الركب اليماني السيد عبدالملك الحوثي، للتصعيد السياسي والاقتصادي الأمريكي والبريطاني ومن يدور في فلكهما، بل ظهر محذراً ومتوعداً بمواجهة التصعيد العسكري بالتصعيد، والبنوك بالبنوك والمطار بالمطار، والميناء بالميناء.. حتى أجبر الرياض على توجيه حكومة الارتزاق بإلغاء القرارات وإجراءاتها العقابية والتعهد بعدم تكرار تلك الإجراءات.
الرابعة: الفشل الأمريكي وأُسلُـوب المقايضة
بعد فشل خطط أمريكا (العظمى بنظر العالم) وتزايد حرجها من مأزق اليمن وأحرارها (الذين يرونها مُجَـرّد قشة) استخدمت أُسلُـوب المقايضة لتغيير موقف صنعاء بعروض جديدة ومتوالية ومغرية ومن أبرزها:
1- معالجة آثار العدوان وفك الحصار وتنفيذ بنود خارطة الطريق الموقعة مع السعوديّة وأولها الملفات الإنسانية والاقتصادية.
2- اعتماد نسبة كبيرة من قيمة صادرات النفط والغاز اليمنية لصالح صنعاء.
الخامسة: طرح الاستحقاقات كعروض مغرية
بعد أن أدركت جدية موقف صنعاء من غزة وقضية فلسطين عامة تركت أمريكا مكرهة أساليب المراوغة فجاءت من الآخر بالمقولة الشائعة وهي وحلفائها وممثل الأمم (غير المتحدة) مراهنين على أن صنعاء لن ترفض هذه العروض الكبيرة.. ((عجز وانكسار على شكل عروض)) وأبرز تلك المغريات:
* تتوقف أمريكا ودول العدوان عن تقديم الدعم المالي والعسكري لحكومة المرتزِقة بشكل كامل.
* التزام دول العدوان بإعادة الإعمار وجبر الضرر الناتج عن عدوانهم.
* اعتماد رسوم على مرور السفن من مضيق باب المندب لصالح صنعاء.
*الاعتراف بحكومة صنعاء.
وكلّ تلك العروض والمقايضات مقابل التخلي عن غزة ورفع الحظر عن سفن العدوّ الإسرائيلي ووقف إطلاق الصواريخ والطيران المسيّر على منشآته في الأراضي الفلسطينية المحتلّة.
مع أن طرح تلك العروض وتنفيذها يعد بمثابة تحول استراتيجي في كسر عزلة صنعاء عن العالم ونهاية لمعاناة شعبنا من العدوان والحصار المفروض من أمريكا للقضاء على ثورة الـ 21 من سبتمبر وأهدافها المتجلية في استقلالية القرار اليمني والخروج من عباءَة الوصاية والتبعية الخارجية.
إن قيادتنا تنظر إلى هذه المكاسب كاستحقاق يمني آت لا محالة، بفضل صمود الشعب اليمني وتضحيات مجاهديه الشرفاء، وليس بالمزايدة والمتاجرة أَو المقايضة والتفريط بأهم قضية للأُمَّـة، مؤكّـدة أن صمود اليمن مع غزة شكل عامل الحسم والفصل في بقاء القضية الفلسطينية في الواجهة، برغم التفريط والتخلي المعيب والمخزي الذي بدر من غالبية الدول العربية بعد الـ 7 من أُكتوبر ٢٠٢٣، واستمر قطار الإسناد اليماني لغزة حتى وقف العدوان على قطاع غزة آخر ساعات السبت 18 يناير 2025م ولا تزال مُستمرّة إلى ما لا نهاية، مهما استطال عار الخذلان وخزي التواطؤ الرسمي للأنظمة العربية.
* عضو مجلس الشورى