غزة.. مستعصية على مخططات ترامب
يمني برس |
رغم تعهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن يبدأ ولايته الجديدة بسياسة قائمة على وقف النزاعات وإحلال السلام، فإن تصريحاته ووعوده لا تتعدى كونها مجرد شعارات لا تمت للواقع بصلة. فسرعان ما بدأ بإشعال الحروب الاقتصادية والسياسية ضد خصومه وحتى حلفائه، مستهدفاً الصين وكندا والمكسيك وحتى أقرب الدول الأوروبية، معلناً عن مشاريع ضم واحتلال جديدة، وكأن العالم مجرد ممتلكات خاصة يمكنه التصرف بها كيفما يشاء.
إحدى أخطر قرارات ترامب جاءت في إطار رؤيته الاستعمارية، حيث أعلن عن خطته لاحتلال غزة وتهجير سكانها، زاعماً أنه يريد تحويلها إلى “ملكية أمريكية” لتكون وجهة استثمارية تعج بالمنتجعات والملاهي، لكنه في الوقت نفسه يريدها محرمة على أهلها الأصليين الذين دفعوا ثمناً باهظاً لصمودهم في وجه الإبادة الصهيونية المدعومة أمريكياً.
الأمر اللافت في تصريحات ترامب أنه ادعى بأن خطته لاحتلال غزة حظيت بـ”إشادة واسعة” من مختلف المستويات القيادية، لكن الواقع كان عكس ذلك تماماً. لم تؤيد خطته سوى عصابة نتنياهو وبن غفير وسيموتريتش، بينما لاقت رفضاً واسعاً من مختلف الدول، بما في ذلك مصر والأردن، الحليفين التقليديين للولايات المتحدة، ما يكشف عن مدى عزلة ترامب حتى بين حلفائه.
كان العالم ينتظر من “زعيم العالم الحر”، كما يزعم، أن يبدي تعاطفاً مع غزة التي حوّلها نتنياهو إلى كومة من الركام بفعل القصف الصهيوني المدعوم أمريكياً، لكن بدلاً من ذلك، قرر ترامب معاقبة الضحية والانتصار للجلاد. والأدهى من ذلك أنه لم يرَ في دمار غزة سوى فرصة استثمارية، متناسياً أكثر من 150 ألف شهيد وأكثر من مليوني نازح يعيشون في ظروف كارثية، بل إنه تجاهل حتى ذكر اسم الشعب الفلسطيني وكأنهم غير موجودين.
إذا تجنبنا وصف ترامب بالمجنون، فإن أقل ما يقال عنه أنه منفصل عن الواقع. فكيف يتصور أن بإمكانه تهجير أكثر من مليونين ونصف مليون فلسطيني من أرضهم، في حين أن الغزيين قاوموا القنابل والصواريخ الأمريكية التي ألقتها عليهم طائرات نتنياهو؟ وكيف يظن أن غزة، التي واجهت نكبة 1948، واحتلال 1967، وحصاراً خانقاً لعقود، ستستسلم لمشروعه الاستعماري؟
لم تكن خطة ترامب سوى امتداد لمشاريع التهجير التي حاول الاحتلال تنفيذها بدعم أمريكي على مدى عقود، بدءًا من محاولة توطين الفلسطينيين في سيناء عام 1955، مروراً بمخططات تهجيرهم إلى الأردن، ووصولاً إلى صفقات مشبوهة برعاية الأمم المتحدة تهدف إلى شراء ولاء اللاجئين الفلسطينيين بمبالغ مالية، لكنها جميعاً سقطت أمام صمود الفلسطينيين.
اليوم، يواجه ترامب نفس المصير. فكما أفشل الشعب الفلسطيني صفقة القرن، وأسقط كل محاولات تصفية قضيته عبر اتفاقيات التطبيع، فإنه يقف الآن في مواجهة مشروعه الاستعماري الجديد، الذي لن يكون مصيره مختلفاً عن سابقاته. فغزة ليست مجرد أرض مدمرة تبحث عن إعادة إعمار، بل هي رمز للصمود، وساحة معركة جديدة ستكتب فيها المقاومة فصلاً جديداً من هزائم أمريكا وحلفائها الصهاينة.
إذا كان ترامب يعتقد أن غزة ستصبح “ريفييرا الشرق الأوسط”، فإنه واهم، لأن ما ينتظره ليس مشروعاً سياحياً، بل انتفاضة جديدة ستسجل في التاريخ فشل مخططاته كما فشل سلفه هتلر، الذي انتهت أحلامه في السيطرة على العالم بتحطيم بلاده. غزة ستبقى شوكة في حلق الطغاة، ومقبرة لأحلام الاستعمار الأمريكي والصهيوني.