الحرب الاقتصادية الأمريكية على اليمن على ضوء التجربة الروسية الإيرانية
الحرب الاقتصادية الأمريكية على اليمن على ضوء التجربة الروسية الإيرانية
تنويه من الكاتب: انوه هنا إلى رفض مفهوم “العقوبات” فهو يقتضي أن هناك من اقترف جرما وآخر صاحب سلطة قام بمحاكمته وفرض عقاباً عليه. فهي حرب اقتصادية من دولة مارقة، وتناول المفهوم هنا بحسب ما تم التعارف عليه وليس إقراراً به.
في 17 من شهر يناير 2025م فرضت الولايات المتحدة “عقوبات” على بنك اليمن والكويت بتهمة “دعم الإرهاب”، كانت هذ الخطوة تمهيداً لتصعيد أكبر، ففي 20 يناير 2025م أعادت إدارة ترامب تصنيف أنصار الله “منظمة إرهابية”، في سياق التحولات الإقليمية والدولية، ونتيجة للدور اليمني في إسناد الشعب الفلسطيني.
تسعى العقوبات إلى فرض حصار اقتصادي على مناطق الحكومة الوطنية، يشمل القطاع المالي والتجاري، وملف المساعدات الإنسانية، وحصار ميناء الحديدة.
خلال الأسابيع الماضية التقى الخائن رشاد العليمي بمحافظ البنك المركزي فرع عدن لمناقشة الإجراءات المالية اللازمة لمواكبة تطبيق هذا التنصيف، وفي ذات الموضوع التقى العليمي وغيره من قيادات مجلس الخيانة، بالسفراء الغربيين.
ويُتوقع أن تدفع الولايات المتحدة وحلفاؤها نحو: نقل مكاتب الأمم المتحدة والمنظمات الدولية إلى عدن. وإدارة المساعدات الإغاثية والتجارية من عدن. ونقل مقرات البنوك إلى عدن، في مساعيهم إلى تقويض النظام المصرفي في صنعاء.
فيما يحاول ما يسمى “المجلس الانتقالي” الجنوبي الاستفادة من الوضع لجعل عدن مركزاً سياسياً واقتصادياً دولياً تمهيداً للانفصال، بينما تستخدم الحكومة العميلة العقوبات لزيادة الضغط على صنعاء لتقديم التنازلات السياسية.
تمثل العقوبات الاقتصادية أداة ضغط أمريكية لإضعاف الدول المناهضة لسياساتها، وتظهر تجارب روسيا وإيران وفنزويلا وسوريا -سابقاً- أن العقوبات تؤدي إلى عزلة اقتصادية وتأثيرات سلبية على العملة المحلية، ولكن يمكن تخفيف تأثيرها عبر التعاون الدولي والانتاج المحلي وتطوير أنظمة مالية بديلة.
ويمكن للحكومة الوطنية في صنعاء الاستفادة من هذه التجارب لتطوير استراتيجيات مقاومة للعقوبات، تتلاءم مع الواقع اليمني سياسيا واقتصاديا وجوسياسياً. ومن المهم أيضاً تطوير استراتيجيات إعلامية للتعامل مع الملف فالإعلام المعادي يستغل هذه الأحداث.
العقوبات الاقتصادية على اليمن
في 17 يناير 2025م، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على بنك اليمن والكويت بتهمة دعمه المالي لأنصار الله أي السُلطة الوطنية في صنعاء، وكان هذا قبل 3 أيام من إعادة الولايات المتحدة الأمريكية تصنيف أنصار الله “تنظيماً إرهابياً”.
التجربة الأقرب إلى فرض العقوبات على صنعاء، كانت في سبتمبر 2014م، عندما فرضت الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات على البنك العربي- الأردن، بتهمة تمويل حركة حماس.
في 20 يناير الماضي 2025م، وقّع الرئيس الأمريكي ترامب أمراً تنفيذياً لإعادة تصنيف حركة أنصار الله كمنظمة “إرهابية أجنبية”، تأتي هذه الخطوة في سياق التحولات الإقليمية والدولية، وهي رد مباشر على الدور التي قامت به القوات المسلحة اليمنية في معركة إسناد الشعب لفلسطيني.
جوهر القرار في المقام الأول اقتصادي، فهو يدعم إمكانية فرض حصار اقتصادي يشمل جميع المناحي الاقتصادية والمالية على المستوى الرسمي والشخصي من أفراد وكيانات تقع مقراتها في صنعاء، ويدعم فرض حصار على النشاط الملاحي والتجاري إلى الموانئ اليمنية الواقعة في مناطق صنعاء السلطة الوطنية وتحديدا ميناء الحديدة.
في الأيام الماضية التقى المرتزق العليمي بمحافظ فرع البنك المركزي في عدن، وناقش معه الإجراءات المطلوبة بناءً على التصنيف الأمريكي الأخير لأنصار الله “منظمة إرهابية أجنبية”. وطلب من البنك المركزي فرع عدن، طمأنة مجتمع العمل الإنساني (المنظمات الدولية) وطمأنة رؤوس الأموال الوطنية والمغتربين اليمنيين بضمان تدفق معوناتهم الإغاثية، وأنشطتهم التجارية، وتحويلاتهم المالية “.
وخلال الأيام الماضي التقى “العليمي” وأعضاء مجلس الخيانة، بسفراء الاتحاد الأوربي، والسفير الأمريكي، والسفير البريطاني، والسفير الإماراتي، والقائم بأعمال السفير الياباني، وفي مختلف هذه اللقاءات كان يتم الحديث عن الجانب الاقتصادي ومساعدة الحكومة العميلة، وعن التنسيق لتنفيذ مقتضيات التصنيف الأمريكي الأخير، ومن مختلف النقاشات الواردة في هذه اللقاءات الدبلوماسية، يُمكن الافتراض أن الولايات المتحدة والدول الغربية سوف تدفع نحو:
• نقل مكاتب الأمم المتحدة والمنظمات الدولية إلى عدن.
• إدارة النشاط الإغاثي والمساعدات الإنسانية المخصصة لمناطق حكومة التغيير والبناء من عدن.
• نقل مقرات البنوك إلى عدن.
• التصنيف الأمريكي الأخير، يسهل القيام بهذه الاجراءات العدوانية، بفرضه عقوبات متوقعة على كل البنوك والمنظمات العاملة في صنعاء، ما يجبرها على الانتقال إلى عدن، أو يشل نشاطها.
ضمن هذا السياق وفي هذه الأيام احتجزت الأجهزة الأمنية في صنعاء عدداً من موظفي الأمم المتحدة في صنعاء بتهمة التجسس، واستغلالاً لهذا الصدام بين صنعاء وبعض موظفي الأمم المتحدة، وجه المرتزق عيدروس الزبيدي “المجلس الانتقالي” بتقديم كافة التسهيلات لجميع البعثات ومكاتب المنظمات الدولية، والزبيدي يسعى لجعل عدن مركزا سياسيا فيه حضور دولي كعاصمة مستقبلية لـ”دولة الانفصال” التي يسعى إليها.
الخطاب الإعلامي للمرتزقة الموجه حول العقوبات الأمريكية الأخيرة على بنك اليمن والكويت، وحول التصنيف الأخير، وحول احتجاز موظفي الأمم المتحدة، يعكس محاولة معادية لاستثمار الحدث سياسياً واقتصادياً، في تعزيز الضغوط على صنعاء من خلال الترويج لتوسيع العقوبات، وتقويض الثقة في النظام المصرفي من خلال نشر التخويف والإشاعات، وخلق تحولات جيو-اقتصادية لدفع البنوك والمؤسسات للانتقال إلى عدن.
تجربة العقوبات على روسيا وإيران
العقوبات على القطاع المالي
طبيعة العقوبات الأمريكية على البنوك التي تتهمها بما تسميه “تمويل الإرهاب”، وتجميد الأصول المالية للبنك داخل الولايات المتحدة أو تلك التي تمر عبر النظام المالي الأمريكي. ومنع البنك من الوصول إلى الدولار الأمريكي، وحظر أي تعاملات مباشرة أو غير مباشرة للبنك المُستهدف مع البنك من قبل المؤسسات الأمريكية والغربية التي تنفذ السياسات الأمريكية. وكذلك فرض الغرامات المالية، بإلزام البنوك بدفع غرامات كبيرة كنوع من التعويض للأضرار التي تسببت فيها المنظمات الإرهابية الممولة من قبل البنك، وكذلك إلغاء الترخيص للعمل في الأسواق الأمريكية في حال كان لهذا البنك فروع أو استثمارات في الداخل الأمريكي. وذروة العقوبات منع البنك من استخدام خدمات نظام “السويفت” للتحويلات الدولية.
هذه العقوبات المالية، تُستهدف بها بنوك مُعينة، وتُستهدف بها المنظومة المالية لدول بذاتها ببنوكها الخاصة والحكومية، بما في ذلك البنوك المركزية، كما حدث مع إيران وروسيا. إلى جانب فرض عقوبات اقتصادية، تتضمن إلى جانب المعاملات المالية مختلف الأنشطة الاقتصادية.
تنفيذ العقوبات:
المنفذ الرئيس للعقوبات هي وزارة الخزانة الأمريكية، عبر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية الذي يشرف على فرض العقوبات، بما في ذلك التحقيق وجمع الأدلة. وتتعاون الوزارة مع البنوك المركزية في حال كان البنك مُستهدفا لوحده داخل دولة لا تعُدها الولايات المتحدة معادية، وكذلك التعاون مع المؤسسات الدولية لضمان تنفيذ العقوبات.
تأثيرات العقوبات:
فرض العقوبات على البنوك يُعرضها لخسائر مباشرة، خصوصاً وأن القطاع المالي مبني على الأمن، فأولى التأثيرات هي انهيار الثقة في البنك المتهم، ما يؤدي إلى تراجع عملياته المالية، ويخسر البنك علاقاته التجارية مع المؤسسات العالمية. ويؤثر تأثيراً سلبياً على الاقتصاد المحلي، خاصة إذا كان البنك جزءاً رئيساً من النظام المصرفي.
تستخدم الولايات المتحدة العقوبات كسلاح على الصعيد الدولي، منها ضد روسيا وضد ايران، وضد كوريا الشمالية، وضد فنزويلاً، وأحياناً ضد بنوك وشركات صينية مُحددة، والنموذج الأبرز هو العقوبات المفروضة على كل من النظام الإيراني والنظام الروسي، فيما تأثير العقوبات على البنوك والشركات الصينية أقل تأثيرا، لأن الصين بذاتها سوق اقتصادي كبير وتستطيع الدولة امتصاص العقوبات ودعم الكيانات المُعاقبة، أما كوريا الشمالية التي واقعها الاقتصادي سيء، فهي قائمة على الإنتاج الاشتراكي؛ الإنتاج لأجل الاستهلاك وليس لأجل البيع والربح فالدولة ازدادت انغلاقاً لكنها استطاعت إلى حد ما في حماية معيشة المجتمع اليومية من تأثيرات العقوبات، وهي تستفيد من الصين في تجاوز العقوبات.
استهدفت العقوبات على روسيا البنوك الكبرى، وحظرت وصول البنوك الروسية عموماً إلى نظام التحويلات الدولي” السويفت”، وتجميد أصول البنوك الروسية في الولايات المتحدة وأوروبا، ومنع المستثمرين الغربيين من شراء السندات الحكومية الروسية. ودخلت العقوبات طوراً جديداً في إعطاء أوكرانيا جزءا من الأموال الروسية المجمدة.
أدت العقوبات على القطاع المالي الروسي إلى إضعاف العملة الروسية (الروبل)، وخروج العديد من الشركات والبنوك الدولية من السوق الروسية، والتي دخلت بعد تحول روسيا من الاشتراكية إلى الرأسمالية في العام 1991م.
في النموذج الإيراني، استهدفت العقوبات، البنوك الكبرى، مثل البنك المركزي الإيراني، وبنك صادرات الذي له فروع دولية عديدة، جرى تجميد أصول هذه البنوك ومنعها من التعامل بالدولار، وحظر تعاملها مع المؤسسات المالية الدولية، وإلغاء تراخيصها في بعض الأسواق الغربية.
أدى هذا الأمر إلى انخفاض كبير في عائدات النفط الإيراني بسبب صعوبة الحصول على العملة الصعبة الأجنبية، كما أدت العقوبات إلى عزلة اقتصادية واسعة النطاق، وارتفاع معدلات التضخم داخل إيران، حيث تعاني العملة الإيرانية بشكل مستمر من تآكل قيمتها أمام الدولار.
ورغم أن العقوبات مالية، إلا أن قطاعات اقتصادية عديدة تتأثر بها، لارتباط القطاع المالي بالقطاع التجاري بشكل وثيق، وفي الحالتين الإيرانية والروسية، أدت هذه العقوبات إلى جانب التأثيرات المالية البحتة، في تجميد الأصول ومنع التحويلات المالية، ومنع استخدام الدولار في التعاملات، إلى جانب هذه التأثيرات المالية، أدت إلى تأثيرات على مجلات اًخرى.
تأثر قطاع التكنلوجيا والطاقة، بحظر تصدير التكنولوجيا الحيوية أو المستخدمة في تطوير الأسلحة أو الطاقة إلى هذه البلدان، وفي الجانب التجاري تم تعطيل قدرة البنوك على تمويل الاستيراد والتصدير، ووضع قيود على الشحن البحري وشراء المواد الخام.
اضطراراً، وفي مواجهة هذه العقوبات، اتجهت روسيا إلى تعزيز التعاون مع الصين ودول أخرى خارج النظام المالي الغربي، فيما اتجهت إيران إلى استخدام قنوات مالية غير رسمية والتحايل عبر دول حليفة، وبيع النفط في السوق السوداء أو عبر وسطاء.
تستخدم روسيا وإيران استراتيجيات متعددة لتقليل تأثير هذه العقوبات على اقتصادها ونظامها المالي، منها تعزيز التحالفات الدولية البديلة، وهي الاتجاه إلى دول الجنوب العالمي، كما تفعل روسيا التي تعزز العلاقة مع الصين والهند ودول أخرى في آسيا وأفريقيا، خاصة في مجالات التجارة والطاقة، فيما اعتمدت إيران في التجارة على حلفاء مثل سوريا، والعراق، وفنزويلا لتخفيف الضغط.
وفي الحالتين الروسية والإيرانية، بدأ البلدان إبرام اتفاقيات تجارة بالعملات المحلية، فروسيا والصين بدأتا استخدام الروبل واليوان بدل الدولار الأمريكي، وتجري إيران تجارتها مع بعض الدول بالذهب وعملات دولية اُخرى غير الدولار، بما في ذلك اليوان الصيني، وتوفر الصين بديلاً مهماً لكل من إيران وروسيا وهناك اتفاقيات استراتيجية شاملة بين هذه الدول الثلاث كل دولة مع الأُخرى.
تطوير أنظمة مالية بديلة
بدأت روسيا في العام 2014م عقب ضم جزيرة القرم وبدءِ العقوبات عليها، بتصميم نظام مالي بديل عن السويفت، بدأ هذا النظام محلياً وبالتدريج أصبح دولياً ولكن مع الدول الحليفة لروسيا وتلك التي وقعت مع روسيا اتفاقيات اقتصادية. هذا النظام بسيط جداً ومحدود مقارنة بنظام السوفيت الدولي، إلا أنه وفر لروسيا مساحةً لتجاوز العقوبات، وبحسب النائب الأول لرئيس البنك المركزي الروسي فوصولاً إلى يناير من العام الفائت، ربط النظام المالي الروسي بـ 20 دولة إلى جانب 550 منظمة منها 150 منظمة من 16 دولة أجنبية. والجدير بالذكر أن ألمانيا تستخدمه لدفع مشتريات الغاز الروسي.
وفي هذا الإطار يأتي تحالف البريكس، والبنك الآسيوي التابع له، بكونه فضاءً اقتصاديا يجمع دول الجنوب العالمي، في علاقات اقتصادية متحررة من الضغوطات الغربية.
الاعتماد على الذات في الاقتصاد
رغم امتيازات التجارة الدولية ودورها الحاسم في التطور الاقتصادي، وضرورة أن تجد البلدان أسواقاً لها في الخارج من أجل تصدير منتجاتها، وتحقيق أكبر تراكم مالي ممكن، لاستخدامه في الانتاج والتطوير، كما تفعل الصين، برغم أهمية التجارة الدولية من هذه الناحية، فقد اضطرت الدول التي فُرضت عليها العقوبات إلى الاهتمام أكثر بسوقها المحلي.
هذه الدول تتجه نحو اليسار في الاقتصاد وتُعيد دور الدولة القائد في إدارة النشاط الاقتصادي، وهي ورغم كونها دول رأسمالية تقترب من النمط الاقتصادي الاشتراكي، القائم على فلسفة الإنتاج من أجل إشباع الحاجات وليس من أجل تحقيق الربح والتراكم المالي كهدف بذاته من وراء الإنتاج، والمفهوم الأقرب لتوصيف اقتصادها، بدولة الرعاية الاجتماعية.
كوريا الشمالية وفنزويلا، وكوبا (التي ترفع شعار الاشتراكية)، وروسيا وإيران (التي ترفع شعار الرأسمالية الوطنية)، هذه الدول المُستهدفة بالعقوبات، اتجهت بشكل أكبر أولاً وقبل أي شيء آخر إلى زيادة إنتاج المواد الغذائية ومختلف السلع التي يحتاجها المواطن بشكل يومي. وبهذه الطريقة، فقد أمّنت الاحتياج المحلي لحماية المجتمع من تأثير العقوبات، التي تركز تأثيرها على السلع الكمالية والثانوية.(وبخلاف هذه الدول اليمن تعتمد على الاستيراد في 90% من احتياجاتها الغذائية).
وكذلك تلبية السوق من السلع المهمة في تحريك عجلة النشاط الاقتصادي، في مجالات الطاقة، وتصنيع المعدات والأنظمة التكنولوجية محلياً لتقليل الاعتماد على الاستيراد.
إلى جانب التركيز على السوق المحلية وتلبية الاحتياجات الأساسية للمجتمع، فهناك توجه نحو تنويع الصادرات بأسعار منخفضة إلى الأسواق في الدول الصديقة التي لا تخضع للعقوبات، ولذا نجد أن الأسواق السورية والعراقية والتركية والإيرانية تُصرف فيها السلع الروسية، وكذلك الأسواق السورية والعراقية واللبنانية تُصرف فيها السلع الإيرانية.
الالتفاف على العقوبات
العولمة التي جعلت من السوق العالمية سوقاً واحداً، تتيح إلى حد ما الالتفاف على العقوبات، ولكن من قبل الدول التي لها فائض انتاج وقادرة على التصدير(هذا لا يصح على الوضع اليمني)، فيتم الالتفاف على العقوبات بطرق عديدة، لأن السوق العالمي هو في الأساس مصمم لدعم مسألة تدفق السلع ورؤوس الأموال في مختلف دول العالم، والعقوبات هي الأمر الشاذ في النظام الاقتصادي الرأسمالي السائد عالمياً.
السوق السوداء إحدى هذه الطرق المُستخدمة، وتستفيد منها إيران في بيع النفط عبر التهريب وتغيير هوية الناقلات النفطية أو بيع النفط في السوق السوداء. فيما تستخدم روسيا شركات غير روسية كواجهة لبيع منتجاتها، ومن ذلك ايضاً إنشاء شركات في دول غير خاضعة للعقوبات.
كما يتم استغلال الثغرات القانونية، في الاستفادة من الاستثناءات في العقوبات المتعلقة بالاحتياجات الإنسانية مثل الغذاء والدواء، وتصدير منتجات بأسعار منخفضة لدول تحتاجها بشدة، ما يجعلها لا تلتزم بالعقوبات، خصوصاً أن الدول الفقيرة التي تحتاج هذه السلع لا تقوم الولايات المتحدة بتلبية احتياجاتها فتتغاضى عن خرق العقوبات.
كما تستخدم روسيا وايران التعبئة الدبلوماسية والإعلامية، بإظهار حقيقة العقوبات بوصفها انتهاكاً لقوانين التجارة العالمية، وبوصفها أدوات غير عادلة تستخدم ضد الشعوب لدواعٍ سياسية، وهو ما يخلق تعاطفاً دولياً نسبياً.
هذه الاستراتيجيات تخفف من تأثير العقوبات، لكنها لا تتجاوزها، فهناك على الدوام مسائل لا يمكن تجاوزها، مثل صعوبة جذب البلدان التي عليها العقوبات استثمارات طويلة الأمد، وكذلك تراجع سعر العملة الوطنية بشكل مستمر وارتفاع التضخم.