ما بين طُغاة العالم وأتباعهم.. هكذا تكونُ موجودًا
عبدالله شرف المهدي
على ضوء ما حدث لـ ملك الأردن في البيت الأبيض من قبل ترامب وربما يتبعُه الرئيس المصري، إليكم قراءةٌ فلسفية تبين نوع العلاقة بين حكام الشرق والغرب..
{توضيح: هذه القراءةُ يُستثنى منها محور المقاومة، ويعنى بها ما دون ذلك}..
وبدايةً، الفلسفة الغربية هي المُتحكمة في نفوس حُكام ومحكومين الشرق، وليس حكام الغرب كشخصيات ذاتية من يتحكمون بالشرق..
فعلى ضوء مباني الفلسفة الوجودية الغربية قام فلاسفة الغرب بإخلاء الذات الشرقية وتفريغها من محتواها، فالوجودية بالنسبة لـ”هايدجر” أن كُـلّ إنسان يملك وجودَين، أحدهما الـ “أنا” كموجود حي في المجتمع، والآخر هو الوجود الأصلي أَو الحقيقي، وهذا الوجود الثاني تصنعه الثقافة عبر التاريخ، ومن لا يمتلكُ هُوية الذات الثقافية المرتبطة بجذور التاريخ فليس لهُ وجودٌ ثانٍ حسب تعبير “هايدجر”..
ومن هنا يقول سارتر: إن الوجود المجازي من صُنْعِ الله وإننا بأنفسنا نصنع الوجود الحقيقي، فالوجود الحقيقي هو هويتي الإنسانية وشخصيتي الثقافية، وكلّ من يملك شخصيته الثقافية الخَاصَّة إنسان مستقل ومنتج، والإنسان المنتج هو الذي يصنع الفكر والأيديولوجية والإيمان والحركة..
وفي هذا الموضع يقول الدكتور شريعتي، ما لم تصل الأُمَّــة إلى مستوى الإنتاج المعنوي والفكري والثقافي، فَــإنَّها لن تستطيع أن تصل إلى مستوى الإنتاج الفعلي، وَإذَا وصلت إليه ففي مستوى ما يفرضه الغرب، وفي صورة خادعة؛ أي في صورة استعمار جديد..
ولهذا؛ مِن أجلِ ألا يستطيع جيل أن يصل إلى الاستقلالية في مواجهة الغرب، سعى الغرب إلى تدمير جميع القواعد الفكرية الأَسَاسية الإنسانية والثقافية التي تمنح المرء شخصية مستقلة “للأنا” الإنسانية، فتحول إنسان الشرق إلى غث وفارغ مغسول مكنوس، وبتعبير جلال الدين الرومي: [كقبر الكافر مُزدان الظاهر وفي الباطن غضب الله] الباطن أي الآخرة.
إن إفراغ إنسان الشرق من الباطن وجعله خاليًا غثًّا لا محتوى فيه، تصفها جدلية “سوردل” التي تصف العلاقة بين الشرق والغرب في إطار الاستعمار الثقافي، وفحوى الجدلية أن على الغربي أَلَّا ينكر ثقافة الشرقي وتاريخه وشخصيته، بل عليه أن يقوم بعمل يجعله يعتقد أنه مرفوض ليعتقد الشرقي أنه عرق من الدرجة الثانية وأن الغربي هو الجنس الأعلى والدرجة الأولى، وأن للغربي عقلاً يفكر ويصنع وعلى الشرقي فقط أن يعمل تابعًا للغرب..
هكذا سعى الغربي لعقودٍ طويلة أن يرسِّخَ مفهوم الدونية في عقل الشرقي، وتصف جدلية “سوردل” هذه العلاقة بأنها علاقة الأم بالطفل، فالأم تنهر طفلها، والطفل يلوذ لحضن الأم خوفًا منها وطلبًا للأمان..
إن حكام الشرق مُفرغين من الهُوية الذاتية التاريخية الثقافية، فيحاولون سد فراغهم بالتشبه بالغرب في السلوك والحركات والسكنات وأُسلُـوب العيش والمنطق والنفسية والسياسة والإدارة والفن والأدب وكلّ ما يخص الحياة، فتجد الشرقي مع الغربي كالطفل مع والدته، فإن حزن منها ذهب إليها، لانتمائهِ الذاتي لها..
ولذا تجد أن ملوك الخليج وبعض حكام العرب لا يرفضون أمراً للغرب، ويعملون بكل طاقتهم لإرضاء الغرب؛ لأَنَّ العلاقة فيما بينهم ليست علاقة تبعية ارتزاقية كمرتزِقة يعملون مقابل الأموال، بل إن العلاقة فيما بينهم علاقة ذاتية ما بين أم وطفلها، ولهذا فَــإنَّ حكام العرب التابعين للغرب لا يحكمهم رئيس غربي، بل فلسفة غربية، وسيظل هذا الحال المخزي لحكام العرب حتى تعود الشعوب العربية إلى ذاتها وهويتها الإسلامية، ويتحَرّك الخواص في المجتمعات كثوار متنورين، فالفكر لا يُحارب إلا بالفكر، وما أحوج الأُمَّــة إلى المفكرين الثوار، “وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ”.