شهــر رمضــان المبارك.. الرؤية المتكاملة والمعطيات الكبرى
شهــر رمضــان المبارك.. الرؤية المتكاملة والمعطيات الكبرى
يمني برس|
يقدِّم لنا القرآن الكريم رؤيةً متكاملةً عن شهر رمضان المبارك، وعن صيامه وقيامه، وهي النظرة التي ينبغي أن نستوعبها جيداً كمسلمين؛ حتى نستفيد بشكلٍ أفضل، فالرؤية الناقصة قد تجعل الإنسان يخرج من الشهر المبارك بتوجهٍ عمليٍ ناقص، وبنتائج ناقصة، وقد تصل الحالة في بعض الأمور إلى أن يخرج الإنسان خاسراً غير رابح، ((رُبَّ صائمٍ ليس له من صيامه إلَّا الجوع والظمأ، ورُبَّ قائمٍ ليس له من قيامه إلَّا السهر والتعب)).
الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في كتابه المبارك عندما أمرنا بفريضة الصيام في شهر رمضان المبارك قال “جلَّ شأنه”: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة: الآية 183]، الآيات المباركة التي وردت في سورة البقرة، والتي في بدايتها هذه الآية، وتحدثت عن صيام شهر رمضان المبارك، آياتٌ مهمة، وتقدِّم صورةً متكاملة عن هذه الفريضة المهمة، وعن الإيجابية العالية لها، والقيمة الكبيرة لها، وهذه الآية المباركة قدَّمت عنواناً عاماً وعظيماً ومهماً للغاية، جعلته الثمرة الرئيسية لصيام شهر رمضان المبارك، هذه الثمرة المهمة هي في قول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
من معطيات الشهر الكريم (التقوى)
الإنسان بفطرته يرغب فيما يقيه من الكثير من المشاكل، أو من كل الكوارث والمصائب والشرور والمخاطر، الإنسان بفطرته رحيمٌ بنفسه، ويريد لنفسه الخير، {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ}[العاديات: الآية 8]، ويتمنى أن يمتلك ما يقيه من الشرور والمخاطر الكبيرة على نفسه وعلى حياته، والوقاية هي خلاصة ما يعنيه تعبير التقوى، أنه يشكِّل وقايةً لنا من كثيرٍ من الأشياء السيئة التي هي نتاجٌ طبيعيٌ للأعمال والتصرفات الخاطئة والسلبية والسيئة، بكل تأثيراتها السيئة علينا في واقع الحياة، الأعمال السيئة والأعمال المنحرفة تلحق بالناس ضرراً كبيراً في حياتهم: في أمنهم، في معيشتهم، في اقتصادهم، في استقرارهم الاجتماعي، وهذه هي المشاكل التي تعاني منها البشرية إلى حدٍ كبير، وهذه- بعينها- هي المشاكل الكبيرة التي تصيح منها المجتمعات البشرية في مختلف أقطار الأرض: ارتفاع نسبة الجرائم بأنواعها، الاختلالات الأمنية المؤذية للناس، الأزمات الاقتصادية التي تتفاقم، الفساد الذي يضر بالناس في كل شؤون حياتهم… وهكذا مختلف أنواع الشرور التي تمثِّل مشكلةً حقيقيةً للناس في واقع حياتهم.
ومن هنا يتضح لنا أنَّ صيام شهر رمضان، وأنَّ شهر رمضان المبارك بكل ما فيه من صيام وقيام وأعمال صالحة، وما يتهيأ فيه من البركات والآثار الإيجابية والخيِّرة، لا يمثل عبئاً إضافياً إلى مشاكلنا في هذه الحياة؛ بل إنَّ له علاقة مهمة جدًّا بصلاح حياتنا هذه، بل إنَّ له أهمية كبيرة فيما يمكن أن يشكِّله من تأثير إيجابي وعظيم في نفس واقع حياتنا: في انخفاض نسبة الجرائم، في ارتفاع نسبة الأعمال الصالحة بأثرها الصالح والإيجابي في واقع الحياة، في النتائج الإيجابية التي تعود علينا نفعاً على مستوى مشاعرنا، أن نعيش ونكتسب مشاعر الطمأنينة، مشاعر السكينة، القرب من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” التخفيف إلى حد كبير من مشاعر القلق، من الشعور بالضيق في واقع النفوس، أن يروِّينا من حالة الجفاف على المستوى الروحي، فنعيش حالة الاطمئنان بذكر الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” والمشاعر الإيجابية والإنسانية الراقية والمؤثرة إيجاباً في مشاعر الإنسان ونفسيته وأعماله، بكل ما لذلك من أثر طيب جدًّا في نفوس الناس وفي واقع حياتهم،
كيف نتعامل مع شهر رمضان؟
أولاً: ماذا نركِّز عليه في هذا الشهر المبارك؟ ينبغي أن يحرص الإنسان أن يدخل في هذا الشهر المبارك بتوجهٍ صادق إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” وسعيٍ للتخلص من المعاصي والذنوب، أن يبتدأ شهره هذا بالتوبة إلى الله، والاستغفار، وأن يعزم عن الإقلاع عن المعاصي، وعن الكبائر، وعن الذنوب، ويحرص على الاستقامة، ويتخلص من المظاهر السيئة، والأعمال السيئة؛ حتى يتقبل الله منه صيامه وعمله، الإنسان إذا دخل هذا الشهر وهو مستمر على ذنوب ومعاصي ومفاسد، فاستمراره على ذلك سيحبط عمله، لن يتقبل الله منه عمله ابتداءً، فإذا حدث شيءٌ من ذلك قد يحبط عمله، خصوصاً الكبائر، الكبائر تحبط الأعمال الصالحة، وتمثِّل خطورة كبيرة على الإنسان، وتفقد الإنسان الاستفادة من هذا الشهر المبارك.
الحرص أيضاً أنه خلال شهر رمضان المبارك يحترم حدود الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ويحذر من الحرام، يحذر من المعاصي، يحذر من الأعمال السيئة، يستقيم على طاعة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” ويحذر مما يسبب له الانزلاق، بعض المقدِّمات للأعمال الفاسدة والأعمال السيئة تهوي بالإنسان وتورطه، يحذر منها ابتداءً، يحذر من خطوات الشيطان من أول خطوة، ويحرص على الاستقامة والصلاح في هذا الشهر المبارك؛ ليؤسس لذلك فيما بعده.
يحرص الإنسان على القيام بفرائض الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” وواجباته العملية بكل أنواعها: الصلاة، الصيام، الأعمال الصالحة، الجهاد، الإنفاق… كل الأعمال التي تدخل في نطاق المسؤوليات المهمة والأعمال الأساسية التي فرضها الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” علينا.
الاهتمام بشكل كبير جدًّا بذكر الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” باللسان، وبالوجدان والقلب والمشاعر: بحيث يكثر الإنسان من الاستغفار، من التسبيح، وهذا أمرٌ متاح أينما كان الإنسان: في الجبهة يستطيع أن يكثر من ذكر الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في المنزل، في حركته، في ذهابه، في إيابه، يستطيع أن يكثر من ذكر الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” والذكر لله من أفضل العبادات والقرب التي تقرِّب الإنسان من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”
الاهتمام أيضاً بالقرآن الكريم: شهر رمضان كما قال الله عنه في كتابه الكريم: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}[البقرة: من الآية 185].
العناية بالدعاء: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}[البقرة: من الآية 186]، الدعاء مهمٌ جدًّا في كل حال، وفي شهر رمضان هو من أهم ما يركِّز عليه الإنسان، وشهر رمضان من المواسم العظيمة والمهمة للدعاء ولقبول الدعاء، ولا سيما بالأشياء المهمة في عاجل الدنيا وفي آجل الآخرة.
العناية بالإحسان: الإحسان من أهم القرب إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” ومن أهم الأعمال، ومن أعظم الأعمال، الإحسان بالصدقات، الإخراج أيضاً للزكاة مسألة ضرورية جدًّا، العناية بالبر وفعل الخير تجاه الناس، تجاه الضعفاء، تجاه الفقراء، وبما يراعي تكريمهم، الإنسان على مستوى أرحامه، على مستوى جيرانه، على مستوى الناس من حوله، ثم على مستوى أوسع بقدر ما يستطيع، على المستوى الفردي، وعلى المستوى التعاوني الذي يأتي ضمن أعمال اجتماعية واسعة، أو جمعيات خيرية جيدة… أو نحو من ذلك.
العناية أيضاً والتركيز على التزكية للنفس: الإنسان يلتفت جيداً إلى واقع نفسه، يقيِّم نفسه بنفسه، يحاول أن يستذكر جوانب القصور لديه، الفرائض التي هو مقصرٌ فيها، الأعمال والمسؤوليات المهمة التي هو مُخِلٌ بها أو مقصرٌ فيها، الأخطاء والسلبيات والأعمال السيئة التي تصدر منه، ثم يحاول أن يستعين بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” ويلتجئ إلى الله أن يوفقه للخلاص منها، ويحرص على العودة إلى القرآن، والاستفادة من الصيام، والتوجه العملي للخلاص من تلك السلبيات، أو جوانب التقصير، ثم تكون النتيجة: التوجه العملي الجاد على ضوء هدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”؛ لأنه بهذا تتحقق للإنسان التقوى بشكلٍ تام، عندما يتجه عملياً على ضوء هدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في مسيرة حياته، في أعماله، في مواقفه، في تصرفاته، في توجهاته، ويرتبط بهدى الله بما يترك الأثر الكبير عليه في روحيته ونفسيته ومشاعره ووجدانه.
ينبغي أن نحذر في هذا الشهر الكريم مما يساهم في ضياع وقتنا، وبالذات الشباب الذين قد يركِّز البعض منهم إما على سهرات في حالةٍ من الضياع والفراغ، وفي جوٍ بعيد عن هدى الله، وعن الذكر لله، وعن القرآن الكريم، إمَّا وراء المسلسلات التلفزيونية، أو وراء مواقع التواصل الاجتماعي، والانشغال بها، وتضييع الوقت عليها، أو سهرات في اجتماعات ليس لها أي قيمة إيجابية، ولا تربوية، ولا أخلاقية، ولا دينية، وليس فيها اهتمام لا بهدى الله، ولا بالقرآن الكريم، ولا بعملٍ صالح، يجب الحذر من ذلك، والحذر من قرناء السوء الذين يجرون الإنسان إلى الضياع في أعماله وفي اهتماماته.
أيضاً نبارك للإخوة المرابطين في الجبهات، أنهم في هذا الشهر المبارك بكل ما فيه من الأجر، والفضل، والقربة إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في عملٍ عظيمٍ جدًّا، هو الجهاد في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” الذي يتفوق على بقية الأعمال الصالحة، ومن المهم بالنسبة لهم وهم في الميدان الأقرب إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” والأرفع فضلاً، والأعلى قيمةً، أن يركِّزوا على الإكثار من ذكر الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” وأن يهتموا بالقرآن بقدر ما يتاح لهم سماعاً أو تلاوةً، وأن يركِّزوا على الدعاء والالتجاء إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” وأن يهتموا بأعمالهم الجهادية، سواءً على المستوى الدفاعي، أو على المستوى الهجومي، أو على مستوى المرابطة، فهم في أعمال عظيمة ومهمة.
المصدر: موقع أنصار الله