روحانيه شهر رمضان … والهدى المستنير
يمني برس |
الإنسان يواجه في هذه الحياة الكثير من الإغراءات، ومن المشاكل، ومن التحديات، ومن الضغوط، ومن الهموم، مما يؤثِّر على مدى خشوع الإنسان وخضوعه، تطرأ على قلبه حالة من القسوة، وعلى نفسه حالة من الغفلة، وعلى ذهنه حالة من الشتات، فيكون شهر رمضان محطة تربوية لتربية النفس وتزكيتها وتهذيبها.
ففي صيام شهر رمضان، نتعلم من هذه المدرسة المعطاءة التربوية قوة الإرادة، وهذا شيء مهم للإنسان في كل حياته، في كل ما يواجهه في الحياة، وأيضا في أداء مسؤولياته، في الالتزام بدين الله وأمره ونهيه، والطاعة لله سبحانه وتعالى.
شهر المواساة:
المواساة في الشهر الكريم، نحن في مرحلة وظروف فيها كثيرٌ من البائسين، من المعانين، من الجائعين، لابدَّ أن يكون هناك مواساة، وقيمة إيمانية وإنسانية، وتعزيز للروابط الاجتماعية، (فَهُوَ شَهْرٌ أَوَلُهُ رَحْمَةٌ، وَأَوسَطُهُ مَغْفِرَةٌ، وَآخِرُهُ إِجَابَةٌ وَعِتْقٌ مِنْ النَّارِ)، الإنسان إذا توفَّق لأن يحظى في شهر رمضان المبارك بأن يكتبه الله من عتقائه من النار، فهذا فوز عظيم، يعني: ضمنت نجاتك من عذاب الله، مستقبلك الأبدي الذي أنت قادمٌ عليه حتماً في عالم الآخرة، معنى هذا: أنَّ الله سيمدك بالتوفيق في بقية عمرك.
ولذلك من الأولويات في شهر رمضان: الإحسان، والعطاء، والمواساة للفقراء والمحتاجين، وصلة الأرحام، بقدر ما يمكن للإنسان، بقدر ما يستطيعها، ولو بالقليل؛ لأن أجره عظيم، عندما يكون بحسب ظروف الإنسان.
الجهاد في شهر رمضان :
شهر رمضان من أهم المواسم للجهاد في سبيل الله، في أجره وفضله، {وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95) دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً}، الأعمال الجهادية في شهر رمضان أجرها فوق ما يمكن أن يتخيله الإنسان؛ لأن المضاعفة أصلاً في الأعمال الجهادية هي سبعمائة ضعف في غير رمضان، عندما ذكر الله الإنفاق، ومثَّل له بالمثل المعروف في الآية المباركة (مثل السنبلة)، بسبعمائة ضعف في غير شهر رمضان، كيف هي الأضعاف في شهر رمضان مع السبعين، إذا تضاعفت السبعمائة الضعف إلى سبعين ضعفاً؟ كيف ستصل؟ فضل الإنفاق في سبيل الله، الجهاد في سبيل الله بالنفس، بالمال، بالأعمال التي لها صلة بهذا الجانب، أجرها كبير، وفضلها عظيم.
ولذلك كان من أهم ما ركَّز عليه النبي “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه” -وهو الأسوة والقدوة، الذي قال الله لنا عنه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}[الأحزاب: الآية21]؛ ولذلك لم يكن عطلة عندما يكون هناك تحديات، تواجه الأمة مخاطر، عليها أن تتحرك؛ ولهذا كانت غزوة بدرٍ الكبرى في شهر رمضان، وهذا من البركات لهذا الشهر المبارك، أن كان فيه (يوم الفرقان)، المعركة التي كانت فارقة في واقع المسلمين، وفي الفصل بين الإسلام والطاغوت بالنصر الإلهيٍ المبين، والترسيخ لدعائم الإسلام، وابتداء مرحلة جديدة حاسمة في تاريخ البشرية، وفتح مكة، فتح مكة كان في الوقت الذي قد فُرِضَ فيه الصيام، في الوقت الذي كان قد فُرِضَ فيه الصيام، وهو كان إنجازاً تاريخياً مفصلياً عظيماً، وكان بعده متغيِّرات كبيرة جدًّا في واقع الأمة في التهيئة لأمر الإسلام، ودخول الناس في دين الله أفواجاً، وصنع متغيِّرات كبيرة جدًّا، كانت في شهر رمضان المبارك.
صلاة النوافل وأثرها الروحي :
الإنسان بحاجة إلى أن يكون جزءاً من أعماله واهتماماته في شهر رمضان، هو: التطوع بصلاة النافلة؛ لأن لها فضلها، وأجرها، وأهميتها، لها فضلها الكبير، أثرها الروحي في الشعور بالقرب من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، في تزكية النفس، في الذكر والتذكر لله، جزء من اهتمام الإنسان: الصلاة النافلة، ولا سيما صلاة الليل، صلاة الليل ذات أهمية كبيرة، ثمان ركعات بتسليمتين بعد كل ركعتين، يسلِّم الإنسان بعد كل ركعتين، ثم يصلي ركعتين ويسلِّم… وهكذا ثمان ركعات، ثم يكمل بعدها صلاة الوتر، صلاة الليل ذات فضل عظيم، وشأن كبير جدًّا، ويمكن للإنسان أن يزيد غيرها، كلما زاد؛ فهو أفضل وأكثر، أعظم أجراً.
(كَمَنْ تَطَوَّعَ سَبْعِينَ لَيْلَةً فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الشُّهُور)، لاحظ الفضل والأجر الكبير والعظيم، (وَجَعَلَ لِمَنْ تَطَوَّعَ فِيهِ بِخَصْلَةٍ مِنْ خِصَالِ الخَيرِ وَالبِرِّ كَأَجْرِ مَنْ أَدَّى فَرِيضةً مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ “عَزَّ وَجَلَّ” فِيمَا سِوَاه)، يعني: رفع لمستوى قيمة الأعمال في أجرها، وفضلها، وأثرها، وبركاتها، ونتائجها؛ لترقى إلى مستوى الفرائض في ذلك كله، عظمة الأجر، والثواب، والبركة، والخير، والمنزلة عند الله.
(وَمَنْ أدَّى فَرِيضةً مِنْ فَرَائِضِ اللَّه “عَزَّ وَجَلَّ” فِيهِ، كَمَنْ أَدَّى سَبْعِينَ فَرِيضةً مِنْ فَرائِضِ اللَّه “عَزَّ وَجَلَّ” فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الشُّهُور)، الأجر مضاعف إلى سبعين ضعفاً، هذه مسألة مهمة للإنسان، نقلة كبيرة يمكن أن تتحقق للإنسان، ورصيداً هائلاً يمكن أن يحصل عليه في موسم الخير والبركات، في شهر رمضان.
فيها ليلة القدر:
لأهمية هذه الليلة، أن تهتم بشهر رمضان من أوله، تركيز منذ البداية؛ لأجل الأخذ بأسباب التوفيق لها، ليلة القدر ليلةٌ عظيمة ذات أهمية كبيرة جدًّا، يقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}، القرآن الكريم، ليلة نزول القرآن، القرآن بشأنه العظيم، بشأنه العظيم الذي فيه نجاة البشرية، خلاص البشرية، القرآن كتاب الله، وحيه، هديه، تعليماته المباركة، نزلت في ليلة القدر، {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ}، يقول المفسِّرون أنَّ الله خاطب بهذا حتى نبيه، نبيه محمداً “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه”، بما منحه الله من العلم، والمعرفة، والهداية، والنور، والزكاء، والذكاء، والفهم، والمعرفة، مدينة العلم، يقول الله له: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ}، عظمة ليلة القدر، وفضل ليلة القدر، وأهمية ليلة القدر، تفوق مستوى ما يمكن أن يتخيَّله، أو يستوعبه، أو يصل فهم الإنسان إلى استيعابه بشكلٍ كامل كل إنسان، يعني: تفوق قدرة تخيل أي إنسان، الله يقول للنبي: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ}، ليلة عظيمة الشأن جدًّا، ذات أهمية كبيرة جدًّا.
{لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}، عمر كامل، هذه الليلة أفضل قد تساوي من زمن هو استوعب عمر الإنسان، كثيرٌ من الناس قد لا يتجاوز عمره الثمانين عاماً، فليلة القدر لها أهمية عظيمة جدًّا، وتمثل نقلةً كبيرةً جدًّا لمن استثمر هذه الليلة، وفاز بها، واغتنمها، وكتب له الخير فيها، تغيِّر مجرى حياته، وتنقله نقلةً هائلة.
{لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}، نزول ملائكة الله من سماواته إلى الأرض بشكلٍ غير مسبوق، مرتبط بتدبير من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، تدبير إلهي يتعلق بواقع البشر في الأرض، في كثيرٍ من أمورهم التفصيلية المتعلِّقة بحياتهم ومستقبلهم خلال العام، تلك الليلة يقول الله عنها: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}[الدخان: الآية4]، كثير من التقدير الإلهي المتعلِّق بواقعي وواقعك وواقع كل الناس، ينزل في تلك الليلة، بما يرتبط به من ترتيبات وإجراءات وتهيئة في الأرض، يعني: ليلة مصيرية للإنسان، ليلة مصيرية لعامك القادم، ليلة متعلِّقة بحياتك، وما يُكتب لك أو عليك.
منى المؤيد