رمضان في غزة.. جوع وصمود رغم الألم في معركة الاتّفاق
رمضان في غزة.. جوع وصمود رغم الألم في معركة الاتّفاق
يمني برس ـ بقلم ـ عبدالحكيم عامر
تعيشُ غزة والضفة الغربية شهر رمضان المبارك مجدّدًا، وسط مشهد قاتم من الجوع والخوف وانعدام الأمن، بينما يراقب العالم بصمتٍ مريب، وعلى الرغم من العدوان الصهيوني المُستمرّ منذ أكثر من 512 يومًا، تواصل المقاومة الفلسطينية التمسك بالكرامة والإرادَة، مؤكّـدة للعدو أن “الوقت ينفد” وأن الأسرى لن يعودوا إلا في إطار صفقة شاملة.
بينما يواصل الاحتلال الإسرائيلي تدمير غزة والضفة، مستبدلاً التصعيد العسكري في القطاع بحصار نكث للاتّفاق، وبعمليات إجرامية موسَّعة في الضفة الغربية، في انتهاك صارخ لوقف إطلاق النار، وكل الاتّفاقات الموقّعة يطالب الكيان حماس بتنازلات إضافية، متجاهلًا كُـلّ خروقاته، وفي الوقت ذاته، يسعى الاحتلال إلى إخلاء ثلاث مخيمات شمالي الضفة ووقف أنشطة “الأونروا”، ضمن مخطّط يستهدف تصفية القضية الفلسطينية بشكل ممنهج، عبر توسيع الاستيطان وفرض واقع جديد يهدّد بضم الضفة وتهجير سكان غزة.
وشهدت الأيّام الماضية تطورًا بارزًا في ملف تبادل الأسرى، حَيثُ أُجبر الاحتلال على الإفراج عن عدد من المعتقلين المحكومين بالمؤبد؛ ما جعل المرحلة الثانية من الصفقة أكثر حساسية وتعقيدًا، وبينما يحاول الاحتلال، بدعم أمريكي، المناورة والالتفاف على الاتّفاق، يبقى التحدي الأكبر متمثلًا في إدارة المراحل القادمة بما يحقّق أقصى المكاسب للمقاومة.
وفي ظل حالة التوتر المتصاعدة بين المقاومة والاحتلال، يرى المراقبون أن الوضع قد ينزلق إلى تصعيد ميداني خطير، خَاصَّة مع استمرار المقاومة في استغلال ورقة الأسرى الصهاينة للضغط على حكومة نتنياهو، ودفعها نحو تقديم تنازلات على طاولة التفاوض.
وفي هذا الإطار؛ نشرت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، مساء السبت، فيديو جديدًا لأسرى صهاينة، بعنوان: “أخرجوا الجميع ولا تفرّقوا بين العائلات.. لا تدمّـروا حياتنا جميعًا”.
وظهر في الفيديو الأسير “إيتان هورن” وهو يودّع شقيقه “يائير” الذي أفرجت الكتائب عنه من الأسر سابقًا، فيما بقي هو في أسر المقاومة بانتظار إنجاز مراحل اتّفاق وقف إطلاق النار مع المقاومة الفلسطينية.
ولم يتأخر تأثيرُ هذا الفيديو في الشارع الإسرائيلي، حَيثُ خرج المستوطنون في غضون ساعة إلى شوارع “تل أبيب” والداخل المحتلّ، في مظاهراتٍ واسعة تطالب حكومة نتنياهو بإتمام الصفقة بشكل كامل، في إشارة واضحة إلى تصاعد الضغوط الداخلية على الاحتلال.
ومع انتهاء المرحلة الأولى من الاتّفاق، يحاول الاحتلال التلاعب بالمفاوضات من خلال طرح شروط جديدة، أبرزها تسليم مزيد من الأسرى الأحياء والجثامين مقابل تمديد التهدئة، وهو ما رفضته المقاومة، مؤكّـدة ضرورة التزام الاحتلال بالاتّفاق والانتقال للمرحلة الثانية دون مماطلة.
ويرى مراقبون أن حكومة الاحتلال تتبع تكتيكاً معروفاً، يتمثل في الإيحاء بتحقيق تقدم في المفاوضات بينما تعمل في الخفاء على عرقلة التنفيذ، وهو ما يظهر في تراجعها عن الانسحاب من “محور صلاح الدين”، رغم كونه بنداً أَسَاسيًّا في الاتّفاق، والمقاومة، بدورها، تدرك هذه المناورات وتؤكّـد استعدادَها لأي سيناريو، بما في ذلك استئناف العمليات العسكرية إذَا استمر الاحتلال في التلاعب بشروط الصفقة.
المقاومة تفرض قواعدها والاحتلال أمام مأزق استراتيجي، ومع تزايد الضغوط على حكومة الاحتلال من عائلات الأسرى والمجتمع الصهيوني، تزداد فرصُ تحقيق المقاومة مكاسب إضافية. فالاحتلال جرّب استراتيجية الحرب الشاملة لمدة 15 شهراً، ولم يجنِ سوى الفشل والخسائر الأكبر في تاريخه، في ظل مقاومة مُستمرّة استطاعت أن تُنهك الجيش الصهيوني وتفرض معادلات جديدة.
وفي الأخير، تطرح المرحلة الثانية من الاتّفاق في غزة تحديات كبيرة على جميع الأطراف، فبينما تمكّنت المقاومة الفلسطينية من تعزيز موقعها، يواجه نتنياهو تحديات عسكرية وسياسية ودولية قد تعيد تشكيل المشهد الإسرائيلي، وفي هذا السياق، تبقى الأوراق المؤجلة من الزيارة الأمريكية عاملاً مهمًّا، لكنها قد لا تكون كافية لتحقيق الاستقرار.
وفي الوقت الذي تسعى فيه حكومة نتنياهو إلى إطالة أمد الحرب والتهرب من الالتزامات، فإن المقاومة تظل متأهبة، مدركة أن معركة الإرادَة مُستمرّة، وأن الوقت ليس في صالح الاحتلال؛ فمع تصاعد التظاهرات داخل الكيان، واستمرار العمليات البطولية في الضفة، تبدو المعادلةُ واضحة “غزة لن تستسلم، والمقاومة لن تتراجع، والمواجهة لم تنتهِ بعد”.